رواية نسمة متمردة الفصل الحادي عشر11 بقلم امل مصطفي
دخلت شهد إلى الداخل، فوجدت سهير ونسمة تجلسان. ألقت التحية وجلست بجوارهما.
سألت نسمة شهد عن أخبارها، فأجابتها:
– الحمد لله.
اعتذرت سهير وهي تهم بالرحيل:
– معلش يا شهد، أنا ماشية، هروح النادي... أصحابي عايزني.
ردّت شهد بهدوء:
– براحتك يا طنط، أنا هقعد مع نسمة شوية.
ابتسمت نسمة بحب وقالت:
– اللبس الواسع جميل جدًا عليكي يا قلبي... ربنا يتقبّل.
هتفت شهد بخجل:
– يعني ممكن أحمد يتقبلني كزوجة؟
نظرت إليها نسمة بصدمة، لكنها عندما رأت تعابير الحزن البادية على وجه شهد، تخطّت صدمتها وقالت:
– هو يلاقي زيك فين؟
استجمعت شهد شجاعتها لتُخرج ما في داخلها. هي ليست من الشخصيات البريئة الساذجة، لكنها وُلدت في مجتمع لا تربطه مبادئ ولا قوانين سوى المال والنفوذ. وقعت في طريق أحمد ونسمة، وكانا الخلاص بالنسبة لها.
قالت بصوت مفعم بالصدق:
– بصي... أنا بنت وحيدة، وكان نفسي يكون ليا أخت أتكلم معاها عن مشاكلي و أحكيلها أسراري. ممكن تكوني الأخت دي؟
احتضنتها نسمة بحنان وقالت:
– طبعًا يا حبيبتي... في أي وقت هتحتاجيني، هتلاقيني معاكي.
تنهدت شهد وقالت بحرقة:
– أنا بحب أحمد جدًا، و بتمناه زوج ليا. عمري ما عشت المشاعر دي غير معاه.
ثم أكملت:
– بس هو شايفني بنت مدلعة و مستهترة عشان لبسي و عفويتي، بس والله أنا مش كده. أنا فتحت عيوني لاقيت الكل بيلبس كده، حتى ماما وبابا و أخويا، محدش فيهم كان بيعترض. فهعرف منين إن ده غلط؟
صمتت قليلًا ثم تابعت:
– بس من يوم ما شوفته، لاقيته دايمًا الناصح... وأنا بحاول أكون الصورة اللي بيتمناها. فلو ممكن تساعديني أكون زوجة تليق بيه...
شعرت نسمة بحيرة شديدة. لا تريد أن تجرحها، وفي الوقت نفسه لا تود أن تقطع صلتها بربها. هي تعرف أخاها جيدًا، وتخاف أن تترك شهد تسبح في أوهام.
قالت بحذر ومحايدة:
– هو بيعاملك كأخت، ومش عايزاكي تعلقي نفسك بيه على الفاضي.
سألتها شهد، وقلبها يتألم:
– يعني هو قال إني زي أخته؟
ردت نسمة سريعًا:
– لا، لا أبدًا... ما اتكلمناش في الموضوع ده خالص. بس أنا عارفة أخويا وتفكيره. أنتي من عالم، وهو من عالم تاني خالص.
---
أحمد ملتزم، وعارف ربنا، وله نظام عايش عليه، ومش ممكن يقبل حياتكم المنفتحة.
مراته هتعيش مع أهله مش مع أهلها، وأكيد أهلك مش هيرضوا بنتهم تسيب الفيلا وتعيش في شقة.
ردت شهد بلهفة:
– أنا ممكن أعيش معاه في أي مكان.
لهفتها كانت واضحة، فأجابتها نسمة بحنان:
– أنا بحبك وأتمنى تكوني مرات أخويا. وبعدين، كفاية إنك بتحاولي تتغيري عشانه وبتحاربي حياتك اللي اتربيتِ عليها.
ثم تابعت:
– أنا هتكلم معاه وهرد عليكِ، بس لو الرد عكس تفكيرك، ما تزعلِيش، ماشي؟
شهد شعرت بحيرة شديدة. هل ستستطيع أن تكمل حياتها إذا رفض حبها؟ ولكن لم يكن بيدها شيء غير الموافقة. وقفت وهي ترد بصوت منخفض:
– حاضر، بعد إذنك.
نسمة تعجبت من حالتها وسألتها:
– رايحة فين؟ خليكي معايا.
ابتسمت شهد قليلًا، ثم بررت هروبها:
– ماما جايّة النهاردة من السفر، ولازم أكون في استقبالها.
قالت نسمة بحنان:
– طيب يا حبيبتي، خلي بالك من نفسك وسلمي عليها.
خرجت شهد، وقابلت مروان وأحمد. رمقت أحمد بنظرة حزينة، بينما ناداها مروان وهو يسألها:
– شهد، أنتي رايحة فين؟
ردت شهد بحزن:
– معلش يا أبيه، ماما جايّة من السفر ولازم أكون في استقبالها.
لم يعرف أحمد سبب ضربات قلبه المتسارعة، التي كانت تتعالى بين ضلوعه عند رؤيتها. ألقي عليها التحيّة وقال:
– إزيك يا آنسة شهد؟
كادت شهد أن تبكي، لكنها ردّت بصوت مخنوق:
– إزيك يا بشمهندس.
ثم توجهت إلى سيارتها دون أن تقول المزيد.
نظر أحمد إليها، ولا يعلم ما بها، ولكن منظرها جعله يشعر بالحزن
********
كانت سهير جالسة في النادي، تتحدث مع أيهم، ابن أختها. هو عكس مروان تمامًا، شخصية مرحة، عاشق للنساء.
يركض خلف الجمال ولا يتوقف عند واحدة، يتنقل من فتاة إلى أخرى، ولا تستعصي عليه أي أنثى بسبب وسامته وأسلوبه الجذاب. كان اللعوب في جذبهن كما لو كان يلقي عليهن تعويذة أو يسحرهن.
سألت سهير بلهجة حازمة:
– هتجي الساعة كام؟ أصل أنا عايزاك تقابل نسمة قبل ما مروان يرجع.
رد أيهم:
– الساعة تسعة، هتكون الطيارة على أرض الوطن.
ثم أكمل بعدم تصديق:
– أنا مش عارف إنتِ بتعملي ليه كده؟ إنتِ عارفة إنه مش بيحب نسمة دي، وقلبه مع شاهي. يبقى ليه تعب القلب ده؟
لم يعجبها إدخال شاهي في حوارهم، فهتفت بغضب:
– ولد! إنت معايا ولا معاه؟ أنا عارفة إنه صاحبك وبير أسرارك، بس إنت بتساعده وبتساعدني. لو مش عايز، خلي نفسك ماتجيش.
ضحك أيهم على عصبيتها وقال مازحًا:
– مالك يا سوسو؟ عصبية ليه؟ أويعني يكون وجدي طنشك وماشي مع مزه اليومين دول وعايزه تطلعيه عليا أنا وابنك الغلبان؟
ثم أضاف بسخرية:
– ولد اتلم!
أجاب أيهم بعد أن تهدأ ضحكته:
– بهزار! خلاص جوزيهالي، وإكسبي فيه ثواب. تمسكك بيها دليل على إنها برفيكت.
تحدثت سهير بتمني:
– معلش يا حبيبي، قلبها ملك ابن خالتك.
*********
دخل مروان وأحمد، ليهتف مروان:
– أزيك يا ناني، وحشتيني.
ابتسمت له بحب وقالت:
– الحمد لله.
ثم التفتت إلى أخيها أحمد، وقالت:
– حبيبي، أزيك؟
اقترب منها أحمد ليقبل وجنتها، وقال:
– أزيك يا قلبي، وحشاني.
تحدث مروان بغيرة:
– يعني هو بوسة وحضن، وأنا من بعيد؟
أقترب منها مروان وقال:
– على فكرة، أنا جوزك وأولي بيكي من أخوكي.
ثم جذبها إلى حضنه، وهي خجولة من أخيها.
أما أحمد فكان يشعر بسعادة من اهتمام مروان بأخته، لأنه يعلم كم تعشق زوجها.
بينما هتف مروان بتهديد:
– لو كنت أعرف أنك جاي تاخد مراتي، ماكنتش جبتك!
أحمد ضحك وقال بمرح:
– والله ما خدت حاجة، حتى فتشني!
ضحك مروان وقال:
– هعديها عشان خاطر أنت أخو حبيبتي.
– تشكر يا أبو نسب، نردهالك في الأفراح.
ثم سأل مروان عن والدته:
– ماما في النادي؟ وحنين جت من الحضانة؟ أكلت ونامت؟ وبابا جوه في المكتب؟
هتف مروان وهو يصعد:
– ماشي يا أبو عيون خضرا، هاخد شاور وأنزل بسرعة.
إلتفت أحمد إلى نسمة، ثم نظر إلى شهد، فلاحظ أنها كانت تبدو حزينة.
نظرت نسمة إلى أخيها بتعجب، ثم هتفت بخبث:
– حتى تعاقبه على إخفاء مشاعره عنها لأول مرة... أصلها بتحب.
كان كلامها صدمة كبيرة له.
– بتحب؟ هي قالتلك كده؟
– أه، بس حظها وحش، اللي بتحبه رافض حبها. وهي تعبانه جدًا، وكانت جايّة تسأل تعمل معاه إيه؟
شعر أحمد بقلبه ينشطر إلى قطع صغيرة من شدة الألم. فمن دق لها القلب واختارها دونًا عن كل النساء، تعشق غيره. تغيرت ملامحه وأصبحت حزينة. تحدث إلى نسمة، فقال:
– معلش يا حبيبتي، مضطر أمشي، بلغِ مروان.
رق قلب نسمة عندما شعرت بألم أخيها، فقالت بحزن:
– ليه يا حبيبي؟ خليك معانا.
كان يشعر باختناق، يريد الاختلاء بنفسه، ثم رد برفض:
– معلش، وقت تاني.
أردت نسمة تصليح خطأها، فصمتت للحظة ثم قالت:
– طيب، مش عايز تعرف شهد بتحب مين؟
أحمد، وهو يزدرد لعابه:
– مش مهم، المهم إن ربنا يسعدها ويريح قلبها.
ولكن نسمة أكملت بحذر:
– بتحبك إنت يا أحمد.
التفت لها أحمد بذهول، ثم أكملت:
– أه يا حبيبي، بتحبك إنت. وكانت عايزة تعمل أي حاجة تخليها تليق بيك. ليه ما حكيتش لأختك؟
جلس أحمد، كأنه لم يعد يستطيع السيطرة على قدميه.
– معقول؟ الحب يضعف الشخص لتلك الدرجة؟
– مش عارف، مشاعري بحس إنها بنتي، أختي. محتاجة رعاية ومتابعة. بحس جواها طفلة.
– بكون مبسوط لما بشوفها، لكن جواز؟ ما فكرتش فيها كده. لأنها مش هتقدر على طبعي. أنا من عالم، وهي من عالم تاني.
نظر أحمد إلى نسمة، ثم تحدث بمرارة:
– سهل على اللي زيّنا يعيش في عالم منفتح، لكن صعب على اللي زيها تعيش بعد الانفتاح ده في عالم مغلق له حدود وعادات.
نسمة، وهي تشعر بالحنان تجاهه، قالت:
– بس شهد بتحبك، والحب بيعمل المعجزات. حبك واهتمامك هيخليها تكتفي بيك. هي مش محتاجة أكتر من الحب والاهتمام. أنت عارف، تعتبر لوحدها رغم وجود أهلها. هتكون ملكك إنت. أنا شوفت عشقها في عيونها. هي تستاهل المحاولة.
أحمد بدا عليه الحزن الشديد، فقال:
– صدقيني، أنا ما اهتميتش بوحده ولا خوفت عليها زيها. هي ليها مكانة خاصة في قلبي. حسيت بحزنها كأنه جوايا. اتمنيت أخدها في حضني وأشيل منها كل الحزن.
نسمة، التي شعرت بعمق مشاعره، ابتسمت وقالت بسعادة:
– الله الله، ده حبيبي طلع رومانسي وبيقول شعر!
ثم تحدثت بجديّة:
– بص، الفرصة بتيجي مرة واحدة، متضيعهاش.
*********"
كانت نسمة تسير بين زميلاتها في المول لشراء هدية لإحدى زميلاتها المريضة، تستمتع بمشاغبتهن.
فجأة هتفت إحداهن:
– أنا عايزة آيس كريم!
أكملت رانيا بسخرية:
– وأنا هوت شوكولات.
بينما قالت شرين بتعجب:
– ومين هيدفع؟ إن شاء الله؟
وفاء ورانيا في نفس الوقت، قالوا:
– أنتي طبعًا!
تأملتهم شرين بصدمة، ثم استشعرت صدقهم، لتردف بعدم رضا:
– نعم يا أختي، دانا لميت ثمن الهدية بالعافية.
اقتربت منها وفاء، وضعت يدها على كتف شرين وهي تمثل البراءة:
– يعني، خسارة فيا آيس كريم؟
أبعدتها شرين بخفة وقالت:
– لا، خسارة ليه؟
هتفت نسمة بملل:
– باسسسس، أنا العزماكم!
البنات، بفرحة كبيرة، ردّوا:
– تعيش نسمه يا نسمه يا تعيش!
ضحكت نسمة بمرح، وهي تردد:
– أنا مش عارفة مصاحبكم أزاي! يلا يا اختي انتي وهي.
مرّت شرين عينيها على المكان الذي كانت تتوجه إليه نسمة، وقالت بقلق:
– لا، مش هدخل المكان، شكله غالي.
أجابت وفاء:
– فعلاً يا نسمة، المكان غالي. ليشغلونا عندهم، تخليص حق!
ردّت نسمة على وفاء مازحة:
– يلا يا هبلة، منك ليها.
جاء شاب وأخذ طلباتهم، وجلسوا يتسامرون حتى نزل الأوردر.
وقفت نسمة لدفع الحساب، وقالت:
– يلا، أنا اتأخرت.
ثم دفعت الحساب، وهي تلتفت لترى ما جعل قلبها ينكسر في لحظة.
سألتها وفاء بقلق:
– مالك يا نسمة؟ وقفة كده ليه؟
لملمت شتات نفسها، وهتفت بتوتر:
– لا، أبدًا. يلا نمشي.
*********
دلف مروان إلى غرفته، فوجد نسمه جالسة وهي تضع يديها على ركبتها وتضع رأسها فوقهما، وتستمع من خلال الهاند فري.
اقترب منها وأخذ إحدى السماعات ليستمع معها، فوجدها تستمع إلى أغنية عمرو دياب:
حسيت إني لاقيت حلم السنين وصحيت فجأة... بقيت من المجروحين.
رفعت نسمه عيونها، كانت حمراء من كثرة البكاء.
جلس مروان بلهفة، وقال:
– مالك يا حبيبتي؟ حد ضايقك؟
ظلت نسمه تنظر إليه دون أن تتكلم.
اقترب منها حتى يضمها، لكنها ابتعدت عن مرمى يده بعنف، لدرجة أنها اصطدمت بظهر السرير خلفها.
مروان، مستغربًا:
– للدرجة دي مش طايقة لمستي؟
نظرت له بإنكسار وقالت بصوت ضعيف:
– لو سمحت، عايزة أكون لوحدي.
لم يرد، وقال بتفهم:
– براحتك يا نسمه. ولو إحتاجتي تتكلمي في أي وقت، هتلاقيني موجود.
ثم تركها وخرج من الغرفة بغضب.
مرت الأيام، وشعر مروان أن هناك تقاربًا بينهما، لكن في لحظة معينة شعر أنه يعيش في وهم.
فهي لن تنسى أبدًا ما تفوه به لسانه في ليلة زفافهما.
