رواية نسمة متمردة الفصل السابع عشر17بقلم امل مصطفي
في الصباح،
كان أحمد يقف مع عمّاله الذين أحبّوه واحترموه في مدة قصيرة.
توقفت سيارات حرس شاهندة.
عندما رآهم محمود، أشار لرجاله لكي يجتمعوا، لأن دخولهم لا يُبشّر بخير.
اتجه زياد، وخلفه اثنان من الحرس، ناحية أحمد، الذي كان منشغلًا مع بعض العمال.
تحدث زياد من خلفه بقوة:
ـ "سيب كل حاجة في إيدك وتعال معانا، الهانم عايزاك."
التفت له أحمد بثقة وقال:
ـ "أنا مش فاضي. لما أخلص شغل، أبقى أشوف عايزة إيه."
وضع زياد يده بقوة على كتف أحمد وتحدث:
ـ "يبقى تيجي غصب."
نفض أحمد يده، وأخذ وضع الهجوم، وتحدث بقوة:
ـ "مش أحمد خالد الحسيني اللي حد يغصبه على حاجة."
هجم زياد على أحمد، الذي صدّ هجومه بقوة، فأجسادهما كانت متقاربة، مع فارق إتقان أحمد للكونغ فو.
وقف الثلاثة أمام أحمد، وما غفلوا عنه أنه يعلم كل أماكن الضعف في أجسادهم، ويستغلها.
كانت مواجهة عنيفة وغير عادلة.
ركض نادر يساند صديقه وأخيه، لكنه تعرض لأكثر من ضربة. قاوم ألمه حتى يسند صديقه، الذي أسقط اثنين من الحرس.
أما محمود، فوقف هو وباقي العمال كسدٍّ منيع بين أحمد وباقي الحرس، الذين تأهّبوا عندما شعروا بقوة خصمهم.
قال الحرس مهددين:
ـ "لو ما بعدتوش، هنفرّغ فيكم السلاح!"
رد محمود بلا مبالاة:
ـ "إحنا صعايدة، والسلاح جزء من حياتنا، ولا بيفرّق معانا."
ليحدث اشتباك آخر بين الحرس والعمال.
أما أحمد، فرغم قوة زياد الجسدية وسرعته في الحركة، تغلب عليه وأسقطه.
ظهرت أربع سيارات أخرى.
نظر الجميع إلى بعضهم البعض، وعلموا أن ما يحدث... حرب لن تنتهي.
********
استيقظ مروان وهو سعيد، لأنه امتلك من تمتلك قلبه ومشاعره. ظل يتأملها وهي غافية... نسمة فاتنة، رائعة الجمال، بدون أي مكياج. حرّك أنامله على وجنتها بنعومة، ثم انحنى عليها وقبّلها برقة.
فتحت عينيها على مصرعها، عندما شعرت بدفء جسده بين يديها.
حاولت نسمة الإفلات من قبلته، لكنه لم يُعطِها فرصة، حتى امتلكها مرة أخرى.
ضمها إلى أحضانه بحب، و قبّل خصلات شعرها. ابتسمت بسعادة لوجودها بين أحضانه.
هتف بحنان:
ـ "أنتِ عاملة زي الفاكهة الصابحه اللي تجذب الواحد لأكلها، حتى لو شبعان. جمالك يخليه يشتهيكِ مرة تانية."
ضمّت نفسها أكثر إلى صدره، لا تصدق أنه أخيرًا اعترف بحبه، لتعبر عن مشاعرها و فرحتها:
ـ "أنا بحبك أوي يا مروان، و بتمنى أفضل طول العمر بين إيديك. مش بحس بأنوثتي غير قدامك، ومش بشوف نفسي جميلة غير في عيونك."
تأمّلها بشغف، وردّ بحب:
ـ "لا، كده كتير عليّا قوي."
هتفت بسرعة:
ـ "مروان، أرجوك، عايزة أطمن على أحمد."
قبّل جبينها وجذب هاتفه.
وعندما سمع صوت الطرف الآخر، هتف بقوة:
ـ "عملت إيه يا إبراهيم في اللي طلبته منك؟"
ـ "كله تمام يا باشا، ثواني ويكون عندك."
هتف مروان بأمر واضح:
ـ "خد الرجالة بتوعك، وروح لأحمد، نسيبي، في العنوان ده. متفارقوش لحد ما أخلص موضوع شاهندة."
ـ "ما تقلقش يا باشا، كله تحت السيطرة."
قال مروان محذرًا:
ـ "مش عايز أوصّيك، من الوقت تكون عنده، ولو اتخدش، أنت ورجالتك هتدفعوا الثمن."
إبراهيم، مؤكدًا:
ـ "أوامرك يا باشا، في رقبتي."
أغلق مروان الهاتف، وجد نسمة تلمّلم المفرش حولها لتقوم. جذبها إلى صدره مرة أخرى، وقال:
ـ "رايحة فين؟"
هتفت بخجل:
ـ "داخلة آخد شاور، وأروح لشرين صاحبتي أطمن على مامتها... لأن ملهمش حد."
رد بإصرار:
ـ "مافيش حد يقدر يخرجك من حضني النهاردة. أنتِ ملكي، وأنا مش هفرّط فيكي لحد.
أنا طمنتك على أحمد، و هبعت سيف يشوف طلباتهم و يطمنك، لكن مافيش خروج من الأوضة دي النهاردة."
ثم أجرى اتصالًا بسيف.
بينما قامت نسمه بالاتصال بسهير:
ـ "صباح الخير يا ماما، حنين صحيت؟"
ـ "لا يا قلبي، لسه."
هتفت نسمة باعتذار:
ـ "معلش يا ماما، لما تصحى خليها معاكي، لأن مروان مش عايزني أخرج من الأوضة، وطلب الفطار هنا."
كادت سهير تطير من شدة فرحتها، مثلهم وأكثر:
ـ "بجد؟ طيب يا قلبي، براحتكم. و الفطار ثواني ويكون عندكم... ربنا يهديكم."
**********
عند أحمد،
ظهرت سيارات حرس كثيرة، وصنع رجالها دائرة أصبح الجميع داخلها.
نزل إبراهيم من إحدى السيارات، وهتف بصوت مرتفع:
ـ "فين المهندس أحمد الحسيني باشا؟"
كان أحمد قد انتهى من زياد، فرد بثبات:
ـ "أنا خير."
أشار أحد الرجال قائلًا:
ـ "إحنا رجالة مروان باشا... وحرسك الخاص طول فترة وجودك هنا."
أجرى إبراهيم اتصالًا بمروان ليطمئنه:
ـ "أيوه يا باشا، أنا معاه. كان فيه حرب هنا، بس أحمد باشا ما يتخفش عليه... راجل بجد، وخد حقه منهم."
طلب منه مروان أن يوصله بأحمد. تناول أحمد الهاتف بابتسامة، ثم هتف بعتاب:
ـ "إيه يا مروان؟! وليه كل الناس دي؟ هو أنت فاكر نسيبك ضعيف أو جبان؟"
سأله مروان بهدوء:
ـ "أنت كويس؟"
ـ "أيوه، الحمد لله، بخير... ما تقلقش."
قال مروان:
ـ "أنا مش قلقان، وعارف إنك قدها... بس أختك هي اللي خايفة. الرجالة معاك، وأنا هخلصك منها خالص. وبعد الحفلة هتلاقيني عندك."
رد أحمد بهدوء:
ـ "تمام... وأنا مستنيك."
*********
أغلق مروان الاتصال مع أحمد، ثم بادر على الفور بالاتصال بشاهندة.
تحدث بصوت يحمل غضبًا وقوة:
ـ "أهلاً مدام شاهندة... عايزك تشوفي الرسائل اللي بعتهالك. ده تحذير بسيط: لو ما بعدتيش عن أحمد، نسيبي، كل الفيديوهات الجميلة دي هتوصل لجوزك."
توقف لحظة، ثم أردف بلهجة صارمة:
ـ "وبعد كده، هتكون متشيرة على تليفونات البلد كلها. و إنتِ عارفة إن مروان الفيومي... ما بيهددش ، فبلاش تلعبي معايا."
أنهى المكالمة بكلمة قصيرة وواضحة:
ـ "سلام."
***********
جلست شرين بجوار والدتها في المستشفى، تتصفح "الفيس" على هاتفها المتهالك، عندما سمعت طرقًا على الباب. تعجبت، فالممرضات اللاتي يأتين لوالدتها يطرقن طرقة واحدة ثم يدخلن.
قامت وفتحت الباب، فوجدت أمامها شابًا وسيمًا يحمل بعض الأكياس بيده.
أخفضت شرين عينيها وتحدثت بحياء:
ـ "أيوه، حضرتك عايز حاجة؟"
ظل سيف يتأمل وجهها وخجلها الظاهر، ولم يرد.
قالت شرين بحياء، متظنة أنه أخطأ في الغرفة:
ـ "هو حضرتك غلط في الأوضة؟"
هتف بإحراج، بعد لحظة تأمل لها:
ـ "لا، أبدًا. مش إنتِ الآنسة شرين؟ صديقة مدام نسمة؟ أنا سيف المحمدي... صديق مروان، جوزها."
هتفت بترحيب:
ـ "أهلاً بحضرتك، اتفضل."
قال بابتسامة:
ـ "شكرًا، أنا جايب شوية طلبات، لأن مدام نسمة مش هتعرف تيجي النهاردة. ولو محتاجة أي حاجة... أنا تحت أمرك."
ردت بلطف:
ـ "ماكنش ليه لزوم التعب ده والله. نسمة جابت كل حاجة امبارح."
وضع سيف ما بيده، وأخرج لها بطاقته الخاصة:
ـ "ده فيه كل أرقامي... لو احتجتي حاجة. بعد إذنك."
********
خرجت نسمة من الحمام بعد أن أخذت شاور، لتجد نفسها في أحضان مروان، الذي هتف بشغف وهو يجذب بعض خصلات شعرها:
ـ "وحشتيني الحبة دول يا نسمتي."
ثم انحنى ليقبّل عنقها.
اعتدلت لتكون في مواجهته، وهتفت بهيام:
ـ "أنا مش مصدقة عيوني ولا وداني... معقول مروان بين إيديا وبيقول إنه بيحبني؟"
صمتت لحظة، ثم تابعت بانفعال عاطفي:
ـ "ياه يا مروان، لو تعرف أنا بحبك قد إيه... من أول لحظة شوفتك فيها، بقي عندي هوس اسمه مروان. كل يوم كنت بتفرج على صورك اللي على النت... علشان أحفر ملامحك في ثنايا قلبي. وماكنش ممكن، في أقصى أحلامي، أتخيل وجودي بين إيديك بالمنظر ده. حاسة إني بحلم... وخايفة أصحى منه."
ضحك مروان بمرح وهو يحملها بين يديه، وقال:
ـ "أنا هثبتلك يا قلبي إنك مش بتحلمي."
وقبل أن يتمادى، أرادت أن تثنيه، فقالت بسرعة:
ـ "مروان، استنى... أنا عايزة أصلي العصر، المغرب قرب يأذّن."
أنزلها من بين ذراعيه وهو يشعر ببعض الإحباط.
اقتربت منه بدلال، وقالت:
ـ "حبيبي، أنا هصلي، بس مش رايحة في أي مكان... بس حرام لما الفروض تبقى موصولة كده."
ابتسم بحنان، وردّ:
ـ "ثواني... هتوضى وأصلي معاكي."
*********
بعد مرور الأيام...
وقف مروان يعدّل هيئته أمام المرآة، وحين لمحها تعتدل في جلستها، أردف مبتسمًا:
ـ "صباح الخير يا حبيبتي."
ابتسمت، وهي تمرّر يدها بين خصلات شعرها لتعيدها إلى الخلف، وقالت:
ـ "صباح النور."
ابتسم من جمالها، ثم ترك فرشاة شعره وتوجه نحوها، يمرر يده بين خصلات شعرها الجميل، وقال وهو ينظر لعينيها:
ـ "عامله حسابك إن عندنا حفلة النهاردة، ولا نسيتي؟"
هتفت بتوتر وخوفًا من رد فعله وزعله:
ـ "حبيبي، أنا ماليش في حفلتكم دي... دي بتبقى كلها ذنوب."
رد مروان بإصرار:
ـ "دي حفلة تجديد العقد... وإنتِ مراتي، ولازم تكوني موجودة. الكل عرف إننا ارتبطنا أوردي. تحضري."
قالت برجاء:
ـ "طيب، ممكن طلب... لو مش هيضايقك؟"
قبّل وجنتها، وهو يردف بابتسامة حنونة:
ـ "حبيبتي، اؤمري... شوفي تتمني إيه، وأنا أجيبه لحد عندك."
هتفت بنفي واضح:
ـ "الطلب ده مش عشاني... أرجوك، بلاش خمرة في أي حفلة تخص شغلك."
نظر لها، ثم قال مترددًا:
ـ "بس دول أجانب، ودي حاجة أساسية في حفلاتهم."
ردّت بحكمة هادئة:
ـ "أجانب في بلدهم، لكن هنا إحنا مسلمين... لازم تعودهم يحترموا دينك، لما إنت تطبّقه.
عايزة بدل ما إحنا نمشي على عادتهم، نخليهم هما يحترموا عادتنا بتمسكنا بيها."
ضمها مروان، وقبّلها، ثم قال بحب:
ـ "خلاص... كل طلباتك أوامر."
ابتسمت بحنان، وقالت:
ـ "حبيبي، دي مش أوامر... دي خوف عليك من حساب ربنا."
