رواية نسمة متمردة الواحد والثلاثون31بقلم امل مصطفي
*********
تحدثت شيرين بهدوء، تُخفي به مشاعرها الحقيقية تجاهه:
– كل الكلام ده جميل... بس أنا مش موافقة.
رفع سيف عينيه نحوها بضيق وإحراج من رفضها المباشر، وقال:
– أفهم من كده إن في حد في حياتك؟
كانت الصدمة، هذه المرة، من نصيبها. نظرت إليه بدهشة وهمست:
– ليه بتقول كده؟ أنا ماليش في الكلام ده.
تنهد سيف وقال بهدوء:
– أصلك رفضتي بسرعة، حتى ما حاولتيش تعطي نفسك فرصة للتفكير.
أخذت نفسًا عميقًا، وتحدثت بحزن:
– لا، أبدًا... حضرتك ما تترفَضش. والأجمل والأغنى يتمناك، بس إنت من عالم، وأنا من عالم تاني.
ومقدرش أحط نفسي دايمًا في مقارنة بيني وبين الناس اللي حواليك.
هيشوفوني إزاي؟ هكون لايقة عليك؟
ولا هقل من شكلك قدام عيلتك؟
قال سيف بنبرة جادة:
– عالمي مقتصر على عمي ومروان... وأظن مرات مروان صحبتك.
ظلت تبحث عن حجة أخرى. كانت مرتعبة من الارتباط بشخص في هذا المستوى المادي. تخاف على مشاعرها وكبريائها من أن تُجرح حين ينتهي منها أو تكون له مجرد لعبة جديدة.
– بس أنا مش هقدر أسيب ماما... هي مالهاش غيري.
رد سيف بهدوء:
– مين قال إننا هنسيبها؟ إحنا هناخدها معانا.
بصي... أنا طلبت إيدك من مامتك، ووافقت.
قالت: "ده يوم المِنى لما بنتي تتجوز شاب زيك، طول بعرض، ومستقبل، وابن ناس، ومز مز من الآخر!"
وخلاص... أهم حاجة رأيها.
حاولت أن تُخفي ابتسامتها، وهي تهتف بمزيج من المزاح والاستسلام:
– خلاص، اتجوزها بقى... مبروك.
غمز لها سيف بإحدى عينيه مازحًا، وقال:
– طب بزمتك... مش هتزعلِي لما سيفو بتاعك يكون لوحده تانية؟
تورّد وجهها من شدة الخجل، وكأن إعلان ملكيتها له خرج منها رغمًا عنها، لكنها لم ترد.
أخرج سيف هاتفه، وقام بالاتصال:
– ألو... أيوه يا ماما، أقنعتها ووافقت خلاص.
هجيب عمي ومروان وأجيلكم بكرة بعد العشاء.
ماشي يا قلبي... مع السلامة.
*********
جلس مروان داخل سيارته، وفتح الورقة التي كان يحتفظ بها بشغف. قرأ السطور بخفَة قلب واهتمام:
> "نسمة عند خالتها في الفيوم، ده عنوانها. وده رقم جوز خالتها، كلّمه وإنت في الطريق.
وما ترجعش من غيرها، حتى لو غصب عنها."
احتضن الورقة كمن يضم قلبه، ثم تحرّك بسيارته باتجاه الفيوم. وبعد سفر طويل، وصل إلى العنوان المذكور، فوجد متولي في انتظاره، وقد استقبله بترحاب.
قال مروان بلهفة:
– فين نسمة يا حج متولي؟
ضحك متولي وقال:
– طب سلِّم الأول، وارتاح من الطريق.
نظر له مروان بحرج:
– آسف... أعذرني.
ربت متولي على كتفه بتفهُّم:
– عذرك معاك يا ابني... ربنا يهديكم لبعض.
دخل مروان المنزل، خرجت خديجة –زوجة متولي– والتي كانت تراه لأول مرة.
قالت بابتسامة حزينة:
– إزيك يا ابني؟ معلش ماعرفتش أحضر فرحكم، أصل الحاجة كانت تعبانة... و توفت قبل فرحكم بأسبوع.
– البقاء لله.
(خديجة هي خالة نسمة، ومتولي ابن عم والدها وزوج خالتها، ووالدها أيضا ب لأنها أخت فريدة في الرضاعه .)
قال مروان متلهفًا:
– فين نسمة يا حجة؟
أجابت خديجة:
– عند الينبوع.
قال مروان بضيق:
– ينبوع إيه؟
تدخل متولي وهو يجلسه:
– ده مكان نسمة بتروحه من وهي صغيرة لما بتكون زعلانة. بتلاقي راحتها هناك. ومن يوم ما جت وهي كل يوم هناك.
ثم أضاف:
– أنا عايزك قبل ما تروح، تسمع مني كلمتين... وبعدين عمر يوصلك.
رد مروان بنفاد صبر:
– خير يا حج متولي؟
نظر متولي إليه بثبات وقال:
– بص يا بني... نسمة بنتي زي فريدة.
نسمة بتعشقك، و بتموت من فراقك، بس هي محتاجة تحس بالأمان. محتاجة تتأكد إنك متمسك بيها، وإن اللي حصل مش هيكون بينكوا تاني.
لا تفكير، ولا تلميح، للوضع اللي جبتها منه من جنب أيهم.
أغمض مروان عينيه بقوة، و كأن كلام متولي طعن شيئًا داخله. نسمة قد قصَّت عليه كل شيء.
تحدث بصدق، حاسمًا:
– عمي... نسمة بالنسبالي النفس، والروح، والدم اللي بيمشي في وريدي.
تفتكر ممكن أخسرها لأي سبب؟
عمرك شوفت إنسان بيعيش من غير حاجة منهم؟
ابتسم متولي وهو ينادي:
– عمر! يا عمر!
أتى صبي في العاشرة من عمره، ورد:
– نعم يا بابا؟
قال متولي:
– و صّل عمك مروان عند نسمة.
أشار عمر وهو يبتسم:
– اتفضل حضرتك.
**********
كانت نسمة تجلس على هضبة صغيرة، تضع الـ"هاند فري" في أذنيها، تستمع لأغنية عامر منيب "الفراق مكتوب عليا"، وتبكي في صمت.
> الأيام بتفوت وتعدي، وأنا عايش في عذابي لوحدي
ومافيش غير صورتك قدامي، من يوم ما أنت بعدت
في ثانية مالهاش طعم خلاص، الدنيا ما بقتش باحس بأيامي
الفراق مكتوب عليا، غصب عني... وإيه بإيديا
وإنت بعدك على عيني، كل حاجة هي هي
وإنت فين يا نور عينيه، مين في بعدك هيواسيني
ما بقاش في حاجة تفرحني، أي فراق ممكن يجرحني
بس فراقك ليا... كسرني
وصل مروان إلى المكان الذي دلّه عليه عمر، فأشار له الصبي من بعيد ثم تركه وانصرف.
وقف مروان يتأملها، وقلبه يهفو إليها. أراد أن يركض نحوها، أن يرتمي في أحضانها ليرتاح من حمل أثقل كاهله.
تقدّم منها ببطء، وقف خلفها وهمس بصوت متهدج:
– أنا تعبان... تعبان أوي يا نسمة.
ومافيش مكان ممكن أرتاح فيه من همومي غير معاكي، وفي حضنك.
سيبت الدنيا كلها... وجاي لحضنك.
نفسي تسمحيلي أقرب.
التفتت نسمة ببطء، وعيناها تتسعان بدهشة، لا تصدق نفسها... مروان هنا؟ يتحدث معها؟ هل هو حقيقي أم خيال؟ همست بصوت يكاد لا يُسمع:
– مروان...؟
اقترب منها بحذر، يخشى أن ترفضه كما فعلت في الأيام الماضية.
لكن نسمة تحركت نحوه، وكلها شوق وحنين لحياتها معه.
نظرة عينيها كانت أبلغ من الكلام... تطلب قربه.
ارتمت في أحضانه بقوة، كأنها تعيد روحها إليه، فضّمها هو بشوق ولهفة، استرجع بها أيام عشقهما الأولى.
قالت ببكاء وندم، تغالب الكلمات:
– وحشتني... وحشتني قوي يا عمري.
أنا آسفة... عذبتك، وعذبت نفسي.
حملها بين ذراعيه، ودار بها كطفل وجد لعبته الضائعة.
روحه الغائبة... عادت إليه.
ضمها بقوة، ثم جلس بها على الهضبة.
لاحظت نسمة الحزن الكامن في عينيه، رغم الفرح الذي يعلو ملامحه.
سألته برقة:
– مالك يا مروان؟
أغمض مروان عينيه وقال بصوت خافت:
– مش عايز أتكلم في أي حاجة... الوقت ده، أنا عايزك في حضني وبس.
********
تحدثت بندم، والدموع تلمع في عينيها:
– حبيبي، سامحني... كنت فاكرة إني هقدر أبعد.
تنهد بحزن، وقال بصوت مخنوق:
– إنتِ جرحتيني يا نسمة... حسّيت إن ما ليش قيمة عندك.
كان صعب ألاقِيكِ بتعتذري من الكل، وأنا حتى ما اهتميتيش بمشاعري.
أو إحساسي إيه، لما مراتي تهرب مني، كأنها مش طايقة وجودي في حياتها؟
كأني فرضت نفسي عليها.
صدقيني... لو غرزتي خنجر في قلبي، أهون من إحساسي وقتها.
حسّيت... إني مش راجل.
ارتفعت نسمة واقفة، ونظرت إليه بعيون دامعة:
– أنت سيد الرجالة كلها... وتاج راسي.
ثم خفضت عينيها وقالت بصوت مكسور:
– كنت خايفة... خايفة أنزل من نظرك بعد ما اتعرّيت.
كنت خايفة أشوفها في عيونك... و تجرحني من غير كلام.
قولت أشيل عنك الحرج وأبعد أنا.
ثم أكملت بألم:
– أنا... كنت بموت من غيرك.
ضمها إلى أحضانه بعشق، وقال:
– قلبي الخاين رفض يزعل منك... أو يبعد عنك.
كان زي المجنون، خلاني ألف حوالين نفسي، وأدور عليكِ في كل مكان.
تذكرت نسمة كلام زوج خالتها، عن الفجوة التي سببتها بين مروان وأهله، هتفت مبرّرة:
– وحياتك... ما حد من أهلي عرف مكاني.
خرج صوته موجوعًا، متألمًا:
– إمبارح... سمعت أسوأ خبر في حياتي.
ماكنش ممكن أتحمله، لولا وجودك في حياتي.
أخذ نفسًا عميقًا ليستطيع البوح بما بداخله، ودموعه تنساب على وجنتيه بألم:
– كنت بربي وبصرف على الإنسانة اللي
شاركت في قتل أختي الوحيدة... بسمة البيت.
شهقت نسمة بفزع:
– شاهي؟!
أجاب بضعف:
– آه... كنت فاكر أن موت ندي وزوجها حادثه على الطريق السريع، وإن أكتر من عربية خبطوا ببعض.
بس إمبارح... اكتشفت إنها بفعل فاعل.
قال بصوت متهدج، وكأن كل كلمة تُثقل روحه:
– كنت بربي تعبان... وفي النهاية بخّ سُمّه فيه، عشان يضعفني ويدمرني.
كانت نسمة تبكي، وعيناها لا تفارقانه، تمد يدها برقة تمسح دموعه، كأنها تحاول أن تمحو وجعه بأناملها المرتجفة.
سألته بصوت مبحوح:
– عرفت كل ده منين؟
******
شرد مروان بخياله، وعاد بذاكرته إلى ذلك اليوم المشؤوم...
(فلاش باك)
– لو سمحتي... ممكن أقابل البشمهندس مروان؟
قالتها بقلق، وهي تقف أمام السكرتيرة.
نظرت لها السكرتيرة باستفهام:
– عندك ميعاد؟
– لا، بس ممكن تقولي له: "صفاء... صديقة شاهي."
رفعت السكرتيرة سماعة الهاتف، ثم قالت باهتمام:
– اتفضلي، مروان بيه في انتظارك.
دخلت صفاء إلى مكتبه بتوتر واضح وخوف من ردّ فعله.
– هاي...
قالتها بصوت خافت، وهي تُحاول التقاط أنفاسها.
استقبلها مروان بملامح جامدة، لا تعكس شيئًا مما يدور بداخله:
– اتفضلي يا صفاء... تحبي تشربي إيه؟
– شكرًا، أنا جاية أقول لحضرتك حاجة... وهمشي على طول.
لاحظ مروان ارتباكها وخوفها الشديد، فرد بهدوء:
– لا طبعًا، إنتي أول مرة تدخلي مكتبي... اتفضلي اقعدي.
ثم طلب لها عصير ليمون، وأشار لها بالجلوس.
قالت بتردد:
– أنا جاية لحضرتك بسبب شاهي.
سألها بهدوء:
– إنتِ عارفة هي فين؟
– آه.
نظر إليها مروان باستغراب:
– بس إنتِ أقرب صديقة ليها... عايزة تفهميني إنك هتبيعيها ليا؟
نظرت إليه صفاء والدموع تملأ عينيها:
– هي اللي باعت صداقتي... لما أخدت مني حب عمري.
نظر لها بدهشة، وقد بدأ يستشف صدق كلامها:
– خدته منك؟
– آه... عمر المرشدي.
لما حضرتك سبتها وماعدتش بتديها فلوس، لفت عليه وأخدته، رغم إنها عارفة إني بعشقه.
أسند مروان ذقنه إلى يده، يستمع بانتباه:
– وبعدين؟
– هي اللي دبرت موضوع نسمة وأيهم مع نانسي.
أومأ مروان برأسه:
– عارف... ونانسي اعترفت بكل حاجة، وأنا بدور عليها.
قالت بصوت خافت:
– هي في مزرعة عمر المرشدي.
من يوم ما مسكت نانسي، هي خافت وراحت له، تستنجد بيه عشان يخبّيها.
وطبعًا، ماكنش حد هيفكر إنها موجودة عنده.
أشار لها بهدوء:
– طيب، اشربي العصير بتاعك.
بلعت ريقها بصعوبة، وقالت برعب:
– في حاجة تانية حضرتك ما تعرفهاش.
– خير يا صفاء؟
– هي كانت بتغير جدًا من أختك... من اهتمامك بيها، ومن حبك ليها.
خنقه الحنين، وهمس:
– الله يرحمها...
ثم نظر إليها بتساؤل:
– وهي يعني... هي؟
قال مروان بإشفاق:
– اتكلمي... متخافيش.
قالت بارتجاف:
– بس تعطيني الأمان... أنا والله ما ليّا دخل.
أنا سمعتها بالصدفة، وهي بتتكلم مع أمين نصّار، من غير ما تعرف إني سمعتها.
وقف مروان فجأة، بهدوء يسبق العاصفة، وقال:
– كمّلي، يا صفاء.
تنفّست بعمق، وتحدثت بحذر:
– سمعتها وهي بتقوله إنها ساعدته عشان يخلّص من أخوه، ويورثه.
وهي تخلص من أختك... وتكون ليك لوحدها.
صرخ مروان بقوة:
– مش ممكن! أختي ماتت قضاء وقدر!
صرخت صفاء وهي تبكي:
– والله العظيم سمعتها!
كانت بتطلب منه فلوس، حقّ ما هي ساعدته، وأغرت الشاب اللي حطّ لأخوه البرشام، اللي يخليه يبان طبيعي، بس بعد فترة... بيدخل بين اليقظة واللاوعي.
عشان تبان الوفاة طبيعية، بسبب الحادثة!
صرخ مروان بغضب جامح:
– أخرجي! أخرجي حالًا!
خرجت صفاء من المكتب، تتخبط بكل ما يقابلها، وكأنها تهرب من صدى صراخه.
أما هو، فقام بتكسير مكتبه، محطمًا كل ما تطاله يداه، وهو لا يصدق أنه شارك، دون أن يدري، في قتل أخته...
(نهاية الفلاش باك)
عاد مروان إلى حضن نسمة، يتحدث وهو منهار، ودموعه لا تتوقف... وهي، لم تكن أقل منه وجعًا.
قال بصوت متهدج:
– مش عارف... لو قلت لأمي، ممكن تموت فيها...
لما تعرف إني السبب في موت أختي...
********
عاد مروان ونسمة في وقتٍ متأخر من الليل.
استقبلهما متولي بعتاب لطيف:
– كل ده يا ولاد وما جعتوش؟
رد مروان بابتسامة حب وإرهاق:
– لا... أنا نسيت الدنيا لما شوفتها.
ابتسم متولي وهو يلاحظ خجل نسمة الواضح، وقال مداعبًا:
– ربنا يهديكم...
قال مروان وهو يتثاءب:
– طيب ندخل ننام، لأني تعبت جدًا.
اعترض متولي بحزم الأب الحنون:
– نوم إيه؟ هتتعشّى الأول، وبعدين ترتاح.
ابتسم مروان باستسلام:
– حاضر... بس هنمشي الفجر على طول.
هز متولي رأسه اعتراضًا:
– تمشي إيه؟! إنت تفضل عندنا أسبوع... تتفرج على البلد.
هتف مروان رافضًا بلطف:
– والله مش هينفع... بس أوعدك، هجبها وأجيلكم، ونقعد أسبوع كامل.
*********
بعد يومان بفيلا مروان
ألقت سهير تحية الصباح على أيهم، فرد عليها بابتسامة دافئة:
– صباح الخير يا حبيبتي.
جلست إلى جواره، تتحدث بحزن يعلو صوتها:
– قلبي واجعني على مروان قوي... حاله معادش يعجبني، ولا بقى يقعد معانا على الأكل، ولا بيرجع بدري.
بقالي تالت أيام ما شفتوش، وما بيردش عليا.
ضحك أيهم ضحكة قوية أدمعت عينيه، فحدّجته سهير بصدمة من تصرفه غير اللائق، وضحكه على حزنها.
قال، محاولًا التوضيح:
– مروان مين اللي بيرجع متأخر يا سوسو؟
مروان بقاله يومين في فرنسا!
نظرت له سهير بعدم فهم:
– فرنسا؟ ليه؟ إيه اللي حصل؟
رد مبتسمًا، وكأنه يتمنى لو مرّ بتلك التجربة هو أيضًا:
– رجّع المزّة بتاعته... وراح يعوّض شهر العسل.
شهقت بدهشة، ثم هتفت بسعادة:
– بجد؟! نسمة رجعت لمروان؟!
إمتى؟! وإنت عرفت منين؟!
– هو كلّمني لما راح لها الفيوم.
قالت باستغراب:
– الفيوم؟!
– آه، كانت عند خالتها... اتصل بيا، قال لي أجهّز له البيت الصيفي، وخدها وخلع!
صاحت سهير، غاضبة مازحة:
– كل ده يحصل ومحدّش يعرفني؟!
أكمل أيهم طعامه، ثم نظر إليها وهو يغمز بخبث:
– وحشته يا سوسو... كام شهر كانوا بعاد عن بعض.
حتى نسمة ما كانتش تعرف إنهم مسافرين فرنسا.
أنا جهّزت الجوازات واطمنت عليهم.
ضربته سهير بعتاب محب:
– طب ليه ما قلتليش من يومها؟!
كنت أكلمهم وقلبي يرتاح.
ضحك أيهم بخفة، وقال بمشاكسة:
– ابنك اللعيب عطاني تليفوناتهم في المطار...
قال مش عايز يكلم حد، ولا يشوف حد.
يا بخته...
ابتسمت سهير، وقالت بفرحة صادقة:
– ربنا يهنيهم ويبعد عنهم الشيطان.
عُقبالك يا حبيبي، لما تلاقي اللي تخطفك من الناس.
تنهد أيهم بحزن دفين:
– يا رب يا خالتي... نفسي أستقر، وتكون ليّا حياة...
كفاية لحد كده.
ثم أكمل، وصوته يختنق بشعور الذنب:
– تفتكري ربنا هيسامحني؟
ردت بثقة وإيمان:
– طبعًا يا حبيبي...
إنت بعدت عن الطريق الوحش ده بقالك كام شهر،
بس المهم ما ترجعش تاني.
أجاب بسرعة، وكأن الأمر محسوم لديه:
– أبدًا يا خالتي، أبدًا...
أنا ندمت، وعرفت إن السعادة مش في السهر والخروج.
السعادة في العيلة... والدفء... والحب.
