رواية نسمة متمردة الفصل الثاني2بقلم امل مصطفي
في المساء، جلس كريم يتحدث مع صديقه محمود، والضيق بادٍ على ملامحه.
– رفضتني برده، يا محمود... البنت دي أكيد بتحب حد!
هزّ محمود رأسه وهو يقول بهدوء:
– حرام عليك يا كريم، ما تظلمهاش.
كلنا عارفين – وأنت أولنا – إنها بنت محترمة، عارفة ربنا، ومش بتعمل حاجة غلط.
هتف كريم بسرعة، كأنه يهرب من فكرة راودت خياله:
– لا لا، أنا ما قلتش إنها بتعمل حاجة غلط، قصدي... يعني يمكن فيه حد في حياتها. مش لازم تمشي تقول "أنا بحب فلان".
ضحك محمود بخفة، ثم قال بثقة:
– الحب بيبان يا كريم... وكان بان لو فعلاً بتحب.
وبصراحة، كويس إنك ما تعلقتش بيها زيادة. أنت معجب بأخلاقها، مش أكتر.
ولو ليك نصيب فيها، هتجيلك لحد عندك.
بس حاول دايمًا يكون قدامك أكتر من اختيار، علشان ما تتعبش.
وبصراحة ، البنت دي فرصة!
بتحب تساعد الناس، ومش مادية...
وإلا ما كانتش رفضتك، دانتا بحر فلوس!
ابتسم كريم وقال مازحًا:
– أنا عرفت دلوقتي مين خرب الجوازة... قرّك يا حقود!
قهقه محمود وهو يربت على كتفه:
– أنا برده؟ يا حب، ده أنت حبيبي يا عم!
*******
في اليوم التالي، على الشاطئ
جلست نَسمة على رمال البحر، وحضنت الصغيرة حنين، التي استقرت على قدميها برضا.
قالت حنين بمرح:
– أنا عايزة أنزل البحر يا نَسمة... تعالي معايا!
ضحكت نَسمة وقالت برقة:
– لا يا حبيبتي، ما ينفعش أنزل البحر، خصوصًا وكل الناس دي حوالينا.
– ليه؟ بتخافي؟
هزّت نَسمة رأسها وهي تشرح بلطف:
– لا يا قلبي، مش خوف... بس هدومي هتلزق عليّا، وحرام أظهر كده قدام الرجالة دي كلها.
ربنا ممكن يزعل مني... وأنا مش عايزة أدخل النار.
نظرت لها سهير بإعجاب واحترام، كل يوم كانت تتأكد أكثر أن هذه الفتاة هي من تستحق أن تكون زوجة لابنها.
قالت نَسمة ممازحة وهي تشير إلى حنين:
– يرضيكي يا حنين، حبيبتك تدخل النار؟
ردّت حنين ببراءة تامة:
– لاااا، أنا بحبك! يعني لو أنا نزلت هدخل النار؟
ضحكت نَسمة وسهير معًا على طفولتها وصدق مشاعرها.
قالت نَسمة وهي تقبّل رأسها:
– لأ طبعًا يا قلب نَسمة... ربنا بيحبكم، أنتم ملائكة الأرض! ومش ممكن يأذيكي.
نزلت حنين عن قدم نَسمة، وركضت فجأة وهي تهتف:
– بابي!
رفعت نَسمة عينيها، وجدت أمامها شاب وسيم جدًا، ببشرة قمحية وشعر أسود كثيف، يرتدي بدلة رسمية ونظارة شمسية زادت وسامته وقارًا.
للحظة، علمت من أين ورثت حنين هذا الجمال النادر.
نظر مروان من خلف نظارته، يتفحص الفتاة الجالسة بجوار والدته. لم يكن يتوقع أن تكون بهذا القدر العالي من الجمال والرقة .
، وصف والدته لها لم يكن مبالغًا فيه...
عندما تصفها ب"ملاك"... نعم، هذا هو الوصف الأقرب.
شعرت نَسمة بنظراته، فاضطرب قلبها دون سابق إنذار، و أخفضت وجهها خجلًا.
تعجبت سهير، فابنها دائمًا ما تتهافت عليه الفتيات، لا يخجلن من النظر إليه أو التقرب منه، لكنها للمرة الأولى ترى فتاة تكتفي بخفض عينيها.
قال مروان بصوته الرخيم، وهو يتوجه بالكلام لوالدته:
– حضرتك نزلتي النهاردة قبلي، ما لحقتش أصبح على حبيبتي.
ابتسمت سهير وقالت شارحة:
– حنين صحيت بدري، وقالت عايزة تنزل تلعب مع نَسمة... وأنا ما رضيتش أزعلها.
نظر مروان إلى نَسمة مرة أخرى، وقال باحترام:
– إزيك يا آنسة نَسمة؟
ردّت بخجل واضح، وهي تخفض عينيها:
– الحمد لله، إزي حضرتك؟
طال نظره إليها، حتى احمر وجهها خجلًا وتوردت وجنتاها.
ثم التفت إلى والدته وقال:
– ماما، أنا ماشي... لو احتجتي أي حاجة، كلميني.
ولو حنين نزلت، خدي بالك منها.
ومضى بخطوات بطيئة... تاركًا خلفه قلبًا بدأ ينبض بشيء جديد... وخطر بدأ يقترب دون أن تدري نَسمة.
مع السلامة يا حبيبي...
ودّعت سهير ابنها مروان بنبرة دافئة،
قبل أن تلتفت مجددًا إلى نسمه وحنين، اللتين ظلّتا طوال اليوم تضحكان و تلعبان،
تنثران البهجة حولهما، بينما كانت سهير تكتفي بالجلوس قربهما، تستنشق لحظات السعادة التي حرمت منها من سنوات عدة .
قالت حنين بحماس وهي تشير بيدها الصغيرة:
– نسمه، أنا عايزة بالونة!
ضحكت نسمه وقامت تمسك بيدها:
– تعالي يا برنسيس، نجيب لك واحدة.
اشترت لها البالونة، فتمسكت بها الطفلة بسعادة كبيرة، قبل أن يجلسوا جميعًا ليتناولوا الآيس كريم على مقاعد خشبية مطلة على البحر.
لكن ما هي إلا لحظات، حتى طارت البالونة من يد حنين، فانطلقت تركض خلفها، ونسمه وراءها تحاول اللحاق بها، حتى ابتعدتا تدريجيًا عن سهير دون أن تدرك.
وبينما تتبعان خيط البالونة الذي اختفى بين الزحام، وجدتا مجموعة من الشباب والفتيات قد شكّلوا مسرحًا بسيطًا للعرائس.
صرخت حنين بفرح:
– نسمه! شوفي... أرجوز! يلا نتفرج!
ردّت نسمه، وهي تنظر حولها بتردد:
– حبيبتي، ما ينفعش... أنا ما معاييش الموبايل، وبعدنا عن تيتة كتير. لازم نرجع نطمنها وبعدين نرجع نتفرج تاني، ماشي؟
لكن حنين نظرت لها بإصرار طفولي:
– لأ! يكون العرض خلص. نتفرج وبعدين نمشي.
شعرت نسمه بالحيرة؛ فهي لا تريد أن تكسر فرحتها، لكنها قلقة من بعدهم المفاجئ عن سهير.
وفي تلك اللحظة، كان القلق قد تسلل إلى قلب سهير عندما رن هاتفها برقم مروان وفتحت الخط قابلها صوته القلق ::
– أنتي فين، يا أمي؟ مش كنتي راجعة الساعة خامسة ؟
قالت سهير بتوتر ظاهر في صوتها:
– آه... بس مش عارفة نسمه وحنين راحوا فين. بقالهم نص ساعة مش موجودين، ...
تسرب الخوف إلى صوت مروان:
– اتصلي بيها فورًا!
–سهير بحيرة ::
تليفونها معايا... كانت سايباه علشان ما يشغلهاش عن اللعب.
صرخ مروان، وقد بدأ الفزع يتمكن منه:
– إزاي يا أمي؟! إزاي تأمني على حنين و تسيبيها من غير ما تتابعيها؟ ممكن تكون خطفتها!
صرخت سهير بانفعال:
– لأ، لأ يا حبيبي! نسمه بنت كويسة جدًا، بس أنت من كتر شغلك في السوق و بشاعة التعامل مع الناس، بقيت تشك في كل شيء! لما يرجعوا، هاجي لك أنا وحنين فورًا.
أغلق مروان الهاتف بحدة، واتصل على الفور بالحارس المكلف بمراقبتهم.
– هما فين؟!
ردّ الحارس، وصوته يرتجف:
– أنا آسف يا باشا... البنت الصغيرة جريت ورا البالونة، ونسمة جريت وراها... وبعد كده ما عرفتش أتابعهم في الزحمة... معنتش شايفهم!
صرخ مروان بغضب، وهو يمسك بهاتفه بقبضة مشدودة:
– نهارك أسود! لو بنتي جرالها حاجة، ده هيكون آخر يوم في عمرك!
********
هناك عند نسمه
تسير بخطى سريعة، حاملة حنين بين ذراعيها بحنان غامر، تحدثها بنبرة مفعمة بالحب:
– كده يا حنون... اتأخرنا على تيتة. أكيد الآن قلقانة علينا... وممكن تزعل مني.
ضحكت حنين وقالت بثقة طفولية:
– لا، تيتة بتحبك... ومش هتزعل منك يا ناني.
ضحكت نسمه بحرارة، وقبلت جبين الصغيرة:
– أنتي بتدلعيني يا حنون؟!
– أيوه... زي ما إنتي بتدلّعيني.
وفجأة، وبدون سابق إنذار، امتدت يد قوية جذبت حنين من بين ذراعي نسمه بقسوة.
استدارت نسمه بسرعة، وهتفت بغضب :
– إنتَ إزاي تشدها كده؟!
قال الرجل بغلظة، دون أن يتزحزح خطوة:
– دي أوامر الباشا.
حاولت نسمه أن تنتزع الطفلة من بين يديه،
لكنها فشلت؛ فقد بدا كجدارٍ منيع، لا يُهتز.
صرخت نسمه بحدة، والقلق يتفجر من صوتها:
– سيب البنت! كده هتخوفها!
لقد بدأت حنين تبكي بحرقة، تمد يديها نحو نسمه، تستغيث بها، وعيناها تمتلئان دموعًا وارتباكًا.
تحدثت نسمه برجاء وهي تحاول السيطرة على أعصابها:
– لو سمحت، هات البنت... وأنا همشي معاك، بس متخوفهاش.
لكنها سمعت صوتًا رجوليًا خلفها، رخيمًا، غليظ النبرة، مألوفًا رغم نبرته الحادة:
– مالكيش دعوة بيها... أنا هاخدها.
استدارت ببطء، وقلبها يخفق .
يقف أمامها، بكامل وسامته وهيبته. مروان... الحضور ذاته الذي أربكها في المرات السابقة.
لكنه هذه المرة، لم يكن هادئًا.
قال وهو يقترب منها:
– أنتي تبع مين؟ ومين اللي حطك في طريق أمي؟
صُدمت من كلماته، وردّت بحدة وقد اشتعل الغضب في عينيها:
– إنتَ بتقول إيه؟! و أيه شغل عصابات ده ؟!
أخرج مروان يده من جيب بنطاله ببطء، ناظرًا لها بثبات وقال ببرود:
– أيوه... شغل عصابات. ولو ما اتكلمتيش بالذوق، هخليكي تتكلمي بالعافية.
اردفت نسمه بغضب حاد ::
– إزاي تتكلم معايا كده؟ أنا ما أسمحلكش!
أوعي تفتكر إني هخاف منك، ولا من شوية التيران اللي واقفين حواليك!
زاد بكاء حنين، ونظرت إليها نسمه، ثم قالت
بهدوء، محاولة السيطرة علي غضبها :
– بص... إحنا كنا بنجيب البالونة بتاعتها، وشافت مسرح عرائس، وأصرت تتفرج.
أنا ما حبيتش أزعلها. ولما خلص العرض، كنا راجعين على طول.
البنت أمانة معايا... وأنا لازم أسلمها لمدام سهير.
كان في عينيها صدق لا تخطئه العين، لكنه لم يُفلح في كسر جدار عناد مروان، الذي قال بحدة، متجاهلًا إعجابه الخفي بشخصيتها القوية:
– لا... عنك، أنا هاخدها.
ومن النهارده... ملكيش دعوة لا بيها، ولا بأمي.
ولو حاولتي تقربي تاني... هيكون ليا تصرف مش هيعجبك.
نظرت له نسمه بحزن، وقد كتمت ألمها بصعوبة:
– حاضر... إنتَ أدرى بمصلحة بنتك و مامتك.
ممكن آخدها في حضني وأودعها بس؟
لكنه أجاب، دون تردد:
– لا.
كان كل هذا الحوار يجري، وحنين لا تزال تبكي، تصرخ باسم نسمه وتمد يديها لها، دون أن تهدأ.
مدّ مروان يده نحو ابنته يأخذها، لكنها، وبكل براءة الطفولة، تراجعت... ورفضت الذهاب إليه.
كأنها لا تعرفه. كأن نسمه وحدها هي الوطن الذي تعرفه وتثق به.
ظلّت حنين تبكي بحرقة، تمدّ يدها الصغيرة نحو نسمه وتصرخ من بين دموعها:
– ناني... خُديني إنتي!
انحنت نسمه أمامها، قلبها ينزف ألمًا، نظرت إليها بعجز قاسٍ و همست بحنان:
– ما ينفعش يا حبيبتي... أنتي دلوقتي مع بابا، وهو اللي هيودّيكي عند تيتة.
لكن الطفلة ازدادت بكاءً، وصرخت بقلبٍ مكسور:
– لأ... و دّيني إنتي!
نظرت نسمه إلى مروان، ثم قالت برجاء خافت:
– لو سمحت... علشان خاطرها، سبني أوصلها لمدام سهير. و صدقني... مش هتشوف وشي تاني.
تردد مروان لثوانٍ، ثم نظر إلى الحارس وأشار له. ناولها حنين دون كلمة.
احتضنت نسمه الصغيرة بقوة، ضمّتها إلى صدرها وكأنها تحاول حمايتها من كل شيء، ثم تحركت بخطوات هادئة، تنساب دموعها في صمتٍ موجع، حتى وصلت إلى حيث تجلس سهير.
مدّت حنين إليها وقالت، وصوتها متهدّج:
– أنا آسفة... علشان سببت لك إزعاج.
ثم التقطت حقيبتها، و هاتفها، و استدارت تغادر.
نادتها سهير بسرعة:
– رايحة فين يا نسمه؟
نظرت إليها نسمه وابتسامة حزينة ترتسم على وجهها الباهت:
– معلش... أنا اتأخرت. بعد إذنكِ.
لكن سهير تقدّمت نحوها، القلق يملأ صوتها:
– نسمه، مالك يا حبيبتي؟ في إيه حصل؟!
هزّت نسمه رأسها، وقالت بصوت أقرب للهمس:
– مفيش حاجة... بعد إذنكِ.
تحركت سهير خلفها وهي تهتف نسمه أرجوك استني
لم يتحمل مروان محايل أمه لتلك الفتاه ،
وفقد أعصابه وصرخ بها غاضبًا:
– إنتي مجنونة ولا إيه؟! أنتي عارفة اللي بتكلمك دي مين؟! علشان تسيبيها تتحايل عليكي؟!
التفتت إليه نسمه بعينين دامعتين، وصوتها مشحون بالغضب:
– لأ... مش عارفة!
بس هي بالنسبالي حاجة غالية جدًا... وهي أكبر من إنها تتحايل عليا.
وليها عندي كل الإحترام والتقدير.
ثم نظرت لسهير، تكتم غصتها وتبتسم رغم الألم، وقالت بصوت مكسور:
– بعد إذنكِ... أنا تعبانة فعلًا، ومحتاجة أرجع البيت.
أرجوكي... متزعليش مني.
قالت سهير، وهي تنظر إلى نسمه التي بدأت في الإبتعاد:
– لا يا حبيبتي... أنا مش ممكن أزعل منك أبدًا.
*****"**
وقفت سهير في مكانها للحظات، تتأمل ظهر نسمه وهي تبتعد، قبل أن تدير وجهها نحو ابنها مروان، بعينين ممتلئتين باللوم والدهشة، ثم سألت بصوت يعلوه القلق:
– إنت عملت معاها إيه؟!
البنت شكلها مكسور وكانت بتعيّط!
ردّ مروان ببرود قاتل، ونبرة خالية من التعاطف:
– عرّفتها مكانتها، وطلبت منها تبعد عنكم خالص.
شهقت سهير بغضب ورفعت يدها تشير إلى الدادة التي كانت تقف على مقربة:
– خدي حنين وةارجعي بيها الفندق فورًا.
ثم استدارت إلى ابنها، تنظر إليه وكأنها لا تعرفه، صوتها مختنق بالغضب وخيبة الأمل:
– إنت إزاي تعمل فيها كده؟!
إنت أكيد اتجننت!
أنا بقالي سنين ما ضحكتش، ما حسّيتش براحة ولا بسعادة زي اللي حسّيتهم اليومين اللي خرجتهم معاها.
ثم أشارت إلى جهة الفندق:
– بنت أختك ما عاشتش طفولتها غير معاها...
ما كانتش بتاكل من غير محايلة، ولا كانت بتضحك إلا وهي في حضنها.
كأن ربنا عوّضني أنا و حفيدتي بيها عن فُراق بنتي، و عوّض بنتها الحب والحنان اللي التحرمت منهم فجأة!
توقفت، صوتها بدأ يرتعش، ودموعها تحجّرت في عينيها:
– وإنت... بكل برود... جاي تبعدها عننا؟!
كأنك بتحرمنا من الفرحة... من الراحة اللي بنحس بيها بوجودها؟!
سكتت لوهلة، ثم تمتمت بألم عميق:
– يا خسارة ثقتي فيك، يا مروان...
وأدارت له ظهرها، كأنها لم تعد تراه.
وقف مروان في مكانه، و كأن كلمات والدته صفعت قلبه قبل وجهه. لم يكن يتوقع منها هذه الثورة، لكنه حاول أن يُبرر، وصوته يحمل شيئًا من الرجاء:
– ... أنا عملت كده بدافع خوفي عليكم، يا ماما.
إحنا منعرفش عنها حاجة، غير اسمها!
نظرت إليه سهير، نظرة تحمل في طيّاتها مرارة الأم وخذلان
و ضحكت ضحكة حزينة، ممزوجة بالقهر، وقالت بصوت خافت لكنه حاد:
– لو كنت عايز تعرف...
في خلال ساعة واحدة، كنت عرفت عنها كل حاجة من يوم ما اتولدت!
– ماخدتش لقب "الجهنمي" من فراغ.
إنت بتعرف عن أعدائك حاجات هما نفسهم ما يعرفوهاش!
********
رجعت نسمه وهي تشعر بالإهانة لأول مرة في حياتها.
حد يعاملها كده! الحزن يعتصر قلبها من فراق "حنين" و"سهير".
ألقت السلام على أهلها و اغتصبت ابتسامة حتى لا يشعروا بشيء.
سمعت صوت أخيها:
– الجميل بقاله كام يوم ورا بعض بيخرج و حرّمنا من وجوده! أنا مش مصدق.
نسمه بحنان:
– معلش يا حبيبي، ضيوف وواجب إكرامهم، بس أخدت منهم أجازة.
أنت عارف، مش بحب أخرج كل يوم.
هيام:
– ليه يا قلبي؟ كل الناس بتخرج عادي.
نسمه:
– لا يا ماما، لو مافيش سبب للخروج يبقى مالوش لازمة.
خالد بحكمة:
– الناس بتخرج تتمشى و تغيّر مود، مش لأزم نروح أماكن معينة، نمشي رجلينا بس.
المشي رياضة وصحة.
نسمه:
– هاخد أجازة يومين، وبعدين أبدأ من جديد.
– أنا داخلة أغير وأصلي… تصبحوا على خير.
دخلت غرفتها، صلت فرضها، وأغلقت الهاتف، ثم ذهبت في نومٍ عميق تهرب به من جرح كرامتها.
*******
بعد يومين، كانت سهير تحاول الإتصال بنسمه، لكن هاتفها مغلق، وحنين مستمرة في السؤال عنها:
– تيته، نسمه هاتيجي إمتى؟ طيب تعالي نروحلها.
سهير تجنبت التعامل مع مروان،
وعندما عاد وجدها حزينة، ليسألها:
– مالك يا أمي؟
لم يتلقَ ردًا.
قال:
–طيب لبسي حنين علشان نخرج، أنا جيت بدري علشانكم.
لم ترد عليه، و تمددت ب جوار حنين وذهبت في النوم، وهي تنوي الذهاب غدًا لنسمه.
في الصباح، ذهبت سهير إلى كريم صاحب الفندق:
– لو سمحتي، ممكن أقابل بشمهندس كريم؟
بلغته:
– مدام سهير الفيومي.
دخلت المكتب بابتسامة، وقف كريم وقال:
– أهلاً وسهلاً يا فندم، أتفضلي.
سهير:
– شكرًا، أنا كنت عايزة منك خدمة.
تحدث بإحترام:
– حضرتك تأمري.
قالت:
– كنت عايزة عنوان نسمه وحد يوصلني عندها.
كريم، باستغراب:
– فيه حاجة حصلت؟
سهير:
– لا أبداً، بس بقالي يومين ما شوفتهاش، وحنين مجناني، عايزاها و فونها مغلق، كنت عايزة أطمن عليها.
قام كريم من خلف مكتبه وقال:
– أتفضلي، حضرتك أوصلك.
سهير، بحرج:
– لا مش ممكن حضرتك هتوصلني.
كريم، بتواضع:
– مافيش مشكلة، حضرتك في مقام والدتي.
*****
في منزل نسمه
قالت نسمه وهي تقترب من والدتها:
– ماما، أنا داخلة أصلي الظهر، عايزة حاجة؟
ردت والدتها:
– لأ، كده جهزنا كل حاجة.
دخلت نسمه غرفتها
في نفس الوقت دق جرس الباب، وردت هيام عبر جهاز الديكتافون:
– مين؟
قالت سهير:
– أنا مدام سهير، نسمه موجودة؟
ردت هيام:
– أه، اتفضلي، هفتح الباب.
نزلت هيام لاستقبال الضيفة، وقالت مرحبة بها:
– أهلاً وسهلاً، اتفضلي.
اعتذرت سهير:
– أنا آسفة إنني جيت من غير ميعاد.
ردت هيام بود:
– مافيش مشكلة، ده بيتك، تنوري في أي وقت. ده كفاية حب نسمه ليكي أنت وحنين.
وفي تلك اللحظة، ظهرت حنين من خلف سهير ، يحملها الحارس وهو يحمل معها شيكولاتة وورود.
قالت هيام:
– ما شاء الله، تعالي يا حنون، دي نسمه هتفرح قوي.
توجهت سهير إلى الحارس وقالت:
– أمشوا أنتم، وأنا راجعة هتصل بيكم.
دخلت سهير ، تأملت الشقة الكبيرة الجميلة المنظمة، ورائحتها العطرة التي تدل على يسر حال أصحابها.
خرجت نسمه غرفتها دون أن تعلم هوية الزائر وهي تهتف :
– ماما، أنا هدخل أعمل .
قطعت نسمه كلمها عندما وجدت سهير أمامها، و احتضنتها بحب قائلة:
– أهلاً أهلاً يا سوسو.
ردت سهير بمرح:
– أهلاً بالهاربة!
انحنت نسمه، وحملت حنين، ودارت بها قائلة:
– وحشتيني يا حنون.
أجابت حنين بسعادة:
– وأنتي كمان، بس أنا زعلانة منك.
سألت نسمه:
– ليه بس يا قلبي؟
ردت حنين:
– لأنك ما جيتيش تلعبى معايا.
نسمه بطفولة :
– خلاص يا حبيبتي، هنلعب النهارده كتير، ونعمل كيك البرتقال اللي بتحبيه.
