رواية نسمة متمردة الفصل الواحد والعشرون21بقلم امل مصطفي


رواية نسمة متمردة الفصل الواحد والعشرون21بقلم امل مصطفي



قال أحمد ومروان في وقت واحد:
— "ما تصدقيش كلامه يا نسمة."

أجابت نسمة ببساطة وهي تنظر لأيهم:
— "هو ما قالش حاجة، ده أيهم ملاك."

ردّ مروان بتهديد صريح:
— "ومش هيقدر يقول حاجة، وإلا هيكون آخر يوم في عمره."

نظرت إليه نسمة بتعجب من طريقته وقالت:
— "يبقى فيه حاجة حصلت! في إيه يا أيهم؟"

ضحك أيهم بمرح وقال متصنعًا البراءة:
— "يا ختاااايي، عايزاني أقول إيه؟ أنتي مش شايفة بيبصلي إزاي؟ يا عيني عليك يا أيهم، كنت وسيم وصغير... ما كانش يومك يا حبيبي."

ضحكت نسمة على طريقته وقالت:
— "ما تخفش، أنت معاك رجالة، عطيتك الأمان."

اقترب منه أحمد ومروان بحذر، وسيف كان يتابع الموقف وهو يضحك بصمت.

قالت نسمة بتهديد مازح:
— "والله لو ما تكلمتش، لأرجعك فرنسا على أول طيارة!"

أيهم، وهو يرفع حاجبيه بمرح:
— "لا، وعلي إيه؟ قلبك أبيض. شاهي عايزة تجيلك."

أكد أحمد كلامه وهو يهز رأسه:
— "شُفتي؟ يعني الموضوع مش مستاهل."

ضحكت نسمة وقالت:
— "عيب يا أحمد باشا، بتضحك على أختك؟! دي أنا  تربيتك، بس هعدّيها... لأني عندي ناس لو خدتوا بالكم..."

ثم نظر سيف إلى شرين قائلاً بابتسامة لطيفة:
— "إزيك يا آنسة شرين؟ أخبار طنط إيه؟"

أجابته شرين بخجل واضح:
— "الحمد لله، بخير يا بشمهندس سيف... يلا يا بنات، اتأخرنا."

ردت نسمة برفض:
— "لا والله، لازم تتغدوا معانا."

شرين هزّت رأسها معتذرة:
— "ما ينفعش يا نسمة، عشان ماما لوحدها."

— "هي لما تعرف مش هتقول حاجة. والله لو كنت قادرة، كنت حضرت الغداء بنفسي... بس تتعوض."

قاطعتها نانسي بجرأة مفاجئة:
— "مش تعرفينا يا نسمة؟"

رمقتها الفتيات بنظرات ضيق وحرج، فابتسمت نسمة وقالت:
— "آه طبعًا. ده مروان جوزي، وده أيهم ابن خالته وعايش معانا، وده سيف صديق العيلة، وده أحمد أخويا."

قالت نانسي بدلال:
— "وأنا نانسي."

ردّ الشباب بتحية لبقة:
— "أهلاً وسهلاً، اتشرفنا."

مالت بسنت على نُهى وهمست:
— "إيه ده؟ إحنا دخلنا مسلسل تركي؟ هو فيه كده؟! هما دول منين؟"

ردّت شرين بهمس وهي تغالب ضحكتها:
— "الله يخرب بيتكم... هتفضحونا!"

في لحظة عفوية، غمز مروان لأحمد، فهاجموا أيهم وحملوه، ثم ألقوه في حمام السباحة وسط ضحكات الجميع، الذين لم يستطيعوا التوقف عن الضحك على هيئته المبللة.
*********
قالت نَسمة لمروان بلطف:
— "إحنا هنخرج الجنينه."

رد أحمد بحماس:
— "طيب، يلا."

لكن مروان التفت بسرعة، وقال بغيرة واضحة:
— "رايح فين يا عم؟"

أحمد، وقد بدت عليه علامات التعجب، قال:
— "هشيلها."

فأجابه مروان برفض قاطع وهو يقترب منها:
— "لا، ابعد إنت. أنا اللي هوديها."

توقف أحمد، ونظر إليه بذهول:
— "في إيه يا مروان؟ دي أختي!"

رد مروان بضيق حاد:
— "حتى لو بنتك... محدش يشيل مراتي غيري. ابعد كده!"

ضحك الجميع على غيرته العلنية، فيما جلست نانسي في مكانها تنظر إليهم بحنق، وقد شعرت بلعنة تُدعى "نَسمة" التي دائمًا ما تحصل على كل شيء جميل. توعّدت في داخلها أنها ستحصل على مكانها، فهي — كما تعتقد — ملفتة بلبسها وجريئة في تعاملها.
*******

انتهى الغداء، وقامت شرين استعدادًا للرحيل. عرض عليهم سيف أن يُوصِلهم في طريقه، فرحبت نَسمة بالفكرة، لكن شرين اعترضت بلطف.

قال سيف بإصرار:
— "مش أنتم هتروحوا في تاكسي؟ خلاص، اعتبريني التاكسي."

قالت شرين بإحراج:
— "لا، العفو."

فقالت نَسمة برجاء:
— "عشان خاطري يا شرين، أنا كده هطمن أكتر."

---

جلست نانسي جوار سيف في السيارة، وظلت تتحدث في مواضيع كثيرة، متعمدة الحديث بدلال علّه يلتفت إليها، لكنه كان شاردًا ونظرته، معلقة بتلك التي خطفت قلبه من أول لقاء.

أوصل سيف الجميع إلى أماكن قريبة من منازلهم، ما عدا شرين، التي قالت بهدوء:
— "نزلني هنا يا بشمهندس."

لكن سيف رفض:
— "لا، هنزلك قدام البيت. عايز أطمن على طنط سوسن، ولا إنتِ بخيلة؟"

توترت شرين من طريقته ونظرته وقالت:
— "لا طبعًا، تشرفنا."

توقف بسيارته تحت المنزل، وكان يحمل ما أرسلته نَسمة معهم.

فتحت شرين الباب، ونادت على والدتها:
— "يا ماما!"

أجابت سوسن من الداخل:
— "مالك يا حبيبتي؟"

قالت شرين بإحراج:
— "أبدًا يا ماما، بشمهندس سيف جاي يطمن عليكي."

ابتسمت مدّيحة بفرح:
— "أهلًا وسهلًا يا بني، نورت."

قال سيف بأدب:
— "ده نور حضرتك. أخبار صحتك إيه دلوقتي؟"

أجابت سوسن بلطف:
— "الحمد لله يا حبيبي، بخير. اعملي شاي يا شرين."

رد سيف مازحًا:
— "لا، خليه قهوة مظبوطة."

قالت شرين بخجل:
— "حاضر."

قالت مديحة معتذرة:
— "اتفضل يا بني، معلش البيت زي ما أنت شايف."

ابتسم سيف وقال:
— "لا، ما تقوليش كده... المكان بسكانه."

ردّت مديحة بتأثر:
— "ده من طيب أصلك."
*********

في الشركة، طلب أحمد من السكرتيرة مقابلة مروان
الذي وافق علي إدخاله مباشرا 

قابله مروان بابتسامة مازحه  :
— "بشمهندس أحمد، منوّرني."

أحمد، وقد بدا عليه التوتر، رد سريعًا:
— "ده نورك."

استغرب مروان من التوتر الواضح على ملامحه، فسأله بقلق:
— "خير يا أحمد، في حاجة؟"

تنهد أحمد بعمق، ثم قال:
— "أنا كنت عايز أطلب إيد شهد... إيه رأيك؟"

رد مروان بفرحة حقيقية:
— "ده يكون من حُسن حظها."

أحمد، وقد غلبه القلق، سأل:
— "تفتكر عمك ممكن يوافق؟ يعني، على واحد لسه بيبدأ مشواره؟"

ابتسم مروان بثقة، وقال بثبات:
— "ويرفض ليه؟ أنت بسم الله ما شاء الله، راجل يتمناه أي حد، ومهندس شاطر. وبعد المشروع ده، هيكون ليك اسم كبير، وغير كده... هتحافظ على بنته. البنت اللي حياتها اتغيّرت من يوم ما دخلتها 180 درجة."

تفاجأ أحمد، وسأل باستغراب:
— "أنت عارف؟"

أجاب مروان وهو يومئ برأسه:
— "آه، شهد حكت لي، لما جالها عريس من عيلة كبيرة وما ينفعش يتترفض."

شعر أحمد بأن قلبه توقف للحظة، لكن مروان أكمل بهدوء:
— "ولما رفضته، باباها ومامتها اتقلبوا عليها. جَت تعيط وحكت لي كل حاجة... حتى اللي حصل بينك وبين هاني في النادي. وعرفت عمي إنها مش ممكن تكون لغيرك. وكنا بنستناك تتقدّم. بس..."

توقف لحظة، ثم قال بنبرة جادة:
— "مرات عمي هتتعبك، لأنها بتبص للمظاهر."

قال أحمد بهدوء، وعيناه تنطقان بالثقة:

– أنا ماليش دعوة غير بشهد. طول ما هي بتحترمني وبتسمع كلامي، هتكون أميرة متوَّجة.
لو اختارت حياة والدتها، يبقى كل واحد فينا يكمّل طريقه لوحده.

أجابه مروان بتأكيد:

– لا، متخافش... هي طبيعي عكس مامتها. 

في كل شيء 

وقف أحمد ::
تمام ، أنا هروح لباباها في الشركة و أطلبها رسمي.

قال مروان بتشجيع وهو يربت على كتفه:

– على خيرت الله.

*******

وصل أحمد أمام شركة "حمزة"، عمّ مروان.
توجه مباشرة إلى السكرتيرة وطلب منها مقابلة والد شهد، حمزة باشا.

نظرت له السكرتيرة بإعجاب ظاهر وسألته:

– فيه ميعاد؟

رد أحمد بهدوء:

– لا، أنا عايزه في موضوع شخصي... ممكن تبلغيه بوجودي؟

سألته السكرتيرة:

– مين حضرتك؟

قال بثقة:

– أنا بشمهندس أحمد خالد الحسيني.

اتصلت السكرتيرة بالمكتب، ثم ابتسمت وقالت:

– اتفضل حضرتك، حمزة باشا في انتظارك.

دخل أحمد بخطى واثقة، شامخًا كما اعتاد، لا يليق به سوى الوقار.

استقبله حمزة باشا بترحاب:

– أهلاً وسهلاً، بشمهندس أحمد... نورت الشركة.

أجابه أحمد بلطف:

– أهلاً بحضرتك، الشركة منوّرة بأصحابها.

ثم سأله حمزة:

– تشرب إيه؟

رد أحمد:

– لو ممكن شاي.

ثم تابع ببعض التوتر:

– أنا آسف لأني جيت من غير ميعاد.

قال له حمزة بابتسامة:

– أنت تشرف في أي وقت... أنت واحد من العيلة.

أخذ أحمد نفسًا عميقًا، ثم قال بصدق:

– أنا كنت جاي و طمعان في كرم حضرتك... و أطلب إيد الآنسة شهد.

ابتسم حمزة باشا وقال بحسم:

– أنا ما عنديش مانع، ومش هلاقي لبنتي راجل أحسن منك. كفاية وقفتك مع بنتي، جميلك ده في رقبتي.

رد أحمد برجولة واضحة:

– مافيش جميل ولا حاجة. أي واحدة غير شهد لو كانت اتعرّضت لنفس الموقف، كنت هعمل معاها نفس اللي حصل، كأنها أختي.

ابتسم حمزة باشا بإعجاب:

– ما يعملش كده غير راجل... وابن أصول.

********"**
فلاش باك

أمسك أحمد هاتفه واتصل بشهد:

– إنتِ فين؟

أجابته بهدوء:

– قدام النادي، بستناك.

– طيب، أنا قريب منك... ثواني وهكون عندك.
ماتنزليش قبل ما أوصل.

– حاضر.

توقفت سيارة أحمد، ونزل منها بخطى ثابتة، ثم طرق بخفة على زجاج سيارة شهد.
عندما رأته، لم تستطع إخفاء سعادتها وشعورها بالأمان، لكنها تحدثت بتوتر:

– ما بلاش يا أحمد... أنا خايفة عليك.

لم يهتم بمخاوفها، وردّ بحدّة:

– متأكدة إنه جوه؟

أومأت بالإيجاب:

– آه... الشلة كلها بتكون موجودة كل يوم في نفس الميعاد.

أخذ أحمد منها مفتاح السيارة، وركب بجوارها. دخل النادي وهي تسير بجانبه، قلبها يخفق بالخوف عليه، لكنه بدا ثابتًا وهادئًا.

---

داخل النادي، كانت الأجواء معتادة؛ يعرف الجميع بعضهم، وينتمون لعائلات كبيرة ومعروفة.

سأل أحمد:

– أنتم بتقعدوا فين؟

جلست شهد على طاولتها المعتادة، وأشارت له:

– هناك... اللي لابس تيشيرت كحلي.

جلس أحمد إلى جوارها، يراقب الطاولة المقابلة ليرى رد فعل "هذا الحيوان".

********

في الجانب الآخر، على إحدى الطاولات، تجمعت مجموعة من الشباب والفتيات.
هتفت إحدى الفتيات بدهشة:

– مش دي شهد؟

التفتت الأنظار جميعها نحوها، وكان خالد أول من رد:

– آه، هي... بس مين اللي معاها ده؟

قالت عليا بإعجاب:

– ده مز جبار! أول مرة أشوفها مع حد غيرنا.

نهضت صافي بحماس:

– طب تعالوا نتعرّف.

هاني، الذي بدا الحقد يسكنه، علّق بسخرية:

– الهانم عاملة علينا خضرة الشريفة، وهي بتتعامل مع رجالة؟ إيه ده؟

أما شادي، فتكلم بنبرة استهزاء:

– ياما تحت الساهي دواهي.

اقتربت نادين من شهد:

– هاي شهد، من زمان ما جيتيش النادي!

ردّت شهد بضيق:

– معلش... مشاغل.

صافي، بجرأة مبالغ فيها:

– مش تعرفينا؟

كان أحمد يجلس بجانبها، مرتديًا بنطالًا أبيض وتي شيرت لبني ضيق يُظهر عضلاته، تعلوه قميص أبيض مفتوح، وشعره المرتب ولون عينيه جعله تجسيد للوسامه والرجوله الطاغية  .
نظرات الفتيات كانت تلتهمه بإعجاب، وهو ما أثار غيرة شهد التي بدأت تشعر بالندم لإحضاره إلى هذا المكان.

بتوتر، بدأت تعرّفهم عليه:

– ده بشمهندس أحمد... صديقي.

قالت عليا بدلع:

– منوّر يا أحمد... ما تيجي تقعد معانا؟

رد أحمد بلا مبالاة:

– شكرًا... إحنا هنقعد شوية و ماشيين.

لكن هاني تدخل بتسلّط واضح:

– شهد، تعالي... عايزك.

ولأول مرة، شعرت شهد بأنها تملك درعًا واقيًا بجانبها.
فردّت بحدّة:

– مافيش بيني وبينك حاجة... وكلكم عارفين كده كويس.

تفاجأ هاني بردّها. هي التي كانت دومًا تقف أمامه مرتعشة كعصفور مبتل، تقف الآن بكل هذا الثبات؟

اقترب منها، و مدّ يده يجذبها... لكن يد أحمد كانت الأسرع، قبض على يد هاني بقوة وقال بغضب:

– إياك تفكر مجرد تفكير إن إيدك القذرة دي تلمسها.

حاول هاني تخليص يده، لكنه لم يستطع. الألم بدا واضحًا على وجهه، و اندهش الجميع من عنف أحمد.

قال هاني من شدة ألمه:

– بقى إنتي عاملة علينا خضرة الشريفة... وإنتي مقضّياها أهو!

ما إن أنهى كلماته، حتى كان قبضة أحمد ترتطم بوجهه. سقط هاني أرضًا والدماء تسيل من أنفه. صرخ:

– إنت اتجننت؟!

رد أحمد بقوة:

– كلامك يكون معايا أنا... ملكش دعوة بيها. وإلا هخليك تندم.

الفتيات كنّ في حالة صدمة، هاني لم يكن ضعيفًا، لكنه لم يكن رجلاً بحق. فالرجل لا يشوّه سمعة فتاة.

هجم هاني على أحمد، لكن الأخير استقبله بلكمة ثانية أطاحت به.

تدخل شادي وخالد لمحاولة إيقافه، لكنهما لم يصمدا أمامه.

تجمّع الجميع، مذهولين.

انحنى أحمد على هاني، ورفعه من ملابسه:

– ممنوع تقرب من شهد تاني... شهد منطقة محرّم دخولها.

حياتك هتكون الثمن لو حاولت تضايقها... هكون أنا في وشّك. فاهم؟

هزّ هاني رأسه بضعف.
دخل أمن النادي، لكن شهد تدخلت بسرعة:

– أحمد معايا... ممنوع حد يقرب منه.

أخذها أحمد و غادرا النادي سويًا.

 الفتيات، عليا وصفاء، واقفات بذهول يتابعن ما حدث.

قالت صفاء بدهشة:

– أووه... لا لا... هو فيه كده؟!

ردّت عليا، بنبرة حقيرة:

– أنا نفسي أبقي حضنه... ده يجنن!
**********

باك

قال الرجل بنبرة جادة تخالطها مشاعر الامتنان:

– بص يا أحمد، أنت ساعدت بنتي من غير ما حد يعرف. ولولا تدخلك، كان ممكن تخسر شرفها.
أنا آه، عاقبته أقسى عقاب، بس الفضل ليك.
ولو ماكنش العريس ده اتقدَّم، ماكنش حد فينا عرف حاجة.

تنهد قليلًا، ثم تابع بنبرة أكثر دفئًا:

– وأنا مش هلاقي لبنتي راجل أحسن منك...
راجل يحافظ عليها ويكون سندها.
أنا هستناك إنت وأهلك يوم الاتنين، عشان عندي سفر كام يوم وراجع بعدها.

وقف أحمد أمامه برجولة وثبات، يخفي ما يدور في قلبه من صخب الفرحة:

– إن شاء الله... هنكون عند حضرتك في الميعاد، وترجع بألف سلامة.

خرج أحمد من المكتب وقلبه يرفرف من السعادة.
لم يكن يتوقع الموافقة بتلك السهولة، خاصة من عائلة شديدة الثراء مثل عائلة شهد.

وبدون تردد، اتصل بوالده، يشاركه الخبر.
استقبله والده بترحيب شديد، فقد كان يتمنى رؤية فرح ابنه البكر، الذي كان دومًا مصدر فخره.



تعليقات



<>