رواية نسمة متمردة الفصل الثالث عشر13بقلم امل مصطفي
كان أحمد يجلس هو ونادر وسط العمال يتناولان وجبة الغداء. رفضا تناول غدائهما في مطعم خاص للمهندسين، ما جعلهم محط حب واحترام العمال، لأنهما كانا أول من يجلس مع العمال كأنهم لا يرون فرقًا بينهم.
تحدث رئيس العمال، محمود، وهو يبتسم:
- "منورين يا بهوات، أنتم أول مهندسين بيقعدوا معانا على الأكل."
رد نادر بلطف:
- "كلنا ولاد تسعة، يا حج محمود، مافيش فرق."
محمود بفخر:
- "والله وجودكم وسطينا زادنا شرف وسعادة."
أحمد، وهو يبادلهم الاحترام:
- "أنتم أصل الشرف والنزاهة، وإحنا كلنا ولادك يا حج محمود."
كان أحمد قد تعرف على الكثير عنهم، أسمائهم، وحالتهم الاجتماعية بين العازب والمتزوج.
لكن حديثهم قُطع بدخول شاهنده، التي جاءت بطريقة غير متوقعة.
- قالت شاهنده بصوت مرتفع هاااي .
رد الجميع :
- "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته."
غضوا أبصارهم عن ملابسها الفاضحة، لكن لم يكن لهم خيار سوى تجاهل ذلك.
شاهنده، بدون خجل أو حياء، بدأت تتأمل أحمد بشغف، وقالت:
- " مهندس أحمد؟ أنا رحت الكافيه، قالوا لي إنك مش بتروح، ممكن أعرف ليه؟"
تحدث أحمد بعدم رضا، وهو يرفض الإجابة بتعالٍ:
- "أنا مش هروح أكل في مطعم خمس نجوم وعمالي بياكلوا فول وطعمية."
ردت هي بكبرياء:
- "الصفوة ليهم معاملة مختلفة، أنت مهندس المشروع."
أجاب أحمد وهو يحاول الحفاظ على احترامه لنفسه:
- "أنا إنسان زيي زيهم، مافيش فرق غير أن ظروفي ساعدتني أخد شهادة، ومش معني كده إني أفضل منهم."
غضب أحد الحراس، وتحدث بصوت مرتفع:
- "اتكلم عدل مع الهانم!"
وقف أحمد بشموخ وكبرياء لا يليق إلا به وتحدث بقوة وغضب :
- "أنا بتكلم كويس، مش واحد زيك اللي يعلمني الكلام!"
تأهب الحراس للانقضاض عليه، لكن شاهنده تدخلت بغضب شديد:
- "زياد! خلاص!"
بينما لم تبتعد عيون كل من أحمد وزياد ، استمرت نظرات التحدي بينهما. كان زياد يتوعده في سره، لكن أحمد لم يهتم. كل ذلك كان يحدث تحت أنظار العمال الذين كانوا يتابعون الموقف بصمت.
فجأة، فصلت نظراتهم صوت شاهنده، الذي كان مشبعًا بالأنوثة، وهي تقول بلهجة هادئة:
- "أنا كنت عايزة أتكلم معاك في شوية تفاصيل، ممكن تيجي النهاردة الفيلا؟"
أحمد بحدة:
- "أنا مش بروح عند حد. لو عايزة نتكلم، هنا أو في المطعم، ما فيش مشكلة."
**********
قوة شخصيته وحِدته في الكلام جعلته يحظى بمزيد من إعجاب شاهنده وتعلقها به.
فهي لم تكن معتادة على الرد بهذه الطريقة، خاصة من رجل لا يظهر عليه أي نوع من التملق أو الضعف أمام جمالها.
هتفت بلين:
- "خلاص، نروح المطعم لو ينفع الوقت."
وقف أحمد ليُنظف يده، ثم هتف:
- "يلا يا نادر."
استجاب نادر بسرعة، مدفوعًا بدافع العمل والاحترام لأحمد.
بينما هتفت شاهنده بتعجب:
- "بس أنا عايزة أتكلم معاك لوحدك."
أشار أحمد إلى نادر قائلاً:
- "ده برده مهندس مسؤول معايا. يعني أي حاجة خاصة بالمشروع معانا."
تركت شاهنده المكان بغضب، ثم ركبت سيارتها. كان أول شخص يتعامل معها دون خوف من سطوة مالها أو جمالها. فالجميع عادة ما يرتمون تحت قدميها إما برغبتهم أو بقوة تأثيرها، وهو ما يزيدها إصرارًا في توقيعها على ما تريد.
********
بعد مغادرتها ضحك رئيس العمال وقال:
- "لولا ملامحك الأجنبية، كنت قلت عليك صعيدي زيينا. مفيش عندك أخد وعطاء، وجفتها عند حدها."
ابتسم أحمد قائلاً:
- "أنا ما يعجبنيش الحال المايل، وما يغركش شكلي. أنا دمي حامي قوي، و أفوت في الحديد."
أجاب محمود بإعجاب شديد:
- "باين عليك يا ولدي، ربنا يباركلك في شبابك."
********
جلست نسمه وحنين على الأرض، وأمامهما كراسات التلوين والألوان.
تنام حنين على بطنها، وفي يدها الألوان، بينما تجلس نسمه جوارها تساعدها.
سمعت صوت خطواته قادمة من السلم. نظرت في اتجاه الصوت، ليقع نظرها عليه. كان شديد الوسامة، يخطف الأنظار بوسامته وعطره الذي يسبقه.
لاحظ نظرتها فبتسم داخله وهو يرى تأثيره عليها.
اعتدلت حنين تسأله بفضول:
- "بابي، أنت رايح فين؟"
حملها مروان وقبلها قائلاً:
- "خارج يا حبيبتي."
قالت حنين ببراءة:
- "طيب خدني معاك أنا ومامي. إحنا زهقنا من البيت."
مروان برفض:
- "ماينفعش يا حنين. إحنا خارجين رجالة بس."
*********
جاء من خلفهم أيهم، وكان لا يقل وسامة عن مروان.
قال مبتسمًا:
- "ليكي عليا، أخدك أنتي ومامي بكرة للملاهي، ونقضي اليوم كله بره."
لتهتف نسمه بسعادة:
- "بجد هنروح الملاهي؟"
ابتسم أيهم من لهفتها وهتف:
- "بجد."
شعر مروان بغصة في قلبه، لأن أيهم استطاع رسم الابتسامة على وجهها دون تعب أو مجهود.
فهو خبير في التعامل مع النساء، يعلم جيدًا شخصية من أمامه، ويتلاعب بما يهمها ويلفت انتباهها. ولهذا يعشقونه.
قفزت حنين بفرحة كبيرة، وقالت:
- "هيا هيا! بس يارب مش تعمل زي بابي وتقول مش فاضي."
ضحك أيهم، وقال:
- "لا يا حنون، أنا مش زي بابي، أنا فاضي خالص. وهفسحك أنتي ومامي زي ما أنتم عايزين. اعملوا حسابكم بكرة بدري."
نطق مروان بغضب وغيرة:
- "يلا، ولا هنقضي اليوم هنا."
ثم تركهم وخرج.
نظرت نسمه إليه بلطف، وهي تشعر بغيرته، وهذا أسعدها.
نظر لهم أيهم وغمز بإحدى عينيه وهو في طريقه للخروج.
*********
جلس أيهم جوار مروان الذي يشتعل غضبًا، يريد الانفجار. هي تتجنبه منذ فترة، والآن توافق على الخروج مع شخص آخر. لم يتحرك مروان بالسيارة، ظل ممسكًا بالدركسون، ويفركه تحت يده، وكأن ذلك سيخفف من توتره.
سأله أيهم بتعجب:
- "إيه يا بني؟ مش كنت مستعجل؟"
تحدث مروان بغضب:
- "ممكن أعرف إيه في دماغك؟ قصدك إيه من اللي بتعمله مع نسمه؟"
هتف أيهم بمرح:
- "لولا عارف إنك مش بتحبها وعايز تتجوز شاهي، كنت افتكرتك غيران."
هتف مروان بحدة:
- "متنساش إنها مراتي، وشايلة اسمي! حتى لو مش بحبها، برده فيه حدود للمعاملة."
أيهم، بغباء:
- "أنت بتحب شاهي، و نسمه جميلة، مثقفة، متدينة. يعني فيها كل الصفات الجميلة والنادرة في أيامنا. كنت بقول طلقها وأنا أتجوزها، وعيش حياتك مع شاهي."
ضحك مروان بمرارة:
- "بقي زير نساء، هيتوب و يتجوز؟"
أيهم، بصدق:
- "لو واحدة زي نسمه، هكتفي بيها عن نساء العالم كله."
زاد غضب مروان وغيرته، ليصرخ في وجه أيهم بصوت مرتفع:
- "إلزم حدودك! وأعرف إنك بتتكلم على مراتي!"
أيهم، بتعجب:
- "أنا قلت إيه غلط؟"
لم يعد مروان يستطيع الاحتمال أكثر من ذلك. نظر إليه بعينين غاضبتين، ثم هتف بعنف:
- "قولت أنزل يا أيهم!"
أيهم، مستغربًا:
- "إحنا مش هنخرج؟"
زاد غضب مروان، وارتفعت وتيرة أنفاسه. هتف مرة أخرى بصوت عاصف:
- "قولت أنزل يا أيهم!"
نزل أيهم من السيارة وهو في حالة من الاستغراب.
تركه مروان في لحظة من الغضب الجنوني، وانطلق بسيارته بسرعة، وكأنها لا تأبه بما حولها.
تابعه أيهم بعينيه، غير مصدق، وهو يفكر:
- "طيب، ما أنت هتموت عليها، أهو. أمال بتقول إنك مش بتحبها؟ في أي بالظبط؟"
********
في صباح هادئ، جلس أحمد على طرف السرير، ينظر إلى نادر الذي كان غارقًا في النوم. اقترب منه وقال بصوت منخفض:
- "اصح يا نادر، عشان نصلي الفجر."
نادر، في تذمر:
- "يا عم سبني شوية."
أحمد، بعزم:
- "لا، قوم. بعد الصلاة نتدرب شوية."
تمتم نادر بضيق:
- "تدريب إيه وبتاع إيه، يا عم؟ أنا عايز أنام."
أحمد، بابتسامة خبث:
- "طيب، خليك نايم. دلف إلي المطبخ وأحضر زجاجة مياه."
لحظات قليلة، ثم عاد نادر إلى الغرفة، ليشعر بزجاجة المياه تُسكب عليه دفعة واحدة.
نادر، بصراخ:
- "آه! ساقعة! ساقعة!"
وقف أحمد يضحك على هيئته المبللة، وقال بمرح:
- "يلا، عشان بعد كده تسمع الكلام من أول مرة."
نادر، بضيق:
- "الله يخرب بيت هزارك البايخ."
أحمد، وهو يحاول تهدئته:
- "أنا غلطان، عايز أعلمك تدافع عن نفسك. بدل ما تكون ماشي مع أختك ولا مراتك وما تعرفش تدافع عنهم، وتتروق زي المرة الفاتت."
نادر، بملل:
- "يوه، بقي! كل شوية تذكرني."
أحمد، بنظرة مرعبة:
- "أنا هستناك بره، خلص وحصلني."
وبعد لحظات، بدأوا في التدريب، يتنقلون بين الحركات والتمارين. استمروا في التمرين ساعة متواصلة.
نادر، في إرهاق:
- "أنا تعبت يا أحمد."
أحمد، بحزم:
- "أنا قولت هتتعلم، يعني هتتعلم. خلصنا. كل يوم بعد الفجر هنتدرب ساعتين، وبعد الشغل هنروح الجيم ساعة. خلص الكلام."
نادر، بتأفف:
- "حاضر، حاضر. دماغك دي حاجة صعبة أوي."
********
في الصباح الباكر، طرقت نسمه على باب غرفة مروان الذي كان قد طلب من الطارق الدخول.
عندما دخلت، وجدته يقف أمام المرآة، يمشط شعره ولا يرتدي سوى تيشيرت بسيط. على الفور، تراجعت خطوة للخلف، خافضة عينيها وهي تهتف بصوت منخفض:
- "صباح الخير."
كان مروان يقف في قمة غضبه، يذكر ما حدث بالأمس، فرد عليها بضيق:
- "صباح النور."
نسمه بتوتر:
- "ممكن أروح أنا وحنين مع أيهم؟"
مروان، وقد بدا عليه الغضب:
- "أنا شايفكِ إنسجمتي معاه بسرعة."
نسمه، وقد بدا عليها عدم الفهم:
- "يعني إيه؟ مش فاهمة قصدك."
مروان، بحدة، وهو يرمقها بنظرة حادة:
- "يعني أخدتِ وقت تتعودي عليا، لكن هو كام يوم وتخرجي معاه."
نسمه، وقد شعرت بالخجل، قالت بصوت منخفض:
- "لو أنت مش موافق، مش هروح."
مروان اقترب منها خطوة، رفع ذقنها برفق حتى تصبح عيناه في مستوى عينيها، وقال بصوت دافئ:
- "يعني يهمك زعلي؟"
توترت نسمه من قربه، وشعرت بارتباك شديد وهي تجيبه بارتباك:
- "طبعًا، عشان الذنب."
في لحظة غير متوقعة، اقترب مروان منها أكثر، . كانت تحاول أن تبتعد، ولكن عندما شعرت بدفء صدره تحت يديها، توقفت. لم تستطع الابتعاد، و كأن كل شيء توقف في تلك اللحظة.
ظل مروان يقبلها بحب، ثم تركها فجأة وابتعد، محاولاً ظهره إليها وقال بصوت قاسي:
- "تقدري تمشي، مافيش مشكلة."
ظلت نسمه متجمدة في مكانها، لا تستطيع أن تلملم شتات نفسها. شعرت و كأن الزمن توقف وبعد فترة من الصمت، استطاعت أن تخرج من الغرفة، خطواتها ثقيلة، تحمل قلباً مضطرباً.
بينما كان مروان يقف في مكانه، تحدث إلى نفسه بسخرية:
- "والله وجه اليوم اللي تتمنى فيه تلمس شفايف واحدة... ومش عارف،
ضحك بسخريه... ومش أي واحدة، دي مراتك حلالك."
**********
ركبت نسمه وحنين، بكل سعادة، بجوار أيهم.
سألهم أيهم بابتسامة:
- "أميراتي الجميلات، تحبوا تروحوا فين أولاً؟"
أجابته نسمه بسرعة:
- "نروح نفطر الأول لأنك استعجلتنا وملحقتش أفطر، حنين."
أيهم بابتسامة ماكرة:
- "تحبي تسمعي أجنبي ولا عربي؟"
نسمه أجابت بحماس:
- "بحب الأتنين."
قام مروان بتشغيل أغنية "أنت أول حاجة" لعمرو دياب، ليشعر الجميع بنغمات الموسيقى التي بدأت تعزف في الجو.
نسمه، مبتسمة:
- "إنت بتسمع الهضبة؟"
أيهم بابتسامة واسعة:
- "ومين مش بيسمعله؟ بيجمع بين قديم وجديد."
فطروا وضحكوا كثيراً، وكلما طال الحديث زاد إعجاب أيهم بنسمه. كان يعجب بثقافتها، تواضعها، وأفكارها التي كانت مختلفة عن جميع النساء اللواتي قابلهم.
ركبوا العديد من الألعاب في الملاهي، وكانوا في منتهى السعادة والانسجام. بعد فترة من المرح، قرروا الجلوس في أحد المقاهي للاستراحة.
هتفت نسمه بإمتنان وفرح:
- "حقيقي اليوم جميل، يا أيهم، شكراً ليك."
أيهم بابتسامة دافئة:
- "أنتِ تآمرين، يا جميل، وإحنا في الخدمة."
ثم تحدثت نسمه برجاء:
- "أيهم، ممكن ماتتكلمش معايا كده قدام مروان؟ بحس إنه يتضايق."
فاجأها بسؤاله المفاجئ:
- "أنتِ بتحبيه يا نسمه، رغم اللي حصل؟"
رفعت عينها بصدمه، تساءلت في نفسها: هل يعلم ما بينها وبين مروان؟ هل أخبره مروان برفضه لها يوم الزواج؟ شعرت بحزن شديد لكنها دارته بسرعة.
لمح أيهم تغير حالتها المزاجية، ليهتف بأسف:
- "مش قصدي أتدخل بينكم، بس أنتِ عارفة علاقتي أنا ومروان، مافيش بينا أسرار."
هزت رأسها بتفاهم، لكن قلبها كان يشتاق لأن يظل هذا السر بعيداً عن أي شخص، حتى لو كان أقرب الأقربين.
ثم نظرت إليه وقالت برقة:
- "تحب نتكلم كأخوات؟"
أشفق عليها وقال:
- "طبعاً، اتفضلي."
تنهدت بحزن على حظها العاثر، ثم هتفت بصوت منخفض:
- "أنا ما حبيتش ولا هحب غير مروان. الرجالة بالنسبة لي بتتجسد فيه وبس، حتى لو مش بيحبني. ده شيء مش بإيدي، قلبي هو اللي اختار، و إحنا مالناش حكم على قلوبنا."
ثم أضافت بحسم:
- "يعني لو مش هكون ليه، عمري ما هكون لغيره، فاهمني؟"
لم يستوعب ما نطقت هو يقابل تلك النوعية لأول مرة في حياته هتف بصدمه:
- "معقول فيه واحدة بتحب بالطريقة دي؟"
أجابته نسمه بتأكيد:
- "فيه كتير، بس للأسف أنتم بتبصوا للمظاهر. بنت طلقة، لابسة على الموضة، وحاطه كيلو ميكياج على وشها، دي اللي تجذبكم بقوة."
ثم تابعت بمرارة:
- "لكن البنت المحترمة والمحافظة على نفسها تبقى بيئة أو وكل."
قاطع حديثهم صوت حنين وهي تهتف بلهفة:
- "أنا عايزة أركب اللعبة دي!"
نسمه بخوف:
- "لا يا حنون، أنا بخاف منها."
حنين بإصرار:
- "بس أنا عايزة أركبها!"
نسمه، بحيرة وتردد:
- "خلاص، اركبيها مع أيهم."
أيهم، برفض:
- "مش هنركب من غيرك، يلا يا نسمه."
نظرت نسمه إلى اللعبة مرة أخرى، وزاد خوفها. قالت بصوت ضعيف:
- "لا، يا أيهم، والله بخاف منها."
ابتسم أيهم بتشجيع وقال:
- "يلا يا نسمه، حنين عايزة تركبها. بلاش تكوني قدوة سيئة ليها وتخوفيها."
ثم أضاف بحسم:
- "لازم تكوني قوية يا ناني، وإلا هزعل منك."
تنهدت نسمه في داخلها، واستجابت لهم رغم خوفها. كانت تتمنى لو كان مروان بجوارها، لتحتضنه وتشعر بالأمان.
وفي تلك اللحظة، كانت تحتضن حنين بقوة وهي تغمض عينيها، كأنها تحاول أن تجد الأمان في ذراعيها.
*******
في مكان آخر، عند مروان، كان يتحرك بغضب شديد.
الغضب والغيرة كانا يقتلان مروان من الداخل.
دخل سيف فجأة،وهو يهتف :
- "مالك يا بني؟ شايت في الكل ليه كده؟ الكل عنده رعب من حالتك وغضبك الزائد. في إيه، مالك النهاردة؟"
مروان، لا يستطيع الكلام، رد بصوت ثائر:
- "لو سمحت يا سيف، أنا مش طايق نفسي."
هتف سيف بتروي:
- "مالك بس يا صاحبي؟"
مروان، بنبرة واضحة من الغيرة:
- "نسمه خرجت هي وحنين مع أيهم، وأنت عارف أسلوبه."
سيف، ضاحكًا:
- "لا، ما تقولش. مروان الفيومي، اللي الكل بيغير منه ويتمنى يكون مكانه. غيران من أيهم؟"
مروان بحدة :
- " أغير من مين أنت . شكلك رايق وأنا مش فايق."
سيف، بهدوء:
- "البنت محترمة، ومالهاش في جو أيهم. دي ما يتخافش عليها لأنها بتحبك. كلمها، وأنت تهدى."
مروان، بغضب وضيق:
- "وليه هي ما اتصلتش بيه؟ تلاقيها مش فاضية."
تنهّد سيف بصبر، وقال:
- "الأصول، أنت اللي تتصل وتطمن عليها أو على حنين. ولو مضايق قوي كده، شوف هما فين وروح عندهم. كمل اليوم معاهم."
مروان، باعتراض:
- "ليه؟ عشان تفتكر إني مدلوق عليها؟ لا، طبعًا."
سيف، وهو يحاول تهدئته:
- "بص يا مروان، طريقتك دي غلط. أنت فكرت مرّة تاخدها و تخرجوا تتعشوا برا؟
أو تفضي يوم كامل معًاها ، تروحوا النادي، تتكلم معاها وتقرّب منها؟ أنت بقالك كام شهر متجوز، أهتميت مرّة تتكلم معاها، تقرّب منها، تغيّر فكرتها عنك؟ لا يا صاحبي، أنت غلط، وهتخسرها."
مروان، في صمت، كان يستمع.
سيف، بحسم:
- "لو بتحبها بجد زي ما أنا شايف، عبر عن الحب ده. خليه يخرج للنور عشان هي تشوفه."
********
وقفت حنين بملل، جذبته من يده قائلة:
- "هنفضل واقفين كده؟ أنا تعبت."
نسمه، بقلق:
- "معلش، المكان هنا بيكون زحمة كده، لو تعبتي قولي لي."
أيهم، بعزم:
- "لا، مش هستنى كل ده. تعالوا، خليكوا هنا."
ذهب أيهم إلى الكاشير، وتحدث مع البنت هناك. وبعد لحظات، رجعت البنت بالأوردر. أخذه أيهم منها، وشكرها بابتسامة مغرية. ثم غمز لها بعينين مليئتين بالشقاوة.
نسمه، تراقب تصرفاته بابتسامة:
تتابع تصرفاته المجنونة. عاد أيهم، وهو يغمز لهم بمرح.
حنين، بفرح، صفقت له:
بينما نسمه هتفت بعتاب
- "والله يا أيهم، حرام عليك. البنت كانت مسبلة وشارده في عيونك، يا عيني."
أيهم، وهو يعدل ياقة قميصه بغرور:
- "وأنا؟ أي حد، أنتي بتستقالي بمواهبي."
نسمه، وهي تضحك:
- "بس حرام عليك، أنت لعبت بمشاعرها."
أيهم، بتهكم:
- "أنا؟ والله أبداً! أنا اتغزلت في شعرها وعيونها وبس، هي العايزة تصدق."
تناولت نسمه الطعام وهي تتمتم:
- "أنت مالكش حل."
أيهم، بمرح:
- "ليه؟ ما أنا قاعد أثبتك من الصبح، وما حصلش حاجة."
نسمه، بثقة:
- " أنا مش أي حد، وماليش خالص في التثبيت."
أيهم، مبتسماً:
- "مسيرك تيجي يا ملوخية تحت المخرطة."
نسمه، بعينين متسعتين من الدهشة:
- "مش ممكن! أنت جبت الكلام ده منين؟ بذمتك، أنت جاي من فرنسا، بلد الأتيكيت والرومانسية؟"
أيهم، وهو يعدل ياقة قميصه:
- "لا، ما يغركيش. أنا جايبها من تحت."
ظلت نسمه تنظر إلى هاتفها بين الحين والآخر.
ثم سمعت صوت أيهم يقول:
- "مش هيتصل."
نسمه، وهي تتوتر من لهفتها الظاهرة:
- "مين ده؟
أيهم ::
اللي بتبصي في الفون بتاعك كل دقيقتين على أمل إنه يتصل."
أيهم، بحذر:
- "إحنا قولنا أخوات. والأخوات مش بيكدبوا على بعض."
كلماته جعلتها تشعر بالحزن، فتمتمت:
- "أنا مش متوقعة منه كتير، بس غصب عني."
أيهم، وهو يقترب ليواسيها:
لكنها ابتعدت بحدة، متجنبة مرمى يده.
أيهم، وهو يبتعد بخجل:
- "أسف، مكنش قصدي أزعجك. كنت عايز أهديكي."
نسمه، بضيق:
- "أنا عارفة قصدك، وعارفة إن حياتك اللي كنت عايشها ده عادي، بس أرجوك، ماتخليش ثقتي فيك تضيع."
