رواية نسمة متمردة الفصل التاسع والعشرون29بقلم امل مصطفي


رواية نسمة متمردة الفصل التاسع والعشرون29بقلم امل مصطفي

بعد مرور شهرين...

مرّ الزمن بثقله على كل من نسمة ومروان، فراقٌ قاسٍ أرهق قلبيهما، رغم الشوق القاتل الذي ينهش أضلاع نسمة، إلا أن موقفها ظلّ ثابتًا، شديدًا، وكأنها صخرة صوان لا تلين.

حاول مروان مرارًا أن يقترب، أن يعيد ما انكسر، لكنها لم تستجب، ولم تمنحه فرصة.

في تلك الأثناء، حضر والدا أيهم إلى مصر، وبقيا إلى جواره بينما يتعافى. رفض أيهم أن يعود معهما، وأصر على البقاء، غير قادر على ترك مروان وهو في حاله المنهك.

رقّ قلب سهير لابنها، بعد أن رأت وجعه وذبوله بسبب بُعد نسمة، ذلك البُعد الذي لم تكن تتوقعه، 
وهي التي تعلم كم كانت نسمة تعشقه. لذلك، قررت ألا تزيد وجعه بخصامها، فعادت تتحدث معه، و تعامله بطبيعية، كي لا تتضاعف آلامه النفسية.
********

طرق مروان باب غرفة حنين.

استقبلته الصغيرة بفرحٍ طفوليّ، وقالت:
— بابي، اتفضل.

احتضنها مروان بحنان، وقال:
— حبيبتي، فين مامي؟

أجابت ببراءة:
— بتتوضى علشان نصلي العصر.

قال بلطف:
— انزلي لتيته، عايز أتكلم مع مامي شوية.

أومأت برأسها ثم تمتمت بقلق:
— حاضر، بس بلاش تزعلها... هي بتعيط على طول.

ربت على كتفها بحزن وهمس:
— ما تخافيش، إنتي مش عارفة أنا بحب مامي قد إيه.

خرجت نسمة من غرفتها، وجدت مروان ينتظرها. تسارعت أنفاسها، وشعرت بتوتر عارم يتملّكها، من شوقها الشديد له 

 فهي تتهرب من مواجهته منذ حادثة أيهم حتي لا تنهار أمامه  وقد حسمت أمرها بالانفصال.

رفع مروان عينيه فور أن شعر بوجودها، وأدرك توترها من نظراتها المرتبكة. تحدث بصوت يحمل وجع الهروب المتكرر:

— ممكن نتكلم؟

تهرّبت منه بنظراتها، وقالت بصوت منخفض:
— آه... طبعًا، اتفضل.

اقترب منها بخطوات بطيئة، وقال بشوق خافت:
— ممكن أفهم؟ هتفضلي بعيدة عني لحد إمتى؟ 

أيهم، الحمد لله، بقى كويس... عذرني و سامحني، وأمي وخالتي كمان. وجبت حقك من نانسي، وشاهي... هوصل لها و هندمها على كل حاجة عملتها. هجيبلك حقك إنتي وأيهم.

تنهد بحسرة، وأكمل:
— ليه مش بتسامحي؟ ليه كل ما تحصل مشكلة بينا، تتمردي عليا و تبعدي؟ ليه بتستمتعي بعذابي؟!

ردت نسمة بصوت مرتجف، تخنقه دموعها:
— أنا عمري ما تحملت زعلك، ولا حزنك... بس إنت كنت هتقتلني من غير لحظة تردد.

 اعتبرني متّ في اليوم ده... بجد، وانساني. أنا وإنت ما بقاش بينا حياة خلاص، كل شيء انتهى. 

أنا كنت بستنى أطمن على ماما وأيهم...

 والحمد لله، اتحسنت حالتهم. وأنا... عايزة أطلق.

تبدلت ملامح مروان في لحظة، و أطبق على ذراعها بقوة آلمتها، وقال بنبرة غاضبة:
— إياكي تنطقي الكلمة دي تاني! أنا لصبري حدود... فاهمة؟!

قالت، ودموعها تنساب بلا توقف:
— لا، مش فاهمة... أنا من يوم ما جبتني من شقة سيف، وأنا مش بعتبرك جوزي.

جذبها إلى حضنه بقوة فيها شيء من الرجاء، وقال بشوق مكسور:
— يعني أنا ما بقيتش حبيبك؟ مش مشتاقة لحضني؟ زي ما أنا هموت على حضنك...

أغمضت عينيها بقوة، محاولة حبس الألم داخلهما، لكنه أكمل بهمسٍ حنون:

— آسف... آسف يا حبيبتي، الموقف كان صعب عليا جدًا. اسألي ألف راجل... لو رد فعله كان أقل من كده! اعملي اللي إنتي عايزاه، 

بس كفاية بُعاد .

شهرين... كتير أوي. تبقي قدامي ومش قادر ألمسك؟ ونتعامل كأننا أغراب؟! إنتي بتعاملي أيهم أحسن مني، و مهتمة بيه أكتر...

ردّت بحزم ممزوج بالحزن:
— مش مهتمة بيه ولا حاجة... كل الموضوع إنه فداني بنفسه، والواجب يخليني أكون جنبه لحد ما يسترد صحته.

ثم قالت برجاء:
— أرجوك يا مروان، خلينا زي ما دخلنا بالمعروف، نسيب بعض بالمعروف... وتكون بينا ذكريات جميلة.

نهض بغضب وقال بعنف:
— لا يا نسمة! مش هطلّق، ولازم تشيلي الفكرة دي من دماغك. وأهلك مش هيسمحوا بكده.

ردّت بلهجة غاضبة وعينين دامعتين:
— والله يا مروان، لو ما وافقت على الطلاق، لهرب، ومحدش فيكم هيعرف طريقي... ياريت تكون من غير فضايح.
*******
صرخ مروان بغضب وصوت عالٍ:
— أنا ما بتهددش! وأعلى ما في خيلك اركبيه... سلام!

ثم خرج وهو يرطم الباب بقوة خلفه. جلست نسمة تبكي بمرارة على ما وصلت إليه الأمور بينهما، تشعر أن المسافة قد اتسعت، وأن الجرح بات أعمق من أن يُرمم.

---

خرج مروان يتقدمه الغضب، لا يرى أمامه سوى اشتعال قلبه. أخرج هاتفه واتصل بأحمد.

— أحمد، أنت فين؟
— عند شهد، خير؟
— محتاج أتكلم معاك ضروري.
— أنا خارج، هقابلك فين؟
— لأ، أنا هفوت آخدك... سلام.

سمعت شهد المكالمة، وهتفت بسؤال مرتبك:
— رايح فين؟

ابتسم أحمد بخفة وهو يرد:
— مروان شكله متضايق، وعايزني... عارف، أكيد نسمة لسه رافضة ترجع له.

قالت شهد بحزن وهي تنظر إليه:
— بس أنا ما لحقتش أقعد معاك...

اقترب منها أحمد، ومسح بخفة على وجنتها بأنامله، وهمس برقة:
— هرجع تاني يا قلبي... أنا كمان ما شبعتش منك.

ثم طبع قبلة حانية على جبينها، وخرج مسرعًا.

---

توقف مروان بسيارته أمام الفيلا، خرج أحمد وركب إلى جواره. لم يحتج إلى السؤال، فقد كان وجه مروان يغني عن كل الكلمات.

— خير يا مروان؟ شكلك متضايق...

أجاب مروان بحزن شديد:
— نسمة مصممة على الطلاق. أنا تعبت، بقالي شهرين بحايل فيها، وصابر على بعدها... وكنت بقول بكره تلين أو تقدر... بس مافيش فايدة.

هزّ أحمد رأسه بأسف وقال:
— أنا كلمتها أكتر من مرة. أول مرة أشوفها دماغها ناشفة كده، ولا حتى كبرت ليّا أو لبابا...

هتف مروان برجاء موجوع:
— أنا محتاجكم تساعدوني... لازم ترفضوا الطلاق.

رمقه أحمد بنظرة إشفاق، وقال بتردد:
— بس إحنا عمرنا ما غصبناها على حاجة.

ردّ مروان بثقة ممزوجة بالألم:
— إنت عارف إننا بنعشق بعض... ورأيكم مش هيكون غصب، أنتم بتسندوا بيتي عشان ما يتهدش... ويوقع.
*******

بقلمي: أمل مصطفى

تحدث أحمد بصدق، قائلاً:
– أنا معاك يا مروان، وأنت عارف... لأنّي واثق من عشقك ليها، بس اللي حصل لنانسي كان غلط.

هتف مروان بغضب:
– لا، مش غلط! واحدة ضحكت على مراتي وودّتها شقة، وهي عارفة إنها هتتعرى وتتفضح، ووافقت عشان الفلوس! كان لازم تدوق من نفس الكأس.

قال أحمد بعدم رضا:
– بس يا مروان، مش لدرجة إنها تتمسك عريانة في بيت دعارة! دي فضيحة ليها ولأهلها!

رد مروان بغضب جحيمي:
– وهي فكّرت في مراتي لما عرّيتها قدام راجل غريب؟! تستاهل! أنا مش ندمان... ولسه حساب الحيوانة التانية. وحياة كل دمعة نزلت من عيونها، وكل ليلة بعدتها عن حضني... هدفعها التمن غالي.

---

سهر:
– وبعدين يا أيهم؟ مش كفاية كده؟ يلا نرجع.

أيهم برجاء:
– أرجوكي يا ماما، أنا خلاص هستقر هنا، ومش راجع تاني. هفضل مع أخويا. فهّمها يا بابا، أنا مش صغير، وعارف مصلحتي فين... ومش هبعد عن مروان.

جاء مروان من خلفه، ووضع يده على كتفه قائلاً:
– لسه خايفة عليه مني، يا خالتي؟

سهر بإحراج:
– لا، مش قصدي... بس إحنا اتعودنا على هناك.

اقترب مروان منها قائلاً:
– حضرتك عارفة إن أيهم أخويا... من أول ما تولد وأنا مش باعتبره ابن خالتي، هو أخويا وصاحبي وصديق عمري. والأخوات برضو بيختلفوا وبيتخانقوا، بس بيرجعوا تاني.

ثم احتضن أيهم قائلاً:
– أخويا في عيوني، كأنك موجودة... وأكتر.

*********
بعد أسبوع في الفيلا

قالت سهير، وهي تنظر إلى ساعة الحائط بتعجب:
– غريبة! أول مرة نسمة تتأخر في النوم كده.

رد والد مروان بهدوء:
– هي مفيش عندها  كلية النهارده.

أضافت سهير، وهي تشرد بعينيها:
– ممكن تكون راحت عليها نومة...

قال مروان وهو ينهض:
– أنا هطلع أصحيها.

نظرت له سهير و الحزن يغلف ملامحها، علي حالة و حيدها وهتفت   بصوت خافت:
– نسمة مصممة على الطلاق... خايفة على مروان من الصدمة، هتكون صعبة عليه.

مروان بيعشقها، ومش ممكن يفرّط فيها. 

وهي كمان بتحبه... بس كرامتها مجروحة، ومحتاجة شوية وقت لحد ما تنسى.

********

صعد مروان إلى غرفة حنين، التي أصبحت غرفة نسمة منذ الحادثة. حاول كثيرًا استرضاءها، 

اعتذر لها عن سوء ظنه، لكنها تمردت ورفضت أن تكون زوجة له مرة أخرى.

فتح الباب و دلف إلى الداخل. لم يجدها جوار حنين. طرق باب الحمام، فلم يلقَ ردًا. فتح الباب بحذر... وجده فارغًا.

تمتم بدهشة:
– معقول تكون في جناحها؟

استدار بلهفة، لكن شيئًا ما على "الكمودينو" لفت نظره...
***""**
جلس مروان على طرف السرير، يحمل ظرفًا بين يديه.

كان مكتوبًا على أحدهما: "ماما سهير"، وعلى الآخر: "بابا وأحمد".

حدّق في الظرف الخاص بوالدته، ثم نهض وهو يشعر بالاختناق، ونزل إلى الأسفل.

– اتفضلي،
قالها وهو يناول الظرف لوالدته.

نظرت سهير إلى ما في يده، وسألته بفضول:
– نسمة سايباه في أوضة حنين؟

تناولت الظرف وبدأت تفتحه، ثم سألت دون أن ترفع عينيها:
– وهي فين؟

هتف مروان بضيق:
– مش موجودة... و تليفونها مغلق.

فتحت سهير الجواب، وبدت ملامحها متوترة وهي تقرأ، وقد شعرت باختناق ابنها قبل أن تنطق كلماته.

> بسم الله الرحمن الرحيم

ماما سهير، بابا، وجدي...

أنا آسفة جدًا على الطريقة المخزية اللي سبت بيها البيت، بس ماكنش قدامي حل تاني.

مروان مصمم نكمّل، وأنا مش قادرة. وهو مش مخليني أختلي بنفسي.

بابا وأحمد واقفين في صفّه. 

ماحدش فيهم فكر أنا حاسة بإيه، أو عايزة إيه.

ماحدش احترم رغبتي.

ماكنش قدامي غير الهروب.

أنا عارفة إن كده غلط، بس والله غصب عني.

أنا مخنوقة ومحتاجة أبعد. سامحيني إنتي وبابا.

أنا مسجّلة فيديو لحنين، يصبّرها على بعدي.

أنا بحبكم، و هفضل أحبكم حتى بعد الطلاق.

بنتكم... نسمة

تركهم مروان بغضب، وركب سيارته وانطلق بسرعة.

تمتم بحرقة وهو يضغط على عجلة القيادة:
– ياااه يا نسمة... معقول؟

مش قادرة تسامحي في غلطة كانت وقت غضب؟

للدرجة دي أنا مش فارق معاكي؟

مهتمّة بزعل الكل... ما عدا أنا؟

للدرجة دي كنت أعمى... لما افتكرت إني أغلى إنسان عندك؟


                   الفصل الثلاثون من هنا

تعليقات



<>