رواية نسمة متمردة الفصل الرابع4بقلم امل مصطفي
خرج أحمد، فوجد نادر في انتظاره.
تحدث نادر بلهفة:
– خير يا برنس؟
ابتسم أحمد قائلاً:
– خير إن شاء الله... قالوا هيتصلوا بيا.
خرجت من نادر تنهيدة كأنها أمنية طال انتظارها، وقال:
– نفسي نتقبل أنا وأنت ونكون أصحاب.
رد أحمد بلُطف:
– حتى لو ما تقابلناش، نكون أصحاب إن شاء الله...
وقبل أن يكمل حديثه، قطعه نداء فتاة من بين الموجودين.
غمز أحمد :
– البنت دي عينها عليك من وقت ما جيت.
نظر نادر نحوها، ثم قال:
– كانت زميلتي في الكلية.
غمز أحمد مجددًا، وهذه المرة بشقاوة زادت من وسامته:
– شكلها بتحبك.
رد نادر بجدية:
– حب إيه؟ أنا مش فاضي للكلام ده. أبويا صرف عليا دم قلبه، وكان بيعدّ الأيام والليالي عشان أتخرج وأشيل عنه الحمل.
هقوله: معلش يا حج، هشتغل وأكون نفسي... وأنت خلي بالك من البنات، لأن أخوهم الكبير دوَّر على نفسه ونساهم!
سأله أحمد :
– عندك أخوات بنات؟
أجاب نادر بحنان:
– بنتين... واحدة في إعدادي، والتانية في أولى ثانوي.
قال أحمد بتشجيع:
– لسه قدامك المشوار طويل.
ابتسم ثم تابع:
– شوفت بقى؟ حب إيه؟ إحنا ناس على قدّنا... وأنا مش حمل مسؤولية تانية.
********
طرق الباب، ولم يرفع مروان وجهه. أومأ بيده وطلب من الطارق الدخول، ليعلو صوت ابن عمه.
– فريد بمرح:
– الباشا الكبير... واحشني!
رفع مروان عينيه بملل، ثم تحدث بحدّة:
– عايز إيه يا زفت؟
اقترب فريد منه وهو يتظاهر بالزعل:
– دي مقابلة تقابلني بيها؟ يخصّ عليك... مخصماك!
رمقه مروان بضيق. فريد من ذلك النوع من الشباب المستهتر، الذي لا يبحث سوى عن المتعة والنساء، تاركًا كل الأعباء فوق أكتاف والده... وهذا ما كان يُغضب مروان بشدة منه.
قال له بحدّة:
– إنت الوحيد اللي كان لازم يتربى في الصعيد... عشان تسترجل!
ردّ فريد بلا اهتمام:
– أنا شوفت حتّة مُزّة وأنا جايلك... نار نار!
رجع مروان إلى ما بيده، وهو يهتف بسخرية:
– تلاقيها زبالة... زي كل اللي تعرفهم!
لكن فريد بدا وكأن حالة هيام قد تلبسته، وبدأ يصفها بحماس:
– دي ملاك... بحجابها، ووشها الوردي من غير نقطة مكياج... حاجة كده تهبّل! مش بنشوف زيها في كوكبنا.
ولا شفايفها! كان نفسي آخده...
نظرة مروان جعلته يبتلع باقي جملته
بينما مروان لا يعلم لماذا خطرت في باله صورة "نَسمة" تحديدًا من هذا الوصف... ليغضب فجأة، وينهره:
– اتلم يا بني! مسيرك تتقفش وتاخد علقة موت... ومش هسأل عنك!
سارع فريد قائلاً:
– لا! في عرضك، قلبك طيب... ما عنّتش هعمل كده تاني، بس جوزني المُزّة اللي شوفتها!
لكن لا هو ولا مروان كان يعلمان... أن تلك "الفتاة " ليست إلا نصيب مروان، وقدره الذي ينكره و يقاومه... ولن تكون لغيره.
*********
نزل أحمد بصحبة نادر، فتبادلا الحديث.
قال نادر متسائلًا:
– إنت هتروح فين؟
أجابه أحمد:
– هفسّح أختي شوية، ونتغدى في الحسين، وبعدين نروّح.
رفع نادر حاجبيه بدهشة:
– هو إنت معاك أختك؟
ابتسم أحمد وأجاب:
– آه، جبتها تشوف الأهرامات، لأننا مش بنيجي القاهرة كتير. سايبها بقالي كام ساعة تحت.
قال نادر وهو يهمّ بالرحيل:
– ماشي... على تليفونات بقى.
تدخل أحمد بسرعة:
– استنى لما أوصلك.
هزّ نادر رأسه رافضًا بلطف:
– لا يا سيدي، إنت معاك أختك... بلاش إحراج.
ابتسم أحمد وأصرّ:
– مافيش إحراج... يلا.
ثم نادى بصوت مرتفع:
– نَسمة!
التفتت نَسمة فور سماع صوت شقيقها، وقالت بعَتَب:
– كده يا أحمد؟ تسيبني كل ده؟
اقترب منها أحمد وقبّل جبينها بحنان:
– معلش يا قلبي... غصب عني.
شعرت بعض الفتيات بالغيرة من نَسمة بسبب اقتراب هذا الشاب الوسيم منها، بينما كان فريد يراقب المشهد من بعيد، وشعر بالغضب... لكنه تذكّر أنها برفقة أخيها، فحاول أن يهدأ.
قال أحمد مُعرّفًا:
– نَسمة، ده نادر... اتعرفت عليه.
ردّت نَسمة بخجل:
– أهلًا، باشمهندس نادر.
أجابها نادر بابتسامة مهذبة:
– أهلًا بحضرتك.
قال أحمد وهو ينظر إلى أخته:
– يلا يا نَسمة، نلحق.
ركب الثلاثة السيارة، وقبل أن يتحركوا، التفت أحمد إلى نادر وسأله:
– هتروح فين؟
ردّ نادر وهو يهم بالخروج:
– أنا على طريقك، لما نوصل هعرفك.
نزل نادر على وعد بلقاء قريب، بينما أخذ أحمد شقيقته نَسمة في نُزهة جميلة وسريعة. تجوّلا، والتقطا الصور، وتناولا البيتزا، وكان يومًا جميلًا جدًا بالنسبة لنسمة.
**********
في مكانٍ آخر...
قال هاني وهو ينظر إلى ساعته بتوتر:
– وبعدين يا نادين؟ شهد لسه موصلتش... لتكون غيّرت رأيها؟
ردّت نادين بضيق:
– وبعدين معاك يا هاني؟ قلتلك كلمتها وأكدت عليها، وهي قالت هتلبس وتيجي. لو كلمتها دلوقتي هتشُك.
هي آه طيبة وساذجة، بس مش عبيطة!
تدخل خالد وهو يضحك بخفة:
– ما أنا بقول كده! وبعدين بقالك قد إيه بتجري وراها؟ اصبر الساعة دي!
قالت نادين بتوتر واضح:
– لو حصل حاجة... أنا ماليش دعوة. أنا مش قد علتها، وأنا حذّرتك يا هاني.
ضحك هاني بثقة وقال:
– يا بنتي، متخليش قلبك ضعيف! ده ساعتها هما اللي هيجروا ورايا عشان أستر عليها، وساعتها أتحكم زي ما أنا عايز... وهلعب بالفلوس لعب!
نظرت نادين إلى خالد بنظرة طويلة، ثم عادا كلاهما بنظرهما إلى هاني... في صمتٍ ثقيل.
********
قال أحمد وهو ينظر إلى شقيقته بحنان:
– اتبسطتي النهارده يا حبيبتي؟
أجابته نَسمة بفرحة:
– جدًا يا حبيبي... متحرمنيش منك يا رب، ويرزقك ببنت الحلال اللي تخطف قلبك في لحظة!
ثم تذكرت شيئًا، فضحكت فجأة.
نظر لها أحمد باستغراب:
– بتضحكي على إيه؟
ردّت وهي تكتم ضحكتها:
– افتكرت نغم... لما عرضت عليها تيجي معانا، اتفزعت وقالت: "لأ، أنا بخاف من جون سينا!"
عملتلها رعب!
ضحك أحمد بقوة، وقال بنبرة مرحة:
– دي بنت مجنونة! كل ما تشوف وشي ألاقيها ازرقت وبتصوّت، وتقول إنها شافت عفريت!
طب أنا حتى...
وفجأة، تغيّرت ملامحه، وتوقف بعنف... بعدما رأى شيئًا قطع عليه مزاحه وأفكاره.
