رواية ساهر الفصل العاشر10بقلم داليا السيد


 رواية ساهر بقلم داليا السيد
رواية ساهر الفصل العاشر10بقلم داليا السيد
أنا السبب
لم تتركه والاسعاف تسرع به للمشفى والجميع يتبعها بالسيارات، المشفى تلقته بسرعة وهي لا ترى من دموعها والجميع يدفعونه بسرعة على السرير المتنقل إلى غرفة العمليات ويدها تقبض على يده وعيونها مستقرة على وجهه الشاحب وعيونه المغمضة، ما زال هناك نبض، لم يخبروها برحيله، لن يتركها هو الآخر لا، لن يفعل، ستموت لو تركها هو الآخر، جذبتها الممرضة بصعوبة لتتركه وهم يدفعونه لغرفة العمليات وما أن ارتدت حتى تلقتها راشيل وهي تهتف 
"حبيبتي اهدئي"
هي لا تسمع ولا ترى أحد سوى وجهان؛ واحد رحل والآخر بين أيادي الله، يد راشيل كانت تهزها وهي تناديها "آسيا، آسيا هل تسمعيني؟"
وأخيرا انتبهت لصوت راشيل ورأت وجهها وراشيل تناديها "آسيا حبيبتي هل تسمعيني؟"
لمسة أخرى جعلتها تتلفت حولها لتجد كل إخوة ساهر وهدى وحتى رفيق، تقدم عامر منها وقال "هل أنت بخير؟"
الدموع كانت تتحرك بلا وعي على وجهها وهي تهز رأسها بالنفي وتقول "لا، كيف أكون بخير وواحد رحل والآخر"
ولم تكمل وانهارت بالبكاء مرة أخرى، جذبتها راشيل لأحضانها ولم تعي لانهيار هدى هي الأخرى على ابنها ولا إخوته البنات، لم تكن تفكر سوى به هو فقط وهل سيعود لها أم يتركها هو الآخر؟
لم يستطع أحد إبعادها عن غرفة العمليات والانتظار بالاستراحة، فابتعدوا جميعا وظلت هي واقفة تستند على الحائط وهي تضم يداها لصدرها وتغمض عيونها وتحاول أن تدعو الله لينجيه..
لم تعرف كم مر من الوقت إلا عندما سمعت صوت رجل يتحدث مع آخر ففتحت عيونها لترى طبيب يخرج من العمليات فتحركت تجاهه فتراجع من مظهرها، وجه ملطخ بمزيج من الدماء والكحل الأسود والدموع، فستان زفاف لم يعد أبيض من الدماء التي انتشرت عليه وسمعها تسأله بلهفة "ماذا حدث لزوجي؟ أرجوك أخبرني، ماذا حدث له؟"
هدأ فزع الطبيب وقالت الممرضة "هي زوجة المصاب يا دكتور"
تفهم الرجل وقال "بخير، اطمئني، لقد تم اسعافه ونقل دماء له وسيكون بخير إن شاء الله"
ترنحت وهي تغمض عيونها فأمسكها الطبيب والممرضة وهتف الرجل "مدام هل تسمعيني؟"
عندما لم تستطع الرد من الدوار شعرت بهم يجذبونها وجسدها الثقيل تمدد على فراش بارد وألم بذراعها ثم فقدت الوعي ولم تعد تشعر بشيء 
فتحت عيونها لتبعد الظلام عنها والثقل الذي تشعر به برأسها لترى راشيل تقف بجوارها والفزع بعيونها وهي تناديها "آسيا حبيبتي هل تسمعيني؟"
هزت رأسها وقالت بتعب واضح "نعم، أين أنا؟ ماذا حدث ماما وأين ساهر؟"
كانت تحاول أن تنهض ولكن راشيل قالت وهي تعيدها للفراش "انتظري حتى ينتهي المحلول آسيا، لقد فقدت الوعي والطبيب قام باللازم"
لم تهتم وهي تعيد السؤال "ساهر ماما، أين ساهر؟ هو قال أنه بخير"
قالت راشيل "نعم حبيبتي سيكون بخير لكنه ما زال بالعناية وسيظل حتى المساء"
أغمضت عيونها بتعب وهي تحمد الله أنه لم يتركها وتذكرت ما حدث بالأمس بينما قالت راشيل "حبيبتي أنتِ بحاجة للاغتسال وتبديل ملابسك، أحدهم أحضر ملابس من أجلك"
فتحت عيونها والممرضة تدخل وتقول "الحمد لله على سلامتك مدام"
أوقفت المحلول ونزعت الإبرة فقالت "كيف حال ساهر دويدار؟ زوجي الذي كان بالعناية؟"
انتهت الفتاة وقالت "نعم أعرفه، هو بخير ولكن ما زال بالعناية ولم يفيق بعد"
تنفست براحة وخرجت الفتاة وساعدتها راشيل على الاغتسال وتبديل ملابسها بأخرى سوداء وهي تذكرها بموت عزت وتماسكت تلك المرة، عليها أن تدفع الضعف بعيدا من أجل زوجها، لن تتخلى عنه كما فعل معها وكما وعدت هدى وبالتأكيد هو بحاجة لها، كاد يموت بسببها ليتها لم تعرفه ولم تدمر حياته هكذا
خرجت لتبحث عن الجميع، كان النهار قد ظهر ورأتهم بالاستراحة، عامر التفت لها وقال "كيف حالك الآن؟"
قالت "بخير عامر، ماذا عن ساهر؟ أريد أن أراه أرجوك"
هز رأسه وجاسم يقول "لم يأتي موعد الزيارة بعد آسيا ولم يسمحوا لنا برؤيته"
التفتت لجاسم وقالت "كيف حال والدتك؟"
أجاب جاسم "بصعوبة أعادها رفيق البيت هي والبنات، ربما تذهبي أنت أيضا و.."
قاطعته بلا تفكير "لا، لن أخرج من هنا إلا مع ساهر جاسم"
لم يعترض وحمزة يقول "اهدي آسيا هو يرى أنك متعبة بعد ما حدث وأن وجودك لن يفيد بشيء"
التفتت له وقالت بقوة "هذا بالنسبة لكم حمزة لكنه زوجي وأنا لن أتركه أبدا حتى نخرج من هنا سويا"
أوقف عامر الجدال بحزم "حسنا انتهينا، لن يجبرك أحد على شيء آسيا هو بالفعل زوجك وهذا حقك"
هدأ غضبها وابتعدت لترى راشيل بجوارها فقالت "ماما كان موعد طائرتك"
لم تكمل وراشيل ترد "بالطبع لم أكن لأتركك وحدك هكذا، عامر قام بتأجيل موعد السفر حبيبتي"
عادت لعامر وقالت "ألم تصل الشرطة لشيء؟"
قال بهدوء "لا"
تماسكت وهي تسأل "و.. وبابا؟"
تبادل الرجال النظرة وأجاب عامر "لم تمنحنا النيابة تصريح الدفن بعد، جاسم سيتولى الأمر فهو على موعد بعد ساعة مع شخص ما لإنهاء الإجراءات، فقط.."
رفعت رأسها عندما توقف فقالت "فقط ماذا عامر؟"
نظر لها بتأني ثم قال "كنا نريد معرفة مكان الدفن"
لمعت عيونها بالدموع ولكنها تماسكت مرة أخرى وأخفضت وجهها وقالت "لا أعلم، لا أعرف شيء عن حياة بابا هنا"
هز رأسه وقال "حسنا لا تقلقي سأتولى أنا ذلك، هل تريدين انهاء مراسم الدفن بمجرد إصدار التصريح؟"
هل حقا تتحدث معه بما يخص موت والدها؟ هل رحل حقا؟ ليس حلم، بل واقع ومؤلم جدا وتمنت لو لم يكن كل ذلك حدث، مسحت دمعتها ولم تنظر لعامر وهي تقول "لا، ليس قبل خروج ساهر، لن أتركه هنا ولن يدفن بابا دون وجودي عامر"
كان يتفهم كلماتها بينما قال حمزة "سيزيد جاسم من الحراسة آسيا ذلك المجنون قد يعيد الكرة معك أو مع ساهر"
هزت رأسها وقالت "هو لا يريد ساهر حمزة هو يريدني أنا"
رد جاسم بحزم "وأنت وساهر واحد آسيا ولا مجال للتجزئة"
قالت بضعف "ليتني ما ظهرت بحياته، أنا السبب فيما حدث له"
رد جاسم "لا أحد يختار قدره آسيا، ما حدث كان سيحدث لأنه قدر ومكتوب ولم يكن شيء ليغيره، الحمد لله أنه نجا وندعو الله أن يعود لنا بخير"
هزت رأسها والدموع لا تتركها وهي لم تستطع أن تقاومها عندما وصلت الممرضة وقالت "لقد أفاق"
تنفس الرجال جميعا بينما هتفت هي "أريد رؤيته أرجوك، دقيقة وسأخرج فقط اطمئن عليه"
هزت الفتاة رأسها وقالت "هو بالفعل سأل عنكِ، يمكنكم رؤيته ولكن فرادى"
الألم رحل ولم يعد موجود، لحظة مرت وهو يحاول استيعاب ما يحدث حوله وأين هو حتى دارت عيونه بالمكان وعرف أنه بمشفى، تذكر الزفاف وعزت وميشيل و..، آسيا، هتف باسمها بضعف 
"آسيا"
تحركت فتاة ترتدي زي التمريض وقالت "سيد ساهر، كيف تشعر؟"
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة وقال "زوجتي"
قالت "بخير الآن"
القلق دب داخل قلبه وهو يقول "الآن!؟ لماذا؟ ما الذي أصابها؟"
قالت الفتاة "لا شيء فقدت الوعي عندما عرفت بنجاتك والطبيب فعل اللازم"
أغمض عيونه وقال "هل يمكنني رؤيتها؟"
ابتسمت وقالت "بالتأكيد"
لحظة مرت كالدهر عندما شعر بيدها تلمس يده المتصلة بالأجهزة ففتح عيونه ليراها أمامه وقد بدت شاحبة وعيونها متورمة من البكاء وشعرها مربوط بقوة للخلف والأسود زادها شحوب، صوتها نطق بضعف "ساهر"
حاول أن يبتسم ليمنحها بعض الراحة وهو يقول "هل أنتِ بخير؟"
انحنت وما زالت تمسك بيده وقالت "أنا آسفة ساهر، أنا السبب"
قال بلا تفكير "أنتِ مجنونة؟ لا دخل لكِ بكل ذلك، إنه ذلك المجنون"
دموعها انسكبت أكثر وهي تقول "لا أريد أن أفقدك"
جذبها من يدها التي تمسك بيده فاقتربت منه فقال "مرة أخرى"
ظلت تتجول بعيونها داخل عيونه ثم قالت "أنا لا أمزح ساهر، أنت"
قاطعها "مرة أخرى"
صمتت وهي لا تصدق كلماته ولكنها قالت "أنا لا يمكنني أن أفقدك ساهر، أنت كل شيء لي بالحياة"
ابتسم وقال "حصيلتك تزداد بالكلمات النادرة آسيا، يبدو أنكِ تحسنتِ كثيرا"
ضحكت رغم الدموع وقالت "هل تعرف أنك مجنون"
قال "لو مجنون بكِ فلا مشكلة لدي، مجنون آسيا، ما رأيك؟"
ضحكت مرة أخرى ورفعت يده لفمها وقبلتها وقالت "لا تتركني ساهر، لا أعرف الأمان ببعدك"
غريبة تلك الدقات التي تدق داخل الصدور، هي تعني الكثير، الخوف، السعادة، الألم والحزن فأي معنى منهم يخصهم؟ أم أن هناك معنى أو بالأحرى مسمى آخر لتلك الدقات المجنونة لقلوبهم؟ 
إخوته تبادلوا زيارته ورحل جاسم وعامر لمتابعة الأمور، حمزة ظل يتحدث بالهاتف، راشيل نامت بالغرفة التي كانت بها، هدى وصلت بالعصر مع ضي ونور ورأته بالطبع وظلت هدى معها حتى خرج للغرفة بالمساء عندما وصل عامر وجاسم والجميع اطمأن عليه وهو بالطبع كان ما زال متعب ولكنه أفضل بوجودهم جميعا حوله
نام من تأثير المسكنات وهي ظلت على الفراش الآخر جالسة لم تنم، راشيل رحلت للاستعداد للسفر بعد أن ودعتها ولم ترغب بالبقاء لجنازة عزت من أجل جورج بينما ظل عقلها شارد بعزت الذي رحل وتركها وميشيل الذي لن يتركها وهي تعلم ذلك، مخاوفها لا تنتهي عاشت كل حياتها خائفة، خائفة من حرمانها من أمها بسبب عزت، خائفة من كاترين وأفعالها، ثم خائفة من الرجال التي لا تريد منها سوى شيء واحد.. 
التفتت لساهر الذي كان نائما ولا يشعر بوجودها، هو الرجل الوحيد الذي لم يعاملها بتلك الطريقة، لم يتجاوز أبدا معها ويوم عرض التعارف رفضت فتراجع دون ضغط وعندما أرادها سلك الطريق الصواب ولم يعترض على رفضها لعلاقة قبل الزفاف
هو من كاد يموت من أجلها، سقطت دموعها، لن تتحمل أن يرحل هو الآخر ليس بعد أن عرفت أنها تحبه، هي تمنت الحب، تمنت تلك العلاقة التي عرفتها بين جورج وراشيل، جورج الذي منح راشيل كل ما أنساها ما عاشته مع عزت، الحب والحنان وتحمل نوبات غضبها وتربية ابنتها
مسحت دموعها ولم تعرف إلى أين تأخذها الأقدار؟ لقد تركت بلدها وبلد والدتها من أجل عزت والآن عزت مات ولكن ما زال هناك ساهر، زوجها الذي ارتبطت به برباط مقدس لن يفرقه إلا الموت
المشفى استعاد حيويته بالصباح الباكر وهو فتح عيونه على وجهها المتعب ولكن بابتسامة صادقة وهي تقول "صباح الخير"
ساعدته على الاعتدال والممرضة تدخل للدواء ومن بعده الطبيب لمتابعة الجرح ثم التفت لها وقال "بإمكانه الخروج اليوم بعد الظهيرة ولكن عليه بالراحة لاستعادة قوته بعد نزيف الدماء وبالطبع يمكنك مراعاة الجرح مدام"
هزت رأسها ومنحها الطبيب التعليمات اللازمة وتناولت معه الإفطار عندما وصل عامر فالتفتت له وهو يقول "صباح الخير"
أجابت "صباح الخير"
أجاب هو الآخر بتعب وعامر يقترب منه وقال "كيف حالك اليوم؟"
هز رأسه والصداع يؤرقه ورؤيتها بتلك الحالة تغضبه كما وأن وجود ميشيل حر وطليق تزيده سخط خاصة وأنه ليس بحالة تجعله يبحث عنه ويقتله بيده
قال "أليس هناك أخبار عن ذلك المجنون؟"
رفع عامر نظراته لها وقد تجهم وجهها وتحركت مبتعدة للنافذة فعاد لأخيه وقال بصوت منخفض "ما زال البحث مستمر، اهدأ على الأقل من أجلها، الطبيب أخبرني بإمكانية خروجك"
هز رأسه وهو يتابع شرودها بنظراتها وهو يقول بغضب مكتوم دون أن تسمعه "لو سقط بيدي سأقتله"
نظر عامر لها ولكنها كانت ما زالت شاردة فقال صوت مرتفع ليوقف جنون ساهر "النيابة أصدرت تصريح الدفن آسيا، متى تريدين القيام بالأمر؟"
التفتت لعامر وقلبها يؤلمها لكنها بدت متماسكة ولم تنظر لساهر وهي تقول "أعتقد أن غدا مناسب"
هز عامر رأسه وقال "نعم، لقد عرفت أن لعائلة الفيومي مدفن خاص هنا وتواصلت مع المختص والإجراءات كلها انتهت"
لمعت دمعة بعيونها وقالت بصعوبة "شكرا عامر، حقا لا أعلم كيف أشكرك على كل شيء"
قال بجدية "هذا واجب آسيا، سأذهب لإنهاء الإجراءات، لقد أرسلت السائق لإحضار ملابس له"
وتحرك خارجا فنظر هو لها وقال "هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها وتحركت تجاهه وقالت "نعم طالما أنت بخير"
وقفت أمامه ونظراتهم متصلة والصمت رفيقهم، كان يدرك أنها تخفي حزنها على والدها كي لا تزيده هما فوق همه، لمس يدها فلم تبعدها وقبل أن يتحدث دق الباب فأذنت ودخل السائق بالملابس 
بالطبع لم يقبل بفيلا عزت وهي لم تتحدث رغم أنها كانت بحاجة لرؤية الفيلا مرة أخيرة وتجميع ما يخص عزت لكنها لم تشأ إغضابه وهي لم تلاحظ نظرات العتاب بعيون عامر لأخيه
ساعدته على دخول الفراش وما أن انتهت حتى وصل جاسم وحمزة من بعده وقال جاسم "مايا أرسلت لكِ بعض الطعام آسيا لقد وضعته بالثلاجة"
التفتت له وقالت "شكرا جاسم وشكرا لمايا، كيف حال الحمل؟"
هز رأسه وقال "بخير، كيف حالك يا بطل؟"
رفضوا تناول أي طعام وعندما بدأ حديث العمل استأذنت وتركته مع إخوته وتحركت للخارج، هي حتى لا تعرف شيء بالشقة، فقط المكان الذي كانت به معه بالمرة السابقة، لم تفكر برؤية غرفة لاستبدال ملابسها أو الاغتسال فقط كانت متعبة
انتبهت لعامر الذي قال "لا تبدين بخير؟"
لم تجد ابتسامتها وهي تقول "قلقة من أجله"
تحرك حتى وقف أمامها وقال "ولم لا تتحدثين عن حزنك آسيا؟ هذا حقك، هو والدك"
تاهت عيونها بعيون عامر وهي تقاوم الدموع حتى أخفضت وجهها وقالت "لا شيء سيعيده عامر وساهر ليس بحاجة لأحزاني كي لا يشعر بالضيق هو بالكاد يتحدث"
قال بتفهم "هو حزين من أجلك"
لم تنظر له وهي ترد "ليس عليه أن يفعل، أنا حقا بخير وكل ما يهمني هو أن يستعيد نفسه ويكف عن الغضب الذي بعيونه"
صمت حل بينهم فرفعت وجهها لعامر فقال "غضبه سيهدأ عندما يجدك بخير، أنا أدرك ما تمرين به آسيا والتماسك الذي تحاولين التظاهر به لكن هناك لحظات من كثرة التحمل قد نصل لمرحلة ننهار بها وأنا لا أريد لكِ ذلك آسيا، أريدك أن تحزني وتغضبي وتتصرفي بطبيعتك، كلنا إخوتك ولا مجال للتكلف بيننا"
سقطت دمعة مسحتها وهي تشعر بامتنان له وقالت "ليس تكلف عامر أنا حقا شعرت بأنكم إخوتي بصدق لكن كما أخبرتك أنا لا أريد أن أكون هم جديد على ساهر بحالته هذه"
 كان يتفهم كلماتها فقال "الزواج شركة بين طرفين وعلى كلا منهم مؤازرة الآخر وتحمله وقت الضيق، هذا واجبه آسيا، أن يكون معك بتلك المرحلة"
عادت الدموع لعيونها وهزت رأسها وقالت "أنت على حق وساهر لم يقصر معي بشيء ولا أنتم وأنا سعيدة بوجدي معكم فوجودكم ساعدني على اجتياز الأمر حقا"
هز رأسه وجاسم يخرج ويقول "المجنون يريد بيرة، آسيا ستحتاجين لمدبرة منزل سأتصرف بواحدة غدا"
مسحت دموعها وهي تقول "أنا لا أعرف جاسم، لم أعتاد على شيء هنا بعد"
تحرك عامر وقال "سأرى ساهر"
لم يتأخروا كثيرا وقد وضعت لهم مشروبات تناولوها معه حتى تركوهم ورحلوا وعادت له وبدا على وجهه التعب فقالت "تبدو متعب"
لم يرد ووضعت الطعام أمامه وتناولوه سويا حتى انتهوا في صمت، ربما ليست مرتها الأولى لها معه وحده بالبيت لكن بالمرة السابقة كانت ضيفة وسترحل لكن اليوم هي هنا ولن ترحل وبغرفة نومه ومعه..
تحركت ومنحته الدواء وانتهت وكادت تبتعد بلا هدف عندما أمسك يدها ليوقفها وهو يدرك ملامحها التي لا يفهمها، حزن؟ خوف؟ قلق؟ هو لا يفهم وصمتها يزيده جنون
نظرت له والتقى بعيونها وهو يقول "ماذا بكِ؟"
ابتسامتها الباهتة كانت واضحة وهي تقول "لا شيء ما زلت قلقة عليك"
كادت تبتعد لكنه لم يفلتها وهو يقول "والدك؟"
رفعت عيونها له، ليته لا يتحدث ولكنه لن يفعل ومع ذلك قالت "أنت بحاجة للراحة ساهر"
وجذبت يدها من يده، كلماته عن والدها ستفتح باب الدموع والألم الذي تحاول إبقاؤه مغلق حتى يتم شفائه، تابعها بنظراته وقال "لن يمكنك إخفاء حزنك آسيا"
لم تنظر له وقالت "أنا لا أفعل ساهر فقط لن أظل اليوم كله أبكي"
قال بهدوء "آسيا انظري لي"
لم تكن تريد ذلك فأغمضت عيونها محاولة التماسك وهو يناديها مرة أخرى فالتفتت له ورأته ينتظرها فعادت له وهو يمد يده ليقبض على يدها ويجذبها لتجلس على طرف الفراش وقال "آسيا نحن الآن شركاء بكل شيء حتى الحزن وما يؤلمك تأكدي أنه يؤلمني وما حدث لن يمر، لن أتركه صدقيني لن أتركه ولابد أن يدفع ثمن ما فعله فقط لا تغلقي دائرتك على نفسك لأنك لم تعودي وحدك، لم تعودي تلك الفتاة آسيا"
سقطت دمعتها غصبا فمسحتها وقالت "أعلم أني لم أعد وحدي ساهر وصدقني أنا أحمد الله أني هنا معك وبين إخوتك تلك العائلة التي احتوتني بعد وقت قصير من معرفتي، فقط أنا بحاجة للوقت كي أتجاوز الأمر ولكني بخير صدقني"
مرر يده على وجنتها وقال "حسنا سأصدقك ولن أصدق ظنوني بأنك بعيدة عني كل البعد"
هزت رأسها بالنفي وقالت "لا ساهر أنا لست بعيدة عنك أبدا فقط أحتاج لبعض الوقت"
جذب وجهها له وقبلها فلم تمانع بل كانت تحتاج لقبلته وربما لو ضمها له لانهارت بين أحضانه ولكنه لم يشأ إشعارها بأنه سيطالبها بالمزيد بوقت هي أضعف من تمنحه أي شيء
أجرى عدة محادثات مع هدى وإخوته البنات وبعض العمل وهي تجولت بالشقة لتعرف البيت الذي ستعيش به، الغرفة التي كان بها هي الغرفة الرئيسية، بها غرفة الملابس وحمام خاص بالطبع، حقائبها كانت بغرفة الملابس وبالداخل رأت ملابسه وللحظة شعرت بالخجل فكل شيء جديد وغريب بالنسبة لها وعليها أن تعتاد عليه
نام من تأثير الدواء وهي أخذت حمام واستبدلت ملابسها وظلت واقفة أمام الفراش، ليس لديها الجرأة للدخول بجواره لتنام، لا، لن تفعل جذبت المقعد بجوار الفراش وجلست أمامه وفتحت حاسوبها المحمول وتابعت أعمال عزت والشركة وردت على الرسائل الالكترونية حتى تثاءبت فأغلقت الجهاز وتكومت على المقعد ورحلت للنوم
لمسة على وجنتها جعلتها تفزع وتفتح عيونها لتراه واقفا أمامها وقد تبلل شعره واستبدل ملابسه، تراجعت وقد انسحب النوم منها وهي تهتف "ما هذا؟"
ابتسم وقال وهو يمسك يدها لتنهض "ادخلي الفراش ونامي ما زال الوقت مبكر"
ظلت تحدق به وهتفت "ساهر أنت تمزح؟ جرحك"
قاطعها بهدوء "جرحي بخير، موعدنا بالتاسعة مع عامر هل ترتاحي وأنا"
قاطعته بإصرار "أنا بخير ساهر من فضلك عد للفراش، لن تذهب لأي مكان"
تحرك للباب وقال "وأنت لن تذهبي لأي مكان بدوني"
وخرج دون أن ينتظر ردها وقد أغضبه أنها لم تنم بجواره 
تابعته وهي ما زالت بصدمة من تصرفه الغريب، اغتسلت وعادت لملابسها السوداء وخرجت لتراه بالمطبخ ورائحة القهوة تملأ المكان، رفع رأسه لها وقال "لم تنامي؟ كنت أعلم لذا صنعت لك قهوة"
سكب لها قهوتها وهي تقول "هل أنت بخير؟"
ابتسم وهو يقول "نعم، المكتب أفضل"
خرجت وهو خلفها للمكتب والتفتت لتراه يتحرك ببطء بالطبع، لم يشفى بعد ولكنها لن تذهب لأي مكان بدونه حتى ولو كان العالم يحرسها لذا هو يقف دون ألم ولن يردعه أحد
لم تتحدث وهو يتحرك للأريكة وجلس بحرص واضح لاحظته فقالت "ساهر من فضلك"
رفع وجهه لها وهو يفهم كلماتها وقال "أخبرتك أني بخير هل تجلسي لدينا ما نتحدث عنه"
جلست وهي لا توافق على تصرفاته وتناولت القهوة وهو يقول "أرى أنكِ لم تعتادي البيت بعد"
تورد وجهها ولم تنظر له وقالت "بل فعلت"
كان يعلم أنها لم تفعل، ملامحها، تصرفاتها، كل شيء يدل على ذلك فعاد وقال وكأنه لم يسمعها "ولم تعتادي وجودك معي وحدنا"
رفعت عيونها له فنظر للقهوة وقال "أعلم أن هذا طبيعي ولا أطالبك بأي شيء ولو ترغبين بالعودة للفيلا يمكنك أن تفعلي ذلك بعد الجنازة"
ظلت جامدة وعيونها ثابتة عليه ولم ترد فعاد ينظر لها وقال "لكن لا أظن أني أستطيع البقاء هناك"
وضعت الكوب ونهضت للنافذة وقالت "السهل الممتنع"
ترك الكوب هو الآخر وقال "لا أفهم"
لفت وجهها له وقالت "أنت تعلم أني لن أتركك ساهر"
أبعد وجهه وقال "الفيلا ليست بيتي آسيا"
أبعدت وجهها عنه هي الأخرى ولم ترد، فنهض والغضب يسري داخله من كل ما جد بينهم، توقف أمامها وقال "من الطبيعي انتقال المرأة لبيت زوجها لا العكس آسيا"
لم تنظر له وهي ترد "وأنا فعلت"
هي بالفعل فعلت ولكنه قال "بجسدك لا روحك"
لفت وجهها له والغضب يرتفع داخلها وتتساءل ألا يقدر ما تمر به؟ قالت "أنت جاد بما تقول ساهر؟"
ضاقت عيونه وهو يجيب "أين المزاح بكلماتي؟"
ظلت تحدق به وعلى لسانها ردود كثيرة شعرت أنها لو نطقت بها ستندم لذا أغلقت فمها وقالت "أحتاج لدواء للصداع"
وتحركت لتبتعد من أمامه كي لا تزداد الأمور سوء ولكنه أوقفها بقبضته على ذراعها ليعيدها أمامه وهو يقول "لا تتركيني ونحن بوسط الحديث أبدا آسيا هل تسمعيني؟"
حركت عيونها بين عيونه ويده تزداد ضغطا على ذراعها وهي ترد "وأنت لا تتركني وسط الطريق ساهر، لا تعيد الخطأ مرة أخرى، يدك تؤلمني"
أحنى رأسه تجاها دون أن يبعد يده عن ذراعها وقال بنفس الغضب "أنا لا أتركك آسيا وإلا ما كنت أقف الآن حتى أكون معك"
هزت رأسها بالنفي والدموع عرفت طريقها لعيونها وقالت "كما قلت أنت بجسدك لا روحك"
الصمت ثقيل عندما يخترق الأزمات وعندما نجحت دمعة بالسقوط على وجنتها قالت "هل تترك ذراعي؟"
رفع يده عنها فتركته وتحركت لخارج الغرفة ودخلت غرفة خالية وأغلقت الباب وتحركت للنافذة وظلت واقفة ولم تمانع سقوط الدموع ربما تهون ما تشعر به وتوقف غضبها وألمها، هي حاولت حقا أن تكون معه وتخفي حزنها لكنه لم يقدر ذلك، لم تنهار بالحزن كما طلب منها عامر كي لا تزيد من همومه واختارت أن تكون معه ولم تطالب بشيء آخر ومع ذلك يتهمها بالعكس
لم يتخطوا خلافاتهم حتى بعد الزواج، لم يفهموا بعضهم البعض حتى الآن، كلاهم يرى الأمور من وجهة نظره، جلس خلف المقعد ورفع يده ليسند بها رأسه وهو يغمض عيونه وكلماتها تتردد كالعادة بأذنه، هل حقا تركها وسط الطريق للمرة الثانية؟ لا، ها هو يقاوم التعب والألم ليكون معها ويحميها ولا تكون وحدها وقت الدفن فماذا عليه أن يفعل خلاف ذلك؟ منحها الحرية بالبقاء بالفيلا كي تنتهي أحزانها كما طلب منه عامر ولكن هو لن يفعل، لن يبقى ببيت ليس بيته
بالثامنة كانت تخرج للاستقبال ورأته يخرج من المكتب ورفع وجهه لها ولكنها لم تنظر له وهي تقول "سأعود للفيلا بعد الجنازة"
تجمد مكانه وهو لم يظن أنها ستتركه ولكنها تفعل، عندما لم يرد قالت "هل نذهب كي لا نتأخر؟ أريد رؤية بابا قبل الدفن لو لم تمانع"
طريقتها اختلفت، تتعامل وكأن بينهم أميال كثيرة تبعد بينهم، هل هو من صنع تلك الأميال؟ لا، هي من فعلت، هي من لا تريد التنازل من أجله، دائما هي من ترفض
لم يرد وهو يتحرك للباب وتبعته والصمت حاد كنصل السيف يقطع بسرعة وبلا تراجع
تعليقات