رواية احببتك حتي انطفائي الفصل السابع7بقلم ماسه الحريري


رواية احببتك حتي انطفائي
 الفصل السابع7بقلم ماسه الحريري

مرّ عام…
عامٌ من التفاصيل الصغيرة، من الصمت الدافئ، من التعافي البطيء، من الحوارات التي بدأت بنبرة خجولة وانتهت بضحكةٍ صافية. 

لم يكن الطريق سهلًا، لكن لمى وآدم اختارا أن يسلكاه معًا. 

في البداية، كانت لقاءاتهما محدودة، تحت ظل الماضي… ثم أصبحت خطواتهما تتقاطع كل أسبوع، ثم كل يوم… حتى بات الغياب هو الاستثناء، والوجود هو الأصل. 

في تلك السنة، تغيّر آدم.
تغيّر كثيرًا.
ترك كل العلاقات القديمة التي آذته وأذاها.
بدأ مشروعًا فنيًا صغيرًا لرسم القصص في دفاتر الأطفال المرضى، وكرّس جزءًا من وقته لتقديم ورش رسم مجانية في الأماكن النائية.
كان يحمل عيونًا نادمة، لكن خطواته كانت صلبة. 

أما لمى…
فقد عادت ترسم بحب، لا للهروب.
بدأت تضحك مجددًا من قلبها، وتعيد رسم ملامح الثقة التي ظنّت يومًا أنها لن تعود.
كانت تراقبه من بعيد أحيانًا، وهو يداعب الأطفال أو ينحني لتعديل لوحاتهم، وتبتسم دون أن تدري. 

وذات مساءٍ بارد، بعد مرور سنة كاملة على لقائهما من جديد، جلسا سويًا على مقعد خشبي في حديقة صغيرة لا يرتادها أحد. 

كان الجوّ صافيًا، والهواء محمّلًا برائحة ياسمين الشتاء.
آدم نظر إليها طويلًا، ثم قال بهدوء: 

"عارفة؟ السنة دي كانت أقصر سنة عدّت عليا… وأكتر سنة حسيت فيها إني عشت بجد." 

لمى أمالت رأسها، ابتسمت، ولم تردّ.
لكنه تابع، بصوت أكثر دفئًا: 

"مش عايز أوصف اللي بينّا… لأنه مش مجرد حب. ده أمان، ده سلام. معاكِ، أنا مش خايف من بكرة." 

رفّت عيناها، ولمحت في عيونه شيء يشبه الرجاء واليقين معًا.
همست:
"وأنا... معاك، نسيت وجعي. أو على الأقل… بقيت أعرف أعيش معاه." 

اقترب منها قليلًا، ثم أخرج صندوقًا صغيرًا من معطفه، لم يكن مخمليًا ولا فخمًا، لكنه كان أنيقًا وبسيطًا… يشبهه. 

فتح الصندوق، بداخله خاتم فضي ناعم، محاط برسمة ريشة صغيرة منقوشة بخط دقيق. 

قال:
"أنا مش جاي أطلب وعد… ولا موافقة، أنا جاي أقدّم نية. نية الحب اللي قرر يعيش معاك، بكل ظروفك، بكل وجعك، وكل لحظة ضحكتك." 

سكت، ثم تابع وهو يضع الخاتم بين يديها:
"خدي الخاتم… مش عشان تربطيني، لكن عشان تفتكري دايمًا… إن فيه حد اختارك، وهيفضل يختارك… كل يوم." 

لمى نظرت إلى الخاتم، ثم إليه.
قلبها لم يخفق بجنون، بل دقّ بهدوء مطمئن، كأنها وجدت وطنها أخيرًا. 

وضعت الخاتم في إصبعها، ونظرت له بعين دامعة وضاحكة: 

"هخليه في صباعي… مش كرمز لنية الحب، لكن كدليل إني اخترتك أنا كمان… رغم كل اللي فات." 

ابتسم آدم، ورفع يدها ليقبّلها بلطف.
ولم يكن بينهما كلام بعدها…
فبعض المشاعر، لا تُقال، بل تُعاش.

مرت الأيام بعد تلك الليلة وكأنها مُختارة بعناية، كأن القدر قرر أن يمنحهما استراحة مستحقة.
أصبحت لمى وآدم لا يختبئان خلف الحذر، بل يسيران معًا، علنًا، بخطواتٍ تُشبه نَفَسًا طويلًا بعد غرق. 

كانت لمى تضحك أكثر، تروي له تفاصيل يومها بصوتٍ دافئ وهي تمسك قهوته، بينما كان هو يكتب لها ملاحظات صغيرة بخط يده يضعها في حقيبتها دون أن تنتبه.
كلمات مثل:
"ضحكتك أهم من العالم كله… فمتنسيهاش."
أو:
"اللوحة اللي بتترسم جوه قلبك… بدأت تبان في وشّك." 

وفي أحد الأيام، وبينما كانا يتنزهان في أحد المعارض الفنية، اقتربت منهم سيدة كبيرة في السن، نظرت إلى لمى، ثم إلى آدم، وابتسمت بحنوّ: 

"كنتم حلوين… ولسه حلوين، بس في شي فعيونكم بيقول إنكم مريتوا بالنار قبل ما تمسّكوا إيدين بعض." 

ضحكت لمى بحرج، وردّ آدم بهدوء:
"فعلاً… بس النار علّمتنا نبقى ميّة لبعض." 

ثم ابتعدت السيدة، وتركت خلفها صدى جملةٍ لم ينسوها أبدًا. 

وفي مساءٍ آخر، كانا جالسين على سطح بيت لمى، يراقبان الغروب، وكانت السماء ملوّنة بدرجاتٍ وردية وسحرية.
فجأة قالت لمى:
"أنا بدأت أخاف، آدم..." 

نظر إليها بسرعة، قلبه توتر:
"من إيه؟" 

همست:
"من إنّي اتعلقت بيك أوي… لدرجة إني مش عارفة أعيش من غيرك." 

اقترب منها، أخذ يدها بين يديه وقال:
"الخوف ده مش ضعف… ده حب حقيقي. بس صدقيني، عمري ما هسمح لأي شيء يكسرك تاني. حتى أنا." 

لكن الحياة، كما يعرفان جيدًا، لا تترك القلوب تهنأ طويلاً دون اختبار. 

بعد أيام قليلة، تلقّت لمى عرضًا فنيًا ضخمًا من مؤسسة أوروبية مرموقة، لإقامة معرض شخصي في باريس لثلاثة أشهر.
حلم… كان حلمها الأول. 

لكنها حين تلقت الخبر، جلست أمامه في صمت طويل. 

قال لها بابتسامة خفيفة:
"إيه؟ مش دي لمى اللي كانت بتكتب باريس في نهاية كل لوحة؟" 

ردّت وهي تنظر إلى الأرض:
"بس دلوقتي مش عايزة أسيبك… حتى عشان الحلم." 

اقترب منها، وضع يده على خدها، وقال بثقة:
"روحي… لو بتحبيني، لازم تطيري. مش كل حب معناه نفضل جنب بعض كل يوم، في حب بيبان لما تبعد… وتشوف إنك في القلب حتى من آلاف الكيلومترات." 

ابتسمت والدموع في عينيها:
"يعني مش هتزعل؟"
"هزعل من الشوق… مش منك." 

وفي ليلة سفرها، حضر آدم معها للمطار. لم يكن حزينًا، لكنه كان صامتًا.
وقبل أن تدخل، أخرج من جيبه ورقة صغيرة، ناولها إيّاها وقال: 

"اقريها أول ما تطيري… بس مش قبل كده." 

أومأت، واحتضنته بقوة.
ثم رحلت. 

في الطائرة، بعد إقلاعها، فتحت الورقة، ووجدت فيها: 

"لو بعدتي عن عيني، افتكري دايمًا إن قلبي ماعرفش يسافر. هو قاعد جنبك… حتى وإنتي فوق السحاب." 

وابتسمت لمى… والدمعة تنساب.


                 الفصل الثامن من هنا

تعليقات



<>