رواية ساهر الفصل الحادي عشر11 بقلم داليا السيد


 رواية ساهر بقلم داليا السيد
رواية ساهر الفصل الحادي عشر11 بقلم داليا السيد
تركتها وحدها؟
انتهى الدفن والجميع يقف حولها وهي وضعت نظارة الشمس على عيونها كي لا يقرأ أحد نظراتها أو حتى يشاهدوا دموعها، التعازي كانت كثيرة ولم تعرف أحد سوى القليل فقط المحامي توقف أمامها وقال "ربما أحتاج زيارة لمكتبك مدام للانتهاء من أوراق نقل الملكية"
كان بجوارها ويسمع وهي ردت "سأهاتفك أستاذ حسن"
حياها الرجل والكثيرين من بعده حتى تبقى إخوته ورجال الحراسة فقال عامر "هل نذهب؟ أظن أنك بحاجة للراحة ساهر"
هو بالفعل كان متعب ولكن ليس من جرحه بل من التفكير والغضب فهز رأسه وقال "هيا آسيا"
لم ترد وهي تتحرك للسيارة وهو بجوارها والسائق يقود ولا كلمات بينهم، نزلت لتدخل الفيلا دون حتى النظر له وهو لم ينزل والسيارة ترحل به وهاتفه يرن ليجد جاسم يقول "ستتركها وحدها بالفيلا"
أغمض عيونه بتعب وهو يفك ربطة عنقه والقميص وقال "هي تريد ذلك"
هتف جاسم "هل تمزح ساهر؟ بالتأكيد تريد ذلك، هو والدها من قتل فجأة وليس كلب الحراسة"
لم يرد فعاد جاسم يقول "الفتاة كتمت أحزانها من أجلك ساهر بالأيام السابقة ونفذت ما طلبت فما الخطأ بأن تمنحها حقها بالحزن على والدها؟"
اختنق من الكلمات وهو يرد "لقد فعلت، ألم أعيدها الفيلا لتفعل؟"
صوت جاسم كان غاضب وهو يقول "وحدها؟ تركتها وحدها وهي بأشد لحظات الاحتياج لك؟ لماذا أتيت الدفن إذن؟ ليرى الجميع أن زوجها لم يتخلى عنها ويقف بجوارها وبالحقيقة هو أبعد ما يكون عن الزوج المشارك؟"
هتف بغضب "كفى جاسم، كفى، أنت لا تفهم شيء"
لم يتراجع جاسم وهو يقول "بل أنت هو الغبي الذي لا يفهم شيء ولا يعرف حتى كيف يتعامل مع امرأته، هي ليست واحدة ممن كنت تعرفهم لساعات ولا يهمك أمرهم، هي زوجتك وشريكة حياتك وهي أولى الناس كلهم برعايتك لا تركها تلعق أحزانها وحدها"
هتف بأخيه مرة أخرى "اللعنة جاسم ألا تتوقف"
رد جاسم "سأفعل من الواضح أنك لا تريد حتى أن تسمع سوى لنفسك وتهورك"
وأغلق الهاتف فأبعد هو الآخر الهاتف بغضب وقذفه ليسقط بأرض السيارة ورفع يده لوجهه وهو يشعر بصداع وألم بجرحه وغضب منها ومن جاسم ومن نفسه هو الآخر
سيدة الخادمة فتحت لها وقالت "البقاء لله مدام"
لم تزيل نظارتها وقالت "شكرا سيدة، كوب قهوة من فضلك بغرفة بابا"
ولم تنتظر الرد وهي تتحرك لغرفة والدها، فتحت ببطء وكأنه نائم وهي ستوقظه، مقعده استقر بمكانه بجوار الفراش لا تعلم من أعاده البيت، دارت عيونها بالغرفة حتى رأت صورتها معه عندما ذهب ليطلب منها مسامحته، كانت بحديقة راشيل، تحركت وجلست على طرف الفراش وأمسكت الصورة بيدها وهي ترفع نظارتها فوق شعرها ثم مررت يدها على وجه أبيها المبتسم وهي تلف يداها حول عنقه وتلصق وجهها بوجهه وراشيل هي من التقطت الصورة
الدموع لا تتوقف، كم كانت سعيدة وقتها لأنه أخيرا اقتنع أنها بريئة من كل ما ادعته كاترين بحقها، كانت كالعصفور الذي حرره صاحبه من القفص فطار بكل قوته محلقا هنا وهناك معبرا عن مدى سعادته بالحرية، ضمت الصورة لصدرها وأغمضت عيونها وسيدة تدق الباب ففتحت عيونها وأذنت
سيدة وضعت القهوة وقالت "ألا تتناولين القهوة بغرفتك؟ تبدين متعبة مدام"
هزت رأسها وقالت "لا، أحتاج للبقاء هنا"
خرجت المرأة وعادت تنظر للصورة وقالت "اشتقت لك بابا، اشتقت لك جدا، لم أظن أن تتركني بتلك السرعة وأنا ما زلت أحتاج لك، أنا متعبة جدا بابا متعبة ولا أعلم كيف يمكنني أن أرتاح؟ كنت أظن أن وجود ساهر معي سيمنحني القوة على اجتياز الأمر لكنه تركني وحدي، تركني وحدي وهو يخيرني بين البقاء معه وحزني عليك، هو لا يفهم أن الأمر ليس بيدي بابا، صدقني ليس بيدي، حاولت، حاولت أن أكون قوية ولكن هو من دفعني لذلك"
تمددت على الفراش وهي تحتضن الصورة ولم تشعر والنوم يأخذها
الشقة كانت كالسجن عندما دخلها، باردة، صامتة وكأن لا حياة بها، عطرها ما زال موجود، تحرك لغرفته وبصعوبة نزع الجاكيت والهاتف يرن، أخرجه ليرى اسم عامر، نفخ وهو لا يعلم ماذا أخبره جاسم؟ جلس على المقعد بتعب وأجاب "نعم عامر"
جلس عامر خلف مكتبه وقال "بشقتك؟"
هدوء عامر يمتص غضبه بلحظة فقال "نعم، أحتاج للنوم"
عاد وسأله "وآسيا؟"
 نفخ وهو يعلم أن جاسم أخبره فهتف "لا تخبرني أنه لم يخبرك أني تركتها وحدها بالفيلا"
ظل عامر صامتا وهو يفهم صمت عامر عندما يغضب حتى عاد عامر وقال "جاسم لم يعثر على مدبرة منزل"
بالتأكيد عامر يتجنب الشجار معه لذا بدل الحديث فقال بعصبية "لست بحاجة لأحد"
صمت سقط مرة أخرى بينهم حتى قال عامر "عندما ترغب بالتحدث هاتفني"
نفخ بضيق وعامر يغلق الهاتف وهو نهض مرة أخرى وتمدد على الفراش ليرتاح ولكن صورتها وكلمات جاسم تدق برأسه وألم جرحه يزداد وسؤال جاسم لا يتركه، هل حقا تركتها وحدها؟
سيدة أيقظتها وأخبرتها بوجود أشخاص للعزاء ومعهم جاسم وحمزة فنهضت وتحركت لهم واستقبلت أشخاص كثيرة وجاسم قريب منها ولا يبتعد رغم رجال الحراسة، عامر وصل لاستقبال الرجال ولم ترى ساهر وأدركت أنه لن يأتي
ليل وحلا ومايا كانوا معها ولم يتركوها وقبل انتهاء العزاء رأته يدخل من باب الفيلا وقد استبدل ملابسه بعد أن أيقظه عامر وهو غاضب من تصرفاته وطلب بل هو بالحقيقة أمره أن يأتي وهو حقا كان سيفعل لولا التعب وسقط بالنوم دون أن يشعر 
أخفضت عيونها لرؤيته ولم تتحدث حتى رحل الناس وجاسم وزوجته وحلا وحمزة بينما ظل عامر واقفا عند الباب بجواره وليل بجوارها 
التفت له عامر وقال "أنت راحل بالطبع؟"
لم ينظر لعامر وهو يرد "عامر لا تفعل"
تركه عامر وتحرك للداخل وهو يقول "آسيا هل ترغبين بشيء؟"
نهضت عندما وقف أمامها فهي أصبحت تكن له احترام كبير وقالت "أنا لا أعلم كيف أشكرك عامر، بل أشكركم جميعا"
ابتسم وقال "أخبرتك أنكِ أختنا الثالثة، حبيبتي هل نذهب؟"
احتضنتها ليل بصدق وتحركت مع عامر الذي لم يتحدث مع ساهر مرة أخرى وساهر أدرك غضب عامر منه ومع ذلك لم يستطيع مواجهته، التفت فلم يجدها، رفع رأسه ليراها قد صعدت واختفت فنفخ بقوة، هي تتعمد تجاهله وتعانده، التفت ليذهب عندما وجد سيدة تقول "أنا أخشى عليها سيد ساهر، إنها لم تتناول شيء سوى كوب قهوة طوال اليوم"
شحب وجهه وهو يشعر بألم يمزقه فارتد وقال "أعدي عشاء مما تفضله واصعدي به واخبريها أني طلبت منك ذلك"
وتحرك خارجا وقد قاد هو السيارة بنفسه ولم يقبل بالسائق، لم يعد للبيت بل تحرك لكافية قريب ودخل لتناول مشروب ولكنه لم يفعل بل ظل يحدق بالكوب وقت طويل والأفكار تتضارب داخل عقله عندما رن هاتفه باسم هدى فأجاب 
"أهلا ماما"
قالت بحنان "كيف حالك الآن حبيبي؟"
تراجع ببطء بالمقعد وقال "بخير ماما اطمئني"
سألته "معذرة حبيبي لم أستطع حضور العزاء أين آسيا لأعتذر لها؟"
رفع يده لشعره وقال "أنا لست بالبيت ماما"
قالت بدهشة "الآن!؟ أنت تمزح ساهر، أنت متعب وبحاجة للراحة"
قال بجدية "أنا بخير"
قالت "جيد وزوجتك؟"
نظر للفراغ أمامه وقال "ماذا عنها؟"
قالت "أنت تتركها وحدها بالبيت؟ من أجل ماذا؟"
نفخ وقال "ماما من فضلك لست بحالة تسمح لي بالحديث"
صمتت لحظة ثم قالت "عندما مرضت منذ عدة سنوات عامر لازمني اليوم كله ووالدك تركني معه لأنه يعلم ما بينكم وبينه لكن عند الليل أخبره أن هذا وقته هو، وقت الزوج ليكون بجوار زوجته ولا يتركها خاصة عند احتياجها لأحد وهذا الأحد لن يكون أفضل من زوجها، عد لزوجتك ولا تتركها وحدها بتلك الظروف خاصة وهي وحيدة وليس لها أحد هنا سواك ولا تسمح لطيشك وتهورك بأن يفسد علاقتك بها، تلك الفتاة نبتة صالحة فلا تفسدها بغرورك"
تلجم من كلماتها وارتبك وهو يقول "ماما أنا.."
قالت بحزم "أنت ماذا ساهر؟"
أغمض عيونه والصداع يدق برأسه وظل لحظة صامتا قبل أن يقول "لا شيء ماما"
أغلق كلاهم وعاد يمرر يده بشعره وكلمات جاسم تنضم لكلمات والدته لترسم له الصورة الصحيحة، نهض وترك أموال وخرج لسيارته وهو يخرج هاتفه ويتصل فأجاب عامر "هل حدث شيء ساهر؟ أنت بخير؟"
تابع طريقه وقال "أنا بخير فقط أردت.."
وصمت، هو لا يتحمل غضب عامر فهو بمثابة الأب، قال عامر "أين أنت؟"
نبرة عامر تبدلت فأجاب "عائد للفيلا"
صمت لاح بينهم قطعه عامر "هذا هو أخي، هي بحاجة لك أكثر مما أنت بحاجة لها"
هز رأسه وقد تفهم هذا الآن ربما بعد كلمات هدى وجاسم وبعد شعوره بأنها قد تنهار وحدها، قال "لا تغضب مني عامر"
قال عامر بحنان "لم أفعل ساهر فقط قلق عليك"
تنفس براحة وقال "سأكون بخير"
رد عامر "ابقى بالفيلا حتى تطلب هي الرحيل، البيت حيث توجد زوجتك"
هز رأسه مرة أخرى وكأن عامر يراه وقال "سأفعل عامر أنا بالفعل وصلت"
كانت سيدة قد أوشكت على النوم وهي تفتح له فقال "هل تناولت شيء؟"
قالت المرأة "لا"
تحرك للأعلى وما زال متعب حتى وصل لغرفتها فدق الباب، لم يسمع رد فدق مرة أخرى عندما أذنت ففتح ليرى الظلام يعم الغرفة وفقط ضوء القمر ينير بضي خافت يسقط على جسدها النحيل وهي تجلس على المقعد المواجهة للنافذة بنفس ملابسها وتحدق بالظلام بالخارج وقد تركت الهاتف بعد اعتذار هدى لها بعدم المجيء، المرأة غاية في الحنان وهي شاكرة لها
تحرك وهي لا تنظر له، ظنت أنها سيدة أتت لتأخذ الطعام فلم تهتم، فزعت عندما سمعته يقول "ستسقطين بلا وعي من عدم الطعام"
لا تدري هل هو هنا حقا أم أنها نامت وتحلم؟ لم تفك جسدها وهي تحدق به يقف بجوارها ورفعت رأسها له ليرى دموعها تتلألأ على وجنتيها تحت ضوء القمر، قال بنفس الهدوء "بأي غرفة يمكنني النوم؟"
رأى الدموع تزيد وهي ما زالت تنظر له وربما لا تصدق وجوده فانحنى ووضع يداه على ذراعيها ليجذبها فتنهض وكأنها دمية يحركها بسهولة وما زالت صامتة فقط تنظر له فقال "أنا لن أتحمل كل تلك الدموع آسيا، كفى"
وبدلا من أن تتوقف بكت أكثر بل وانهارت بالبكاء وكأنها كانت تحبس أحزانها والآن أطلقت سراحها وحررت كل ما كان داخلها فلم يتردد وهو يجذبها له ويضمها بين أحضانه وهي تبكي بقوة وهو يمرر يده على شعرها وهمس 
"أنا آسف آسيا، غضبي أعماني عن رؤية أحزانك"
ظل يربت عليها حتى هدأت فأبعدها ليضم وجهها بين راحتيه وقال "أنا جائع هل لديك أي طعام من أجلي؟"
هزت رأسها وهي تهدأ من أحزانها بوجوده معها فابتسم وقبل جبينها وتركها لترى الطعام بينما جلس بمكانها والراحة تملأ صدره لعودته وأدرك أن ما فعله كان جنون والآن هو يعود لعقله
عادت بطعام آخر ووضعته أمامه فقال "ليس وحدي بالتأكيد، اجلسي"
جلست وقالت "لم تحضر دواءك؟"
تناولا الطعام وقال "لا، لم أعد البيت من الأساس، لم يمكنني تركك وحدك"
حدقت به بعيون منتفخة من البكاء فرفع وجهه لها وقال "حسنا لقد تراجعت أليس كذلك؟ عليك بتحمل لحظات الجنون التي تتملكني"
ابتسمت كما فعل وقالت "أنت بحاجة للراحة"
قال "كلانا بحاجة للراحة"
انتهوا من الطعام فتراجع وقال "لا ملابس ولا دواء ولا فراش، هذا هو الجنون حقا"
نهضت وأبعدت الطعام وقالت "أحضرت لك ملابس لبابا، هي جديدة لم يرتديها، لم تناسبه"
نهض وقال "الحمام والفراش"
تورد وجهها وهي لا تعرف ما تقول فاقترب منها وقال "أنا حقا أتفهم ما تمرين به آسيا ولن أطالبك بأي شيء حتى تستعيدي نفسك، فقط فراش للنوم فأنا حقا متعب"
استعادت نفسها وقالت "الغرفة الرئيسة بجوار غرفتي فراشها أكبر وسيناسبك وهناك حمام خاص بالطبع سأرشدك لها"
لم يرد وهي تتحرك أمامه وتجذب الملابس التي أحضرتها له وتقدمته للغرفة المجاورة وتبعها وهو يتأملها، كانت كبيرة بالفعل وأكثر جمالا من الأخرى ولكنه قال "تحتاج للون أكثر هدوء وإضاءة موزعة بطريقة أخرى، ذوقك؟"
قالت وهي تضع الملابس على الفراش "لا، عندما وصلنا كانت جاهزة"
هز رأسه وعيونه تتجول بها وقال "كان من الأفضل لو دمج الغرفتان لزيادة المساحة كغرفة رئيسية ومنحها مجال لمكان لتناول الطعام والجلوس، والشاشة، هناك أفضل"
ابتسمت فالتفت لها وهي صامتة وقال "لا أقصد شيء صدقيني"
لم ترحل ابتسامتها وقالت "تبدو رائع عندما تتحدث بالعمل خاصة الديكور"
تحرك ووقف أمامها وقال "أردت إجراء الكثير من التعديلات على الشقة أثناء شهر العسل ولكن ما حدث أوقف كل شيء"
هزت رأسها بتفهم وقالت "أخبرتك أني لست بحاجة لأي تعديل بأي مكان"
مرر يده على وجنتها وقال "ولكنك تستحقين الأفضل آسيا وسأمنحه لك وأنا جاد بكلماتي، لو أردت البقاء هنا سأفعل من أجلك"
لمعت عيونها المتورمة ببريق أدركه على الفور ولكن سرعان ما أخفضت وجهها وقالت "لا، عدة أيام فقط وسأعود لبيتك"
أبعد يده وهو ينتبه لكلمة بيتك وقال بهدوء "سأغتسل قبل النوم، اذهبي لتنامي، طابت ليلتك"
ردت وخرجت لغرفتها وهي سعيدة حقا بعودته وانتهاء المشكلة، هي حقا كانت بحاجة له وبوجوده هدأت أحزانها وعاد الأمان واستقرت الراحة داخلها..
استيقظت مبكرا واستبدلت ملابسها وتحركت لغرفته فوجدته ما زال نائما فهاتفت جاسم ولكنه لم يرد، أرادت دواء ساهر وملابس له ولكن لا أمل الآن، ربما تهاتف عامر ولكن لن تثقل عليه فهاتفت الصيدلية وطلبت ما هو مناسب لحالته
نزلت ونادت على سيدة التي أسرعت لها فقالت "صباح الخير سيدة من فضلك القهوة بمكتبي"
تحركت وسيدة تقول "رأيت سيارة سيد ساهر بالخارج هل أعد له الإفطار؟"
نظرت لها قبل أن تدخل "لا ما زال نائما ولن نوقظه"
راجعت الرسائل الالكترونية الخاصة بها وتابعت السكرتارية بالشركة حتى انتهت وخرجت لتنادي على سيدة التي أسرعت لها فقالت "أعدي طعام للسيد ساهر ربما يستيقظ بأي وقت"
تحركت للأعلى وفتحت باب غرفته لتراه جالسا بالفراش مبعثر الشعر من أثر النوم وهو يتحدث بالهاتف بعصبية فشعرت بالقلق وهي تتحرك بالداخل وهو يقول "متى كان ذلك جاسم؟"
رد جاسم "بعد الفجر تقريبا ساهر، الجيران سمعوا صوت الانفجار وهاتفوا المطافئ والشرطة ورجل الأمن لم يصل لك فهاتفني"
توقفت أمامه وهو يقول "ولا يوجد أي شيء يدل على الفاعل؟"
أجاب جاسم "ورقة وجدوها بالممر مكتوب بها، هدية الزواج ساهر، لم أذكر يوم أنك كنت رجل زواج لذا زواج سعيد حبيبي"
رفع وجهه لها وهي تقف أمامه ولاحظ ملامحها الجادة وخشى أن تكون قد سمعت فقال "بالتأكيد الشرطة ستعرف من وراءها"
رد "سيطلبون أقوالك بالطبع، من الجيد أنك لم تعد الشقة بالأمس لقد كتب الله لك عمر جديد، هاتفني عندما تصل الشرطة"
أنهى الاتصال وهي تقول "ماذا حدث ساهر؟ كنت تتحدث عن الشرطة"
هز رأسه ونهض غير مهتم بألم جرحه من حركته وقال "شقتي احترقت، أو بالأحرى تفجرت"
تراجعت من الصدمة وهتفت بلا وعي "ميشيل؟"
دفع شعره للخلف بأصابعه وقال "لا أظن"
تحركت له حتى وقفت أمامه وقالت "لماذا تستبعده نحن نعلم أنه يطاردني"
حدق بها لحظة ثم قال "يطاردك أنت آسيا وليس أنا، هي شقتي من احترقت وأعتقد أنه يعلم بوجودك هنا فأنا أظنه يراقبك وقد أخبرني أن الأمر ليس بيني وبينه وهو يرى أن لا علاقة لي بالأمر لذا ما حدث يخصني أنا"
وابتعد مرة أخرى من أمامها وهي ظلت تنظر بالفراغ الذي تركه خلفه وهو يجذب ملابس الأمس وقال "أنا حتى لم أحصل على بعض الملابس"
وتحرك للحمام والغضب يسيطر عليه وهي تحاول التركيز، هو الآخر لديه عدو يطارده؟ لا، هي بالتأكيد لا تفهم، هناك خطأ بكل ذلك
هاتفه رن مرة أخرى فلم تتحرك له حتى صمت، هي لم تعتاد على التدخل بأموره الخاصة هو لم يمنحها وقت لتفعل، لم تشعر إلا وهو يخرج بملابس الخروج والباب يدق فأذنت لتدخل سيدة وهي تقول "الدواء مدام"
تحركت لها وتناولته منها ثم قالت "الإفطار من فضلك"
التفتت لتراه وقد انتهى فقالت "لأين ستذهب ساهر؟"
التفت لها وقال بدهشة "هل تسألين؟ ألا يجب أن أرى ما أصاب بيتي؟"
اقتربت منه وقالت "نعم ولكنك ما زلت متعب وربما أذهب معك"
انحنى وقال بحزم "لا، لن تذهبي لأي مكان آسيا"
كاد يتحرك فأوقفته وهي تقول "تناول الدواء قبل أن تذهب"
كان يحدق بعيونها عندما انخفضت عيونه على الدواء فلم يعترض وهو يأخذه منها وهي تمنحه الماء وقبل أن يذهب قالت "هل تشك بأحد ساهر؟"
كانت يده على قبضة الباب ليفتحه فتوقف دون أن ينظر لها وقال "لا"
وتحرك للخارج وهي لا تفهم ماذا يحدث لهم؟ المصائب تتهاوى عليهم من كل جانب وكلاهم لا يعرف كيف يغلق الباب بوجهها؟
الشقة كانت قد انتهت عن آخرها لا شيء نجا منها، بالطبع نال العديد من الاتصالات وكلها للاطمئنان عليه وهو تحرك داخل الشقة وما زال دخان النيران لم ينتهي بعد، بالطبع كانت الشرطة قد بدأت عملها وعندما خرج قابل رجل شرطة وعرفه بنفسه وبالطبع طلب منه الذهاب للمركز فلم يمانع خاصة وأن الأمر بفعل فاعل
انتهى من الإدلاء بأقواله وتحرك للشركة وهناك تحرك لمكتب جاسم الذي رفع وجهه له وقال "هل انتهيت من الشرطة؟"
هز رأسه وتحرك ليجلس أمام مكتب أخيه وقال "هل أخذوا الرسالة؟"
تراجع جاسم بالمقعد وقال "بالتأكيد ولكن لدي صورة لها سأرسلها لك"
وبالفعل فعل فأخرج هاتفه وأعاد قراءتها أكثر من مرة حتى قال جاسم "هي رسالة من امرأة أليس كذلك؟"
لم ينظر لجاسم وهو يقول "ربما، لا أعلم، لماذا نستبعد ميشيل؟"
نهض جاسم وتحرك له وقال "لأن هديته وصلت يوم الزواج أم نسيت؟ وميشيل غايته آسيا وليس أنت، وتدمير شقتك لن تفيد ميشيل بشيء"
كان يحدق بالكلمات حتى قال "أنت تعلم أني توقفت عن النساء منذ وقت طويل"
جلس جاسم أمامه وقال "ربما ولكن أن تتزوج فهي قاضية لامرأة تحب"
رفع وجهه لجاسم وقال "تلك النساء لا تعرف عن الحب شيء جاسم كلهم يسعون للمال"
تفهم جاسم كلماته وقال "لابد أن تكون هناك واحدة مميزة أو تظن نفسها مميزة بالنسبة لك"
عاد يركز بالكلمات ثم قال "لا أعرف، أنا بالفعل نسيت كل من كنت على علاقة بهم، أنا كنت أنساهم بمجرد انتهاء العلاقة جاسم"
"لم تسمع يوما لنصيحة أحد جنونك يقودك للجحيم"
نهض وهو يدرك كلمات جاسم فقال "لا تبدأ" ثم التفت له وقال "لا تذكر الرسالة أمام آسيا"
عقد جاسم ذراعيه أمام صدره وقال "تظن أنها ستغار عليك؟ أنا لا أظن ذلك وأنت لا تستحق بالأساس"
أشاح بيده وقال "لم أطلب رأيك فقط لا تخبرها بشكوكنا نحن بالكاد نتوقف عن الشجار"
نهض جاسم واقترب منه وقال "آسيا بحاجة للحنان ساهر، عزت تحدث مرة عن أنه لم يمنحها أي شيء وهي ظلت تبحث منه على أي شيء ومات دون أن يفعل لذا هي تحتاج الحب"
لمعت عيونه وعاد لسخريته وهو يقول "ساهر والحب لا يجتمعان جاسم"
كانا متماثلان بالطول والقوام لذا كانت النظرات متواجهة وجاسم يقول "لذا لن تتوقفا عن الخلاف أبدا ساهر لأنك تضع كرامتك وغرورك بالمقدمة وبالحب لا مكان للغرور ولا توجد سوى كرامة واحدة تنتج عن أنكم أصبحتم شخص واحد بكرامة واحدة لذا يتغاضى الاثنان عن أي خلاف من شأنه تدمير ما بينهم لكن أنت لا تفعل ساهر، أنت لا تقدم أي تضحيات لأنك لا تحبها"
لم يفر من أمام أخيه وهو يستوعب كل كلمة من كلماته ورد بهدوء "وهي تفعل!؟ هي تحبني وتتنازل وتضحي من أجلي؟"
اقترب جاسم منه وقال بجدية "عليك أن تسأل نفسك هذا السؤال ساهر لا أنا، اسأل نفسك هل تنازلت وضحت من أجلك أم لا؟"
ضربه حديث جاسم بقوة ضربة جعلته يفقد أي رد وجمدت جسده فلم يتحرك لكن رنين هاتفه قطع الصمت وهو يبتعد عن جاسم ويخرج الهاتف ليرى اسمها، هل تمزح الأقدار معه؟ الآن تهاتفه وهما يتحدثان عنها، تنفس بقوة قبل أن يجيب 
"نعم آسيا"
كانت بالمكتب والقلق يأخذها عليه فقالت "أردت الاطمئنان عليك هل أنت بخير؟"
حك جبينه من الأفكار التي تتضارب برأسه وقال "نعم بخير لا تقلقي"
لم تستطع أن تهدأ ومع ذلك قالت "متى ستعود؟"
التفت لجاسم الذي عاد لمكتبه ولم يستمع له فقال "سأنتهي من بعض الأمور وأعود"
لم تضغط عليه فقالت "انتبه لنفسك"
قال "سأفعل"
أعاد الهاتف للجاكيت وقال "عامر عرف بالأمر؟"
عاد جاسم له وقال "عامر رحل بالصباح مع ليل والأولاد لشرم هناك مؤتمر سيعقد وهو مدعو له" 
هز رأسه وتحرك وهو يقول "لم يترك لي عمل؟"
رفع جاسم عيونه له وقال "هو يعلم أنك ما زلت متعب وحديث الزواج ألست كذلك؟"
نفخ ساهر، هو وجاسم لا يتفقان دائما بشجار لذا لم يرد وتحرك خارجا وهو يعلم أن رغم الخلاف إلا أن جاسم دائما على حق لأنه لا يقبل بجنون ساهر ولا مبالاته ولكن الآن لم يعد للجنون أو الطيش مكان، هناك مسؤوليات وافق على تحملها، امرأة قبلها كزوجة بحياته وهذا الزواج بل أي زواج ناجح لا ينهض على الطيش والجنون والكبرياء، جاسم على حق هو لو أرادها حقا فعليه ان ينظر للأمور بشكل مختلف فهي ليست علاقة ستنتهي بعد اسبوع أو اثنين بل زواج هو أراده وما زال يريده
بالطبع مر على محل الملابس الذي يحصل منه على ملابسه وطلب خزانة جديدة، كان كمن يبعثر الوقت دون رغبة بالعودة لها ومواجهتها فالآن عقله غير مستقر، خلافاتهم أصبحت أكثر من أنفاسهم ومع ذلك لا يمكنه تقبل أنها ليست معه، ليست زوجته، ليست مسؤولة منه
استعاد كارت الائتمان الخاص به وترك عنوان الفيلا لإرسال الأشياء لهناك ثم عاد لسيارته وظل قليلا ساكنا حتى هدأ وتحرك بالسيارة عائدا إلى البيت، بيت؟ أي بيت؟ الآن لم يعد هناك سوى الفيلا، الفيلا التي بها زوجته 
أسرعت للباب عندما سمعت صوت سيارته تدخل الممر وهي من فتحت لتراه يرفع رأسه لها بدهشة وقال "ماذا حدث؟ هل هناك شيء؟"
رفعت وجهها له وعيونها الخضراء تبحث عن الأمان بوجوده والراحة بعودته، هزت رأسها بالنفي وقالت "لا، كل شيء بخير فقط، هل أنت بخير؟"
كان يرى الكثير بعيونها ربما لأول مرة يحاول قراءة عيونها، خوف، قلق، ومن خلفهم راحة، قال بهدوء "نعم بخير"
تراجعت لتفسح له وهو تقدم للداخل وقال "لقد طلبت ملابس جديدة قد تصل بأي وقت"
تحركت خلفه ولم ترد وهو وصل لغرفة الجلوس وجلس ببطء من ألم جانبه وهي تجلس أمامه وقالت "سنبقى هنا؟"
عادت للنظرة التي تسد عنه الرؤيا فقال "ماذا تظنين؟ فكرت بشراء فيلا جديدة ولكنك قد تفضلين هنا"
ظلت تنظر له ولا تريد الرد، هي لا تريد شجار جديد، حثها على الرد قائلا "ماذا؟ ألا تريدين ذلك؟"
كان عليها الرد، الصمت لن يفيد والهروب أيضا لن يفيد لذا قالت "نعم ساهر أنا أردت ذلك، ليس وقت زواجنا ولكن وقت وفاة بابا، أردت أن أقضي أحزاني بين ذكرياتي الوحيدة الجيدة لي معه"
نهضت وضمت يداها ببعضهم وهي تتحرك بلا هدى وقالت "هذا البيت هو المكان الوحيد الذي عشت به أسابيع قليلة جدا مع بابا وكان وقتها أب لي بحق، أب كما تمنيت أن يكون"
التفتت له وقالت "بابا لم يردني بأي يوم ساهر، هل يمكنك استيعاب أن والدك لم يردك بالحياة وأنه عندما فاز بك كان فوز بمعركة لست طرف بها، كنت غنيمة معركته مع ماما وألقاني بأحضان النيران، كاترين التي كانت تكرهني، المدرسة الداخلية كانت رائعة لأنها كانت ملاذي للفرار منها لكن الإجازات كانت واقع مفروض، جورج بالنسبة لي كان الأب والصديق ومع ذلك أردت عزت، أردت أن أثبت له كذب كاترين بكل ما يخصني، أردته أن يعرف أني فتاة جيدة وناجحة ويمكن الاعتماد علي، هنا فقط ساهر، هنا هو المكان الوحيد الذي فعل بابا فيه كل شيء حلمت به لذا أردت أن أكون هنا وقت موته، أردت أن ألتمس القوة على رحيله بذكرياتنا الجميلة سويا، لكن لم أكن أبغي البقاء للأبد، كنت أعلم أني سأكون معك مكان ما شئت فقط أردت اجتياز تلك المرحلة"
نهض وتحرك حتى وقف أمامها وقال "كان عليكِ إخباري آسيا، ليس من الصواب إخفاء الأمور الهامة عن بعضنا البعض"
أخفضت وجهها والدموع تهاجمها مرة أخرى وقالت "كنت متعب ساهر وبسببي ولم يكن بإمكاني تحميلك هما فوق همومك، أردت راحتك وسعادتك"
اهتز من داخله وكلمات جاسم تواجه، اسأل نفسك هل تنازلت وضحت من أجلك، اللعنة جاسم لماذا تكن على صواب بكل مرة؟
لمس وجهها ليرفعه له فرفعت عيونها الباكية له وأنارت دنيته ببريقها رغم الدموع وقال "فقط تحمليني وقت جنوني آسيا فأنا حقا عشت حياتي مثلك وحدي، انفصالي عن رفيق وماما كان بوقت مبكر من حياتي، كلا من إخوتي نال كفايته منهم لكن أنا كنت صغير والطيش لم يكن له كبير عندي، اعتدت أن أفعل ما أريد بلا رقيب ولا كبير، عامر حاول كثيرا معي وهو الوحيد القادر على إيقافي فهو الأب بالنسبة لي ولكن كما كنتِ أنتِ مع جورج كنت أنا معه، أردت الأب نحن متماثلين آسيا"
وابتعد من أمامها وتلك المنطقة لم يخترقها هو نفسه أبدا، لأول مرة يواجه بها نفسه وهو يكمل "أحيانا كثيرة كنت أريد العودة للقصر والشجار معه ومطالبته بترك كل شيء من أجلنا فقط لنعود كما كنا"
رفع يده لشعره ومرر أصابعه خلاله وهو يرى الماضي أمامه فعاد وأكمل "حبي لإخوتي كان يوقفني، عدم رغبتي بهد الحائط الصلب الذي بناه عامر منا كان يوقفني، كبريائي كان يوقفني لكني لم أتوقف عن تلك الرغبة، البيت والأسرة والأب الذي كان يرأس مائدة الطعام وننتظر ليناقش معنا مشاكلنا بقوة لم تؤلمنا بل تعلمناها منه، لا مشكلة بلا حل معه، يعرف كيف يتعامل مع كل واحد منا بسهولة ويسر ولم يقلل من أي واحد منا وحتى عندما رحلنا قال جملة واحدة، أنا أعلم أنكم لم تعودي بحاجة لي لأني أدرى الناس بكم وأعلم أني أجدت تربية أولادي"
ذكريات كثيرة مرت أمامه فأغمض عيونه وهو يرى حياته تمر أمامه ولا شيء جيد بها سوى عمله ونجاحه حتى وجدها، فتح عيونه فرآها أمامه بابتسامة مشرقة وقالت "هو بالفعل فعل، رفضكم للخطأ نابع من تربيته الصواب لكم، ولا ساهر نحن لسنا متماثلين؛ أنت عشت معه وتمتعت بحنانه وحبه سنوات كثيرة ولو أردت العودة له لن يرفضك وهو مؤمن بنجاح ابنه وفخور به على عكس ما كان عزت، هذا بحد ذاته يجعلك لا تحزن ساهر بل تكون سعيد بما نلت معه حتى ولو كان قليل فهو أفضل من لا شيء، ولا تنسى أنك نلت إخوة ساندتك ومنحتك الأمن والنجاح والحنان"
هي على حق، هما ليسا متشابهين، رفع يده لوجنتها وقال "لا يمكنني التحكم بجنوني وقت الغضب آسيا"
كانت سعيدة بلمسته وهي تقول "لا أحد لا يغضب ولا أحد لا يفقد نفسه بلحظة جنون لكن هناك مرحلة عندما نصل لها نجدنا مجبرين على التغيير من أجل أشياء كثيرة، خاصة لو كان الغضب سيفقدنا أشياء أو أشخاص ثمينة بحياتنا ولن يمكننا تعويضهم وقتها نردع الغضب ونوقفه، نحن وليس شخص آخر"
ما زالت يده تداعب وجنتها وعيونه البنية تتجول على ملامحها وكلماتها تعني الكثير له بل هي الصواب بالفعل، قال براحة سكنت صدره "وربما حتى يمكنني التغلب على ذلك تتحمليني وتحاولين إدراك أن الغضب هو ما يدفعني لأفعال خطأ لكن"
قاطعته "لكن عندما تدرك صوابها ستجدني أنتظرك، دائما سأنتظرك ساهر"
جذب وجهها له وقبلها بحنان وليس بقوة، قبلها ليشكرها على أنها سمعته وتفهمت ما بداخله، يشكرها بلا كلمات لأنها ستنتظره مهما بلغ جنونه لأنه سيعود لها، هو لم يعد يريد أي مكان سوى معها 
دقات على الباب جعلته يبتعد وهي توردت وهي تستعيد نفسها وتلتفت وسيدة تقول "ملابسك وصلت مدام"
ابتعد قليلا وهي تقول "لغرفتي سيدة ومن فضلك أعدي لنا الغداء"
"حاضر مدام"
التفتت له فقال "ملابس جديدة من مالك الخاص؟"
تفهمت كلماته وقالت "كمصري لن تقبل ذلك فلو شئت افعل ما يمنحك الراحة لكن بالنسبة لي أنا لم أفكر بتلك الطريقة"
هز رأسه وهو يتجاوب معها، هي حاولت منحه تذكير بسيط عن اختلافات ثقافاتهم فتحرك لها مرة أخرى وقال "وكمصري يريد بناء زواج هادئ بلا خلاف جديد سأتقبل الأمر لكن منذ اليوم آسيا مالك لك وكل ما يخصك مسؤوليتي هل اتفقنا؟"
ابتسمت وقالت "وكمواطنة نصف مصرية أحاول تعلم ثقافة البلد التي لم أعرفها بعد أوافق على الاتفاق"
ابتسم وسيدة تعود لتعلن عن الطعام فلفها بذراعه وتحركا لغرفة الطعام وهو يقول "بعد فترة تحددينها أريد إجراء تعديلات على الفيلا، ما رأيك"
قبل أن يجلس أشارت لرأس المائدة وقالت "هذا بيتك ساهر وطالما سنبقى به فافعل ما شئت دون الرجوع لي فأنا أثق بكل أفكارك"
ظل ينظر لها ثم ليدها التي تشير لمكان عزت ثم قال "ليس اليوم آسيا، عندما نعيد كل شيء بما يناسبنا"
هزت كتفيها وقالت "سأعتبره وعد وستكون ملزم بتنفيذه ساهر"
ابتسم وجلس أمامها ليتناولا الطعام وتبادلا الحديث عن العمل والمحامي ولكن لا أحد منهم ذكر ميشيل ولا احتراق الشقة كما ولا واحد منهم تساءل متى سيصبح هذا الزواج حقيقي؟؟
كان لابد أن يتناقشوا بالأعمال وزيارة المحامي وعندما عادوا بالليل كان التعب قد حل بهما وما أن نزلا من السيارة حتى رن هاتفه وكان رقم غريب لا يعرفه فأجاب 
"ساهر دويدار، من المتصل؟"
صوت امرأة رد "من الجميل سماع صوتك بعد كل تلك المدة حبيبي"
رفع وجهه لآسيا التي تقف تنتظره وقال لها "هل تنتظريني بالداخل؟"
لم تعترض آسيا ولم تفكر أبدا بالشك به وهو التفت بعيدا بالهاتف وقال بغضب "هو أنتِ سيليا، أنتِ من أحرق شقتي أليس كذاك؟"
ضحكة مرتفعة أجابت ثم قالت "هدية الزواج لابد أن تليق بك"
هتف بصوت منخفض لكن غاضب "إحراق بيتي هدية أيتها المجنونة، ماذا تظنين أنكِ ستنالين من ذلك؟"
قالت بجدية "عودتك لعقلك"
رفع رأسه وقال "لقد أغلقنا هذا الباب سيليا وانتهينا منه، كنتِ تعرفين من أنا وكيف تنتهي علاقاتي يوم دخلتِ حياتي ولم أعدك بشيء"
هتفت بجنون "ولكنك كنت تعلم أني رفضت ذلك وعلاقتنا كانت رائعة، أنا لم أتوقف عن حبك ساهر"
هتفت بجنون "كفى، أنتِ لا تعرفين الحب سيليا فلا تتحدثين عنه"
قالت ساخرة "وأنت تعرفه؟ أم عرفته مع الشقراء الانجليزية لذا تزوجتها"
بالتأكيد تعرف كل شيء عن زوجته لابد أن تفعل، قال ببرود "ابتعدي عنها سيليا لا شأن لكِ بها وابتعدي عني أيضا فلا مجال لنا سويا، نحن مختلفان ولا مجال لأن يجمعنا طريق"
قالت بغضب "إذن لن أتركك ساهر، إما أن تعود لي كما كنا وإلا سألاحقك كظلك و..، ولن تهنأ مع زوجتك"
وضحكت وهو يغلق الهاتف بوجهها والغضب أخذه لأعلى المراتب، هو ليس بحاجة لتلك المجنونة أيضا، يكفي ميشيل
هاتف جاسم وبلغه بالجديد ولم يسلم من لسان جاسم فلم يرد وأغلق وهو يتحرك للداخل وهو يبحث عنها فلم يجدها، تحرك للأعلى فسمع صوتها غريبا، انتفض والخوف يأخذه أن يكون ميشيل، اقترب من غرفته ليسمع صوتا رجوليا يقول "هل ظننتِ أنه سيحميكِ مني؟ هل عرف سرك؟ بالتأكيد لم تخبريه، لن تفضحي نفسك، بالتأكيد يظنك البريئة"
اقتحم الغرفة فرأى ميشيل يلف ذراعه حول عنقها وبيده الأخرى سكين يهددها به وهي تحاول تخليص نفسها منه والدموع تغرق وجهها
هتف ساهر بجنون "هل تجرؤ على الدخول هنا؟"
التفت ميشيل له وهتفت هي بصوت مبحوح "ساهر، انقذني"
شد ذراعه حول عنقها حتى تلاشى الاكسجين من الهواء وهو يصرخ بها "لن ينقذك أحد مني، أخبرته من قبل ألا يقترب من شيء يخصني ولكنه لم يسمع والآن عليك بالتراجع ساهر كي لا أقتلها ثم أقتلك"
رفع ساهر يداه الاثنان وهو يقول "فقد دعها وبعدها نتحدث"
تلون وجهها من قلة التنفس وهي تضرب ذراعه بيدها وميشيل لا يهتم وهتف "لن أتركها، هي ستأتي معي وأنت ستبتعد عن طريقنا كي لا أقتلها
كان يجذبها بطريق الباب وهي تقاوم الدوار وساهر يلف وما زال يفكر بطريقة تبعده عنها عندما وصل للباب وثقلت أقدامها حتى خفف من قبضته فشهقت لتتنفس وهو يجذبها وساهر يسرع أمامهم وهو لا يعلم كيف فر من رجال الحراسة وكيف سيخرج ولكنه يضيع وقت وهو يتبعه للخارج بنفس الوقت الذي انقطع فيه النور عن الفيلا، نفس الطريقة التي قتل بها عزت
صرخ باسمها بجنون وسمع أصوات هنا وهناك وصرخة رجل وهو يسرع ويضيء كشاف هاتفه عندما اقتحم الرجال الفيلا وعاد النور ورأى ساهر ميشيل يسرع خلفها وهي تنزل السلم فأسرع خلفه ولم ينتظر وهو يقفز الدرجات ليسقط عليه مثل المرة السابقة وصرخاتها ترن بأذنه وطلقات رصاص هنا وهناك والتحم معه مرة ثانية ويده تقبض على معصمه الممسك بالسكين وهو يضربه بالأرض بقوة حتى ترك السكين فلكمه ساهر بوجهه والآخر لكم ساهر مرة وأخرى والثالثة بجانبه حيث الجرح فانثنى ساهر من الألم فانتهز الفرصة ميشيل ولكمه بقوة ليبعده عنه ونهض ليفر لكن ساهر كان قد تغلب على ألمه ونهض هو الآخر ولحق به ليشتبك معه مرة أخرى وكلاهم يتبادل اللكمات بقوة لم تردع أيا منهم حتى سقط ميشيل متعثرا بجسد أحد رجاله ليرى مسدسه فالتقطه وصوبه تجاه ساهر وصرخت هي باسم ساهر الذي تجمد مكانه والرصاص ينطلق.. 

تعليقات