
رواية انت عمري الفصل الثالث عشر13 بقلم امل مصطفي
للدرجة دي بتحبيه؟ تورّد وجهها بحمرة الخجل.
بابتسامة أكمل:
– إجابتك وصلت خلاص، وأنا مبسوط جدًا عشانك. أدهم راجل وفخر لكل إنسان يدخل حياته.
تحدثت بخجل:
– أنا خلقت علشان أحبه... الأمان والراحة عندي هو وبس. ربنا عوّضني بيه عن الحرمان اللي عشته قبل ما أقابله.
تحدث فهد بشرود:
– يا بخته... أنا مش بثق في حاجة اسمها حب، لأنه بيضعف الراجل، وفي عرفنا عيب وعيب.
تفهمت ما يقوله، لكنها أردفت:
– الحب عمره ما كان ضعف، بالعكس... الحب قوة، يخليك تواجه الدنيا كلها علشان تحافظ على حبك وتعيش من غير خوف. بيخليك تملك الدنيا، حتى لو مش معاك جنيه في جيبك. مشاعر الحب أجمل إحساس، وربنا خلقه للراجل والست.
أقول لك سر؟... ما فيش حد يعرفه، ولا حتى أدهم.
نظر لها باهتمام:
– أنا سامعك.
تحدثت بخجل:
– أنا بحب أدهم من أربع سنين.
تحدث باستغراب:
– مش إنتِ بتقولي أول مرة تتقابلوا من ثلاث شهور؟
قالت بعشق مؤكد:
– آه، دي المقابلة الحقيقية، لكن هو ما يعرفش إني بحبه من قبلها بثلاث سنين، وتمانية شهور، وأسبوع، و12 ساعة، و35 دقيقة.
قال فهد بصدمة:
– إنتِ حسباهم باليوم والساعة؟
هزت رأسها بتأكيد:
– آه، ده يعتبر يوم مولدي الجديد. كان هو فارس أحلامي لمدة ثلاث سنين بعد وفاة أهلي.
كان يوم اشتد فيه الخوف والقلق، سجدت وطلبت من ربنا الأمان، وفي نفس اليوم ظهر هو ليا في أحلامي.
بقى هو سبب أماني، ويوم ما كنت بهرب من رجالة أمير، تمنيت إنه يكون شخص حقيقي من لحم ودم يحميني منهم، مش مجرد شخص نسجه خيالي أو وهم زار أحلامي.
وأنا تعلقت بيه... ناديته في سري، وأنا بتمنى أنام علشان يظهر ويخلصني منهم.
بس ما كنتش أتوقع إنه يتجسد قدامي فجأة، في عز احتياجي للحماية والأمان.
وقعت قدام عربيته... ونزل.
لحظة ما عيوني شافته، مش عارفة إيه حصل لي، كأن الزمن وقف بيا لوهلة.
تمنيت أقرب منه، ألمسه علشان أتأكد أنا في واقع ولا حلم.
ده مش من طبعي ولا أخلاقي، بس ما كنتش مصدقة. كأن صورته اللي في خيالي من سنين خرجت وتجسدت قدامي، بقت دم ولحم.
كان إحساس فوق الخيال... فارس أحلامي بقى قدامي إنسان حقيقي. كأن ربنا عوّضني بيه عن أهلي.
أنا حكيت كل حاجة عني... دورك بقى.
ابتسم فهد وهو يحدث نفسه:
"فيها شيء يجعل من أمامها يستسلم للحديث معها، بل يشعر بالراحة من تواجده جوارها. هل هذا شعور الجميع؟ أم هو فقط عرفان منه لفضل عمه المتوفي؟"
– أحكي إيه؟
قالت عشق:
– بتحبها من إمتى؟ وليه ما تجوّزتش لحد النهاردة؟ وأنت كبير العيلة وتقدر تتجوز أربعة.
نظر لها فهد بعدم فهم:
– هي مين دي؟
عشق بهدوء:
– البنت اللي كانت ماشية لما جت تاخدني.
"معقول؟! أخدت بالها من تلك الفتاة التي تجعل عقلي في حالة تشتت دون سبب؟ والله... تلك العشق بها شيء لله."
لكنه لم يظهر تلك المشاعر أبدًا أمام أحد، وهو يردف:
– مفيش حاجة... إنتِ بيتهيألك.
خرجت كلماتها موثقة بمشاعرها:
– نظرتك ونظرتها بتقول فيه... وفي كتير كمان.
"كيف أشعر بهذا الحرج أمام طفلة؟ ماذا حل بك يا فهد؟ لما أمامها تصبح طفلًا صغيرًا، تريد الحديث وإخراج ما بداخلك؟
تبًا... يجب عليّ الابتعاد، قبل أن تكشف تلك الملاك مشاعرك."
وقف، وهو يردف:
– لما أعرف في إيه، صدقيني... إنتِ تعرفي قبل الكل.
تصبحي على خير.
تحرك من جوارها، ذهب وهو لا يجد الرد على سؤالها.
عشق بنداء قبل أن يبتعد:
– فهد...
توقف، والتفت لها.
تحدثت بحنان:
– الحب مش عيب، ولا حرام، طول ما هو في إطار شرعي.
مش عيب نظهر مشاعرنا لحبايبنا.
صدقني، لو ما جربتش الإحساس ده، هتندم باقي عمرك.
الحب بيخلينا نطير فوق السماء، ونملك كل الكون بمشاعرنا وحبنا.
ابتسم لها... وتركها وذهب.
--
في الصباح
في غرفة "عشق"، كانت تستعد للنزول عندما اقتحمت "خلود" و"ياسمين" غرفتها فجأة.
قالت "خلود" بفرحة كبيرة:
– إنتي عملتي إيه لزين؟!
نظرت لها عشق مبتسمة:
– وإنتي عرفتي منين؟
هتفت خلود:
– جالي بالليل... وكان شكله يرعب!
نظرت لها "عشق" بذهول:
– بالليل؟! ده مجنون بقى... أنا كنت فاكرة هيستنى للصبح وبعدين يتكلم!
سألت خلود بفضول:
– هو إيه حكاية العريس اللي طالب مني أرفضه؟ لما تكلميني!
ضحكت عشق ضحكة ناعمة:
– هي حصلت؟! ده طلع مغرم!
قالت خلود بحيرة:
– يعني موضوع العريس ده مش بجد؟! أصله اتجنن خالص!
– لا طبعًا... كل الموضوع من تأليفي علشان نحرك الجبل، والغيرة دليل الحب.
–
تحدثت "ياسمين" لأول مرة:
– أنا بقولها كده ومش مصدقة!
اقتربت منها "عشق"، وضمت وجهها بين يديها بلطف:
– في ناس حبهم كده... زي القط والفار، ورغم كده، مافيش حد فيهم يقدر يبعد عن التاني لحظة.
أوقات كتير ما نعرفش نحدد مشاعرنا، وبنحتاج أي سبب يظهّرها.
وأنا عطيته السبب ده... مش أكتر. والغيرة أفضل علاج لإظهار حقيقة مشاعره.
هو كان بيحب يضايقك، بس ماكانش عارف إنك روحه... غير لما حس إنك ممكن تبعدي عنه.
شوفي... مقدرش يتحمل لحد ما النهار يطلع.
مضايقته ليكي، مشاكساته... كل ده دليل حب، بس هو ماكانش يعرف.
ولسه اللي هيحصل على الفطار... ده أنا هخليه يعترف قدام الكل!
ارتمت "خلود" في حضنها وهي تقول بانفعال:
– شكرًا... شكرًا يا أجمل أخت!
---
اجتمع الكل على الفطار كالمعتاد.
جلسوا حول الطاولة، وبينما السكون يسود، هتف الجد فجأة:
– يا يونس، في عريس متقدّم لبنتك "خلود".
ارتفعت كل العيون باهتمام، بينما هتف "يونس":
– خير يا بوي؟ وده نعرفه؟
قال الجد بهدوء وكأنه يعرفهم فقط من طرف "أدهم":
– نسيبنا بيقول رجل أعمال ومن ناس محترمة، وضامنه برقبته. وأنا شايف إن الأوان حان لارتباطها.
تبدلت ملامح "زين" في لحظة، وحدّق في "عشق"
بغضب مكتوم.
"ماذا يحدث؟ ألم تبلغه أنها تأخذ رأيه فقط ولن تُبلغ جدها؟ ماذا فعلتِ يا عشق؟! والله لن أسمح لأحد أن ينظر لها... ولو على جثتي!"
كاد "يونس" أن يرد، عندما قاطعه "زين" بانفعال:
– إزاي ده يا جدي؟! ومن ميتة بندّي بنتنا للغرباء؟!
قال محاولة للتلطيف:
– أدهم كيف ما بتقولوا... راجل زين، وأكيد مش هيجيب حد عفِش.
قال "زين" بحدّة:
– لا يا جدي، أنا مش موافق!
نظر له الجميع بتعجب، بينما تحدث "فهد" بغضب:
– كيف تتحدث كده مع جدك؟! و تعلي صوتك في وجوده؟!
أخفض "زين" وجهه بإحراج:
– آسف يا جدي... حقك عليّا. بس "خلود" ليا، ومش هتكون لحد تاني مهما حصل.
وأنا بطلب يدها منك يا عمي، وده آخر كلام عندي... ولو مش ليا، مش هتكون لحد تاني!
ثم ترك المكان بغضب، تحت صدمة الجميع، وأولهم "خلود" التي لم تصدق ما يحدث.
نظرت أمامها بذهول، وفمها متسع في حالة من الصدمة، مما جعل "عشق" تميل عليها و تهمس:
– اقفلي بقك ده... هتفضحينا! الله يخرب بيتك!
همست "خلود" بذهول:
– إنتي سمعتي اللي أنا سمعته؟!
ابتسمت "عشق" و"ياسمين"، ردّت "عشق" مؤكدة:
– آه...
التفتت لها "خلود" بكل جسدها وهي تقول بانفعال:
– و عايزاني بعد ده كله أكون طبيعية؟! ده أنا هصرخ من الفرح!
نظر الجد إلى "عشق" وهو يغمز لها، فابتسمت له بحب.
جذبتها "عشق" لتقف وتصعد معها إلى الأعلى، بصحبة "ياسمين"، قبل أن ينفلت لسانها و تفضح نفسها أمامهم.
تحركت إلى جوارها، وهي لا تزال على حالتها، تتمتم:
– أخيرًا... عشقها المستحيل اعترف!
أمام الجميع، إنها ملكه هو فقط...
دعت "خلود" لـ"عشق" من كل قلبها... فهي كانت سبب تحقيق حلمها.
---
---
في المساء...
طلب الجد رؤية "عشق"، فأبلغتها نعمة برغبته في لقائها.
نزلت عشق الدرج بسرعة متجهة إلى غرفة جدها، طرقت الباب برفق، وما إن أُذن لها بالدخول حتى قالت بقلق:
– خير يا جدي؟ ماما نعمة بتقول إن حضرتك عايزني.
أشار لها الجد كي تقترب من مكان جلوسه، وما إن وصلت حتى رفع ذراعه وجذبها لتجلس تحته، وقال بهدوء:
– عايزك تجهزي نفسك علشان تروحي مع حريم البيت تختاري شوارك.
رفعت عشق عينيها بدهشة، ثم تمتمت:
– بس أنا يا جدو متجوزة من كام شهر، والفيلا فيها كل حاجة!
رد الجد بإصرار لا يقبل النقاش:
– لا، هتروحي تجيبي كل شوارك زي كل عرايس عيلة المنشاوي... إنتِ بنت محمود المنشاوي.
– بس يا جدي...
قاطعها بتصميم:
– خلاص يا عشق، الكلام في الموضوع ده منتهي.
ثم لان صوته قليلًا وأضاف:
– زي ما أنا بسمع كلامك، تسمعي إنتِ كمان كلامي.
تذكّرت عشق حينها حديثها مع جدها في الصباح، وكيف كان مرحّبًا ومقتنعًا لأبعد الحدود...
---
فلاش باك
– صباح الخير على أجمل جد في الوجود!
ردّ الجد ضاحكًا:
– صباح النور على زينة عيلة المنشاوي وأجمل حفيدة في الوجود.
اقتربت منه وتعلّقت بعنقه بحب، وقالت:
– أنا ليا عند جدي حبيبي طلب.
قبّلها الجد وقال بحنان:
– إنتِ تأمري يا حبيبة جدك.
لم تكن تعلم كيف سيكون رد فعله، لكنها كانت تعلم أن عليها اتخاذ الخطوة. قالت بتردد:
– أنا كنت عايزة حضرتك تساعدني أوفّق راسين في الحلال...
ضحك الجد بصوت عالٍ:
– إنتِ هتشتغلي خطابة؟! إياكِ!
– آه يا جدي، وإنت تساعدني... زين بيحب خلود، بس مش عارف...
– وبعدين، تعرفيه إزاي؟
قبّلته على خده بحنان وقالت:
– بالغيرة يا جدي... الغيرة.
– وإنتِ عرفتي منين بجي؟
وضعت يدها على قلبها وهمست:
– عرفت بده يا جدي، وأنا واثقة في كلامه... علشان خاطري، خليك معايا.
ضمّها إليه بحنان، يشتم بها رائحة حبيبته الراحلة، وهمس:
– أنا موافق أكون معاكي... شوفي عايزة إيه وأنا أساعدك.
ضمت نفسها له بقوة، وهتفت بمرح:
– يا جدو... يا جامد!
---
انتهى المشهد، وعادت عشق إلى الواقع...
خرجت من تخيلها وصعدت لترى "خلود" التي لم تستوعب ما حدث حتى الآن. كانت عشق تشعر بالخوف على قلبها، فهو قد لا يتحمل هذا الخبر.
كادت تدخل عندما ارتمت خلود في حضنها للمرة التي لا تعرف عددها منذ اعتراف زين بملكيتها له، وظلت تقبّلها بجنون.
ضحكت عشق وقالت ممازحة:
– خلاص يا مجنونة! إنتي هتعملي زي أبو العربي؟! "أنا هريها بوس... يععع!"
ظلت خلود على حالها، فأبعدتها عشق وهي تضحك:
– ابعدي بقى! عرفتي إنه ما فيش في القلب غيرك يا قمر!
ضحكت خلود بمرح وردّت:
– قمر مين؟! سلامة الشوف... أنا خلود!
نظرت ياسمين وعشق لبعضهما، ثم هتفت ياسمين بمرح:
– يا سلام على المزاج العالي! وبنعرف نهزر كمان؟ بركاتك يا زين باشا!
---
على الغداء...
جلس الجميع، ما عدا زين، الذي لم يأتِ بعد.
سأل الجد بقلق:
– فين أخوك يا فهد؟
أكمل فهد طعامه وهو يردف:
– مش عارف يا جدي... واتصلت عليه كام مرة، مش بيرد.
علّق الجد وهو يزداد قلقًا:
– ضروري تخليه يرجع... وجوله بنت عمه ليه، هو أولى بيها من الغريب، وأنا ما يرضينيش زعله.
ردّ فهد باحترام:
– طلباتك أوامر يا جدي.
– ربنا يبارك لي فيك يا ولدي.
********
---
عودة زين...
عاد زين إلى الفيلا، وكانت ملامحه تعكس الضيق والانزعاج. قابلته عشق بابتسامة خفيفة وهي تقول بمزاح:
– تعيش وتاخد غيرها يا حضرة الظابط!
نظر إليها بضيق، وقال بحدة:
– عشق، ابعدي عني الساعة دي! كفاية إنك نكستي وعدك معايا، وبلغتي جدي!
ضحكت عشق، ثم بدأت تقصّ عليه ما حدث، تروي له كيف نُصِب له الفخ ليعترف بحبه ويطلب يد خلود أمام الجميع.
اتسعت عينا زين من الدهشة، غير مصدّق أن ضابطًا مثله قد وقع في شرك فتاة مثلها.
قال بدهشة وهو يضحك:
– بقي إنتِ يا زئردة تعملي كل ده فيا؟! أنا زين... اللي بيتهزّ له رجال بشنبات! والله ما يبان عليكي!
رفعت عشق كتفها بغرور، وقالت:
– "يُوضع سره في أضعف خلقه"، وبعدين إياك، ثم إياك تستخفّ بكيد الحريم... إن كيدهن عظيم.
ضحك زين بحرارة، وقال مازحًا:
– آه والله! اللي تخلي جدي بجلالة قدره يشارك في لعبة زي دي، تبقى قادرة وجبّارة!
ثم انحنى أمامها بمرح، وقال:
– ونرفع لها القبعات كمان!
انفجرت عشق ضاحكة بصوت عالٍ:
– لا يا سيدي، اشكرني لما تعيش أجمل قصة حب... سلام!
---
صعد زين إلى غرفته، أراد أن يأخذ حمامًا ويستريح من تلك الحرب الطاحنة التي أوقعته فيها عشق. ظل يلعن غباءه وهو يتذكّر كل تفصيلة.
خرج من الحمّام، مدّ جسده على السرير، وأخذ يتأمّل السقف بتنهيدة، مستغربًا من هذا الشوق الذي تسلّل إلى قلبه من غياب يومٍ واحد.
هل كان تعمّده إغاظتها حبًا؟ أم أنه كان يهرب من مشاعره الحقيقية؟
---
في المساء...
اجتمع الجميع في جلسة عائلية يتبادلون الأحاديث المختلفة، حين دخل زين وألقى التحية:
– مساء الخير.
ردّ الجميع السلام، فنادته والدته للجلوس بجوارها، لكنه تقدّم أولًا من جده، وانحنى ليقبّل يده باحترام.
قال معتذرًا:
– آسف يا جدي على طريقتي الصبح.
ربّت الجد على رأسه بحنان وهو يقول:
– أنا عاذرك يا ولدي.
في هذه الأثناء، رنّ هاتف فهد، فوقف وتوجّه خارجًا ليجيب بحرية أكبر.
---
التقت عينا زين بعشق، التي كانت تحاول كتم ضحكتها بشدة. رفع يده بخفة وكأنه يستحلفها بالصمت، فما كان منها إلا أن وقفت وقالت:
– بعد إذنك يا جدي، طالعة غرفتي، عندي حاجات هعملها قبل ما أنام مع ماما نعمة.
أشار لها الجد بالموافقة:
– اطلعي يا حبيبتي، خدي راحتك.
صعدت عشق غرفتها، تضحك في سرّها على نجاتها من "براثن" زين.
نظرت إلى دولابها، وتحدّثت إليه ممازحة:
– يا ترى، انت جامد وتتحمّل لو مسكت فيك؟ ولا توقعني؟! لازم أطلع كل الحاجات دي فوق.
---
عند البوابة...
وقف فهد أمام البوابة الرئيسية، ليجد أدهم يقترب منه بابتسامة واسعة، مشتعلة بالشوق الذي راوده منذ غياب عشق.
اقترب أدهم بشوق، وكأنّه يتوق لضمّها كي يطفئ نار الفراق التي أحرقت روحه.
قال فهد بترحيب:
– نورت يا أدهم.
صافحه أدهم وهو يبتسم:
– ده نورك يا فهد! أخبارك إيه؟ وأخبار الناس اللي عندك؟
قال فهد بخبث:
– أهلي؟ ولا حد تاني؟
ضحك أدهم وأجاب بمكر:
– أكيد فاهم... أخوك يقصد مين.
أشار له فهد بالدخول، ثم رفع صوته قليلًا قائلًا:
– ادخل يا أدهم، نورتنا!
تقدّم أدهم بتحمحم وهو يخفض رأسه خجلًا، سلّم على الجميع، وعيونه تبحث عن عشق، دواء قلبه الذي لم يهدأ.
مال فهد على أذنه وهمس:
– مش هنا... ما تدوّرش كتير.
نظر له أدهم متسائلًا:
– يعني الكل هنا... هي فين؟
تدخّلت نعمة قائلة:
– اطلعي يا خلود، نادي عشق.
لكن فهد تدخّل سريعًا:
– لا يا خلود، خليكِ... أدهم جاي تعبان، وأكيد محتاج يرتاح من السفر.
ثم التفت إليه وقال:
– تعال، أوصّلك غرفة عشق.
نظر له أدهم بامتنان، فهو لا يريد غيرها في تلك اللحظة.
توجّه إلى الجد واستأذنه بأدب:
– أطلع أرتاح ساعة من الطريق، وأنزل تاني.
أجابه الجد بلطف:
– براحتك يا ولدي، البيت بيتك.
صعد فهد مع أدهم وسط نظرات استغراب من الجميع، بسبب معاملته المريحة لأدهم بشكل يفوق تعامله مع أولاد عمومته وأخيه.
وقف فهد أمام الباب، وأشار إليه:
– هبعت لك حد من الخدم بالأكل... ارتاح، وبكرا أشوفك.
قال أدهم بإمتنان:
– شكراً ليك يا فهد، أنا فعلاً تعبان جدًا... صاحي من بدري، وخرجت من الشغل وسافرت ساعات طويلة... تصبح على خير.
– وأنت من أهل الخير.
---
عند باب الغرفة...
وقف أدهم ينظر إلى الباب، وقلبه يكاد يتوقّف من شدة الخفقان.
طرق برفق.
في الداخل، كانت عشق تقف على كرسي وضعته فوق "الكومودينو"، تحاول الوصول إلى ظهر الدولاب.
سمعت الطرق، فقالت بصوت عالٍ:
– ادخل!
فتح أدهم الباب بهدوء، وكأنه يفتح أبواب الجنة، وقلبه يرقص بين ضلوعه من سماع صوتها.
من كان يصدّق أن يومًا كهذا سيأتي، يعيش فيه تلك المشاعر؟
لو أخبره أحد بذلك من قبل، لنعته بالجنون!
رفع عينيه، فرآها تعطيه ظهرها، ترتدي "سلبت" أسود بكاب، وشعرها منسدل بطريقة ساحرة. ظل يتأملها بشغف، يتمنّى لو يدمجها بروحه، فتصبح جزءًا لا يتجزأ منه.
التفتت لترى من الزائر، فاهتز الكرسي تحتها، وصرخت وهي تسقط...
لكنها لم تصل إلى الأرض، فقد وجدت نفسها بين أحضان أدهم...
ذلك الخبيث، الذي ابتسم لها بشوق ولهفة، وكأنها أجمل مفاجأة في الوجود.
كأنّ لسانه كان سجينًا لسنوات، وها هو قد أُطلق ليغني لها:
– وحشتيني... وحشتيني جدًا... يا عمري.
****
---
"أنتِ عمري" — بقلم: أمل مصطفى
نظر إليها بعينين تفيض بالشوق، صوته مبحوح كأن الكلمات تنزف من أعماقه:
– "متعرفيش الأيام دي عدّت عليا إزاي... أنا كنت بموت من شوقي ليكي! الحياة ماكانش ليها طعم ولا لون من غير وجودك."
لم تمنحه فرصة للبوح أكثر، فقد كانت تشعر بكل ما يحس به... وهي بين أحضان حلمها الذي انتظرته عمرًا. لم تُجبه، فقط سكنت صدره، كأنها تعيد ترتيب نبضاته بصمت.
أسر شفتيها في قبلة شوق، حملت عبق حب قديم وجميل... أراد أن يسحقها بين ضلوعه، همس بشغف:
– "وحشتيني... وحشتيني أوي."
حينها فقط، استوعبت ما يحدث، فتعلقت أكثر بعنقه وهمست بصوت مرتعش بالعشق:
– "وأنت كمان... وحشتني قوي، قوي يا أدهم."
مرر يده برقة على خصلات شعرها التي انسدلت على ظهرها، وقال بعشق:
– "آه... لو تعرفي بحبك قد إيه، يا عشق... أنتي عمري الجميل، العمر اللي كنت حاطط بيني وبينه حيطان وجسور... كنت خايف على قلبي من لحظة ضعف، بس دلوقتي عرفت إن الإحساس ده هو أجمل حاجة ممكن أعيشها."
صمت لحظة، ثم تابع بنبرة يملؤها الرجاء:
– "أنا بعيش روعة الإحساس ده معاكي... وبتمنى مخرجش منه أبدًا."
بادلت مشاعره بشغف مماثل، وكأنهما انفصلا عن العالم؛ هو تذوّق حلاوة قربها، ونسي كل ما حوله. لم يعد يفكر في شيء سوى امتلاكها... أن تكون له وحده، في كل لحظة.
حملها برفق ووضعها على الفراش، ينهل من عبقها، يروي نيران شوقه المشتعلة داخله. لم يتبقَ الكثير لتصبح زوجته... لكنّه، رغم اشتياقه، استطاع السيطرة على رغبته بها. ابتعد عنها قليلاً، وما زال يحتضنها بشغف.
وضعت رأسها على صدره، تستمع لأنفاسه المتسارعة، وتسمع دقات قلبه الصاخبة. وفي رأسها سؤال واحد ظل يطاردها بصمت:
"لِمَ لم يُكمل زواجنا حتى الآن؟"
تمنّت أن تسأله، لكنها خجلت... خافت أن تبدو في عينيه سيئة الخُلق أو متسرعة. لذلك، فضّلت الصمت، واستسلمت لشيطان تفكيرها...