رواية انت عمري الفصل الحادي والعشرون21 بقلم امل مصطفي


 رواية انت عمري الفصل الحادي والعشرون21 بقلم امل مصطفي

في طريق العودة من المطار، كانت غادة تبكي بحرقة؛ فهذه هي المرة الأولى التي تبتعد فيها ابنتها عنها. مشاعر الفقد والفراغ تغمرها بصمت موجع.

مدّت عشق يدها تمسح دموع والدتها، ثم قبّلتها بحب وقالت: – "مامتي، هي دلوقتي فرحانة... ليه تبكي؟ إحنا ندعيلها، ربنا يهنيها، وبكرة ترجعلك بألف سلامة."

تمتمت غادة بأسى: – "أول مرة تبعد عني..."

وضعت عشق رأسها على كتف والدتها وهمست بحنان: – "حبيبتي، ما تتحرميش منها أبدًا. سعادتك من سعادتها، وهي فرحانة الوقت ده، وده شيء يفرّحك."

ربّتت غادة على يد ابنتها، وردّت بحب: – "ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي."

قالت عشق بدلال: – "ابتسمي بقى يا مامتي، بدل ما أعيط أنا كمان."

جلست عشق بين غادة وأدهم. كان قلبه ينبض باسمها، يتأثر بلمساتها الحنونة على أمه وأخته. مدّ يده نحو يدها، ضمّ أصابعها بين أصابعه، وضغط عليها بلطف وحب.
ابتسمت عشق دون أن تنظر إليه، وأغمضت عينيها، ورأسها على كتف والدتها.

---

في غرفة مراد

أخيرًا، شعرت روان أن الدنيا تضحك لها. كل شيء بات جميلًا، وكأن الغشاوة التي حجبت الضوء قد أُزيلت عن عينيها.
نظرت إليه، فوجدته يلتهمها بنظراته، بعينيه العاشقتين لأدق تفاصيلها. خفضت وجهها بخجل.

جذبها مراد إلى حضنه، يهمس بحمد الله أنها أصبحت له، بين ذراعيه.
كم تألم من حبها لذلك القذر! كم بكى، وانكسر عندما علم بما حدث لها، وعندما أُخبِر أنها لن تستطيع السير مجددًا!
كم تمنى أن يضمها إليه، أن يقوم بخدمتها بنفسه، أن يرعاها بكل كيانه.
زاد ألمه حين علم باعتزالها للجميع، حين أغلقت في وجهه آخر أبواب الرحمة، ولم يجد من يشعر بعذابه.

كيف كان له أن يطلب رؤيتها، وهي قد رفضت الجميع؟ وهو، لا يملك حتى الحق في الطلب...
أغمض عينيه من وجع القلب، لمجرد ذكرى.

مرر يده على ملامحها، يتساءل في نفسه:
متى استطاعت أن تحتل كيانه بهذه الطريقة؟

---

عند فهد

خرجت رهف من الحمام، تتحرك بخجل، ترتدي قميصًا أبيض قصيرًا فوق الركبة، كانت تلك هدية من عشق.
نثرت بعض العطر، على أمل أن تلفت نظره، أو ترى في عينيه نظرة إعجاب.

كان فهد يجلس على طرف الفراش، ينظر إلى الأرض، يحاول ترتيب أفكاره.
يعلم أنه لا بد أن يقترب منها، فاليوم هو بداية حياتهما، ولكنه أراد أن يمنحها الفرصة لتتعرف عليه أولًا.

رفع عينيه عندما شمّ عطراً جذب كل حواسه، ويا ليته لم ينظر...
رآها في هيئة خطفت أنفاسه. ظل يتأملها، كأنه تجمد أو تحول إلى تمثال.

تورد وجهها أكثر، وهمست بخجل: – "أنا خلصت..."

قام واقترب منها، كالمغيب، وفي داخله حرب طاحنة بين قلبه وعقله.
عقله يهتف:
"مالك يا فهد؟ إيه حصل؟ سيطر على نفسك شوية... من إمتى الحاجات دي بتفرّق معاك؟"

لكن قلبه يرد: "لازم تفرق... دي حبيبتي، مش أي واحدة. طبيعي ما أقدرش أقاومها... دي بالنسبة ليا كل الحياة."

يعود عقله ليهتف: "حبيبتك؟ وحياة؟ من إمتى وإنت كده؟"

فيرد قلبه بيقين: "من لحظة ما بقت من نصيبي... ومن وقت ما بقت حلالي... أنا أصلًا ليها، وبس!"

جذبها بلطف ليقربها منه، شعر برجفة جسدها من لمسته، فانحنى عليها يقبّلها بشوق، شوق اكتشفه من كلمات عشق وأدهم... فقد رأوا حبه لها قبل أن يدركه هو.

كانت قبلة تذوب فيها عشقًا، وهي مغمضة العينين، وعندما ابتعد عنها، تمسكت به أكثر، ووضعت رأسها على صدره بخجل وحنان.
ضمها إليه بسعادة، ثم حملها بين ذراعيه، وذهب بها إلى عالمهم الوردي، حيث لا مكان إلا للحب.

---

عودة عشق وأدهم إلى منزلهم

قبل أن تبتعد، وجهت عشق حديثها إلى خالد، قائلة بابتسامة: – "في شنطة العربية سبتين، واحدة ليك، وواحدة لـ هاني."

ابتسم خالد: – "شكرًا جدًا يا هانم."

دخلوا إلى الفيلا.
غادة، بتعب ظاهر، تمتمت: – "أنا هطلع أرتاح يا ولاد... عشق، أدهم، تصبحوا على خير."

جلس أدهم صامتًا، لم يتحدث معها.

صعدت غادة إلى غرفتها، فالتفتت عشق إليه باستغراب، واقتربت منه، تسأله: – "مالك يا حبيبي؟ فيك إيه؟"

نظر لها دون رد.

جلست على قدمه وسألته: – "روان وحشتك؟"

أجاب بصوت خافت: – "آه..."

مررت يدها على وجنته: – "بُكره ترجع بالسلامة."

رد بضيق: – "إن شاء الله."

تأملت ملامحه، ثم سألته بنبرة حزينة: – "مالك يا حبيبي؟ ليه بتقصّر معايا في الكلام؟ كأنك مش عايز تتكلم معايا؟ أنا عملت حاجة ضايقتك؟"

خرجت كلماته محمّلة بالغيرة: – "طول الطريق نايمة في حضن أمي، وسايبة حضني! وإنتي عارفة إني بغير عليكي... حتى من أمي!"

نظرت له بعدم تصديق...
وحشها، حبيبها، يغار منها لأنها غفت في حضن والدته، دون قصد؟
كأنه شعر بما يدور في نفسها، فابتسم:

– "آه يا عشق... أنا معاكي زي الطفل الصغير اللي بيغير على أمه من كل الناس... عايزك ليا وبس.
كنت أتوقع أغير من الناس كلها، إلا أمي وأختي.
بس معاكي... مشاعري وتصرفاتي بتتحوّل بشكل غريب، كأن حد تاني بيتحكم فيها غيري.
والحقيقة... أنا حبيت الإحساس ده معاكي.
أرجوكي، بلاش تحطيني تاني في الموقف ده."

اعتدلت لتقوم، لكنه جذبها بقوة إلى حضنه: – "ما تبعديش."

وضعت يدها حول عنقه، وهمست: – "ومين قالك إني أقدر أبعد؟... إنت حلم عمري."

تبعت كلماتها بقبلة رقيقة على وجنته.

وقف وهو يحملها بين ذراعيه: – "لا... مش دي اللي تصالحني!"

ضحكت على جنونه، وتغيره المستمر أمامها.
هو تمامًا مثل أمشير...
السماء تمطر، والشمس ساطعة!
********

---

فتح خالد حقيبة السيارة، فوجد بداخلها سلّتين كبيرتين، قادمتين من الصعيد.
نظر إليه هاني باستغراب وسأله:
– "دي فيها إيه؟"
هز خالد كتفيه وهو يرد:
– "مش عارف، كل واحد ياخد بتاعته ويشوفها في البيت."

ركب خالد السيارة، أوصل هاني إلى منزله، ثم توجه إلى بيته. أوقف السيارة وحمل السلة، وما إن دخل حتى فتحت أمه الباب، واحتضنته بشوق وقد غاب عنها أسبوعًا.
– "حمد الله على سلامتك يا ضنايا."
رد خالد وهو يضمها:
– "الله يسلمك يا أمي... أخبارك إيه؟ وأخبار إخواتي؟"
– "كلنا بخير يا حبيبي، أنا كنت قلـقـانة من تأخيرك ده."

انحنى خالد وحمل السلة من جانب الباب، وأدخلها إلى الداخل.
نظرت أمه باندهاش وسألت:
– "إيه ده كله؟!"
رد خالد وهو لا يزال مستغربًا:
– "والله ما عارف يا أمي، عشق هانم قالتلي ده بتاعك."

فكّت الأم الرباط، ورفعت القماش الذي يغطي السلة، ثم هتفت مندهشة:
– "بسم الله ما شاء الله! إيه ده؟!"
راحت تخرج المحتويات واحدة تلو الأخرى: جبنة قريش، سمنة، فطير، بط، فراخ، ولحمة!

خرجت ندى على صوتها، واحتضنت أخاها بحب:
– "حمد الله على السلامة يا أبيه!"
رد خالد وهو يضمها إليه:
– "هو ما فيش عندك مدرسة النهارده؟"
أجابت بخجل:
– "أصل ما دفعتش الدرس، والمستر قال ما حدّش ييجي من غير الفلوس، واتكسفت أروح المدرسة... هو ينفع أعزم سيد على البط؟"
قبّل خالد رأسها وقال بحنان:
– "آه طبعًا."

ثم التفت إلى أمه موصياً:
– "ما تنسيش تعملي حساب أم أحمد في الأكل، وكمان أم زينهم... ظروفهم أصعب مننا."
أومأت الأم:
– "أكيد يا حبيبي... هابعتلهم."
جلس خالد يناديها:
– "تعالي يا أمي، عايزك."

تركت ما بيدها، وجلست أمامه تسأله بقلق:
– "خير يا حبيبي؟"
رفع يده وأعطاها المال قائلًا:
– "خدي، هاتي لمحمد وكرم كل واحد جزمة جديدة... وندي فلوس الدروس، وهاتي لها طقم جديد."

تناولت الأم المال، لكنها قالت بتردد:
– "بس كده مش هنعرف ندفع القسط."
ابتسم خالد برضا:
– "الحمد لله يا أمي، أنا كنت ناسي إن الباشا بيدينا كل سنة مرتب شهرين في شهر واحد."

هتفت ندى وهي تحتضنه بسعادة:
– "يعني هجيب طقم جديد أخرج بيه مع أصحابي في الدرس!"
مسح على رأسها بحب:
– "آه يا حبيبتي، أنا عندي مين غيركم؟"
قالت الأم وهي ترفع يديها بدعاء:
– "الله أكبر... ربنا يزيدك من خيره يا حبيبي، ويخليك لينا."

قبّل رأسها وقال:
– "أنا هدخل أنام لأني تعبان من المشوار."
سألته وهي تحمل المال بفرحة:
– "مش تاكل لقمة قبل ما تنام؟"
رد وهو يتجه لغرفته:
– "لا يا أمي، أنا بقالي كام يوم بأكل لحوم. كلي إنتِ وإخواتي، واطبخي اللي نفسهم فيه... تصبحوا على خير."
اقتربت ندى من والدتها بسعادة:
– "ماما، خليه البط علشان سيد، إنتِ عارفة إنه بيحب البط."
– "حاضر يا عيون أمك، ربنا يبارك في عمرك ويحفظك يا ضنايا... وينتقم من أبوك اللي ضيّع شبابك في شيل الهم والحمل التقيل ده."

---

في الصباح

فتحت عيونها على صوت حركة بالغرفة، فرأته يقف أمام المرآة يعدّل عمامته. شعرت بالخجل، فغطت جسدها بالغطاء وقالت بخفوت:
– "صباح الخير."
رد دون أن يلتفت لها:
– "صباحية مباركة يا عروسة."
– "الله يبارك فيك... هو أنت خارج؟"

اقترب منها وسألها:
– "في حاجة؟"
نظرت له بتوتر:
– "لا أبدًا، كنت بسأل... أصل النهارده..."

ولم تكمل، كانت تريد إخباره أنه لا يجوز له أن يتركها يوم صباحيتها وينزل، فبحسب العُرف، لا يغادر العريس غرفته قبل مرور أسبوع. خروجه قد يجلب لها القيل والقال، لكنها فضّلت السكوت.

كان يعلم جيدًا ما أرادت قوله، لكنه لم يُظهر ذلك. نظر إلى حيرتها في عينيها وقال:
– "الشال في الدرج، علشان أهلك وأهلي."
هزّت رأسها بخجل، وقبل أن يتحرك، هتفت بلهفة:
– "مش هتفطر؟"
– "هفطر تحت... فاتهمي جهزت الفطار."
ثم تركها وخرج.

ظلت على حالها تحدث نفسها بحيرة:
– "أنا ليه حاسة إنه غير إمبارح؟ كأنه شخص تاني..."
تذكّرت ليلتهم الأولى، كم كان حنونًا ولينًا معها. لم يكن عنيفًا كما سمعت عن باقي الرجال، بل كان متفهّمًا لخوفها، صبورًا لأبعد الحدود... حتى أصبحت زوجته.

نهضت ودخلت الحمام، أخذت دشًا دافئًا يساعد على تسكين ألم جسدها، ثم ارتدت عباءة واستعدت للصلاة.

******
في الطابق السفلي من السرايا...

اجتمعت نساء الدار على وقع خطواته وهو ينزل السلم، ليعلو صوت الزغاريد والتهاني. تقدّمت أمه نحوه، تحتضنه بحب وتهمس بفرحة:

ـ "ألف مبروك يا حبيبي، يا رب يرزقك بالذرية الصالحة... نزلت ليه يا ضنايا؟! أنا كنت هبعتلك الفطار فوق."

أجابها فهد، رافضًا بلطف:
ـ "لا، أنا هفطر مع جدي، وبعدين أخرج شوية."

تبادل النساء النظرات فيما بينهن، فخروجه في هذا الوقت مخالف لعاداتهم الراسخة.

من خلفه، دوّى صوت الجد بنبرة صارمة:
ـ "إزاي تخرج يوم الصباحية؟! كده الناس هيتكلموا علينا."

رد فهد بصوت قوي، مفعم بالثقة:
ـ "مين ده اللي يقدر يجيب سيرتنا؟!"

تحدّث الجد بحكمة ووقار:
ـ "يا ولدي، دي عاداتنا. وأنت كبيرهم، يعني أولى الناس باحترامها، علشان هم كمان يحترموها. وبعدين، اللي هيتكلم هيكون من وراك، مش قدامك."

تنهد فهد وقال بنبرة ضيق:
ـ "يا جدي، أنت عارف إني مش هقدر أفضل أسبوع في الغرفة. وبعدين، أنا حر في حياتي... الناس مالهاش دعوة."
ثم تركهم وغادر.

---

في الأعلى...

كانت تنام بين ذراعيه براحة، بينما هو يشعر بسعادة غامرة. مشاعر كثيرة اجتاحت قلبه، لا تكفي كل كلمات الحب لوصفها، ولا الأقلام ولا الأوراق. وحده فقط من يشعر بها... يتمنى لو يصرخ من شدة الفرح لكونها بين أحضانه.

انحنى يقبّل وجنتها، ثم قام وهو يتمنى ألا يبتعد عنها لحظة. جهّز الفطور بنفسه، وضع العصير والفاكهة، وانتقى وردة بيضاء فوضعها على الصينية، ثم حملها نحو الفراش، وضعها جواره، وانحنى على شفتيها يقبّلها بنعومة.

فتحت عينيها، فوجدت نفسها في حضنه، يقبّلها بحرارة. ابتعد عنها بابتسامة عريضة، وقال:
ـ "صباح الخير على أجمل ملاك في الكون."

ردّت روان، وهي تشعر بالخجل من نظرته وقربه:
ـ "صباح النور."

سحب الصينية ووضعها أمامها قائلاً:
ـ "يلا عشان تفطري ونبدأ اليوم من أوله."

هتفت بابتسامة مرحة:
ـ "إنت جايب الفطار في السرير عشاني؟!"

قبّل يدها بلطف وقال:
ـ "أنا أعمل أي حاجة عشان راحتك... يا عمري."

تناولت قطعة توست، وضعت عليها المربى، وأطعمته بيدها. أخذها منها بحب، وقبّل أطراف أصابعها.

---

في الطابق السفلي...

ـ "صباح الخير يا أمي."

تركت ما بيدها والتفتت إليه قائلة:
ـ "صباح النور يا حبيبي. أنا كلمت روان واتطمنت عليها."

اتسعت عيناه بدهشة:
ـ "متى صحيت؟ ومتى اتصلتِ؟!"
ضحك وأضاف:
ـ "ومراد سابها ترد؟!"

ـ "هو يقدر يمنعها؟! دا أنا كنت رايحة بنفسي أخنقه!"

ضحك أدهم وقال بهدوء:
ـ "يا أمي، هي خلاص بقت على ذمة راجل. وإنتِ عارفة إنه بيعشقها وهيحطها جوه عيونه. سبيهم، وهم وقت ما يحتاجوا يتكلموا هايطمّنوكي... بلاش تزعجيهم."

تنهّدت بحزن:
ـ "أنا إزعاج يا أدهم؟"

أسرع يقف، يقبّل رأسها ويدها:
ـ "أنا مش قصدي كده، يا أمي. إنتِ نور حياتنا، بس مراد محتاج يقفل على نفسه شوية... تعب كتير."

أومأت برأسها بهدوء:
ـ "عارفة يا حبيبي، ربنا يهنيهم. عشق، مانزلتش ليه؟"

ـ "لسه بدري على محاضرتها... فقلت أسيبها ترتاح شوية."

---

عند خالد...

ـ "صباح الخير يا خالد."

ابتسم قائلاً:
ـ "صباح الخير، عشق هانم."

تأففت بملل:
ـ "برده هانم؟! أنا وأنت لوحدنا، وأنت أخويا."

ابتسم بإمتنان:
ـ "ده شرف ليا... وبجد مش عارف أشكرك إزاي على الزيارة الجميلة بتاعت امبارح."

قالت عشق بلطف:
ـ "دي حاجة بسيطة، وبعدين ما ينفعش تغيب عنهم أسبوع وترجع بإيدك فاضية... ربنا يخليك ليهم."

ـ "ويخليكي يا أطيب وأحن أخت في الدنيا."

---

عند ماسة...

بعد انتهائها من حمامها وفرضها، سمعت طرقًا على الباب. فتحت، فوجدت أمامها أمها وزوجات أعمامها وهنّ يزغردن:

ـ "صباحية مباركة يا ست العرايس!"

تورد وجهها بخجل، وانحنت تقبّل يد أمها:
ـ "الله يبارك فيكي يا ماما."

حضنتها نعمة بحب:
ـ "مبروك يا حبيبتي."

جلست النساء، بينما ظلت ماسة تشعر بالحرج. كانت تتمنى وجود فهد، فأحضرت لهن الشال. زغردت أمها مرة أخرى بسعادة، واحتضنتها مجددًا.

قالت نعمة بهدوء:
ـ "كلي لقمة، لأن أهلك على وصول. صفية كلّمتني وقالت إنهم هيكونوا هنا خلال ساعة."

تمتمت برفض:
ـ "أنا هستنى سي فهد... علشان آكل معاه."

تبادلوا النظرات، وشعرت نعمة بالحزن من أجلها. يبدُ أن الحب واللهفة واضحة في عينيها، لكن فهد نسخة أخرى من عمه، ولن تجد منه سوى الجفاء. تركها في صباحية زواجهما، وتناول طعام الغداء وحده في الأسفل، وطلب من أمه أن ترسل لها الطعام.

قالت عواطف:
ـ "طب صبّري نفسك بأي حاجة لحد ما يرجع، علشان أهلك لو شافوكي ضعيفة، هيقولوا جوعنا بنتهم."

ماسة بخضوع:
ـ "حاضر يا ماما."

بعد ساعة...
دقّ الباب، وسمعت صوت أمها. فتحت بسعادة، واحتضنتها:
ـ "ألف مبروك يا حبيبتي! بسم الله، الله أكبر، رقيتك من كل عين شافتك وما صلّت على النبي!"

جلسوا على الفراش، وسألتها الأم بإطمئنان:
ـ "خير يا ضنايا... عمل معاكي إيه؟"

ردّت بخجل:
ـ "الحمد لله يا ماما."

لكن الأم لم تكتفِ:
ـ "يعني إيه الحمد لله، يا بنت أبوكي؟!"

قامت ماسة وقدّمت لها الشال. رنّت الزغاريد مجددًا. ابتسم والدها، وكان يجلس مع الرجال، ثم وقف واحتضن فهد:
ـ "أنت دلوقتي بقيت ابني... وغلاوتك من غلاوة ماسة."

---

في غرفة ماسة لاحقًا...

همست الأم:
ـ "عاملك كويس ولا كان قاسي؟"

تمتمت ماسة بخجل:
ـ "كان حنين جدًا، يا ماما... وصبور، عكس اللي الناس بيقولوه. كانوا مخوفيني إنه ممكن يأذيني أو يكون عنيف، بس الحمد لله."

ابتسمت الأم بسعادة:
ـ "الحمد لله... طمّنتيني. أنا وأبوك ما نمناش من القلق."

قالت ماسة بحب:
ـ "قولي لبابا يطمن. كلامه عن فهد طلع صح... راجل، وحنين مع أهل بيته."

قامت الأم، قبّلتها، ووعدتها بتكرار الزيارة.

---

في السيارة...

نظر إبراهيم إلى زوجته صفية، وسألها:
ـ "شكلك مبسوطة... يبقى الحمد لله، مش كده؟"

أجابت بسعادة:
ـ "الحمد لله، يا أبو ماسة. كان كويس معاها... وقلقنا طلع على الفاضي."

ـ "الحمد لله... كنت واثق إنه هيطلع راجل، ويراعي ربنا فيها
 

تعليقات



<>