
رواية قيود الماضي الفصل الرابع4 بقلم شروق مصطفي
نتقابل بكرة سلم ونستلم، هي جاهزة وقدامي أهي.
لازم أخدها قبل ما يسلمها... يا قا.تل يا مق.تول النهارده! يا رب، دلّني أعمل إيه.
لم أعد إلى الغرفة مجددًا، كان يجب ألا يغيب عن عيني لحظة. جلست في غرفة المعيشة برهة، بينما كان هو لا يزال في الداخل. كنت أرى المكتب أمامي، بينما تدور في رأسي الأفكار وتتشابك. ثم لمعت في ذهني فكرة، أجبرت نفسي على تنفيذها، رغم أنني لا أعلم كيف ستخرج مني بعد ما حدث، لكنني قررت المحاولة.
يارب سامحني، مضطرة أعمل كده.
حاولت تشجيع نفسي، وقفت وتوجهت نحو المكتب. كان التوتر ظاهرًا على يدي وصوتي، فحمحمت قليلًا. رأيته يرفع يده وكأنه يترقب هجومي المعتاد الذي يتكرر كل أقل من ساعة.
اقتربت وجلست أمامه، نظرت في عينيه بصعوبة، ثم قلت:
نزار، أنا آسفة.
نظر إليّ بسخرية، غير مصدق، إلى أن أكملت:
يعني... أنا فكرت، ولاقيت إننا لازم نحل بأسلوب أهدى من كده، من غير عنف ولا غصب لأي طرف. أنا هرضى بالأمر الواقع ده، وإني أعيش معاك، لكن عندي شرط.
شرط؟! قالها بتهكم، وأخرج قطعة صغيرة تشبه الفلاشة من جهازه، ووضعها في جيب سترته
قولي شرطك.
يعني نرجع تاني فترة الخطوبة، لحد ما أرجع أثق فيك وأدي لك الأمان من تاني، لأنك طول الوقت مخليني أعيش في رعب وخوف وتوتر... لازم أرجع أحب...
أ... إيه؟ قولي يا نور، أ... إيه؟ قوليها بجد! كلامك ده يا نور؟ أنا موافق، ومستعد أعوضك عن كل اللي عشتيه و...
مالك يا نور؟ مالك؟ تعبتي تاني؟!
مقدرتش أمثل أكتر من كده... كلامه قلب معدتي، أمسكت بها بصعوبة، لكن محاولتي فشلت، وتقيأت. شعرت بالدوار، فأخذني في حضنه، ثم حملني ليغسل وجهي. حاولت الابتعاد، لكنه لم يتركني، ولم يفعل ذلك إلا عندما أوصلني إلى سيارته.
لم أستطع فهمه حقًا... هل هو خائف عليّ لتلك الدرجة؟ هل يهمه أمري فعلاً؟ هو، الذي مجرد حديثه يقلب معدتي، فماذا أفعل في لمساته واحتضانه، الذي لا تزال رائحته عالقة بي؟ أنا لم أكره أحدًا في حياتي بقدر ما أكره هذا الشخص... أكره صوته، وكلامه، ولمسته.
وصلنا إلى المشفى، نقلوني إلى غرفة الفحص، وكان الطبيب قد منعه من الدخول كالعادة، وهناك قابلت الشخص ذاته الذي رأيته من قبل، ولا أعلم كيف علم بمجيئي، لكنه سبقني بالكلام:
عرفتي توصلي لها؟
هززت رأسي، ثم أخرجت له الظرف. لم ينسَ أن يسألني كيف حصلت عليه، فقلت:
أنا دوّخت وأنا بكلمه، وتعبت، وهو لحقني على طول وجابني لهنا. وكان قبلها لسه شايلها في جيبه، وهو عشان كان ملهي بيا ومخضوض، مخدش باله إني أخدت حاجة من جيبه، لأنها صغيرة أوي
قصصت عليه المكالمة التي كنت أظنها تتعلق بالاتجار بالأعضاء، واتضح أنها أخطر من ذلك. أخبرته بموعد التسليم، فطمأنني قائلاً إنهم سيقبضون عليهم متلبسين. ومع ذلك، كنت خائفة جدًا.
أنا خايفة أروح معاه تاني... ده ممكن يقتلني بجد. أنا ساعدتكم، ما تسبونيش معاه لوحدي. خليني هنا!
أخرج شيئًا مشابهًا لما أعطيته إياه، في كيس صغير، وقال:
نور، كمّلي مهمتك للآخر. معادش فيه وقت، وحطي ده في نفس المكان من غير ما يحس.
استغربت، فأوضح لي أن ما أعطاني إياه نسخة مقلدة، حتى لا يشكّ بي، وأنهم سيختلفون وقت التسليم، مما سيمكنهم من القبض عليه.
أنا خايفة أوي أوي...
حاول طمأنتي كثيرًا، لكنني كنت أعرف نزار جيدًا...
اهدي، هروح أنادي الدكتور يطمن عليكي عشان ما نطولش عليه. هتلاقيني أول واحد قدامك، وهوصلك لحد بيتك كمان.
بعد قليل، انتهى الطبيب من فحصي، وعدنا إلى السيارة. حملني منها، فاستغللت الفرصة، واحتضنته، ووضعت "الأمانة" في مكانها. رأى احتضاني، ووزع بعض القبلات على رأسي، حتى أرقدني على السرير، ثم قال لي بهدوء:
زي ما قال الدكتور، بلاش توتر. وأنا حقك عليّ، لأني عارف إني كنت سبب توترك ده، لكن من بعد النهارده، هتلاقي حد تاني خالص. يلا يا حبيبتي، نامي وارتاحي.
غادر، فنهضت وأنا أشعر باشمئزاز، وذهبت لأغسل كل ما في جسدي، رغم شدة البرودة. كنت أشعر بالقرف الشديد، ولا تزال رائحة يده في أنفي.
جلست وأنا غارقة في آلاف الأسئلة:
لماذا أنا؟ لماذا اختارني أنا بالذات؟ ربما أراد الله أن يكشف لي أمورًا كنت أجهلها، أو لعلّه ابتلاء لأعرف من ساندني ومن خذلني؟ هل كنت أعيش مع شخص كنت أظنه رفيق عمري؟ كانت حياتنا هادئة وروتينية بعض الشيء، لكننا كنا ننتظر عوض الله بعد تأخرنا في الإنجاب. يا رب، قدّر لي الخير، وأبعد عني الشر، ونجني منه بسلام..
...
استيقظت على صفعة قوية رنت على وجهي. نهضت مذعورة.
إيه؟! في إيه؟!
فتحت عيني، فلم أرَ شيئًا من قوة الضربة، ثم ضغط بقدمه على السرير وجذبني من شعري، صائحًا:
أنا واحدة زيك تعمل معايا كده؟! تخدعني وتبعيني؟! ده إنتي أيامك سواد! قومي، قوليلي... فين الفلاشة اللي أخدتيها؟ يلا!
قال كلمته الأخيرة بصوت جهوري، فشعرت بعينيّ تغشاهما الضباب، ثم تحوّل كل شيء إلى سواد... ولم أعد أشعر بشيء سوى...
هاااا... اهـ!
شهقت من شدة برودة الماء على وجهي. وجدت نفسي جالسة على كرسي، مقيدة من قدمي، ويديّ خلف ظهري. وكان هو أمامي، جالسًا على كرسي مقابل، يتأملني بغلٍّ شديد.
من شدة الألم والوجع، دعوت الله أن ينقذني سريعًا، أن يأتي ذلك الشخص الذي وعدني بالمساعدة. لكن هل كنت مجرد طُعم؟ هل تركوني له؟ هل خُدعت؟
آاااه
جذبني من شعري للخلف، واقترب من وجهي:
لا، فوقي! إحنا ما عملناش حاجة لسه... ده لسه في أولها.
لاحظت إصابة في ذراعه، يبدو أن المداهمة وقعت بالفعل، لكنه استطاع الهرب وجاء لينتقم
رغم إصابته، كانت قوته لا تزال قادرة على تحطيم الجبال.
إنت عايز إيه مني؟ سيبني! حرام عليك! أنا عملت إيه؟ ليه بتعمل كده؟!
بتّ، إنتي، قسماً بربي... لو ما اتكلمتي عدل، هتشوفي وش عمرك ما شوفتيه، ولا تحبي تشوفيه! انطقي... فين الميكروفيلم؟! هق.تلك لحد ما تعفني! انطقي!
مخدتش حاجة! معرفش إنت بتتكلم عن إيه! نزار، سيبني... إنت بتخوفني أوي...
دار حولي مرارًا، كأنما يفكر ماذا سيفعل بي. كنت مرعوبة، أرتجف. ثيابي مبتلة، وقلبي ينهار.
الضابط قال لي: هتلاقيني قدامك... لكنني كنت أرتجف، أصرخ من شدة الخوف.
ااااهـ! اهــ! اهــاااهـــ!
صرخت بأعلى صوت. جسدي كان يرتجف من شدة الكهرباء التي كانت تصعقني، وهو يضحك عليّ، كأن الألم يسرّه. كان يمسك سلكين متصلين بجهاز لم أكن أعلم ماهيته، حتى قال بصوت مخيف
هفضل أكهربك لحد ما تموتي، وأكون آخر حد شوفتيه، وعنيكي شافته. قولي... فين... حالًا
يلااااا
يتبع