رواية نسمة متمردة الفصل السادس عشر16بقلم امل مصطفي
هتفت بنبرة حادة :
— وبعدين يا أيهم؟
حدثها بمرح
يعني طالعة كده لكلام ولا سلام؟
ومروان برده كان طالع، كأنه مش شايف حد.
هو انتوا اتخانقتوا تاني؟
ضمّت حاجبيها بتعجب وسألته:
— هو أيهم جه؟
أجابها:
— آه.
قالت ببرود:
— طيب، تمام. وسّع كده، علشان أنا راجعة مرهقة جدًا.
اتخذ أيهم جانبها وهو يهتف:
— حاولي تكسبي مروان يا نسمه، مروان بيحبك بجد.
هزّت رأسها في صمت وصعدت السلم،
بينما وقف أيهم يتابع صعودها وهو يهتف بصدق:
— ربنا يسعدكم ويكفيكم شر شاهي.
**********
دخل مروان غرفته، وأرسل رسالة قصيرة مضمونها: "عايزك".
تسارعت دقات قلبها بشكل لذيذ عند رؤية اسمه فقط على الرسالة، وضعت يدها على صدرها في محاولة يائسة للسيطرة على نبضاتها، وهي تهتف في نفسها:
"يا ترى عايز إيه؟ يا رب... أنا ماسكة نفسي بالعافية."
دخلت الغرفة، وجدته يجلس وفي يده شيء أحمر.
تحدثت بتوتر واضح في صوتها:
– نعم؟
التفت مروان إليها، مرر عينيه عليها بتمني، ثم توجه إليها وهو يهتف ببرود:
– خدي، البسي ده، عايز أشوفه عليكي.
نظرت لما يحمله بيده بعدم فهم:
– إيه ده؟
رد ببرود:
– قميص نوم.
نظرت له بغضب قائلة:
– أفندم، أنا مش جارية عند حضرتك!
أنت نسيت إننا اتفقنا، أنا مراتك على الورق بس...
قال وهو يحاول إظهار اللامبالاة في صوته:
غيرت رأيي، وعايزك تمنعي نفسك عني، تقدري على الذنب ده.
رفعت عينيها بحزن، تتساءل في نفسها: هل يأخذ حقه منها بالقوة؟ هل يغصبها على قربه؟
لقد حلمت ورسمت شكل أول لقاء بينهما يوم الزفاف، لكن إعصار غضبه ضرب أحلامها الوردية على صخرة الأوهام، والآن يريد أخذها دون إرادتها.
أخذت القميص وهي تردف بوجع:
– حاضر، طلباتك... أوامر.
ظل مروان يؤنب نفسه ويلعن تهوره. لقد رأى وجعها يلمع في عينيها، لم يكن يتمنى أن يحدث ذلك بينهما، لكنه ترك نفسه يحترق بالنار وحيدًا. يريدها بإرادتها الحرة، وهي لم تترك له شيء.
خرجت نسمة بعد وقت طويل، وهي في قمة الألم والفتنة، كأن هذا الثوب صنع خصيصًا لها.
اقترب منها بخطوات مترددة، واحتضنها بعشق واضح، متمنيًا أن تلين له عندما تشعر بلهفته وشوقه إليها. انحنى عليها، يقبلها بلهفة وحب.
لكنها، رغم شوقها الشديد له، شعرت بأنها رخيصة، فلم تتجاوب معه.
ظل يقبل وجهها وعنقها، وهو يهمس لها بكلمات حب ورومانسية عن مدى حبه لها واشتياقه المؤلم لضمها إلى أحضانه.
لكنها لم تستجب، كأنها جسد بلا روح.
قبّل وجنتها حين ذاق دموعها المالحة، ثم ابتعد عنها. نظر إلى وجهها، ووجدها تبكي في صمت.
شعر بنخزة في قلبه، فابتعد عنها وهو يتألم من نفورها.
لقد فاض به من تمردها، وتلك النار المشتعلة في جسده، ليصرخ بها بصوت عاصف:
— الله يسامحك... الله يسامحك!
أنا بكره اليوم اللي حبيتك فيه.
أصيب بحالة هياج شديدة، فقام بتكسير كل ما يقابله لينفس عن غضبه، وهو يتحدث لنفسه:
— ليه... ليه كل ده؟
أيه الحصل عشان بتعملي معايا كده؟
نظر إليها بعدم تصديق مما يمر به وهو بجانبها:
— إنتي عملتي فيه إيه؟
رفض عقله ما يحدث، وراح ينهل الغرفة ذهابًا وإيابًا.
— أنا مروان، اللي كل الحريم بتجري ورايا، يتمنوا بس نظره أو لمسة،
ده يكون حالي بشحت منك القرب والاهتمام!
بلمسك وأنتي كره لمستي!
أغمضت عينها بألم لما وصلوا إليه، فهي لم تتوقع أن يؤلمه بعدها عنه إلي هذا الحد .
اقترب منها، وقبض على ذراعها بقوة:
— افتحي عيونك،
شوفي إنتصارك، شوفي عملتي فيه إيه،
عرفتي تنتقمي مني عشان رفضتك يوم فرحك؟
نظر لها وتحدث بألم شديد:
— إنتي عارفة إني رحت لبنات ليل عشان أثبت لنفسي إنك مش مهمة،
والنار اللي بتشعليها جوايا، أي واحدة تقدر تطفيها.
ضحك ضحكة ألم، لكنه لم يستطع اخفاء ألمه وهو يهتف:
— بس مقدرتش... شوفتك بيني وبينها...
صُعقت نسمه مما تسمعه، هل هي مسؤولة عن حالته؟
هل رفضها له طوال تلك المدة جعله يرتمي بين أحضان الحرام؟ لعنت نفسها وكبريائها، فقد تسببت في لعن ملائكة السماء والأرض.
نظر لها وهو يفهم ما تفكر فيه، وهز رأسه لها بسخرية:
— أه، تصدقي؟ حاولت أكتر من مرة، حتى شاهي...
روحت لها، متحملتش لمسة إيدها، كأنها نار تحرقني، غيرك خالص.
ثم أكمل بجنون:
— أنا مش مصدق... أنا بقيت أسيرك،
أسيرك إنتي وبس. نظرة منك بتدخلني الجنة،
وكلمة منك بتنزلني سابع أرض.
لا... لا، أنا لازم أهرب من جحيم قربك.
تحدث وهو يرتدي ملابسه ويتجه إلى الباب، محاولًا أن يهرب بما تبقى من كرامته ورجولته الضائعة أمامها.
أرادت أن تخبره أنها أيضًا جُرحت وتألمت كثيرًا بيده، وأنه الآن يسألها عن سبب بعدها، يجب عليها التوضيح.
لكنها هتفت بالبكاء:
— أنا شوفتك معاها!
تسمرت قدماه، والتفت لها، وهزت رأسها:
— أه، شوفتك معاها في المول.
صدقتك لما قربت مني بمشاعر جديدة، وثقت في مشاعري اللي أكدت أنك حبيتني،
وفي لحظة، انهارت كل حياتي لما شوفتك بتضحك معها، وحاطت إيدك على إيدها، في نفس الوقت اللي كنت بتطلب قربي ورضاي.
********
في المساء عند أحمد
رن جرس الباب بينما كان أحمد ونادر يجلسان معًا.
نادر، بنبرة تحذيرية:
— إياك تأكل الفشار من غيري، أنا تعبت فيه.
توجه أحمد إلى غرفته وهو يضحك:
— لما تفتح، أكون جبت ورق المشروع من جوه وخرجتلك.
قام نادر بفتح الباب، فوجئ بشاهنده التي هتفت بنعومة:
— ممكن أشوف المهندس أحمد؟
وخلفها الحرس.
رد نادر باحترام:
— أه، يا فندم.
دخلت دون إذن، وطلبت:
— ممكن تسيبنا شويه؟
نظر لها نادر بتوتر ثم إلى الداخل:
— أه، طبعًا اتفضلي.
خرج نادر ووقف أمام البحر، يدعو لصديقه.
جمع أحمد الأوراق، واستدار ليخرج، لكنه تفاجأ بوجودها في نفس الغرفة.
كيف ومتى دخلت غرفته؟ وأين نادر؟ لماذا لم يخبره؟
قام بسرعة ليرتدي تيشيرته، وتحدث بغضب:
— إنتي إزاي تدخلي غرفة شاب عازب كده من غير إذن؟
طالعته بنظرات جريئة، وردت:
— إيه؟ عادي.
رد أحمد بحدة:
— عادي عندك إنتي، لكن أنا لا، فيه حدود.
اقتربت منه أكثر، وضعت يدها على صدره
مسك أحمد يدها بقوة ودفعها بعيدًا عنه.
صرخت شاهنده من ألم يدها، واقتربت بتهديد:
— إنت عارف ممكن أخلي رجولتي تبهدلك، بس صعبان عليا أشوه الوش والجسم الجميل ده.
ضحك أحمد بقوة:
— وأنتِ فاكرة إني كده هخاف؟ يبقى بتحلمي! أنا مش بخاف غير من ربنا، ومش ممكن أعمل حاجة تغضبه، ولو على موتي.
أحترم الناس أه ، أخاف لا، يلا اتفضلي، امشي من هنا حالًا.
تحدثت بتهديد:
— أنا كل حاجة عايزاها بتتحقق، وأنا عايزاك أنت وبس، وهوصلك.
استغفر أحمد في سره من تلك الوقاحة التي تعرض نفسها دون حياء أو خوف من حساب ربها
، ثم هتف بحدة:
— إنتي مجنونة بقى
اقتربت منه مرة أخرى، تهتف بصدق:
— مجنون بيك من أول لحظة شوفتك، وأنا نفسي فيك، عيوني ماعدتش بتشوف رجالة غيرك.
كانت تحاول الاقتراب مرة أخرى، لكنه قابلها بصعفة قوية على وجهها، جعلت شفتيها تنزف.
ثم جذبها من ذراعها بقوة، وفتح الباب، ودفعها إلى الخارج قائلاً:
— ممنوع رجلك تخطّي هنا مرة تانية، فاهمة ولا لأ؟
وقفت شاهنده أمام الباب المغلق، تتوعد له بأنّه سيأتي لها راكعًا مثل غيره.
**********
في غرفة مروان مازال الجو مشحون بالألم عندما أكملت
نسمه، وهي تبكي، قالت:
— أنا شوفتك معاها.
تسمرت أقدامه، ثم التفت إليها.
هزت رأسها وأجابت:
— آه، شوفتكم يوم المول، وهي حاطّة إيديها فوق إيديك.
تابعت بمرارة:
— عارف حسيت بإيه؟ بنفس إحساسي يوم فرحنا... كان ألم فوق احتمال.
أكملت وهي تمسح دموعها:
— واحدة صاحبتي بصّت علياتشوف ايه لافت نظري قوي كدة ضحكت وقالت فعلاً، مز يا بختها بيه.
من بين شهقاتها أكملت :
— كنت عايزة أجري عليك وأحضنك قدامهم، ده بتاعي، أنا وملكي أنا... بس خوفت من رد فعلك، تكون حنيت ليها تاني وتجرحني قدامها.
لما ابتسمت لها، حسّيت بالضياع والوحدة.
اتمنيت وقتها أن أكون فاقدة البصر، أهون من أن اشوفك في الوضع ده .
بدموع قالت نسمه:
— أنا زيك بتألم وحاسة بالوحدة، محتاجة أحس بالأمان، ألاقي حضن يحتويني ويطمني إني حاجة غالية عنده، مش ممكن يفرط فيها بسهولة.
— أنا كنت بشتاقلك أضعاف اشتياقك ليّا، وكل ما أحن أخاف وأبعد، وأقول خلاص هو مش نصيبي، كفاية جراح لحد كده.
وتابعت:
— وكل ما تقرب مني أخاف أكون مجرد نزوة، وبعد كده يروح لحاله، وأنا بس اللي ادفع الثمن.
عاد مروان بسرعة، جذبها بقوة إلى أحضانه بلهفة تألمه منذ أسابيع. همس في أذنها بطريقة حميمية:
— أوعي تقولي على نفسك نزوة، أنتي عشقي وجنوني.
— أنتِ أجمل وأهم وأغلى حاجة في حياتي كلها. بعدك عني كان بيضعفني وبموت من شدة شوقي ليكي .
أسف يا حبيبتي لأني جرحتك من غير قصد.
— اليوم ده كنت معاها بعترف لها بحبي ليكي، وإن علاقتي بيها هتكون مجرد صداقه. وهي لما حطت إيديها عليا ابتسمت لها بغرض الوداع مش أكتر.
— بس صدقيني، أنا اتخلقت عشانك أنتي وبس. وبكرة تعرفي إن حبيبك مش خاين ولا بتاع نزوات.
تعلقت به نسمه أكثر وهمست:
— أنا بعشقك يا مروان، والله مافيش راجل يملأ عيني غيرك. سامحني عشان قسيت عليك، بس ده كان الظاهر.
— لكن جوايا كنت بتمنى قربك كل لحظة وبحلم بيه.
ضغطها مروان أكثر بين أحضانه، كأنه يريد جعلها وشمًا على صدره.
بدأ يقبلها بجنون وشغف، رفعها بين ذراعيه، يبثها لهفته وألمه من بعدها.
هتف برجاء:
—نسمه لو عايزاني أبعد يبقى الوقت، لأني والله مش هقدر بعد كده.
تعلقت أكثر بعنقه، وكانت إشارة منها على موافقتها لتصبح زوجته أمام الله.
********
عند أحمد، اتصل برئيس العمال وقال:
— معلش يا حج محمود، عشان صحيتك.
رد محمود بود:
— أبداً يا بشمهندس، خير؟
أوضح أحمد:
— عايزك تكلف عدد زيادة من العمال بحراسة المون اليومين دول.
استفسر محمود:
— ما تقلقش، إحنا كده كده بنعمل ورديات على المون، بس إيه سبب طلبك ده؟
تحدث أحمد بقلق:
— أصل أنا مش مرتاح لشاهندة، جاتلي الشاليه النهارده وطردتها، مش عارف رد فعلها.
فهم محمود قصده، وقد رأها في عينها من قبل ذلك، فشجعه بالدعاء:
— ربنا يكفيك شرها، يبني، دي حرمة صعرانة.
أكد أحمد بحزم:
— معلش، زوّد الرجال لحد ما أشوف حل.
طمأن محمود:
— التآمر بيه، وكلنا معاك.
تمتم أحمد بإمتنان:
— ربنا يخليك يا حج، تصبح على خير.
**********
اتصل أحمد بمروان، مروان باستغراب ده أحمد :
ابتعدت نسمه عنه وهي تداري جسدها كأنه يراها.
ضحك مروان قائلاً:
— مالك يا بنتي؟ ده في التليفون، وبعدين، إنتي مراتي.
ثم قام بضمها إلى أحضانه أكثر.
وفتح الخط :
— ألوو، إزيك يا أحمد؟ أخبارك؟
هتف أحمد بإحراج بسبب تأخر الوقت:
— أنا آسف لأني بكلمك دلوقتي، بس الموضوع ضروري.
رد مروان بهدوء:
— أنت تتصل في أي وقت، ومش محتاج تعتذر.
قص أحمد عليه كل ما حدث مع شاهندة.
ضحك مروان بكل رجولة:
— بقي أنت ضربتها وطردتها؟ هان عليك! دي البنت صاروخ!
ضربته نسمه على صدره وهو لا يزال يضحك.
قال أحمد:
— لو ملكة جمال، ماليش فيها، أنا اتربيت على الخوف من الذنب.
قال مروان بجدية:
— ولا يهمك، آخر الأسبوع هكون عندك، و أعلي ما في خيلها تركبه.
هتف أحمد بتردد:
— بس أنا مش عايز أسببلك مشاكل، لو كده ممكن تبعت مهندس غيري يمسك المشروع؟
رد مروان:
— لا، محدش هيكمله غيرك، ولو مش عاجبها تلغي العقد وتدفع الشرط الجزائي. ولو على المون، ماتخفش، هبعتلك ناس تحرسها.
قال أحمد:
— مالوش لازمة العمال اللي معايا يحرسوها، وندفع لهم اللي كانوا التانيين هاخدوه.
*********
جلست نسمه بقلق واضح، وقالت:
— أحمد ماله يا مروان؟
طمأنها مروان بهدوء:
— أبداً، صاحبة القرية راحت له وعرضت نفسها عليه، ضربها وطردها.
شهقت نسمه بزهول:
— معقول فيه واحدة تعمل كده؟ أنا فاكره مجرد تمثيل.
ثم أكملت بخوف:
— بس كده ممكن تأذي أحمد؟
قال مروان وهو يقبلها:
— إنتِ مش عارفة قوة ونفوذ جوزك.
ردت بقلق:
— بس هو هناك لوحده؟
ابتسم مروان بثقة:
— أنا ليا رجالتي في كل مكان.
لم يعطها فرصة للكلام، فقد امتلك شغفها بجنون، كأنه يرى أنثى لأول مرة في حياته أو يلمسها.
تأثرت به وفقدت السيطرة على مشاعرها، وهي بين يديه، حتى خوفها على أخيها توقّف، وقضيا أجمل ليلة في عمرهما.
**********
كان أحمد بين عماله عندما لاحظ توافد الكثير من سيارات الحرس.
أشار إلى محمود قائلاً:
— خليك تجمع رجالك بسرعة، الوضع مش مبشر بالخير
