رواية انت عمري الفصل الرابع عشر14 بقلم امل مصطفي


 رواية انت عمري الفصل الرابع عشر14 بقلم امل مصطفي

كان في رأسها سؤال واحد يلحّ عليها بقوة:
لماذا لا يكتمل زواجهما؟
هل يراها غير لائقة له؟ أم أنه لا يحبها؟
ولكن... كيف لا يحبها، وهي ترى شغفه بها وعشقه في عينيه التي لا تفتأ تتأملها كلما التقت نظراتهما؟

أم أنه يمرّ بحالة صعبة، ويتمنى من الله أن يمنحه الصبر لتحمل اليومين المتبقيين؟

تحدثت بتوتر، متأثرة بردة فعل "أدهم"، وهمست:

– عيون وقلب أدهم... هو ممكن... يعني، أسألك عن حاجة؟

اعتدل في جلسته باهتمام، وقال:

– طبعًا، اسألي عن أي حاجة تحبيها.

تلعثمت قليلًا، وقالت بخجل:

– هو... يعني... قصدي... أنتَ...

فهم ما ترمي إليه، فاقترب منها واحتضن وجهها بين يديه، وقال بعشق:

– أنا بعشقك، وكل يوم بحلم باللحظة اللي هنتمم فيها جوازنا.
أنتِ مش متخيلة ولا عارفة إحساسي إيه لما تكوني قدامي، وفي حضني.
كل ذرة فيا بتناديكي، وبتتألم من كبت مشاعري... وإنتي بين إيديا ومش قادر أوصل لدرجة الكمال!

بس كل ده... علشان عايزك تلبسي الفستان الأبيض، وتدخلي بيتك ملكة متوَّجة.
وقتها مشاعرنا هتكون مختلفة، وسعادتك أكبر وأروع.
أنا ما فيش حاجة تهمني غير إنك تكوني مبسوطة...
يا عشق، دي أهم خطوة في حياتي الجاية.
فاهمة، يا حبيبتي؟

---

جالت في خاطرها كل الأفكار السيئة، إلا هذه النقطة...
لقد لامس روحها، وشعرَت أن حديثه عزز من قيمتها، ولم يُشعرها يومًا بأنها أقل منه.
كان يرفع من شأنها، فشعرت برغبة عارمة أن ترد له جزءًا من سعادته.

وقفت فجأة، وقالت بابتسامة:

– آه، فهمتك... وعايزة أوريك حاجة.

ابتسم لها موافقًا، فذهبت وفتحت أحد الأدراج، وأخرجت صورة كبيرة، ثم جلست بجواره، ومدّتها له.

أخذ الصورة منها، ونظر إليها بدهشة... لم يكن يملك صورة كهذه، بهيئته تلك، في أي وقت مضى.
كانت صورته وقت حزنه وحداده على صديقه الراحل، ولم يكن حينها مستعدًا لأي شيء، حتى التصوير.

– دي صورتي؟ بس... أنا ما صورتش صورة زي دي قبل كده!

نظرت له بتردد، وسألته:

– مش عاجباك؟

رد وهو ما يزال يحدق فيها:

– جميلة... بس أنتي جبتيها منين؟ ورسمتيها إزاي؟

قالت بهدوء:

– من خيالي...

رمقها بعدم فهم، ثم قال:

– مش فاهم! من يوم ما شوفتيني وأنا حليق الذقن!

ابتسمت بحنين، وضمّت الصورة إليها، ثم همست:

– أنا هاحكيلك قصتي كلها...

---

– أنا رسمت الصورة دي من ثلاث سنين، و 11 شهر، و 14 يوم، وخمس ساعات.

نظر لها "أدهم" بذهول:

– ثلاث سنين؟!

أومأت برأسها، وتابعت حديثها بحب:

– بعد ما أهلي توفوا، فضلت شهور طويلة عايشة في رعب.
كنت بخاف أغمض عيني، خايفة حد يتهجم عليا، يسرقني، يقتلني، أو الأسوأ...
كل يوم كنت أقول لنفسي: "هتتعودي"، بس ما حصلش.
كل ما أكبر، ألاقي العيون عليا بتزيد، وخوفي بيكبر.
كنت بفضل صاحيّة لحد الفجر، أول ما يطلع النهار أنام ساعتين، وأصحى أجري على المدرسة، وبعد المذاكرة أنام ساعة كمان.

وفي يوم، التعب تملكني... كنت عندي امتحان مهم، ولازم أنام، بس خوفي منّعني.
فضلت أصلي وأبكي، وأنا بطلب من ربنا يطمني علشان أعرف أنام.
وأنا على السجادة، غمضت عيني وأنا ببكي...

فلما فتحتها، كان النهار طلع، وحسيت براحة ما عرفتهاش من يوم وفاتهم.
حاسّة بالأمان اللي فقدته...
علشان شوفتك في الحلم!

قال بدهشة:

– حلم؟

– آه، حلم.
كنت قاعدة على صخرة، في مكان واسع وظلمة، ما فيهوش غير ضوء بسيط.
كنت ببكي وبترعش، وفجأة سمعت صوت بينادي عليا...
فضلت أتلفت حواليا، لحد ما ظهرت أنت من بين الظلمة.

ورفعت الصورة أمامه:

– كنت بالمنظر ده بالضبط.
خفت، وحاولت أبعد، بس أنت ابتسمت وقلتلي: "اهدي، متخافيش، أنا مش ممكن أذيّك... أنا أمانك".

قلتلك: "بس أنا معرفكش"، فقلتلي بثقة:
"أنا كل حاجة ليكي، بس اهدي ونامي، وأنا هفضل جنبك لحد ما يطلع النهار."

سألتك: "إنت مين؟"، قولتلي: "أنا قدرك ونصيبك... استنيني".

من يومها، وأنا بشوفك في أحلامي كل يوم...
بقيت بحب النوم علشان أشوفك، وأتكلم معاك.
قربنا من بعض، وبقيت جزء من حياتي، بل الجزء الأهم.
النهار اللي كنت بستناه علشان أنام ساعة، بقيت بكرهه... لأنه بيبعدني عنك.

رسمت الصورة دي وعلقتها على الحيطة...
بقت معايا ليل ونهار.
وفعلًا، إنت كل حاجة في حياتي، وما حدش يقدر يعوضني عنك... لا أهل ولا أصحاب.

---

ضمّها "أدهم" بعشق، وهمس:

– معقول كانت أرواحنا متواصلة كل السنين دي... من قبل ما نتقابل على أرض الواقع؟
هو في كده بجد؟!

نظر في عينيها بعمق، وقال:

– وأنا عمال أدور على سبب واحد خلاكي دخلتي قلبي وملكتيه بسرعة كده...
اتاري إحنا لبعض من زمان، وأرواحنا عاشت الحب من بدري.

رفع أنامله، ومسح وجنتها بحنان، ثم همس:

– أنتي حبي... وجنتي على الأرض.
أنتِ المياه اللي غسلت سواد قلبي ناحية بنات حواء.

أنا دلوقتي بس عذرت أحمد صاحبي، الله يرحمه،
إزاي نفسه هانت عليه، وضحى بيها علشان واحدة ما تستاهلش.

أنا حاليًا عايش نفس إحساسه...
ممكن أعمل أي حاجة، وتفضلي معايا، وفي حضني.
وكل حاجة تهون... فدا نظرة من عيونك.

---
استيقظت "سلسبيل" منزعجة من رنين الهاتف المتكرر الذي لا يتوقف. مدت يدها بتكاسل وضيق نحو الهاتف لترى هوية المتصل، وقد كانت تعلم مسبقًا من المتصلة. وحين رأت الاسم، أغمضت عينيها بضيق، ثم فتحت الخط وهتفت بحدة:

– في إيه يا "ماسة" على الصبح؟! عمالة ترنّي ترنّي، صدعتيني! أنا زهقت منك ومن اليوم اللي أمك وأمي بقوا فيه أخوات!

لم تهتم "ماسة" بكل هذا الكلام، ودخلت مباشرة في صلب الموضوع:

– عرفت مين هي.

اعتدلت "سلسبيل" في جلستها، وهي ما زالت بين اليقظة والنوم:

– مين هي؟ اللي مين؟!

أبعدت الهاتف عن أذنها حين اخترق صراخ "ماسة" السماعة:

– "سلسبيل"، فوقي علشان تفهمي!

هتفت باستنكار:

– حرام عليكي يا "ماسة"، أنا نايمة بعد الفجر... في إيه؟

اتسعت عيناها حين ردّت "ماسة" ببرود:

– طب وأنا مالي! نمتي الفجر ولا حتى منمتيش خالص!

– يا لكي من وقحة يا "ماسة"! توقظيني من نومي وبدل الاعتذار تتنمرين علي؟ تبا لكِ، سأرد لكِ الصاع صاعين!

– طيب، وأنا كمان مالي... تصبّحي على خير!

هتفت "ماسة" بسرعة ولهفة:

– طيب، خلاص خلاص... أنا آسفة!

ثم تابعت بهدوء:

– البنت اللي كانت مع "فهد" طلعت بنت عمه... اللي من القاهرة.

سألتها ابنة خالتها بدهشة:

– وإنتِ عرفتي منين؟

– سألت وعرفت.

قامت "سلسبيل" من فراشها بفزع وسألتها:

– إزاي؟! إنتي مجنونة؟ لو حد عرف هيقتلوكي! وبعدين معاكي يا "ماسة"، ليه مصممة توجّعي قلبي عليكي؟

هتفت "ماسة" بجنون:

– الموت أرحم من الإحساس اللي كنت عايشة فيه! ومن لحظة ما شُفتها راكبة جنبه، بس الحمد لله... قلبي ارتاح لما عرفت إنها بنت عمه، وفرحها كمان كمان أسبوع على واحد من مصر زيها.

تنهدت "سلسبيل" بإشفاق على صديقة عمرها وابنة خالتها، لكنها كانت مصممة على نصحها حتى اللحظة الأخيرة:

– حبيبتي، حتى لو ما تجوزتش، برضه مش هيكون ليكي. أنتم بينكم عداوة، وجدّك عمره ما هيوافق. "فهد" كبير عيلته، ومش هيحط إيده في إيد جدّك.

اختنقت "ماسة" من تلك الحقيقة المُرّة، وهتفت بوجع:

– ليه كده؟ عايزة تضيعي فرحتي؟ سيبيني أعيش في أحلامي!

أوجعها صوتها الحزين، فهتفت "سلسبيل" بحنان:

– حبيبتي، أنا بحبك وخايفة عليكي من الصدمة. الأحلام الناس بتصحى منها، لكن إنتي عايشة في وهم... وده أخطر بكتير.

هتفت "ماسة" برفض، غير قادرة على تصديق كلماتها:

– لا، إن شاء الله ربنا هيطيب خاطري... بس إنتي ادعيلي.

– ربنا يريح قلبك يا حبيبتي، وتوصلي لكل اللي في بالك.

---

الفضول كان ينهش قلب "عشق". كانت ترغب بشدة في معرفة ما حدث لصديقه، وكيف أثّر عليه إلى هذه الدرجة. لقد شعرت بحربٍ تدور بداخله في كل مرة تقرّبت منه، فهتفت بحذر:

– هو... ممكن تحكيلي عن "أحمد" صاحبك؟

أبعد "أدهم" بصره عنها، وتنهد بألم:

– كنا تلاتة أصحاب زي التوأم: "أحمد" و"مراد" وأنا. ما كناش بنبعد عن بعض أبدًا.
آخر سنة لينا في الكلية، ظهرت شيطانة... هزّت سعادتنا، ودمّرت حياتنا. كانت منقولة عندنا من كلية تانية بقالها أسبوع بس.
كانت أول مرة نشوفها، وكانت أسوأ يوم في حياتنا.

أنا و"مراد" ما قبلنهاش من أول طلة.
بس للأسف، "أحمد" أعجب بيها جدًا من أول نظرة... كأنها خطفته.
وطبعًا بما إننا من أغنى شباب الجامعة، كان سهل عليه يقرّب منها، لأنها مادية جدًا.
هو قرّب حب، وهي قرّبت طمع وحقارة.

حاولت أنا و"مراد" نبعده عنها، ما استجابش.
ولما كنت بشوف سعادته، كنت بسكت.
"مراد" كان دايمًا يقول: يومين ويبعد لما يكتشف حقيقتها.
لكن اتاريها زي السرطان اللي بينتشر في الجسم ويدمره، ومن المستحيل استئصاله.

صرف عليها فلوس كتير جدًا: هدايا، فسح، وكل حاجة.
حاولت تقرّب مني أكتر من مرة، بس كنت بصدها، لدرجة إني في يوم ضربتها بالقلم!

شهقت "عشق" بعدم تصديق:

– كانت مع صاحبك... وتحاول معاك؟ دي مش طبيعية!

هز رأسه باشمئزاز وهو يتذكر:

– كرّهتني في جنس الحريم. كانت وقحة، لدرجة إنها كانت بتهددني تقول لـ"أحمد" إني بحاول أقرب منها!
كنت شايف حالة صاحبي، وخوفت أكون أنا أول مسمار في نعش صداقتنا.
بس كنت عامل حسابي وسجلت لها مكالمات معايا، ودورت عليها وعلى الكلية اللي كانت فيها، وعرفت إنها عملت مشاكل كتير بحاجات مشابهة.

هددتها بكل ده، وخافت تخسر البنك اللي وقعت عليه.
بس كانت بتبعده عننا بطريقة غير مباشرة: سهر، فسح، واهتمام زائف.
حبُّه أعمى عن حقيقتها اللي كانت واضحة للكل... إلا هو.
شخصية مادية، حقيرة، بتدور على فلوسه وبس.

زي ما بيقولوا: "مراية الحب عامية".
اتفق مع أبوه إنه لما ينجح في رابعة، يكتب كتابه ويتجوز.
وأبوه وافق... ابنه الوحيد وعايز يفرح بيه.
خطبها ولبّسها الدبلة.

بصراحة، حاولت أكتر من مرة أبلّغه بكل حاجة.
وفي آخر لحظة، كنت بخاف أخسره، أو إن قلبه ما يتحملش الخسارة.

"أحمد"... حنية الدنيا فيه، وقلبه طيب جدًا.

قبل فرحهم بكام شهر، كان عمي "حسن" داخل صفقة بكل فلوسه... وخسرها.
******
ما عُدش فاضل غير الفيلا والعربيات. لكن لما وصلها الخبر، بدل ما توقف معاه وتسانده، صرخت فيه قدّامنا:

– هو بجد الخبر اللي سمعته؟! باباك أعلن إفلاسه؟!

ردّ عليها بحزن شديد، وصوت منخفض مليء بالخذلان:

– آه، للأسف.

سألته ببرود، وكأنها تتحدث مع شخص غريب:

– وإنت هتعمل إيه دلوقتي؟ وفرحنا وضعه إيه؟!

حاول يجذبها من يدها علشان يتكلم معاها على انفراد، لكنها جذبت يدها بعنف، ورفضت تتحرك، وقالت وهي تنظر له باحتقار:

– قول إيه؟ العمل قدّام أصحابك؟!

شعر بالأسف، ليس من تصرفها فقط، بل من إحراجها الشديد له أمام الجميع. حاول يسيطر على صدمته، وردّ عليها بهدوء:

– بابا هيبيع الفيلا بتاعته، ويبدأ بيها مشروع صغير... وهيعيش معايا هو وماما لحد ما الوضع يتحسن.

هتفت بغضب ورفض قاطع:

– لا طبعًا! محدش يعيش معايا! ممكن يجيبوا شقة صغيرة على قدّهم!

طريقة كلامها كانت جارحة، مليانة أنانية، عدم احترام لمشاعره، وكأنها بتدوس على كرامته وهو في قمة ضعفه.
أنا شخصيًا، وقفت وقتها وكنت حاسس إني عايز أصرخ... كنت عايز أكسرها، لكن عمري ما كنت همجي أمد إيدي على واحدة، مهما حصل.

وقفت أشوف رد فعل "أحمد"... غضب جدًا، صرخ فيها بصوت عالي:

– أنا مش ممكن أسيب أمي تعيش في شقة!

ردّت عليه بكل وقاحة:

– طيب شوف... يا أنا، يا همّا!

نظر لها بصدمة، مش مصدق إن دي حبيبته... اللي كان مستعد يعمل المستحيل علشان يسعدها!
سألها بصوت غير متزن، كأنه بيحاول يستوعب الكارثة:

– قصدك إيه؟!

خلعت دبلتها من إيدها بدون لحظة ندم، وقالت ببرود:

– يعني لو عايز نكمّل مع بعض، يبقى كلامي هو اللي يمشي... وإلّا، خلي دبلتك معاك.
أنا عايزة أترفّع لفوق، مش أنزل تحت الأرض!

كان ردّها أقسى من صدمة إفلاسه. لقد خدعته، رسمت له حبًا زائفًا، وكان يتوقع منها في أسوأ لحظاته إنها تكون الحضن والسند... لكن لقاها أول وحدة بتسيبه في عز وجعه.

ما اهتمتش بحالة الضياع اللي احتلت ملامحه، ولا بنظرة الانكسار في عينيه... وسابته ومشيت كأنّه مجرد عابر سبيل في حياتها.

مر عليه أسبوع من أسوأ ما يكون. كان بيتمنى إنها ترجع، تعتذر، تقوله إنها بتحبه، وإن أسلوبها ده كان بسبب الصدمة.
لكن للأسف... ما جتش. ما سألتش، ولا حتى رسالة!
كان هيتجنن، مش عارف يعمل إيه... هي؟ ولا أهله؟
بس... أهله ما يستاهلوش يتباعوا!

دول عطوه كل حاجة حلوة في حياته، وفرحوا لفرحه، وزعلوا لزعله.
وكل ما والده يتصل بينا ويسأل عن حالة ابنه، كنا نقوله:

– زعلان علشانك.

لكن لو كان عرف اللي حصل بينهم، كان نفذ طلبها علشان حالة ابنه تتحسن.

بس للأسف، ما جاش في بالنا إن كل ده يحصل... وإنها مش حب وبس، دي كانت عشق.
وإلا، كان قدر يستغنى عنها مع الوقت.

بعد أسبوع، راح يرضيها... يشرح لها موقفه.
لكنها عاملته بتعالي، وطردته!
كانت صدمة قاسية، فوق ما يتحمل.

حبس نفسه شهر في البيت.
ذقنه كبرت، رفض ياكل، جسمه الرياضي اختفى، ووشه اللي كان دايمًا وسيم بقى هزيل كأنه هيكل إنسان.

أنا و"مراد" كنّا دايمًا معاه. كنا بنتبادل الوقت نحاول نطلّعه من حالته، لكن للأسف، تأثيرها عليه كان مرعب.

أهله زادوا حزن، مش علشان الفلوس اللي راحت... لكن على حال ابنهم، اللي كل يوم في دمار أكتر من اللي قبله.

وفي يوم... كنا أنا و"مراد" مضطرين نسيبه، علشان عندنا ضغط شغل.

اتصلت بيه، ولما فتحت الخط... سمعت صوت بكائه.

تخيلي؟ راجل بيعيط... علشان كلبة ما تستاهلش ظفره!

كان بيكلمني وهو في حالة عدم اتزان، وسايق العربية بسرعة جنونية.

قلبي اتقبض... حاولت أهديه، لكن كل حاجة خرجت عن السيطرة...
******

اتصلت به ببرودٍ قاتل، لتلقي في وجهه قنبلة جديدة:

– النهارده خطوبتي على راجل غني، يقدر يحقق لي المستوى اللي بحلم بيه.

فلاش باك:

ذهب إليها كالمجنون، يترجّاها أن تصبر عليه، وعدها أنه هيغير الوضع، أنه هيكافح علشانها.
لكنها قابلته بابتسامة ساخرة وكلمات كالسياط:

– اللي بتصبر بتكون بتحب خطيبها... بس أنا لا بحبك، ولا عمرى حبيتك.
أنا كنت عايزة فلوس وبس.
أنا عايزة راجل أخاف منه، أعمله حساب، مش واحد أحركه بإيدي زي ما أنا عايزة.

كان ممكن يصرخ، يردّ، ينهار... لكنه ما قدرش.
حبّه ليها كان كبير لدرجة إنه خرج من عندها مكسور، واتصل بيا وهو بيصرخ من الألم.

كان بيهذي:

– أوعدني يا أدهم، إنت ومراد... ما تسلّموش قلبكم لوحدة أبدًا.
الحب أسوأ حاجة في الدنيا!

– لما تسلّم قلبك لوحدة ما تستاهلكش، بتتحكم فيك، تستغلّك، وتذلك...
كلهم خاينين... كلهم بيحبوا الفلوس، وبس!

قلت له بحزن وأنا قلبي بيتقطع:

– اهدا يا أحمد، بالله عليك، ما تستاهلش دمعة من عيونك...
إنت فين؟ أنا هاجي لك.

صرخ:

– لا! افتح السبيكر... عايز مراد يسمعني.

صوته كان بيتهدج وهو يكمل:

– آسف يا أغلى وأحنّ أصحاب... على عيني بعدي عنكم.

مراد انفعل:

– بتقول إيه يا أحمد؟! تقصد إيه؟!
إوعي تضيع نفسك علشانها! بكرة تنساها، صدقني.

أنا حاولت أهدّي الموقف:

– مراد... اهدا شوية.

ثم وجّهت كلامي لأحمد:

– أرجوك يا أحمد... إرجع، أنا هحل الموضوع.
هديها اللي عايزاه، بس إنت ارجع.
فكّر في أمك وأبوك... هيتحملوا إزاي غيابك؟!

مراد اتكلم بحرقة:

– أرجوك... إحنا هنموت من غيرك.

لكن صوته كان موجوع، محروق:

– ترضى لي أعيش ذليل؟
تتحكم فيا؟
تحرّكني زي ما تحب؟
علشان الفلوس؟
ولما تزهق... ترميني؟

بكاؤه كان موجع، راجل مكسور قدّام الدنيا كلها.
كان عايز يبعد، بس ما عرفش.
الذل من البقاء معاها أهون من ألم فراقها... فاختار الأسوأ!

قالها وهو بينهار:

– كان نفسي نعيش سوا لحد ما نعجز، نتسند على بعض...
بس مش قادر.
قولوا لأمي وأبويا يسامحوني...

صرخنا فيه أنا ومراد معًا:

– لا يا أحمد! حرام عليك! ما تعملش كده!

لكن صوته خفّ، وكأنه بيودّع الدنيا:

– سلام... ادعولي.

مسح دموعه... وسابني.

يا عشق... الموت كان أهون عليه من بعدها.

خسر آخرته علشان كلبة.
ما قدرش يصبر شوية، لحد ما ربنا يبعث له اللي يضمّد جرحه، واللي يعرفه إن لسه في قلوب طيبة.
استلمنا جثته، أنا ومراد.

كنا بنموت...
بس اتماسكنا عشان أهله.

أمه ماتت تاني يوم.
وأبوه اتشل.
ما حدش فيهم قدر يتحمل!
وبعد شهور قليلة... مات الأب كمان.

أسرة كاملة اندفنت... بسبب طمع واحدة.

دورت عليها، وكان قلبي بيغلي نار... كنت ناوي أقتلها.
ما كانش فيه حاجة تبرد ناري غير كده.
بس مراد سبقني وهربها.

عرف بعدها بكم سنة... إنه أنقذني من ضياعي.

هو خاف عليّ...
خاف أقتلها وأتسجن... ويبقى ضاع كل شيء.

وقتها، بدأت أفهم...
بدأت أفهم ليه "عشق" كانت بتشوف قسوته جدار، مش قلب.
كل ما يقرب منها، يرجع يهرب كأنه بيهرب من شياطين الدنيا.

وفي لحظة مصارحة، حضنها بشدة، وقال بصوت مبحوح:

– أنا قلبي دق ليكي من أول مرة شفتك...
لما رفضتِ مساعدة "هاني" علشان ما يلمسك وإنتِ تعبانة...
الموقف ده شدّني جدًا!

– اتعاملت معاكي ببرود، بقسوة...
كنت بخاف على قلبي منك.
كنت بحمي نفسي من الحب، من الضعف...
وكل ما أحس إني بميل ليكي، أهرب، وأداري ضعفي بعنف.
بس غصب عني... قلبي عشقك.

قالت بصوت هادئ باكي:

– ربنا يرحمه برحمته الواسعة، ويثبّته يوم الحساب.

ردّ وهو بيشاركها الدعاء:

 يا رب...
يا عشق، ادعيله إنتي.
قلبك أبيض، وربنا هيستجيب منك... 


تعليقات



<>