رواية انت عمري الفصل السابع والعشرون27 بقلم امل مصطفي


 رواية انت عمري الفصل السابع والعشرون27 بقلم امل مصطفي

انتفضت عشق بفزع عندما سمعت صوت طلقة نارية، وهمست برعب:
– أدهم!

كان أدهم محاطًا برجاله الذين التفوا حوله، فصرخ بهم بغضب:
– بتعملوا إيه!؟ عشق أهم، ابعدوا عنها... ابعدوا!

ابتعدوا قليلًا، وكان خالد بينهم. أسرع أدهم نحو عشق ليتفقد حالها.
ركضت إليه بخوف، وارتمت في حضنه وهي تبكي:
– إنت كويس؟ فيك حاجة؟ ردّ عليّا!
– أنا بخير... كنت جاي أطمن عليكي.

تنهدت براحة:
– أنا بخير، بس خفت لما سمعت صوت الطلق والصريخ... جت في بالي على طول.

تقدّم سيد معتذرًا:
– ده شاب، مسدس الأفراح علّق معاه، والطلقة جت في صاحبه... بس خير، جت في رجله وراح المستشفى.

قال أدهم بلطف:
– يلا نروح؟ ولا عايزة تقعدي شوية؟

– براحتك... كتب الكتاب تم، والحمد لله على خير.

جذب يدها بحنان:
– طب يلا...

وقبل أن تتحرك، سمعت ندى تنادي لتسلم عليها قبل ذهابها.
أخذها أدهم بيدها وتوجها نحو السيارة.

اقترب هاني وعامر، لكن أدهم رفض:
– لا، خليكم، أنا هاخد العربية وأروح.

هاني برجاء:
– طب حد يكون مع سيادتك؟

– يا هاني، لو حصل حاجة هرن عليكم.

ركب السيارة، وعشق إلى جواره. وفي الطريق، جذبها إلى حضنه.
– خوفتِ عليّا؟

اقتربت منه أكثر وهمست:
– لو ما خفتش عليك، أخاف على مين؟ أنا  بقي ليا عيلة بتحبني وبتخاف عليّا... بس حقيقي، إنت كل عيلتي وحياتي، وماقدرش أكمل فيها من غيرك.

انحنى يقبّل رأسها وقال بموافقة:
– وأنا زيك... كملت بيكي، ومن غيرك مافيش حياة. إنتِ ليا كل الحياة.

تحدثت بدلال:
– هو ينفع... يعني لو مش هيضايقك... ننزل على البحر ونأكل درة؟

نظر لها دون كلام، ففهمت صمته رفض علّقت بخجل:
– طيب خلاص، أنا عارفة إن عمرك ما قعدت في أماكن من دي...

مرر أنامله على ظهر يدها وهو يقول:
– أنا أعمل أي حاجة تسعدك يا عشق، وهاجرب معاكي كل حاجة حرمت نفسي منها.

بعد وقت قصير، توقف على جانب الطريق،

 أخذ يدها ومرّا سويًا حتى وصلا إلى الممشي .
وقف أمام بائع الذرة، وطلب اثنين. ناولها واحدة، فأخذتها بسعادة، وجلسا على كرسي خرساني.

لمح أدهم طفلًا يحدق في أحد الباعة المتجولين بنظرة حرمان.

– ناداه اقترب الطفل بخوف ظاهر عليه.

 سأله أدهم بلطف:
– إنت جعان؟

– آه...

– طيب روح خد اللي إنت عايزه، وأنا هأحاسب.

– الطفل برعشه  مش راضي... تعال قوله إنت أنا طلبت منه يديني سندوتش ليّا ولصاحبي ورفض 

دمعت عينا عشق.
وقف أدهم دون تردد وتوجه للبائع:
– اعمل كل اللي يطلبوه هو وصاحبه.

اعترض البائع وحدثه علي سبيل النصح :
– يا بيه، دول عيال زي الجراد، بياكلوا و مبيشبعوش، ومش عايزين يدفعوا! سيبك منهم 

– لو مش عايز تبيع، نشوف غيرك، بس ماتدخلش في اللي مالكش فيه!

– اللي تشوفه، إنت حر...

أدهم للطفل:
– نادي صاحبك وتعال خد الأكل.

ناول الطفل ورقة بمئة جنيه:
– خد، ولو عايز عصير ولا مية، هات. أنا ثواني وراجع.

عاد لأجل عشق، وقال:
– تعالي نجيب هدوم للطفل وصاحبه... أنا بردت من شكله.

– حاضر...

ركبت جواره، تشعر بدفء وحنانه
عاد أدهم وجد الطفلين كما تركهما، ركضا نحوه و كأن الطعام الذي نزل معدتهم  ردّ إليهما الروح.

– ادخلوا العربية...

ثم أردف:
– كل واحد فيكم ليه شنطة... خدوها و بدلوا هدومكم، ماشي؟

– شكراً يا عمو...

– العفو... خدوا الفلوس دي معاكم، ولو حبيتوا تجيبوا حاجة...

 وأول وآخر مرة تركبوا عربية مع حد غريب، مفهوم؟

– إحنا مش بنركب مع حد... بس أنا حسّيت فيك الطيبة والشهامة، وده السبب اللي خلاني أركب معاك.

ابتسم له أدهم بإعجاب، ثم أخرج كارت و ناوله له مع بعض المال.

– طب يا لمَض، ده الكارت بتاعي، لو احتجتوا حاجة في أي وقت، أنا معاكم.

---
في غرفه فهد 

صباح الخير يا حبيبي...

رد عليها بابتسامته:
– صباح الجمال على قلب حبيبك.

اقتربت منه ماسة وهي تحتضنه:
– كنت عايزة أكلّمك في موضوع... بس مش عايزاك تغضب عليّا.

– أغضب عليكي ليه؟

رطّبت شفتها من التوتر:
– كنت عايزة أروح أكشف... أشوف ليه ما فيش حمل؟ إحنا متجوزين من أربع شهور بس...

– خايفة يكون عندك مشكلة؟

جذب يدها و أجلسها على قدمه:
– إيه؟ إنتي زهقتي مني خلاص؟ وعايزة تتلبّخي في العيال!

نظرت له بعشق ورفض:
– عمري ما زهقت منك، بس كنت عايزة أفرّحك بطفل يشيل اسمك... وإنت كبير العيلة.

هتف برضا:
– دي حاجه بتاعة ربنا... وبعدين، الناس بتدور على الحمل بعد سنة، مش بعد شهرين. أنا حبيت فيكي الزوجة البشوشة... مش حابب الوش النكدي ده. ها، هتزعّلي جوزك قبل ما يمشي؟

ماسة وهي تحتضنه:
– حياتي فدى حبيبي كله... إلا زعلك، أبدًا.

احتضنها بحنان و قبّل جبينها:
– يلا عشان نفطر...

– يلا...

---

في الكباريه...

– شهاب الباشا عايزك جوه المكتب.

طرق شهاب الباب و دلف:
– أوامرك يا باشا؟

أشار له:
– تعال اقعد يا شهاب... عايزك.

– أنا تحت أمرك، لو عايز لبن العصفور أجيبه تحت رجليك!

أشعل الرجل سيجارة، وقال بلهجة صارمة:
– أنا عايز ابنك!

رفع شهاب حاجبه بدهشة:
– ابني؟ ابني مين؟

– خالد... عايزه يشتغل معايا. الواد عاجبني، راجل وقلبه جامد، وفيّ... ضحّى بنفسه علشان يحمي صاحبه، وده مش موجود في رجالتي. أنت عارف، لو حد دفع لهم أكتر

، يبيعوني في لحظة. بس اللي زي ابنك... يضحّي بنفسه علشان غيره، لأنه حاسس بالمسؤولية.

هتف شهاب بضيق وغيرة:
– بس للأسف، يا باشا، ابني طالع زي أمه... نزيه وعنده مبادئ، ومش هيمشي في شغلنا ده ولا يقبله. و الباشا بتاعه مدلّعه ومش ممكن يسيبه.

ردّ الرجل بتفكير ثعباني:
– خلاص، نخلي الباشا بتاعه هو اللي يطرده بفضيحة...

فرك شهاب رأسه:
– بس إزاي؟ وهو مش قابلني...

– إزاي؟ دي سيبها بعدين...

******

احتضن يدها بيده وهما يتمشيان على الشاطئ، والنسيم يداعب وجهيهما بلطف.

قالت عشق وهي تقترب منه بدلال:
– حبيبي الحنين، أبو قلب كبير... أنا مبسوطة جدًا جدًا وفخورة بيك! شوفت نظرة الرضا والامتنان، والبسمة البريئة دي؟ عند ربنا لها حاجة كبيرة جدًا.

جذبها إليه أكثر وهو يحتضنها قائلاً:
– أنتِ أستاذتي وقدوتي... حبي وحناني كان لأمي، لأختي، ولمراد بس.

ثم تابع بنبرة دافئة:
– من يوم ما دخلتي قلبي، وشاف قلبك الكبير اللي يساع الكون كله... حنانك وعطفك اللي بيطول أي حد تعرفيه، عرف قلبي إن السعادة الكاملة هي في إسعاد الغير، مش النفس بس.

ابتسم وهو يضيف:
– لما بشوفك وأنتِ فرحانة إن حد ابتسم في وشّك، بعشقك أكتر... بتمنّى أكون زيك وأسعد الكون كله، وأساعد أي حد محتاج وجه في طريقي.

ضمّها إليه بقوة وهمس بحنان:
– ربنا يخليكي في حياتي نور وفرحة...

 ويخليك ليا، يا حبيبي.

أكملت عشق كلامها، وما زال هو يحتويها بين ذراعيه:
– الجو جميل جدًا... أنا وإنت، والليل، والبحر... وكل فين وفين لما نقابل ناس.

خلعت حذاءها وانحنت لتحمله، بينما تابع هو ما تفعله بتعجب:
– بتعملي إيه؟

أجابته بابتسامة طفولية:
– عايزة أحط رجلي في الميه.

هتف معترضًا:
– لأ، الجو برد، هتتعبي!

اقتربت من الماء وقالت بإصرار طفولي:
– طب سيبني أحط صباعي... لو برد، مش هبل رجلي كلها.

وافق، وهو يمد يده نحوها:
– طيب، هاتي الشوز بتاعك.

شهقت عشق بخجل ورفضت:
– لا طبعًا! عيب... تشيل الشوز بتاعي؟

هتف بضيق:
– اسمعي الكلام، أول مرة أحسّك عنيدة!

ردّت بتوضيح:
– أنا مش عنيدة، بس مكسوفة منك... إزاي أعمل كده؟

قال ضاحكًا وهو يكرر اسمها:
– عااااشق...

ثم تابع مستسلمًا:
– حاضر، حاضر... اتفضلي.

ناولته الحذاء واقتربت من الماء، وضعت قدمها فيه، ثم نظرت إليه وضحكت بسعادة. ابتسم لها بحب، لكن تلك الخبيثة فجأة رفعت الماء بيدها قذفته به.

نظر لها أدهم بذهول وصدمة، لم يتوقع منها تلك الجرأة. صرخ بصوت مصدوم:
– عااااشق! إنتِ قد الحركة دي؟!

ضحكت عشق بصوت عالٍ وردّت:
– آه! وكررت فعلتها مرة أخرى، ثم ركضت مبتعدة عن غضبه.

ترك حذاءها على الأرض، خلع حذاءه هو الآخر، ثم قذف جاكيت بدلته فوقهم وركض خلفها. كانت تضحك وهي تنظر خلفها، وحين رأته يقترب، صرخت وبدأت تركض بسرعة أكبر. لكنه لحق بها، ووجدت نفسها فجأة بين أحضانه.

قالت وهي تلهث من الركض:
– خلاص، آسفة... آسفة والله! آخر مرة!

مرّر عينيه عليها بخبث وهو مستمتع بما يحدث. فقد كسرت له دائرة الروتين اليومي، وحياة رجل الأعمال الصارمة. أعادت له شبابه المسلوب في دنيا المال والأعمال، وجعلته يستقبل الحياة بصدر رحب، لا يهمه نظرات الناس.

يعيش مشاعره بلا قيود.

حملها وهو ينوي قذفها في الماء، فصرخت وهي تضحك:
– حبيبي، آسفة والله... كنت بهزر معاك!

لم يتراجع، وما زال يتوجه بها نحو الماء، فقبلته على وجنته وقالت متوسلة:
– حقك عليّا... سامحني! كده هابرد بجد!

توقف عن السير، أنزلها على الأرض، وسألها بنبرة نصف مازحة:
– آخر مرة؟

تحدثت عشق بمرح، وهي تغمز له بدلال:
– آه...

ابتسم أدهم بخبث، ثم قال بصوت هادئ، كلماته لا تُشبه فعله:
– خلاص... آخر مرة.

وفجأة، قذفها بالماء وهو يهتف ضاحكًا:
– وأنا كمان... آخر مرة!
أدهم الشهاوي ما بيسيبش حقه.

شهقت عشق من المفاجأة، لقد اطمأنت له وصدقته... لكن، كان الفارق كبيرًا بين يده ويدها، فقد غرق وجهها وصدر فستانها تمامًا.

جلست على الرمال، غير قادرة على تمالك نفسها من شدة الضحك، بينما جلس هو بجوارها، وجذبها إليه ليشاركها الضحك هو الآخر.

---

عندما دخلا الفيلا، صُدمت غادة من هيئتهما، وهتفت بذهول:
– إنتوا كنتوا فين يا ولاد؟ هو كتب كتاب ولا مهرجان ألوان؟!

اقترب أدهم منها بابتسامة واسعة، وهو يشير إلى عشق قائلاً:
– البنت دي خطر على حياة ابنك يا أمي.

هزّت غادة رأسها نافية، وردّت بحنان:
– عشق وخطر؟ دي بلسم يا ابني.

اقترب منها أدهم بنبرة غير راضية وهو يشرح ما حدث:
– أنتِ عارفة يا أمي كنت فين الوقت ده؟ وبعمل إيه؟
ابنك جري حافي على الشط، واترش ميّه!
حضرتك متخيلة؟! الهيبة ضاعت!

ضحكت غادة من قلبها، وقالت ساخرة:
– هيبة إيه يا بني؟ عيش حياتك وما تدورش على حد... العمر بنتعيشه مرة واحدة!

ربنا يسعدكم يا رب... يلا اطلعوا غيروا هدومكم بدل ما تاخدوا برد.

---

عند مراد

هتف مراد بإحباط، وهو يستمع وأدهم يقص عليه ما فعله مع عشق الليلة الماضية:
– بقي يا عم، إنت عايش في العسل، وأنا مش عارف آخد مراتي مشوار؟!

أنا وصلت قدام باب النادي !

ضحك أدهم بقوة، ثم صاح مستنكرًا:
– أنا اللي بحسدك يا مراد! وكلامك ده إيه؟

مراد بمزاح 
قرّ يا عم، سلام... خليني أشوف مزّتي!

---

نعود بالزمن عشر دقائق قبل دخول مراد من الباب...

كانت روان تجلس على طاولتهم في النادي، تنتظر مراد الذي طلب منها أن تنتظره لتناول الغداء سويًا. جلست شاردة، تفكر في حياتها الجميلة معه... حتى وجدته، آخر شخص تتمنى رؤيته، يجلس أمامها دون استئذان.

توترت من وجوده وهي وحيدة، ليبدأ هو بكلمات مهزوزة:
– وحشتيني... وحشتيني جدًا يا روان.

أنا عارف إني ندل، و إنك خسارة فيه، بس حقيقي... أنا بحبك، وبحبك قوي كمان.

... بعد الحادثه حسيت بخوف، معرفتش أتصرف.
حاولت أرجع... حاولت كتير.
عارف إني غلطان؟

ردّت بصوت مخنوق، يملؤه الغضب و الخذلان:
– لو كنت فضلت جنبي، كنت حاولت... وكنت حاربت عجزي وضعفي علشانك، علشان وجودك جنبي.

بس إنت... مش كفاية إنك كسرتني لما سيبتني بالحالة دي؟

لأ، كملت عليا لما خطبت صديقتي المقرّبة!

يعني مش دبحتني... لا، دوست على جثتي كمان!

همس بندم:
– آسف... آسف. اديني فرصة تانية.

وضع يده فوق يدها، يرجوها أن تسامحه... لكنها، لا تعلم لم نظرت في هذا الاتجاه قبل أن تبعد يده    لتقع عيناها عليه.

علي ذلك العاشق الذي يقف هناك، مذبوحًا، وحيدًا، ينزف من جرحه الغائر يتألم في صمت ودون ارادته خانته عيناه سالت دموعه .

انتفض قلبها من هول ما رأت...

 يقف على مسافة منهما، ينظر إليهما بصدمة وعدم تصديق.

سحبت يدها بفزع، لم تستوعب ما حدث، بينما هو تحرك مغادرًا دون رد فعل.

ماذا يفعل؟! هو الدخيل الآن.

لم يكن الحب يومًا يُفرض غصبًا...

تركها برضاه، لا يريدها أن ترى ضعفه.

ركب سيارته، ودموعه تسيل من شدة ألم قلبه.
لم يفكر يومًا أنه سيوضع بهذا الموقف... على يدها.

---

حين رأت نظرته وهيئته، أيقنت أنه قد يفعل شيئًا بنفسه.
ركضت خلفه وهي تناديه، لكنه لم يتوقف.

جلست على الأرض تبكي بحرقة، واتصلت به مرارًا، لكنه لم يُجب.

خرج بعدها، وجدها جالسة على الأرض، تبكي بانهيار.

جلس جوارها، وهمس بحزن:
– متبكيش يا روان...

نظرت له باشمئزاز، وهتفت بحدّة:
– أبعد عني أحسن لك!

ثم انفجرت باكية، وهي ترفع يديها إلى السماء:
– منك لله! مش مكفيك خربت حياتي زمان، جاي تخربها النهارده كمان؟!

أنت عارف؟! لو خسرت مراد، هقتلك بإيدي!

أنا ما صدقت... ربنا عوضني براجل زيه!
سند وحماية، وسر بسمتي!

سألها بصوت متهدج:
– روان... إنتِ حبتيه؟

أجابت بسخرية مريرة:
– لو ما حبيتش مراد، مين ممكن يتحب؟!

وقف وهو ينظر إليها بندم، ثم استدار، وتركها.

*********

جلس "أدهم" يراجع تلك الملفات المكدسة أمامه، بينما صورة "عشق" تلوح في مخيلته وتداعب مشاعره. كان يود أن يترك كل شيء خلفه ويهرب إلى دنياها، تلك الدنيا التي تجعله يشعر كأنه شخص آخر.

رنّ هاتفه فجأة، كان الرقم لروان.
أجاب مبتسمًا، لكن ابتسامته تلاشت ما إن سمع بكاءها، فوقف من مكانه بقلق وهو يهتف:
– مالك يا روان؟! مراد ماله؟
– اهدِي كده، وإنتي بتكلميني... إزاي ده حصل؟! طيب، اقفلي دلوقتي.

أغلق الهاتف، ثم أسرع بالاتصال بصديقه مراد، مرارًا، لكنه لم يتلقَ أي رد. كان يعلم جيدًا المكان الوحيد الذي قد يلجأ إليه مراد في تلك الحالة... المقابر.

قاد سيارته بسرعة جنونية حتى وصل، ووجد الباب مفتوحًا.
دخل وهو يعلم تمامًا ما قد يراه، وها هو مراد، عيونه دامية من كثرة البكاء، يجلس أمام قبر أحمد، منكسرًا.

جلس "أدهم" إلى جواره، واحتضنه بقوة، ثم قال بصوت متهدّج:
– ليه ما جيتش ورميت تعبك في حضني؟ ليه بعدت؟
– لأنها أختك، ومالهاش غيرك!

– وأنت صاحبي وأخويا، وقلتلك قبل كده... أنتوا الاتنين حتّة مني.

تمسّك "مراد" بصديقه وبكى بمرارة:
– لسه بتحبه يا أدهم... روان ما حبتنيش... لسه وائل جواها. أنا بموت يا أدهم، مش قادر أتحمّل.

نظر إليه أدهم بخوف، وقال:
– بعد الشر عليك يا حبيبي. والله بتحبك، و منهارة من الخوف عليك لتعمل في نفسك حاجة. كلمتني، وكل همها إن الحقك.

تنهد مراد بوجع:
– حسيت نفس إحساس أحمد... اتمنّيت الموت. الألم أقوى من احتمالي. مش مصدق إن الطعنة تيجي منها هي!
– هي وافقت عليا شفقة، مش حب!

وما إن أنهى جملته، حتى جاء صوت "روان" من الخلف، وقد جلست بجواره تبكي:
– لا... حب، وحب كبير كمان!

مسح مراد دموعه سريعًا حتى لا ترى انهياره، لكنها تابعت بألم:
– آسفة يا حبيبي، إن كنت سبب دموعك دي... بس والله لو كنت صبرت لحظة، كنت شُفتني وأنا بضربه بالقلم!

وقف أدهم، وترك لهما مساحة للتصالح، ثم خرج وهو على يقين أن حبّهما سيجمع شتاتهما من جديد.

تمتم مراد بصوت مرتعش:
– أنا تعبان قوي يا روان... الألم فوق احتمالي. كنت أتوقع الغدر من كل الناس، وكنت هقدر أتحمّله، إلا منك إنتي. الضربة منك بتموّت!

– إحساس صعب قوي إنك تعيش عمرك كله علشان شخص، وفي الآخر تكتشف إنك ولا حاجة عنده...

كان يتحدث وهو يشيح بوجهه بعيدًا عنها، لكنها رفعت يدها بلطف، و أجبرته أن ينظر إليها، ثم همست:
– أنا بحبك، وعمري ما هاحب غيرك. حتى لو إنت مش شايف، ... هافضل أحبك.  قلبي ده  ملكك، ولو فضلت العمر كله، هقضيه علشان أثبتلك حبي... لحد ما تقتنع!

أسند رأسه على شاهد القبر خلفه، وتمتم بيأس:
– يا ريت كنت فقدت بصري قبل ما أشوف المنظر ده!

رفعت يده و قبّلتها وهي تبكي:
– بعد الشر عليك يا حبيبي، أوعى تقول كده تاني!

لكنه سحب يده منها وهمس برجاء:
– أرجوكي، سيبيني لوحدي... مافيش حد ولا حاجة تقدر تخفف ألمي ده غير الموت.

وقفت وهي تهتف  بقهر:
– يبقى أنا اللي لازم أموت، و أريحك مني خالص يا مراد!
– إنت فعلًا خسارة فيه.

ثم أكملت، وقبل أن تغادر، قالت بصوت مخنوق:
– بس قبل ما أمشي، أحب أقولك... إنك الوحيد اللي في قلبي، وإن علاقتي بوائل عمرها ما كانت حب!

ركضت بعدها وهي تمسح دموعها التي حجبت عنها الرؤية، فوقف مراد من مكانه وقد ارتجف قلبه من كلماتها، وركض خلفها صارخًا:
– روااااان... لا، لا!!

التفتت إليه وهي تتراجع إلى الخلف دون أن تنتبه لتلك السيارة المسرعة القادمة نحوهما...

– مراد (بصراخ): رواااااااااان!!! 

تعليقات



<>