رواية نسمة متمردة الفصل الثاني والعشرون22بقلم امل مصطفي
هتفت نسمه بإصرار، وكلمات تفيض بالشوق:
"يا بنتي، إنتِ وحشتيني أوي! فيها إيه لما تيجي تقعدي معايا يومين؟"
نغمة الحزن كانت واضحة في صوت نغم وهي ترد بتردد:
"والله يا بنتي، مش هيوافق."
قطبت نسمه حاجبيها بعدم رضا، واقتربت منها قائلة بثقة:
"سيبك إنتِ... بس وافقي، وأنا هأقنعه. هو عمره ما رفض لي طلب قبل كده."
جاء صوتها خافت :
"سِيبها لظروفها يا نِسمه، وهتلاقيني فوق راسك."
ابتسمت نسمه باستسلام، ثم قالت لنغم:
"خلاص، براحتك يا نغم... سلميلي على هادي و بوّسيه."
سمعت خلفها زمجرة حادة، فالتفتت فورًا إلى مصدر الصوت. كان مروان يقف هناك، نظراته تشتعل بالغيرة.
قال بصوتٍ حاد:
"ممكن أعرف إزاي تقولي لواحدة تبوسلك واحد؟!"
نهضت نسمه سريعًا، تحاول إخفاء ضحكتها التي تسللت رغماً عنها من شدة غيرته، واقتربت منه بدلال:
"إنت بتغير، يا قلبي؟"
لكن مروان لم يبتسم، بل ردّ بعنف:
"نسمه! الحاجات دي ما فيهاش هزار."
نظرت إليه بصدمة، عاجزة عن فهم رد فعله، ثم تمتمت :
"ده هادي... ابن أختها، عنده سنة ونص!"
لكن مروان لم يهدأ، واستمرت غيرته تسيطر عليه كليًا.
قال وهو يقترب منها بحدة:
"حتى لو عنده شهر! أنا مش بحبك تبوسي حد غيري."
جذبها إلى صدره بقوة، يلف ذراعيه حول خصرها بامتلاك، وهمس بصوتٍ أجشّ:
"إنتي ملكي أنا... وبس."
ثم ق-بّ-لها بجنون، كأنما يريد أن يثبت ملكيته لها بكل الطرق.
"شفايفك، عيونك، ضحكتك... ملكي. مش بحب حد يشوفهم غيري، فاهمة؟"
وبعد لحظة، تركها وابتعد عنها غاضبًا.
ظلت نسمه واقفة في مكانها، وملامح الصدمة لا تزال تكسو وجهها.
تمتمت بصوت مرتجف:
"ماله ده؟ اتجنن؟ ولا إيه؟ الصبر من عندك يا رب..."
*******
"أنت فين يا أحمد؟! أنا بدوّر عليك من فترة!"
قالها نادر بصوت مليء بالقلق، وهو يقترب من صديقه.
رفع أحمد رأسه نحوه، وعيناه تلمعان بفرحٍ ظاهر:
"فيه حاجة حصلت!" قالها بلهفة،
وأضاف: "كنت عايز آخد رأيك في موضوع... تعال نروح الكافيتيريا."
ابتسم نادر، وقال وهو يربت على كتفه:
"يلا بينا... وأنا كمان عايزك في موضوع مهم."
جلسا معًا، وسرعان ما بادر نادر بالسؤال:
"خير يا أحمد؟ شايفك مبسوط!"
ضحك أحمد بسعادة غامرة، وقال بصوت يملؤه الفرح:
"أنا طلبت إيد شَهد... وباباها وافق، وحدد معايا ميعاد أروح فيه أنا وأهلي!"
قفز نادر من مكانه، واحتضنه بحرارة:
"ألف ألف مبروك يا صاحبي! والله تستاهل كل خير."
ضحك أحمد بحرارة، ورد قائلاً:
"ولا منك يا صاحبي... عقبال ما أفرح بيك إنت كمان!"
تنحنح نادر قليلاً، وقال بجدية:
"ما هو ده الموضوع اللي كنت عايزك فيه يا أحمد."
نظر إليه أحمد باهتمام:
"خير؟!"
تنفس نادر بعمق، ثم قال بتصميم:
"عايز أتجوز لمار."
أحمد، وقد انفجر ضاحكًا:
"إنت أهبل؟! ما هي مراتك يا نادر!"
قال نادر بإحراج واضح:
"ماشي يعني... أتجوزها رسمي، جواز بجد بقى! أفهم يا أخي."
قطّب أحمد جبينه، وقال متسائلًا:
"قصدك يعني فرح ودخله ؟"
هز نادر رأسه:
"أيوه."
أحمد، وقد بدأ يفكر:
"طيب، مافيش مشكلة. فاضل 3 أسابيع ونسلّم المشروع، ووقتها تعمل فرحك على طول."
لكن نادر هز رأسه بعناد:
"لا... ماعادش عندي صبر. أنا جبت آخري."
رفع أحمد حاجبيه بدهشة:
"يعني إيه؟"
تنحنح نادر وقال بصوت منخفض كأنه يخطط لعملية سرّية:
"نجيب فستان... ونخرج أنا وهي وأهلي... وإنت. نتعشّى في مكان كويس، وناخد كام صورة، وأروح بيها!"
صرخ أحمد بدهشة:
"إيه ده؟! وليه كل ده؟!"
رد نادر بجديةٍ مضحكة:
"أولاً: لأن باباها لسه متوفي.
و ثانيًا: لو ما اتجوزتش اليومين دول... هانحرف! و هتلاقيني ملفوف في ملاية!"
اتسعت عينا أحمد، وقال بذهول:
"نهارك أسود! إنت اتجننت رسمي!"
ضحك نادر وقال بمزاحٍ خفيف:
"شوفت بقى؟! لكن لو جوزتني، هتشوف نادر تاني خالص... حاجة كده من الخيال!"
ضحك أحمد أخيرًا، وهو يربت على كتف صديقه:
"بس بس خلاص... هتدبّر! والعزومة عليّا!"
*********
جلست نَسمة جوار أخيها وهي سعيدة لسعادته، وكانت حنين تجلس بينهما.
هتف مروان برضى:
"مبروك يا بوص."
رد أحمد مبتسمًا:
"الله يبارك فيك يا مروان، الفضل بعد ربنا يرجع لتشجيعك."
ضحك أيهم وقال مازحًا:
"وادعيلي يا أبو حميد ألاقي البنت اللي تقدر تلمني. نفسي أتلَم بقى!"
ضحك أحمد على كلماته:
"مسيرك تلاقيها... بس صفّي النية."
أيهم في نفسه وهو يتابع حديث نَسمة:
"لقيتها... بس بعد فوات الأوان."
ثم وجه أحمد حديثه إلى مروان قائلًا:
"نادر هيتجوز بعد بكرة، فعايز نَسمة وشَهد ييجوا معايا."
سأله مروان بدهشة:
"مش ده المهندس اللي معاك في المشروع؟! وإزاي هيتجوز وأنا ما عنديش خبر بالإجازة؟"
رد أحمد ببساطة:
"آه، هو... بس مش هياخد إجازة ولا حاجة."
قال مروان باستفهام:
"مش بتقول فرحة؟!"
رد أحمد موضحًا:
"نادر ظروفه صعبة... هي هتلبس فستان فرح، وهيتعشوا برّه، ويروحوا على بيت باباه."
هتف أيهم بذهول:
"اللي هو إزاي يعني؟!"
شرح أحمد بهدوء:
"البنت يتيمة، ملهاش أهل، وهو كاتب كتابه وعايش معاهم في نفس البيت. بس لأن البيت صغير، هو بينام معايا في الشقة، وهي مع أهله. عشان كده عايز نَسمة تكون معايا، عشان تحس بالعزوة والفرحة."
زاد فضول أيهم فقال:
"أنا كنت عايز أعرف... بس هيتجوزها إزاي وهي عند أهله وهو عندك؟"
أحمد، برجاء واضح:
"أنا قلت هستأذن مروان أسيب له الشاليه أسبوع، و أقعد في أي فندق وأتابع الشغل مكانه، وعلى ما يرجع أكون و ضّبت الشقة،
اللي انا قاعد فيها أنا دافع سنتين مقدم وهو بعد كده يدفع إيجارها لحد ما يعرف يوقف على رجليه.
حقيقي صعبان عليّ جدًا... نادر جدع و إنسان خلوق، بس الدنيا جاية عليه."
هتف أيهم بما لم يتوقعه أحد منه، أو أن يفكر بتلك الطريقة:
"خلاص، أنا هشارك معاك... العفش بتاع الشقة كله عليّ."
نظر إليه أحمد بفرحة:
"دي لفتة جميلة منك يا أيهم، بجد مش متوقعة منك."
ثم أكمل معتذرًا:
"آسف، مش قصدي إنك بخيل، لا... أنا بتكلم على إنك شخص بتاع ضحك وهزار، وتفكيرك مش بيوصل للنقطة دي. حقيقي... فخور بيك."
أضاف مروان مؤيدًا:
"وأنا كمان... ونعمل له حفلة عائلية نحضرها معاه، ده كان رأيي."
نَسمة، بسعادة وهي تتعلق بذراع مروان، قالت بحماس:
"الله يا حبيبي... ده هيفرح قوي."
شعر أحمد بفرحة عارمة من أجل صديقه، وتمتم :
"قولي يا رب... يتحمل المفاجأة ومايموتش فيها قبل ما يفرح بالعروسة."
ضحك الجميع، وتمنّوا له السعادة.
********
جلس نادر جوار لَمار في الصالة، لقد أحبّها بشدة، وتمنّى أن يُلبي لها كل شيء من أجل سعادتها... لكن ما باليد حيلة.
تحدث إليها بحنان:
"حبيبتي، أنا كان نفسي أعملك أجمل فرح، و أدخلك على شقة جديدة زي كل العرايس... بس إنتِ عارفة الظروف."
هتفت بخجل، وعيناها تلمعان بامتنان:
لقد أهداها والدها الراحل أعظم هدية عندما وضعها بين يدي هذا الرجل الحنون، الذي أغدق عليها الحب والاهتمام، وأهداها بيتًا وعائلة هادئة محبة.
رغم فقرهم، وجدت بينهم كل ما تمنّت...
قالت بصوتٍ دافئ:
"السعادة مش في الحاجات دي... أهم حاجة إني أكون معاك."
قام نادر باحتضانها:
"بجد يا لَمار؟ يعني مش هتندمي على ارتباطك بيا؟"
هزّت رأسها نفيًا بابتسامة مطمئنة.
اقترب منها، وقبّل جبينها، قبل أن يقطعهما صوت والده من خلفهما:
"ما تنساش إن معاك بنات في البيت... بكره تقفل عليك بابك."
تحمحم نادر بإحراج:
"آسف يا بابا."
ابتسم له والده و احتضنه:
"مبروك يا حبيبي. كان نفسي أعملك أحسن حاجة... بس إنت شايف الظروف."
انحنى نادر يقبّل يد والده:
"أنا كلي من خيرك يا ولدي... ربنا ما يحرمنّاش منك."
ثم التفت الأب إلى لَمار، وربت على كتفها:
"ألف مبروك يا بنتي."
ارتمت في حضنه، وبكت وهي تقول:
"الله يبارك فيك يا بابا."
مسح دموعها بيده وقال بلطف:
"ده مش يوم عياط يا لَمار... إحنا عايزين نفرح يا بنتي، كفاية حزن لحد كده."
ثم وجّه كلامه إلى ابنه:
"إنت متأكد إن أحمد هيسيبلك الشقة الأسبوع ده؟ ولا هنعمل إيه؟"
أجاب نادر بثقة:
"أحمد راجل... وما يرجعش في كلمة يقولها."
********
ثاني يوم في الشركة
دخل عليه أحمد إلى الشركة وهو يهتف بمرح:
"أخبار عريس الغفلة إيه؟"
ابتسم نادر قائلاً:
"بخير... الحمد لله."
جلس أحمد أمامه، واضعًا قدمًا فوق الأخرى، وقد بدا عليه أنه ينوي التلاعب بمشاعره:
"متأكد؟"
وقف نادر يدور حول نفسه بخيلاء:
"ما أنا قدامك أهو... زي الفل."
نظر له أحمد بامتعاض:
"والله أنا حاسس إنك هتفضحنا... وهتبرّا منك."
قال نادر وهو يُعدل ياقة قميصه بثقة:
"لا... أنا راجل، و عجبك قوي."
وقف أحمد وهو يهتف بسخرية:
"كله بكرة هيبان، وربنا يستر... و العروسة ما تغنيش 'أنت ما بتعرفش'!"
وضع نادر يده على فم أحمد بسرعة:
"الله يخرب بيتك... هتفضحني في الشركة!"
ضحك أحمد بقوة:
"يعني إنت عارف نفسك! خلاص... إن الله حليم ستّار."
ثم تحدث بجديّة:
"باباك وأخواتك هيجوا إزاي؟"
رد نادر مطمئنًا:
"كلمت واحد صاحبي... هايمشي ورايا."
هتف أحمد وهو يربت على كتفه:
"وأنا هزوّق العربية يا برنس... ولا تزعل."
قال نادر بمحبة:
"ربنا يخليك ليا يا صاحبي... لو كان ليا أخ، ما كنتش هحبه زي ما بحبك."
أجاب أحمد بغرور مصطنع:
"طبعًا يا بني! أنا أتحب على طول... شاب، طول بعرض، وعيون خضرا! دانتَ لو ما حبتنيش تبقى أعمى القلب والنظر!"
قال نادر بتهكم:
"أنت عارف أكتر حاجة بحبها فيك إيه؟"
لم يرتَح أحمد لكلمته، لكنه سأل بفضول:
"إيه؟"
رد نادر، وقد عوَج فمه مازحًا:
"تواضعك يا أخويا!"
وضحك الاثنان بحب.
**********
نادى أحمد باستعجال:
"يلا يا نَسمة خلّصي... فين شَهد؟"
جاءه صوتها من خلفه:
"أنا جاهزة."
التفت لها بنظرات مليئة بالحب، وقال مبتسمًا:
"عُقبالك يا قلبي."
تورّد وجهها من الخجل، وقبل أن ترد، قاطعهم صوت ساخر:
"أحم أحم... نحن هنا يا بشر! راعوا السنجل المَعاكم!"
هتفت نَسمة وهي تنزل درجات السلم مازحة:
"استغفر ربنا واهدى... وأنت هتلاقي بنت الحلال على طول."
ردّ مازحًا بمرح:
"تُبتُ إلى الله و ندمتُ على ما فعلت!"
وجّه مروان سؤاله إلى أحمد بجدّية:
"كل حاجة جاهزة؟"
أجابه أحمد بثقة:
"كله تمام يا باشا، كفاية إن معاليك هتشرّفنا والله!"
ضحك مروان وقال:
"أنا حاسس إنك العريس... مهتم بكل حاجة!"
رد أحمد مبتسمًا:
"طبعًا... فرح صاحبي هو فرحي."
***********
في المساء
وقف نادر مذهولًا وهو ينظر إلى السيارة أمامه، ثم تساءل بدهشة:
"عربية مين دي يا أحمد؟!"
غمز أحمد بشقاوة، وقال:
"عربية مروان."
بدأ نادر يرقص بسعادة مرددًا:
"الله! الله! والله و باضتلك في القفص يا واد يا نادر... و هتتزف في عربية ملوكي!"
ضربه أحمد على كتفه بمرح وقال:
"عدّ الجَمايل يا عم!"
ركب أحمد السيارة، وجلس نادر إلى جواره. توقّفا أمام الكوافير في انتظار لمار.
نزلت لمار، وخلفها أخواته، وشهد، و نَسمة.
فرح نادر كثيرًا بتواجدهم، وهتف بسعادة:
"إزيك يا مدام نَسمة؟ إزيك يا آنسة شهد؟ عقبالك!"
ردّت كل من نَسمة وشهد في وقت واحد:
"ألف مبروك!"
وفجأة، سمع خلفه صوت كلاكسات سيارات قوية، فالتفت ليرى أيهم وسيف يخرجان من السيارة، و يطلقان الأعيرة النارية في الهواء، وهما يهتفان بصوت مرتفع:
"ألف مبروك يا عريس! عايزينك تشرفنا!"
نزل مروان وفريد بدورهما، وقالا بصوت واحد:
"ألف مبروك يا نادر."
وقف نادر وهو لا يصدق ما يحدث. لقد حضر صفوة المجتمع يشاركوه فرحته المتواضعة، بتواضع كبير.
تقدّم مروان نحوه، و مدّ له يده، وقد لاحظ صدمته، فابتسم وهو يكرر:
"ألف مبروك يا نادر."
ظل نادر ينظر إليه، لكنه كان في حالة صدمة منعته من الرد أو السلام، مما جعل أحمد يزغده في كتفه وهو يقول:
"نادر، مدّ إيدك!"
********
فاق نادر من صدمته وهو يهتف بتلعثم:
"الله يبارك فيك يا مروان باشا... ده شرف ليا إن حضرتك موجود معايا. ما تتصورش أنا فرحان قد إيه."
ابتسم مروان بابتسامة جذابة، وقال ببساطة:
"أنا دلوقتي صديق."
نظر نادر إلى أحمد بحب وامتنان، شكره بعينيه دون أن ينطق.
"يلا يا جماعة!" قالها أحمد.
ركب الجميع السيارات، وظلوا يحتفلون بالكلاكسات والمناورات المرِحة فيما بينهم.
تحرّك خلفهم صديق نادر بسيارته، بينما كانت والدة نادر تراقب المشهد بدهشة، و تهتف:
"إيه ده يا أبو نادر! هم دول أصحاب ابنك؟! شكلهم ولاد ناس أوي!"
رد جارهم بتعجّب:
"فعلاً... ده ثمن العربيات اللي راكبينها يشتري الحي بتاعنا!"
********
عند نادر، قال مستنكرًا:
"أنت رايح فين يا أحمد؟ ده مش طريق الكافيه!"
رد أحمد بابتسامة خفيفة:
"خليك في عروستك يا نادر... و سيب نفسك ليا النهارده."
وصلوا أمام مطعم فخم، ونزل الجميع.
كانت لمار ونادر ينظران إلى المكان بانبهار.
نظرت لمار إلى نادر بعينين مبهورتين من روعة ورُقي المكان، وسألته بدهشة:
"إيه ده؟ هو ده حقيقي ولا أنا بحلم؟"
خرجت كلمات نادر بصعوبة، تُعبّر عن حالته التي لم تكن تقلّ عنها اندهاشًا:
"شكل أحمد عامل فيّا مقلب... وبدل ما أتجوز، هغسل مواعين هنا سنة عشان أسدّد ثمن العشاء!"
وصله صوت أحمد الساخر من خلفه:
"لأ، أكتر من خمس سنين يا خفيف!"
فاق نادر من ذهوله وهتف بضيق:
"أنت رامي ودانك معانا ليه؟ واحد ومراته مع بعض، بتتحشر ليه؟ خليك في شهدك... وسيبني في المصيبة بتاعتي."
وصلوا إلى قاعة مفتوحة، مُزينة بالورود والبالونات.
وفجأة، بدأ تشغيل أغنية "طلّي بالأبيض طلّي"، وظهر شابان من طاقم العمل يحملان المشاعل لتغيير الدبل، وسط تصفيق وسعادة من الجميع. ثم جلسوا مرة أخرى.
أخرج مروان شنطة صغيرة من جواره،
وأعطاها لنادر قائلاً:
"ألف مبروك... دي هدية جوازك."
أخذها نادر وهو يشكره، ثم فتحها وجد علبة قطيفة بها طقم من الذهب.
قال بدهشة:
"نادر بس ده كتير يا فندم..."
قاطعه مروان بابتسامة هادئة:
"دي حاجه بسيطه."
تحدثت والدة نادر بتلقائية:
"فرّجني كده يا نادر."
ناولها العلبة، فقالت وهي تتأملها بإعجاب:
"بسم الله ما شاء الله... تسلم يا بني، و تتردّلك في الفرح!"
ثم التفتت إلى ابنها وقالت:
"مش قولتلك سيبها على الله؟ إنت كنت زعلان علشان ما جبتش شبكة، ربنا بعتلك الأحسن منها!"
نادر، وقد شعر بالحرج:
"خلاص يا أمي..."
هتفت نَسمة، تخرجه من إحراجه:
"يلا، لبّسها الشبكة."
قام نادر بتلبيس لمار القطع، ما عدا الحلق، وتركه في العلبة لأنها محجبة.
كانت والدته تزغرد، وأحمد يصوّر فيديو للمناسبة.
جلس الجميع على طاولة مستديرة، وقاموا بتشغيل أغنية رومانسية.
طلب أحمد من نادر أن يرقص مع لمار على أنغامها، حتى يصوّرهم في فيديو خاص بهم.
طلب مروان من نَسمة أن تُشاركه الرقصة، كما أخذ فريد يد شَهد لتُشاركه الرقصة أيضًا، تحت عيون أحمد الغيورة.
همس أيهم في أذن أحمد مازحًا:
"الواد فريد ده برنس... أخد منك المِزّة وسابك!"
رد أحمد بنبرة هادئة لكنها حاسمة:
"مسيرها تكون ليا... ومش هخليه حتى يشوفها!"
نزل العشاء وسط جو من السعادة، وبارك لهم الجميع.
أخذ نادر يد لمار و توجها إلى السيارة، ليجدا السائق الخاص بمروان بانتظارهما.
مال نادر على أحمد وهمس:
"أنت هتروحني في تاكسي ولا إيه؟"
أجابه أحمد وهو يغمز له بشقاوة:
"لأ، متورجل يا خفيف!"
ثم قام بفتح باب السيارة قائلًا:
"اتفضل يا باشا... الليلة ليلتك، و رّينا همتك!"
تورّد وجه لمار من الخجل، بينما قام نادر بمساعدتها على إدخال فستانها في السيارة، ثم جلس إلى جوارها.
صفّر الشباب لهما بحب، و تحركت السيارة بقيادة السائق، بينما توجه باقي الأصدقاء إلى سياراتهم.
بعد قليل، لاحظ نادر أن السيارة تسلك طريقًا خارج البلدة، فعلم أنه طريق شرم الشيخ.
سارع بالاتصال على أحمد ليتأكد، لكنه لم يتلقَ ردًا.
حاول مرة أخرى، لكن أحمد أغلق الهاتف حتى لا يُفسد المفاجأة.
في سيارة مروان
قالت نَسمة بإعجاب:
"العروسة جميلة وهادئة... ربنا يسعدهم."
هتفت شهد برومانسية:
"باين عليه بيحبها."
ثم أضافت:
"مين كان يصدق الصدفة الغريبة دي؟"
وقصّت عليهم ما حدث سابقًا.
قال مروان مستغربًا:
"فعلاً، صدفة غريبة... والأغرب إن باباها يعرض بنته على واحد ما يعرفوش!"
ردّت نَسمة بثقة:
"هو فعلاً ما يعرفوش، بس شاف فيه الشهامة والرجولة... ودي بقت حاجة نادرة اليومين دول."
فجأة، صرخت نَسمة بصوت مرتفع:
"حاسب يا مروان!!"
