رواية احببتك حتي انطفائي الفصل السادس6بقلم ماسه الحريري


رواية احببتك حتي انطفائي
 الفصل السادس6
بقلم ماسه الحريري



مرت الأيام ببطء، لكنها لم تكن كسابقاتها. كانت لمى تحاول أن تتقبل التغيير الذي بدأ يطرأ على حياتها، لكن قلبها كان لا يزال في صراع داخلي بين الأمل الذي زرعه آدم في كلمات لم يكن يتوقعها، وبين الخوف من أن تكون تلك الكلمات مجرد سراب. 

بينما كانت تجلس في مكتبها صباح أحد الأيام، أرسل إليها هاتفها رسالة غير متوقعة. 

"لمى، أنا آسف لعدم التواصل معك مؤخرًا، لكن عندي شيء مهم أود أن أخبرك به. تعالي، لو سمحتي، في الوقت اللي يناسبك. لازم نتكلم." 

فوجئت لمى، ترددت للحظة، ثم قررت أن تذهب. كانت هناك حيرة كبيرة في قلبها، لكنها شعرت أنه لا يمكنها الهروب من الحقيقة بعد الآن. 

وصلت إلى المكان الذي اختاره آدم، وهو نفس المعرض الذي التقيا فيه لأول مرة. كانت أضواء المعرض خافتة، وزوار قليلين. كانت العيون تراقب كل لوحة كما لو كانت تحاول اكتشاف أسرارها الخفية. 

وعندما دخلت، رأته هناك، واقفًا أمام إحدى اللوحات التي لم تكن قد لاحظتها من قبل. كانت لوحة لطفلٍ يركض عبر الحقول، بعيدًا عن الظلال التي كانت تطارده. 

اقتربت منه بهدوء، وكان هو أول من التفت إليها. 

"كنت عارف إنك هتيجي،" قالها بصوتٍ منخفض، لكن مليء بالجدية. "أنتي مش عارفة قد إيه كنت خايف لحد ما شفتي عيوني مرة تانية." 

لمى نظرت إليه بعمق، وعيناها كانت مليئة بمزيج من المشاعر المتضاربة. "أنت عايز تقول إيه؟" 

"عايز أقول إن كل حاجة في حياتي اتغيرت لما شفتك… لما عرفتك. عايز أقول إن كل لحظة كنت بعيد فيها عنك كانت بتأكلني من جوه." 

وقبل أن تكمل حديثه، أضاف بصوت متردد: "لكن مش عايزك تظني إنني جاي أتوسل لك علشان ترجعين." 

"وإيه اللي انت عايز؟" 

"عايزك تكوني معايا، مش كواحدة من الماضي. عايزك تكوني معايا في الحاضر، رغم كل شيء." 

كان هناك شيء في كلامه يُحدث دوامة في عقل لمى، شيء جعل قلبها يتردد بين العواطف التي تخشى أن تفتح بابًا جديدًا يمكن أن يؤدي إلى نفس الألم القديم. 

لم يكن لديها أي إجابة واضحة. لكن في تلك اللحظة، شعر آدم بشيء مختلف في عينيها. ربما كان أملًا جديدًا، لكنه لم يكن متأكدًا بعد. 

"أنتي مش لوحدك، لمى. أنا هنا علشان أكون جزء من حياتك مش عبء عليها." 

التزمت لمى الصمت لوهلة، ثم قالت بصوت يملؤه الحزن: "بس إزاي أرجع من أول وجديد، آدم؟" 

"إحنا هنمشي مع بعض خطوة بخطوة، مش هنركض. يمكن نرتكب نفس الأخطاء، لكن إحنا على الأقل هنعرف منين نبدأ." 

** 

وقف بينهما صمتٌ طويل. بدا أنهما كانا يعيشان في عوالمٍ مختلفة، لكنهما وجدوا أنفسهم في نفس اللحظة في نقطة التقاء. 

ومع ذلك، كان الطريق أمامهما طويلًا جدًا. الشكوك لا تزال تلوح في الأفق، لكن لمى شعرت بشيء غريب داخلها. قد يكون هذا الأمل، أو ربما هي بداية أخرى لحياة جديدة. 

عندما غادرت المعرض، كانت هناك فكرة تلوح في ذهنها: "الرجوع ليس خيارًا دائمًا. ولكن ربما، يمكنني أن أبدأ من جديد." 

إلى أين ستأخذها هذه الرحلة؟ كانت لمى لا تعلم، لكنها شعرت بأنها على الأقل، لن تكون وحيدة فيها.

كان المساء قد أرخى ستاره، وأضواء الشوارع تلمع في سماء المدينة، لكن لمى لم تشعر بالراحة. قلبها كان يثقلها أمل مختلط بالحذر. لم يكن الطريق أمامها واضحًا تمامًا، لكنها كانت على الأقل تعرف أن قرار العودة لن يكون سهلاً. لكن رغم كل شيء، كانت لا تزال تجد نفسها تفكر بكلمات آدم، وكأنها تحدٍ جديد على قلبها. 

عندما وصلت إلى منزلها، قررت أن تضع كل شيء جانبًا للحظة. دخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها. ألقت هاتفها على السرير، وتوجهت نحو النافذة. كانت المدينة أمامها، شوارعها المزدحمة وأضواؤها الباهتة، تشبه حياتها الآن، مليئة بالتساؤلات والتقلبات. 

لكن صوت الهاتف قطع أفكارها. كانت رسالة من آدم. 

"لمى، أنا عارف إنك مش هتجاوبي دلوقتي، ومش عايز أضغط عليك. لكن لو يومًا قررت تكملين، أو حتى لو مش دلوقتي، أنا هكون مستني. بس كمان لازم تعرفي إنك لو مش عايزيني، أنا هقبل. المهم إني عارف إنك في قلبك حاجة ما تمحى." 

لمى تركت هاتفها على السرير. شعرت بشيء ثقيل في قلبها، لكنها لم تشعر بالندم. كانت تراه جادًا، وكان يبدو كما لو أنه قد اختار أن يعيش حياته في الأمل، رغم أن الماضي كان مليئًا بالألم. 

في اليوم التالي، استفاقت لمى من نومها على صوت رنين الهاتف. كان رقم غريب. أجابت وهي تتوقع أن يكون نفس الصوت الذي يتبع حديث آدم المستمر. 

"ألو؟" 

لكن الصوت الآخر كان مختلفًا. "أستاذة لمى؟" 

"نعم، معك؟" 

"أنا ريتا، صديقة آدم. أنا عارفه إنه كان بيحاول يقرب منك. لكن في حاجة لازم تعرفيها." 

كان هناك شيء في نبرة صوت ريتا جعل لمى تشعر بشيء غير مريح. "إيه اللي حصل؟" 

"آدم مش تمام. حالته الصحية بقت صعبة. هو مفيش عنده استعداد لحد يتكلم معاه غير لما يعرف إنك هتيجي." 

انقبض قلب لمى، شعر غريب اجتاحها. في اللحظة التي قررت فيها أن تكون بعيدة، يطلب منها أن تعود. 

"أنا جايه دلوقتي." 

حينما وصلت إلى المشفى الذي كان يذهب إليه آدم من أجل العلاج النفسي، دخلت الغرفة لتجد آدم مستلقيًا على السرير، شاحبًا، وعيناه تحملان تعب الأيام. 

"آدم، إنت... ليه مش قلت لي؟" 

رفع عينيه إليها بصعوبة، ثم ابتسم ابتسامة باهتة. "أنا... كنت خايف... خايف تكوني مش هتقبليني لو عرفت الحقيقة." 

جلس بجانب سريره، وتنفست بعمق. "أنت في حاجة لحد يساندك، مش للسكوت." 

آدم أغلق عينيه، وحاول أن يجد الكلمات التي يخبئها في قلبه. "أنا غلطت في حقك. لكن مش هقدر أعيش كده، بين الذكريات. أنا مش هقدر أبعد عنك." 

أخذت لمى يد آدم في يدها، وابتسمت ابتسامة صغيرة على الرغم من الشكوك التي كانت تملأ قلبها. "أنا هنا، مش هسيبك." 

"لكن أنا مش هطلب منك حاجة." قالها آدم بنبرة ضعيفة. "القرار كله ليك." 

لمى نظرت إليه للحظة. كانت قادرة على أن تشعر بصدقه، لكنها أيضًا شعرت بوزن الماضي الذي يحاول أن يستعيد نفسه بينهما. لكن في النهاية، لم تكن ترغب في الرحيل. كان قلبها قد بدأ يشفى قليلاً، ومع كل خطوة كان يأخذها في طريق التغيير، كانت تشعر بأنه قد عاد إليها بشخصية جديدة. 

"القرار مش عندي لوحدي." قالت لمى أخيرًا. "لكن مهما كان... لن يكون الطريق سهلاً." 

"موافق، حتى لو كانت الرحلة شاقة. هكون معاك فيها." 

بينما كانت الغرفة تهدأ حولهم، لم يشعر كلاهما بالزمن. في تلك اللحظة، أدركوا أن اللقاءات والمشاعر قد تغيرت، لكن هذا لا يعني أنهما قد وجدا طريقهما بعد. ربما الطريق طويل، ولكنهم في البداية فقط. وفي تلك اللحظة، شعرت لمى بالأمل، ولكنها كانت أيضًا متشككة. 

لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا: لم يكن هناك رجوع إلى الوراء.


                 الفصل السابع من هنا

تعليقات



<>