رواية نسمة متمردة الفصل العاشر10 بقلم امل مصطفي
في فيلا مروان، اجتمع الجميع في غرفة المعيشة في جوٍّ أسري جميل افتقدوه منذ وفاة ابنتهم. كانوا يشاهدون أحد الأفلام، وقد خيّم على المكان دفء افتُقد لسنوات.
كانت حنين ونسمة تجلسان بجوار بعضهما البعض، ترفعن أقدامهما على ذراع الأريكة، وترتديان الملابس ذاتها: بنطالًا أحمر وبلوزة بيضاء بنصف كم، كُتب عليها "Love" باللون الأحمر. كانت نسمة تمسك بلوح كبير من الشوكولاتة، تكسر منه مكعبات لها ولحنين، وتأكلانه بسعادة.
أما مروان، فكان يجلس متابعًا نسمة بانتباه واستمتاع، لم يرَ شيئًا من أحداث الفيلم، إذ كان كل تركيزه منصبًا عليها. كان يراقبها في أدق تصرفاتها، راغبًا في مداعبتها ومشاركتها تلك اللحظات.
التفت إلى حنين قائلاً بحنان:
— "حبيبة بابي، ممكن أدوّق الشيكولاتة؟"
ردّت حنين رافضة:
— "لا يا بابي، دي بتاعت البنات بس."
— "وبابي؟" سألها مازحًا.
قالت بثقة طفولية:
— "لا يا بابي، الرجالة مش بيأكلوا شوكولاتة، لأنهم أقوياء، لكن البنت جميلة وناعمة زي الشيكولاتة."
ضحك الجميع على تلك الطفلة التي تتحدث بطريقة تفوق عمرها.
قال مروان مستعطفًا:
— "طيب، عشان خاطر بابي، حتة صغيرة."
أجابت حنين بمرح:
— "خلاص، هقول لمامي، وبعدين أرد."
ثم اقتربت من نسمة و همست في أذنها، وركضت فجأة وهي تصرخ:
— "يلا يا مامي!"
ضحكت نسمة و نهضت تركض خلفها، بينما لحق بهما مروان، ضحك كلا من سهير ووجدي، الذين افتقدوا هذه الحياة منذ سنوات.
قال وجدي بدهشة:
— "أنا مش مصدق إن ده مروان ابني... ده معملهاش وهو صغير!"
أجابته سهير بسعادة:
— "الحب بيغيّر الإنسان، و يشوف الدنيا وردي، و يطلّع منه تصرفات ماكنش يتخيل إنه يعملها."
أما مروان، فكان يشعر بالحياة لأول مرة منذ زمن بعيد، بعيدًا عن روتين المكاتب و ضغوطها. ركض خلفهما، وهو يصرخ:
— "والله ما سايبكم... أنا تخدعوني؟!"
ركضت نسمة وحنين في كل الإتجاهات بعشوائية، و ضحكاتهما تملأ المكان. اختبأتا خلف أحد الحوائط.
همست حنين:
— "بابي راح فين؟"
نسمة هامسًه:
— "مش عارفة يا حنون."
وفجأة، صرخت نسمة عندما وجدت نفسها ترتفع عن الأرض.
ركضت حنين وهي تصرخ، أما نسمة، فلم تستطع الإفلات منه، ووجدت نفسها بين أحضانه. كانت وجوههما قريبة بشكل يكاد يُهلك قلبها العاشق.
نظرت نسمة في عيني مروان، فتوقّف كل شيء حولهما. عيون تنطق عشقًا.
أما مروان، فهام في لون عينيها، وفي جمال خضارها الساحر.
قال بصوت مفعم بالمشاعر، وقد غلبه قربهما:
— "أنا كسبان... و أستحق جايزة."
---
رفعت نسمة يدها إلى مروان بلوح الشوكولاتة دون أن تنطق بكلمة. اقترب منها، وهمس أمام شفتيها بصوت خفيض:
— "لا... أنا عايز من الشوكولاتة بتاعتي."
ثم انحنى وقبّلها بحب واستمتاع، قبلة صادقة خرجت من أعماق قلبه.
لم تقاومه نسمة، ولم تحاول الابتعاد، بل لفت ذراعيها حول عنقه، وبادلته جنونه بشوقٍ متبادل. وبعد لحظات، تركها لالتقاط أنفاسها، وهمس:
— "بعشقك يا نِسْمتي... وكل حياتي."
فاقا على صوت حنين تصرخ بمرح:
— "ييييه، أتمسَكتي يا مامي!"
ارتبكت نسمة وقالت بتوتر وهي تُخفي وجهها:
— "نزّلني يا مروان، ما ينفعش البنت تشوفنا كده!"
لكن مروان، وهو يغمز لها، أجاب بمشاكسة:
— "أنا مرتاح كده."
توسلت إليه برجاء:
— "مروان..."
فرد عليها بنبرة هادئة، وفيها من المزاح الشيء الكثير:
— "تُؤ، مش هنزلك غير جوا، ولا آخدك وأطلع... وشوفي هيفكروا في إيه!"
قالت وهي تكاد تموت خجلًا:
— "لا... خلاص."
عاد مروان وهو يحملها بين ذراعيه، بينما كانت تضع رأسها على صدره، عاجزة عن رفع عينيها من شدة خجلها.
تحدثت سهير مازحة:
— "إيه ده؟ مروان هو اللي كسب؟!"
جلست حنين بجوار جدتها بحزن وقالت:
— "آه، شفتي يا تيتة؟... هياخد الشوكولاتة بتاعتنا!"
انحنى مروان و قبّلها قائلاً:
— "لا يا حبيبتي، مش هاخدها... أنا خدت حقي خلاص."
هتفت سهير بخبث، وهي تبتسم:
— "إزاي يا حبيبي؟ هو مش كل ده عشانها؟"
غمز مروان لها بتحايل مرح، وأجاب:
— "لا... أنا كُلت من نوع فاخر!"
ثم استدار وهو يلوّح لهم:
— "تصبحوا على خير."
************
كانت نسمة تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها من شدة الإحراج. كانت تعلم جيدًا أن ما حدث وصل إلى سهير ووجدي، وكأنهما قد رأيا كل شيء بأعينهما.
قال وجدي بمرح، وهو يرمقها بنظرة ذات مغزى:
— "إيه يا حبيبتي؟ مش هتطلعي لجوزك؟ ليكون محتاج حاجة!"
ارتبكت نسمة وردّت سريعًا:
— "ها؟!"
ضحكت سهير وقالت بحنان:
— "سيبوا البنت في حالها. يلا يا حبيبتي، اطلعي نيمي حنين وارتاحي شوية."
حملت نسمة حنين بين ذراعيها، محاولة الهروب من الموقف المحرج، ثم قالت وهي تبتعد:
— "تصبحوا على خير."
**********
بعد مرور بعض الوقت، خرجت سهير إلى الريسبشن، وجدت مروان يقف هناك، يتلفت حوله بحيرة.
قالت بمكر:
— "خير يا مروان؟ مش كنت بتقول هتنام؟ ولا فيه حاجة عايز أعملها لك؟"
شعر مروان بحرج شديد من والدته، ولعن في داخله غباء تصرفه.
— "أحم... كنت، يعني... أصل كنت عايز نسمة، أسألها على حاجة."
ردّت سهير بسعادة:
— "نسمة طلعت بعدك على طول، تنيم حنين. شوف إنت عايز إيه، وأنا أعمله."
قال مروان وهو يستدير للصعود:
— "شكرًا يا حبيبتي... تصبحى على خير."
تابعته سهير بنظرات مشتاقة، وقالت في سرها: "ربنا يسعدك يا حبيبي... وأشوف عيالك."
*******
فتح مروان باب غرفة حنين بهدوء، وجدها نائمة في أحضان نسمة. شعر بغيرة خفية تسري في قلبه. اقترب من السرير، وجلس على طرفه، ثم حرّك أنامله بنعومة على كتفها العاري، ثم على عنقها، حتى وصل إلى شفتيها بشوقٍ دفين.
تململت نسمة عندما شعرت بشيء يتحرك على جسدها. فتحت عينيها ببطء، فالتقت بنظرة مروان المليئة بالرغبة.
تورد وجهها بخجل، اعتدلت في جلستها، و همست:
— "فيه حاجة؟"
ردّ عليها مروان بنظرة عاشق وهمس:
— "مكانك... في حضني أنا وبس."
ثم حملها بين ذراعيه.
---
تحدثت نسمة برفض خافت:
— "مروان، ما ينفعش كده... أنا هنام مع حنين."
لكن مروان لم يترك لها فرصة للابتعاد، اقترب منها، وهمس عند أذنها بصوت خافت و مرتجف:
— "أنا بعشقك يا نسمة."
كأن تلك الكلمة كانت المفتاح السحري لرضوخها؛ لتتعلق بعنقه وهي لا تصدّق اعترافه، ولا تلك الطريقة الرومانسية التي قالها بها.
*******
وقف نادر متفاجئًا عندما رأى الفتاة صاحبة المشكلة تقترب منهم على استحياء، وهي تسند رجلًا كبيرًا في السن، بدا عليه التعب.
قال الرجل، موجّهًا حديثه لابنته بنبرة حازمة:
— "يلا يا لمار، واقفلي عليكي كويس."
غادرت لمار دون نقاش، بينما توجّه الرجل نحو نادر، الذي بادر بمساعدته على الجلوس.
قال الرجل بامتنان:
— "شكرًا يا ابني... أنا جيت أشكرك، لأنك أنقذتها من ولاد الحرام دول."
أجابه نادر بأدب:
— "لا شكر على واجب يا حج، دي زي أخواتي البنات."
نظر الرجل إلى أحمد وسأله:
— "هو ده معاك؟"
— "آه، ده صاحبي." أجابه نادر.
هزّ الرجل رأسه، ثم قال:
— "طيب، ممكن أكلّمك على جنب، بعيد شوية؟"
— "آه طبعًا، اتفضل." رد نادر، وهو يتبعه.
ابتعدا عن أحمد قليلًا، ثم تحدث الرجل بنبرة جدية:
— "بص يا ابني، مجرد دخولك في مشكلة مالكش دعوة بيها علشان تحمي شرف بنت متعرفهاش... ده دليل على أصلك الطيب. وعشان كده... عايز أديك بنتي."
تجمّدت ملامح نادر، ونظر إلى أحمد الذي كان يتابع المشهد من بعيد، كأنهما لم يفهما ما قيل.
سأل أحمد، مستفسرًا:
— "قصدك إيه يا حج؟ معلش وضّح."
تنهد الرجل بحزن، وكأنه يشعر بثقل قراره، ثم قال:
— "هي بنتي الوحيدة... وشكلكم ولاد ناس. وأنا كنت عايزاها تتجوز حد يحميها."
ضحك نادر ضحكة مريرة، وقال وهو يشير إلى وجهه المتورم:
— "حضرتك مش شايف وشي؟ ده أنا اتروّقت! ولولا تدخل صاحبي، كنت في عداد الأموات. يعني مش عارف أحمي نفسي... أحميها إزاي؟!"
تحدث والد لمار بصوت باكٍ، وهو ينظر إلى نادر برجاء:
— "أنا راجل كبير، زي ما أنت شايف... ومريض. أيامي في الدنيا معدودة، وهي ملهاش غيري. والوضع اللي شوفته ده بيحصل في الرايحة والجاية. الناس هنا بتخاف منهم، وأنا خايف عليها... مرّة يعملوا فيها حاجة، أو بعد موتي حد منهم يأذيها."
تنهد بألم، ثم أضاف:
— "وأنا مش هقدر أحميها. علشان كده، كنت عايزك تكتب عليها... وتاخدها معاك."
تأثر نادر بكلماته، ونظر إليه بعينٍ دامعة، ثم قال بهدوء:
— "حضرتك متعرفش عني حاجة علشان تعطيني بنتك..."
رد عليه الرجل بإصرار ممزوج بالحزن:
— "تصرفك دليل عليك. أنا في أي لحظة ممكن أقابل وجه كريم. أرجوك، صدقني... مش سهل على أب يعرض بنته بالشكل ده، ولا يرخصها."
هتف نادر بسرعة، مقاطعًا:
— "حاشا لله! مش قصدي كده... بس أنا في أول مشواري، ومعايا أبويا وأمي، وبنتين في رقبتي. وظروفنا... هل قدنا؟"
ابتسم الرجل رغم ألمه، وقال:
— "ده يخليني أتمسك بيك أكتر. طول ما بتصون أهلك، تبقى هتصون بنتي."
قاطع أحمد الحديث فجأة، وهو يهتف:
— "خلاص يا نادر!"
التفت نادر إليه بذهول:
— "أنت بتقول إيه يا أحمد؟ ده عايزني أكتب عليها وأخدها وأنا ماشي! هقول إيه لأهلي؟ هقولهم إيه؟ معلش... أنا اتجوزت؟!"
رد أحمد بصوت هادئ يشجعه:
— "يا عم، سيبها على الله. اعتبرها أمانة... والله، لو ارتحتوا لبعض، كملوا. ما ارتحتوش؟ اعتبرها أخت ثالثة. ولما تلاقي لها ابن الحلال، جوزها."
قال الرجل بامتنان، ونظرة راحة بدأت تتسلل إلى وجهه:
— "أهو صاحبك حلها. وبعدين هي معاها دبلوم تمريض، يعني هتشتغل وتساعدك على المعيشة."
نظر إليه نادر وقال:
— "طيب... وأنت؟"
رد الرجل بإيمان عميق:
— "أنا معايا ربنا... أهم حاجة، هي تبعد عن هنا قبل ما تضيع."
عاد والد لمار إلى البيت، ووقف يناديها بصوت هادئ مكسور:
— "لمار، حبيبتي... لمي هدومك في شنطة، عشان هتروحي بيت جوزك."
تجمّدت لمار في مكانها، وظلت صامتة للحظات، تحاول استيعاب ما قاله. ثم نظرت إليه بصدمة، وقالت:
— "جوز مين يا بابا؟!"
لم ينظر إليها، بل أكمل طريقه نحو غرفته وهو يقول:
— "الشاب اللي دافع عنك."
تحركت خلفه بخطوات متعثرة وصدمة أكبر ترتسم على وجهها، ثم أسرعت لتوقفه، وقفت أمامه بعينين دامعتين وهمست:
— "إزاي بس يا بابا؟! أنا معرفهوش... وليه هيتجوزني؟! وهو حتى ما يعرفش اسمي!"
هتف والدها بصوت حزين:
— "خلاص... الموضوع انتهى. هو راح يجيب المأذون وجاي."
---
وصل نادر وأحمد ومعهما المأذون، بالإضافة إلى أحد الجيران ليشهد على العقد. تمّ عقد القران في جوّ مشحون بالحزن والتوتر، خالٍ من أي بهجة.
أما لمار، فجلست في غرفتها تبكي بحرقة، بعد أن أجبرها والدها على التوقيع على أوراق الزواج، دون أن يُمنح لها حقّ الرأي أو الاختيار.
استأذن والدها الحضور، ثم توجّه إلى غرفة ابنته. كان قلبه يعتصر ألمًا على فراقها، لا يعلم كيف سيمرّ عليه هذا اليوم دون رؤيتها أو الحديث معها، لكنه كان مضطرًا... ابنته ضعيفة، ولن تقدر على مجابهة الحياة وحدها.
أغمض عينيه لحظة عندما رآها على تلك الحال، ثم اقترب منها وجلس بجوارها، وقال بصوت متهدّج:
— "بُصي يا بنتي... إنتِ عارفة إنك أغلى عندي من الدنيا كلها، بس ما فيش في إيدي غير الحل ده علشان أحافظ عليكي. انسَي كل حاجة تخص المكان ده... حتى أنا."
صرخت وهي تبكي بحرقة، وعيونها تمتلئ بالعتاب:
— "ليه كده يا بابا؟! أنا عملت حاجة ضايقتك علشان ترخصني كده؟! ما فكرتش هو هيقول عليّ إيه؟! أو أرفع راسي قدامه إزاي وأنا معروضة عليه ببلاش؟!"
رد عليها بصوت مخنوق:
— "لا يا حبيبتي... طول عمرك غالية، وزي البلسم على قلبي... بس أنا عايز أرتاح من التفكير في بكرة."
بعد مرور بعض الوقت، توقّف أحمد بسيارته أسفل منزل نادر، بينما كان الأخير يجري اتصالًا هاتفيًا بوالده:
— "لو سمحت يا بابا، تعال تحت البيت... وهات هناء معاك."
لم يتأخر والده، وما إن نزل حتى فوجئ بوجود فتاة تبكي بجانب ابنه. تسلل القلق إلى قلبه، واقترب يسأل بقلق:
— "مين دي يا نادر؟ وبتعيط ليه كده؟"
أجابه أحمد بهدوء:
— "ممكن حضرتك تدخل معانا العربية، ونحكي لك كل حاجة."
التفت نادر إلى شقيقته:
— "هناء، خدي لمار معاكي فوق."
ركب الجميع السيارة، وبدأ نادر في سرد ما حدث لوالده، دون أن يخفي أي تفصيلة.
تنهد الأب بحزن وقال:
— "لا حول ولا قوة إلا بالله... هو فيه كده؟!"
تدخل أحمد موضحًا:
— "بص يا عمي، نادر ماكنش موافق في البداية، بس دموع الراجل الكبير أثّرت فينا. أنا اللي طلبت منه يوافق... تكسبوا فيها ثواب."
ابتسم والد نادر بلطف وطيبة قلب:
— "ومالُه... ربك ما بيسيبش حد. كان عندي بنتين، بقوا تلاتة. وربنا هو الرزّاق."
قال نادر وهو يشعر ببعض الارتياح:
— "طيب، أنا هاخد هدوم الشغل وهبات مع أحمد."
نظر إليه والده ساخرًا:
— "وإنت هتروح الشغل بوشك المشلفط ده؟! بذمتك، ده شكل مهندس؟!"
انفجر أحمد ضاحكًا، بينما نظر إليه نادر بغيظ:
— "اضحك... اضحك، ما هو الكلام جاي على هواك!"
ثم التفت إلى والده، وقال بجدية:
— "بابا، بلاش حد يضايق لمار بالأسئلة. كفاية إحساسها إن باباها رماها ليا... البنت ما بطّلتش عياط."
طمأنه والده بنبرة حانية:
— "ما تخافش يا ابني... وربنا يوسعها عليك."
صعد نادر بصحبة والده إلى الشقة لجمع متعلقاته. وهناك، توجه إلى لمار وقال بلطف:
— "لو سمحتي يا لمار، ممكن كلمة؟"
هزّت رأسها، ونهضت خلفه بصمت. دخل إلى غرفة البنات، وتبعته.
في تلك الأثناء، سألت أم نادر زوجها بقلق:
— "هو فيه إيه يا أبو نادر؟ ومين دي؟"
روى لها ما حدث، وأوصاها بلهجة حاسمة:
— "إياكي تفتحي معاها أي موضوع يجرحها أو يخليها تحس بالغربة."
في الغرفة، جلس نادر على السرير، وأشار لها بالجلوس إلى جواره. جلست على استحياء، فمهما حملت اسمه، ما زال غريبًا عنها، ولم يمر على معرفتهما سوى ساعة واحدة.
قال نادر بصوت هادئ:
— "أنا عارف اللي حصل مش سهل عليكي... ولا عليّا. بس ربنا ليه حكمة في كل حاجة. أنا معاكي في كل حاجة تطلبيها، بس اصبري... ونشوف الأيام مخبية لنا إيه."
ثم أكمل مطمئنًا:
— "والبيت ده بيتك... وأهلي هما أهلك. وباباكي ده أعظم أب في الكون، اللي يعمل كده علشان يحمي بنته، يتشال على الراس. ادعيله دايمًا."
تردّد قليلًا، ثم قال:
— "اتصاحبي على أخواتي وأمي... ما تتكسفيش منهم. أنا هبات مع أحمد، وده رقمي، لو احتجتي أي حاجة، كلميني على طول."
نظرت إليه لمار بعينين دامعتين، وقالت بصوت خافت:
— "أنا آسفة... لأني لخبطتلك حياتك."
ابتسم نادر بحنان، وأجاب:
— "مافيش لخبطه ولا حاجة... بس مش عايز دموع. وإلا... هزعل منك."
