رواية في حضرة الحب الفصل الخامس5بقلم فادي عمر


رواية في حضرة الحب 
الفصل الخامس5بقلم فادي عمر


مرت ثلاثة أيام، كانت كافية لتجعل نور تُعيد ترتيب قلبها قبل حقيبة يدها. 

لم ترد على رسائل آدم.
وتجنّبت الحديث المباشر مع رامي.
لكنها لم تتغيّب، ولم تختبئ. 

كانت تأتي إلى المكتب كل صباح، تمارس عملها باحتراف، لكن عينيها… كانتا مثل شباك مغلق لا يرى الداخل منه أحد. 

وفي مساء الخميس، وجدت على مكتبها ورقة بخطّ رامي: 

"الساعة 8 مساءً
على سطح الشركة…
ما فيش اجتماع، في كلام لازم يتقال." 

وقبل أن تتخذ قرار الذهاب، وصلتها رسالة على الهاتف…
من رقم غير مسجّل، لكنها عرفت صاحبه. 

"أنا كمان هستناكي الليلة.
ما ينفعش نسيب الحكاية ناقصة." 

ارتبك قلبها. هل تواجههما؟ أم تهرب منهما معًا؟ 

لكنها لم تهرب. 

الساعة 8:05
كانت واقفة في منتصف سطح الشركة، والهواء البارد يعبث بخصلات شعرها.
لم يكن هناك أحد… حتى سُمع صوت الباب يُفتح، ودخل رامي. 

كان يرتدي معطفًا رماديًا، بدا عليه التوتر، لكنه بدا مستعدًا للكلام. 

قال فورًا: 

ـ "أنا عارف إنك تعبتي، وإنك مشيتِ على حبل مش ثابت… بس أنا كمان كنت لوحدي، ولما جيتي حسّيت إني بقيت شايف." 

نظرت إليه في صمت. 

أكمل:
ـ "آدم… مش هو اللي خوفني، اللي خوفني هو إنك ممكن تختاري حد غيري، مش لأنه أحسن… لكن لأنه كان جزء من ذكرياتك." 

قالت بصوت ناعم لكن حاسم:
ـ "أنا مش بختار بين اتنين بيحبوني… أنا بختار أعيش إزاي، ومع مين أكون حقيقية من غير تمثيل." 

وقبل أن يرد، فُتح الباب مرة أخرى… 

آدم. 

كان وجهه مليئًا بالغضب المكبوت. 

ـ "حلو إن الكل اختار نفس المكان والوقت."
قالها وهو يتقدّم. 

نظر إلى نور، ثم إلى رامي، وقال بحدة:
ـ "أنت عارف إن اللي بتعمله ده مش نضيف؟ تستغل إنك مديرها، وتضغط من جوه؟" 

رد رامي بثبات:
ـ "وأنت؟ تجي فجأة وتلبس قناع موظف بسيط، وإنت في الحقيقة شريك؟ ده اسمه إيه؟" 

صرخت نور فجأة:
ـ "كفاية!… كلكم بتتكلموا عني كإني كائن حيادي في مسرحية. أنا موجودة، وليا رأي." 

سكت الاثنان. 

قالت وهي تنظر إلى آدم:
ـ "إنت جيت في توقيت مش مناسب… كان ممكن يكون لينا فرصة، بس أنا اتغيرت. البلد الصغيرة اللي كنا فيها… ما بقتش تكفيني." 

ثم التفتت إلى رامي: 

ـ "وإنت… وجودك جنبي كان دايمًا صامت بس حقيقي. بس أنا لسه مش عارفة إنت بتحبني… ولا بتحب فكرة إنك محتاج حد يكمّلك." 

رامي اقترب منها خطوة وقال بهدوء: 

ـ "أنا ما بعرفش أقول كلام كتير… بس بحبك يا نور، مش علشان بكمّلني… علشان من يوم ما جيتي، اكتشفت إن في حياة برّه الشغل، وإني عايز أعيشها معاكي." 

ساد صمت عميق…
قبل أن تقول نور، وعيناها تلمعان من التردد: 

ـ "أنا محتاجة يوم واحد… بس يوم، أرتّب فيه نفسي من جوه." 

وغادرت. 

تركتهما واقفَين هناك، وسط الهواء البارد، والأنفاس المتصاعدة كأنها تحترق. 

لكن ما لم يكن أحدهم يعرفه… 

هو أن في صباح الغد، ستصل رسالة إلكترونية إلى كل قسم في الشركة. 

رسالة استقالة. 

مرسلة من نور.

رسالة إلكترونية واحدة كانت كافية لزرع الارتباك في كل مكتب. 

"أقدّم استقالتي رسميًا، شكرًا لكل من آمن بي، ولكل من شكّ بي، فقد علّمتني المدينة ما لم أكن أعرفه عن نفسي." 

– نور 

الوجوه متفاجئة، الأصوات ترتفع في همسات، والأعين تلتفت إلى رامي في كل مرة يعبر الممر. 

لكن رامي لم يظهر رد فعل واضح. 

جلس في مكتبه، يقرأ الرسالة مرارًا، ثم أمسك بهاتفه… لم يتصل.
فتح محادثته معها، كتب كلمة "ليه؟"… ثم حذفها. 

في الجهة الأخرى، كان آدم يقف عند باب الشركة، يحمل ظرفًا في يده، بانتظار أحد. 

وحين خرجت نور، بعد أن سلّمت هويتها ووثائقها، اقترب منها بخطوات سريعة: 

ـ "استقالة؟ بتهربي منّا إحنا الاتنين؟" 

قالت وهي تنظر إليه بهدوء: 

ـ "أنا مش بهرب… أنا بختار. والاختيار مش لازم يكون رجل، أوقات بيكون نفسك." 

قال بنبرة حادة: 

ـ "يعني كل اللي كان بينّا زمان… ولسه بتحسيه، خلاص؟ اتدفن؟" 

ردّت بنبرة ثابتة: 

ـ "ما كانش وهم… بس كان ماضي. وصدقني، الجميل أوقات لازم يُحتفظ بيه بعيد عن النهايات التافهة." 

لحظة صمت. 

ثم سألها: 

ـ "ورامي؟" 

ابتسمت بحزن وقالت: 

ـ "رامي شخص حقيقي… بس يمكن أنا مش جاهزة أكون حقيقية مع حد غيري دلوقتي." 

ثم التفتت، وخرجت من البوابة. 

لكنها لم تدرِ… أن رامي كان يراقب كل شيء من الطابق الثاني. 

في تلك الليلة، جلست نور في شرفة شقتها، تنظر إلى ضوء المدينة، تفكر كيف جاءت إلى هنا باحثة عن فرصة… فانتهى بها الأمر تكتشف أعماقها. 

رنّ جرس الباب. 

ترددت… ثم قامت وفتحته. 

كان رامي. 

نظر إليها بهدوء وقال: 

ـ "ما كنتش ناوي أجي… لكن مش قادر أنهي ده بكلمة في إيميل." 

نظرت إليه دون رد. 

أكمل: 

ـ "أنا مش هسألك ترجعي. ومش هقولك إني هفضل مستنيك.
أنا جيت بس عشان أقولك… إنك الوحيدة اللي خلتني أحس إني مش لوحدي، وإنك مهما بعدتي، أنا مديونلك بالحياة اللي فتحتِ عيني عليها." 

صمت لحظة ثم قال: 

ـ "خدي وقتك. بس لو في يوم… حسّيتي إنك مش عايزة تكمّلي الطريق لوحدك، ابقي بصّي وراك." 

وابتسم ابتسامة خفيفة… ومشى. 

نور وقفت هناك، في الباب، قلبها ينبض… وشيء ما في داخلها تهدأ عاصفته لأول مرة. 

لم تكن النهاية… 

لكنها كانت لحظة نادرة… 

لحظة اختيار حقيقي. 



تعليقات



<>