رواية احببتك حتي انطفائي الفصل الثالث3بقلم ماسه الحريري


رواية احببتك حتي انطفائي
 الفصل الثالث3
بقلم ماسه الحريري



غادرت لمى المكان، وقلبها مثقل، وعقلها يضجّ بتساؤلات لا تهدأ. كانت خطواتها سريعة، لكن كل ما بداخلها كان بطيئًا، يتعثّر تحت وطأة الذكرى والكشف الصادم. 

لكن الحياة، كما كانت دائمًا، لا تتوقف. وفي اليوم التالي، كانت لمى في مكتبها، تحاول أن تركز في رسوماتها، لكن يدها كانت ترتعش كلما أمسكت بالقلم. صورة آدم كانت تلاحقها، رغم كل شيء. 

رنّ هاتفها فجأة. نظرت إلى الشاشة، رقم غريب. ترددت، ثم أجابت. 

"ألو؟" 

جاءها صوت فتاة ناعم ومليء بالحيوية: "أستاذة لمى؟ معك ريتا، صديقة آدم. أعرف إنه آخر شخص ممكن تحبي تسمعي اسمه دلوقتي، بس في حاجة لازم توصلك." 

ترددت لمى، لكنها لم تقطع الاتصال. "خير؟" 

"آدم تعبان جدًا. من امبارح وهو في حاله سيئة، رفض ياكل أو يتكلم مع حد. وهو كاتبلك رسالة... وسابها عندي. قاللي لو مرضيش يقابلك، أوعى أرميها. تواصلي معاها بطريقتك. فممكن... تسمعيها؟" 

صمتٌ طويل. قلب لمى ارتجف رغمًا عنها. "ابعتِهالي." 

وصلت الرسالة خلال ثوانٍ. فتحتها، وعيناها بدأت تتراقص على الكلمات، ونبضها يتغيّر: 

"لو كنتِ بتقري الرسالة، يبقى لسه في أمل.
كنت بخاف أحبك، علشان بحبك بزيادة.
رسمتك في عقلي ملاك، ولما شفتك بتبعدي، حسيت إني طفل تايه وسط عتمة.
يمكن كنت في طريق غلط، لكن انتي كنتي النور اللي حاول يصحيني.
دلوقتي، أنا قررت أسيب كل شيء، أسيبهم، أواجه، حتى لو اتسجنت... بس عشان أستحقك يومًا ما.
لو في فرصة، حتى صغيرة، إني أكفّر عن غلطاتي... هستناها، وهستناكي." 

لمى ضغطت على صدرها، كأنها تحاول تهدئة خفقان قلبها. لم تكن مستعدة أن تسامح، لكن الرسالة كانت صادقة، نقية، مختلفة. وفي لحظة دفء غريبة... ابتسمت. ابتسامة باهتة، لكنها حقيقية. 

مرّت الأيام، وبدأت لمى تلاحظ تغيّرًا حقيقيًا. ريتا كانت ترسل لها صورًا لآدم وهو يعمل في مشفى خيري، يساعد الأطفال، يرسم معهم، يحاول التغيير. لم يطلب لقاءها، لم يتوسل، فقط... يثبت نفسه. 

وفي أحد الأيام، تلقت لمى دعوة لمعرض فني صغير للأطفال المصابين بالسرطان. لم تكن تنوي الذهاب، لكنها وجدت اسمها مكتوبًا على الظرف بخط صغير: "ضيفة الشرف: لمى فنانة النور." 

قررت الحضور. 

دخلت المكان بخجل، وعيناها وقعتا على لوحة مرسومة بعناية لطفلة صغيرة تقف وسط ظلام دامس، يحيط بها نور قادم من نافذة. تحت اللوحة، كان مكتوبًا: "لها... لأنها كانت نافذتي الوحيدة." 

لمى تنفست بعمق... ثم نظرت خلفها. 

كان آدم يقف هناك، يبتسم، وعلى وجهه ملامح التغيير الحقيقي. لم يقترب، فقط أشار بيده بلطف، وكأنه يقول: "أنا هنا... إن أردتِ البدء من جديد." 

وهي... لأول مرة، لم تشعر بالغضب. بل شعرت بالأمل.

ظلت لمى واقفة أمام اللوحة، مشاعرها متخبطة، كأن الكلمات المكتوبة تحتها كانت بتخاطبها هي وبس. 

"لها... لأنها كانت نافذتي الوحيدة." 

الكلمات دخلت جوّاها، زي نسمة خفيفة في عز الحر. حاولت تبعد عينها، بس كانت حاسة إن في قوة بتربطها بالمكان، وكأن اللحظة دي معمولة علشانها. 

فجأة، سمعت صوت طفلة صغيرة جنبها:
"انتي الفنانة اللي بيحبها آدم؟" 

بصّت لها، كانت طفلة جميلة، شعرها ملفوف فوق راسها، وماسكه فرشة رسم ملونة. 

ابتسمت لمى وسألتها بلطف: "هو قال كده؟" 

هزّت الطفلة راسها بحماس: "كل ما يرسمنا، يقول: لو لمى شافت اللوحة، هتفرح؟ لو كانت هنا، كانت هتبتسم؟" 

سكتت لمى، ومكانش عندها رد. بس قلبها... ابتدى يلين. 

قرب آدم خطوة، وبصّ لها من بعيد، لكن من غير ما يضغط، ووشه مليان شوق بس كاتم. مدّ للطفلة ورقة وقال لها بهمس:
"خدي الرسمة، وديهالها، لو حبت تحتفظ بيها." 

جت البنت ولمى خدت الورقة بتردد، وفتحتها... كانت صورة شبه كاريكاتير ليها، قاعدة بترسم، وفوق راسها دايرة نور، حواليها أطفال بيضحكوا. 

ضحكت لمى لأول مرة من قلبها، والضحكة دي طلعت زي البلسم على كل اللي جوّاها. 

رفعت عينيها له، وقالت بصوت خافت وهو واقف بعيد:
"لو كنت ناوي ترجع ترسم، ارسم الحقيقة... مش بس الحنين." 

آدم ردّ بهدوء، وصوته بالكاد مسموع:
"أنا بقيت برسم أمل... علشان الحقيقة كانت مؤلمة من غيرك." 

سكتت، ثم قالت بنبرة أهدأ:
"لسه في حاجات كتير لازم تتصلّح... مش بيننا بس، بينك وبين نفسك." 

قال بسرعة، كأنه متمسك بأي فتحة ضوء:
"أنا بدأت... وباب الأمل اتفتح لما جيتي." 

سكتوا هما الاتنين، بس كان فيه راحة غريبة في الصمت ده، كأن الاتنين أخيرًا ابتدوا يسمعوا بعض. 

وقبل ما تمشي، لمى سلّمته الورقة ورجّعتها له وقالت:
"سيبها معاك... لو اتصلّحت، ابعتهالي تاني." 

وابتسمت. 

كانت أول خطوة... خفيفة، لكن صادقة. 


                   الفصل الرابع من هنا

تعليقات



<>