رواية نسمة متمردة الفصل السابع7بقلم امل مصطفي
نزل مروان، وجد والدته أمامه، فألقى عليها تحية الصباح:
— صباح الخير يا أمي.
تحركت سهير نحوه بدهشة، وقد لفت انتباهها ارتداؤه لملابس الخروج.
— صباح الخير يا حبيبي... سايب عروستك ورايح فين؟
هتف مروان بنفاد صبر:
— ماما، أنا جبتها لك فوق، أهي. وكده دوري انتهى. أنا بحب شاهي، ومش هتجوز غيرها. نِسمة عرفت كل حاجة، وعارفة هي هنا ليه.
شهقت سهير برعب:
— أنت عملت إيه؟!
أجابها بنبرة قاسية:
— عرفتها إني اتجوزتها عشانك، وإنّي بحب واحدة تانية. هي دي اللي هتكون مراتي... سلام.
وقفت سهير تتابع خروجه بتشتّت، وقد تراخت قدماها مثل الهلام. بحثت عن شيء تستند إليه قبل أن تسقط.
********
بعد خروجه، قامت نِسمة ودموعها تسيل على وجنتيها. دخلت غرفة الملابس، تتلمّس كل أشيائه بحب. تناولت إحدى بدلِه، احتضنتها، وتخيلته بين يديها. قبّلت البدلة ثم وضعتها في مكانها.
خرجت بعدها، وجلست على سريره، وبدأت تحدثه:
— أنا عارفة إنك رايح تطمّنها... بس مش قادرة أكرهك.
وضعت رأسها مكان نومه، وظلت تبكي حتى غفت مرة أخرى.
********
في هذه الأثناء، فزع وجدي عندما وجد سهير في تلك الحالة. اقترب منها بلهفة:
— مالك يا حبيبتي؟ حاسة بإيه؟
هتفت سهير من بين بكائها:
— شفت ابنك؟ دمّر البنت في ليلة زي دي... هانها و جرحها... ما صبرش عليها، ولا على حالتها النفسية. ما قربش منها، ولا حاول يفهمها. كنت متأكدة إنه لو عطى نفسه فرصة يشوفها زي ما أنا شايفاها، كان عشقها.
تنهد وجدي بحزن:
— على نِسمة... أنتي كنتِ فاكرة إنه هيسلّم كده بالساهل؟! هو عمل اللي إنتِ عايزاه، عشان ما تضغطيش عليه، والبنت هي اللي دفعت الثمن.
زاد بكاء سهير، وضغطت على صدرها:
— أنا أذيتها من غير ما أحس...
اقترب منها زوجها، محاولاً تهدئتها:
— إهدي يا حبيبتي... قلبك تعبان.
لكنها لم تستجب، بل تابعت حديثها:
— نِسمة وافقت عليه لأنها بتحبه. كانت رافضة ناس كتير، لأنها بتدور على الحب. وتتصدم بالشكل ده؟! أنا مش هسامح نفسي.
قال وجدي بحزم وهدوء:
— بصي، إحنا معاها. لو طلبت الطلاق، نستنى شهرين وبعدين تطلّق، عشان شكل أهلها قدام الناس. ولو ما اتكلمتش، اعملي نفسك مش عارفة حاجة... وسيبيها تتصرف زي ما تحب.
*********
دخل مروان الكافيه، وجد شاهي في انتظاره. وما إن لمحته، حتى جرت إليه وتعلقت به قائلة:
– حبيبي، وحشتني!
أبعد يدها وهو يهتف:
– وإنتِ أكتر.
ثم أكمل بضيق:
– إنتِ عارفة إني ما بكذبش، ومش بخاف من حد، ليه مش مصدقة إني ما لمستهاش؟
تابع بنبرة غاضبة:
– وبعدين، هي عارفة علاقتنا حالياً.
ردّت عليه بغيرة وحقد:
– سيبك، دي بتمثل، وبكرا تغريك بكل طريقة.
هتف بحدّة:
– ليه شايفاني بريالة علشان تضحك عليّا؟ ولا بجري ورا شهوتي؟ ما إنتِ قدامي أهو، عمري تجاوزت حدودي معاكي! ظبّطي كلامك.
غيّرت طريقتها، وتجنبت غضبه، وتحدثت بنعومة وإغراء:
– لاء يا بيبي، مش قصدي... بس غصب عني بغير عليك، ولازم تقدر ده.
قال بنبرة هادئة ولكن حازمة:
– أنا مقدّر وعاذرك، بس بلاش كلام كل شوية في الموضوع ده. وبعدين، أنا مأكّد على الكل، محدش يعرف إنها مراتي غير أهلي.
يعني، إنتِ اللي هتكوني مراتي قدام الناس، وغيرتك ملهاش لازمة. البنت لابسة حجاب، وبتنام، مش باين منها حاجة، حتى شعرها ما شُفتوش.
سألته بهدوء ::
وهي على كده... حلوة.
تذكر ملامحها، شديدة الحسن والجمال... لكنه لم يطيل من هذا الحوار وهتف بشكل قاطع عادية، زي أي واحدة.
*********
زاد تعب سهير، فبادر وجدي بالإتصال بالإسعاف، الذي حضر على وجه السرعة لنقلها.
في غرفة الكشف، وقف وجدي بتوتر وسأل الطبيب:
– خير يا دكتور؟
أجابه الطبيب مطمئنًا:
– الحمد لله، عدّت على خير. بس حضرتك عارف، التوتر الكتير غلط عليها... ياريت تبعد عن أي ضغط أو توتر.
أنا حذرت قبل كدة اكتر من مرة
*******
ذهبت شهد إلى أحد المولات الكبيرة، تبحث عن ملابس للمحجبات. لقد قررت أن تأخذ تلك الخطوة دون أن ترجع لأحد من أهلها.
اشترت ملابس محجبات بكامل ملحقاتها، ثم عادت إلى الفيلا، لأنها تعلم جيدًا أنها ستراه اليوم في منزل عمها. كانت تتمنى أن ترى الإعجاب في عينيه بسبب هذا التغيير الذي طرأ عليها... من أجله.
انتقت أحد الدريسات، وارتدته، ثم نظرت إلى نفسها في المرآة بشعور من الفرح والراحة لم تشعر بهما من قبل. حدثت نفسها قائلة:
– يا ترى هيعجبه؟
كان الفستان رمادي اللون، تزينه فراشات بيضاء ناعمة، مع حجاب ينسدل منه بعض خصلات شعرها، لكن يكفيها المحاولة.
جهّزت نفسها بهدوء، ثم توجهت إلى الخارج، لتكون في استقباله عندما يأتي مع عائلته.
**********
بعد ساعة، ذهب مروان إلى الشركة. دخل مكتب سيف، الذي وقف يستقبله بابتسامة قائلاً:
– إيه يا عريس؟ حد يخرج يوم صباحيته؟
ردّ مروان وهو يجلس على طرف المكتب:
– ما أنت عارف اللي فيها... ليه خفة دمك دي؟ وبعدين، قولنا مفيش حد هنا يعرف إني اتجوزت.
قال سيف بضيق:
– برضه عملت اللي في دماغك؟
أجاب مروان بثقة:
– آه، أنا محدش يلوي دراعي، وهي كانت مصممة على الجوازة دي، وأنت عارف ما بقدرش أزعلها... عشان قلبها.
ثم قصّ عليه ما حدث.
هتف سيف بحزن:
– البنت كان باين إنها بتحبك، ليه تكسرها كده؟ بكرة هتندم يا صاحبي... وده اللي خلاك تخرج الصبح كده؟
قال مروان بنفي:
– لا أبداً، خرجت أقابل شاهي علشان أطمنها.
علّق سيف بعدم رضا:
– ومش مراعي مشاعر الغلبانة اللي معاك؟! حط نفسك مكانها يا مروان، هتحس بإيه لو مراتك بتحب واحد تاني وتخرج من وراك يوم صبحيتها تقابل حبيبها؟ صدقني، إحساس قاتل... حتى لو مش بتحبك.
*********
رجع مروان إلى الفيلا، وكلام سيف ما زال يرن في أذنه.
كان يتساءل: "إيه إحساسي لو مراتي عملت نفس اللي أنا عملته مع نسمة؟"
شعر بالإختناق.
نادى على الخادمة:
– ماما فين؟
أجابته:
– الهانم تعبت، والإسعاف جه خدها... ورجعت نامت.
قال مروان بفزع:
– إزاي ده حصل وأنا ماعرفش؟! هي دلوقتي فوق؟
الخادمة:
– آه يا فندم.
صعد مروان السلم بسرعة، قافزًا الدرجات، وطرق باب غرفة والدته بقوة.
فتح له والده الباب.
دخل بلهفة، وعيناه تبحثان عنها:
– ماما مالها؟ عاملة إيه؟ ممكن أشوفها؟
تحدث والده بلوم:
– تعبت شوية، والحمد لله أخدت علاجها ونامت. متخافش، هتكون بخير.
نكس مروان رأسه بخجل من نفسه:
– هي زعلانة مني؟ قولها أنا آسف والله... بس غصب عني، مش قادر أقبل غصبها ليّا.
ربت والده على كتفه، فهو يعرفه جيدًا؛ يعلم أنه لا يستجيب أبدًا للضغط، وهذا ما يجعله شديد العند.
كما يعرف جيدًا أن لولا حب مروان الشديد لوالدته وخوفه من مرضها، لما ارتبط بهذه الطريقة أبدًا.
هتف الوالد باطمئنان:
– كله خير يا حبيبي، شوية كده وهصحيها... لأن أهل نسمة على وصول. متقلقش.
*******
دخل مروان جناحه حزين مم حدث لوالدته بسببه
وقعت عيناه علي نسمه نائمة ببراءة، مثل الأطفال، تحمل ملامح ملائكي.
اقترب أكثر مرر عيونه علي وجهها
لكن آثار الدموع على وجنتيها أخبرته أنها تتألم.
همس بصوت خافت:
– آسف... أنا عارف إني ظلمتك، بس أنا عمري ما اتفرض عليا حاجة. يمكن لو قابلتك في وضع مختلف... كنت حبيتك.
اقترب منها وهو ينادي:
– نسمة... نسمة، اصحي.
استجابت لندائه بتشتت، وجلست تفرك عينيها بيديها ، وشعرها منسدل على وجهها بنعومة. ظل يتأملها، وخفق قلبه من روعة مظهرها الخلاب.
هيئتها العفوية تهز أي رجل لكنه سيطر علي تلك الفكرة و
ناداها مرة أخرى، فرفعت وجهها وقالت بنعاس:
– نعم؟
– يلا نتغدى... زمان أهلك على وصول.
كأنها استوعبت فجأة، قفزت من السرير بسرعة:
– حاضر، حاضر... ثواني وأكون جاهزة.
مرت من جواره، فأغمض عينيه من نسمات عطرها الجذاب، رغم هدوئه وتلك الخصلات التي تهفو خلفها بانسيابية .
دخلت الحمّام لتتوضأ، ونظرت إلى نفسها في المرآة، فرأت شعرها مكشوفًا. شهقت:
– هو شافني بشعري كده؟ هيقول عليّ إيه دلوقتي؟
خرجت، وجدته يرتدي بنطالًا رماديًا منزليًا و تيشيرتًا أسود، ملتصقًا بجسده، مما أظهر عضلات صدره بشكل مثير. أخفضت وجهها سريعًا، و استغفرت .
اعتدل في وقفته وهو يقول:
– يلا ننزل.
هزّت رأسها نافية:
– ممكن تنزل أنت، وأنا هصلّي ركعتين و أحصّلك.
رجع وجلس مرة أخرى، وفتح هاتفه، ثم قال بإصرار:
– لا... ننزل مع بعض.
أنهت نسمة صلاتها، ثم توجهت إلى غرفة حنين، وبدأت تداعبها بلطف:
– حبيبة مامي، يلا اصحي.
فتحت الصغيرة عينيها بسعادة:
– مامي! إنتي كنتي نايمة معانا؟
حضنتها نسمة بحب:
– آه يا قلبي... وهفضل معاكم على طول.
وقفت حنين تقفز على السرير بحماس:
– هاي! هاي! أنا بحبك أوي يا مامي، وهغيظ أصحابي عشان كانوا بيقولوا ما عنديش مامي!
انتفض قلب نسمة بحزن على تلك الصغيرة، لكنها تحدثت إليها بحنان:
– حبيبتي، ما ينفعش نغيظ حد، لأن ده ضد أخلاقنا.
قالت حنين برضوخ:
– حاضر يا مامي، مش هعمل كده.
حملتها نسمة وهي تقبلها قبلة خفيفة،
ثم دخلت بها الحمام. غابت لبعض الوقت،
ثم خرجت وقد جهّزتها، وكل ذلك تحت أنظار مروان، الذي كان يراقب المشهد بسعادة، متأثرًا بفرحة ابنة أخته.
نزلت نسمة إلى الطابق السفلي وهي تحمل حنين، تضحك معها، وخلفها مروان.
كانت سهير قد نزلت بعد إصرار زوجها، وعندما رأتهم، أدركت أن نسمة لن تتحدث في شيء، خوفًا على مشاعرها.
هتفت نسمة بابتسامة مشرقة، تُخفي خلفها وجع قلبها وحزنها العميق:
– صباح الخير يا ماما.
وقفت سهير بمحبة، واحتضنتها:
– أجمل صباح على عيون حبيبتي.
لم تُعر مروان أي اهتمام، ثم جلست مرة أخرى في هدوء.
توجهت نسمة إلى والد مروان، قائلة بلطف:
– صباح الخير يا بابا.
ابتسم بلطف:
– صباح النور يا حبيبتي.
قالت نسمة، وهي ما زالت تحمل حنين بين ذراعيها:
– أنا هدخل أحضّر فطار حنين.
هتف مروان باعتراض:
– وليه؟! فيه هنا خدم... إنتي مش في بيتكم.
نظرت له نسمة بحزن:
– أنا هنا علشان حنين، وكل طلباتها
اختصاصي. وبعدين، اعذرني... ما كانش عندنا خدم، فهاخد وقت لحد ما أتعوّد.
بعد دخول نسمة المطبخ، قال وجدي مستنكرًا:
– ليه كده يا مروان؟ ليه مصمم تجرحها؟
تحدث مروان بنبرة مبرِّرة:
– أنا مقصدش كده خالص... أنا بس بعرفها إن فيه خدم، و مالوش لازمة تعبها.
دخلت نسمة المطبخ، وجدته كبيرًا، وفيه ثلاث فتيات وسيدة كبيرة في السن.
ألقت عليهم تحية الصباح بابتسامة على وجهها:
– صباح الخير.
ردّت الخادمات:
– صباح النور يا هانم.
قالت بابتسامة خفيفة:
.
أنا عايزة عصير برتقال، وفين الفاكهة؟
إحدى الخادمات قالت:
– ثواني و أجهز لحضرتك.
ردّت نسمة بحزم وود:
– لا، أنا هحضّر كل حاجة بنفسي... بس عرفيني مكانها فين.
******
جلس الجميع على مائدة الفطور، وبدأت نسمة تتحدث مع حنين بطريقة محببة، جعلتها تأكل دون اعتراض، على عكس ما كانت تفعله في الأيام الماضية. كانت الصغيرة تضحك ببراءة.
قال وجدي بإعجاب:
– شكلك بتعرفي تتعاملي مع الأطفال كويس. إحنا كان عندنا كل يوم فرح بسبب رفض حنين للأكل.
ابتسمت نسمة وقالت:
– أنا بحب الأطفال جدًا، وهما كمان بيحبوني.
لدرجة إن الجيران كانوا بيجيبوا ولادهم عندي...
اللي مش بيأكل، واللي مش بيسمع الكلام. وكانوا بيتجننوا لما بيشوفوهم بيسمعوا كلامي.
ضحكت ثم أضافت:
– أنا كنت فاتحة البيت حضانة... و الولاد زعلوا جدًا لما اتجوزت هم وأهلهم
*********
أتت عائلة نسمة في المساء لزيارتها، وكان في استقبالهم الجميع... حتى شهد.
ارتدت نسمة عباءة استقبال خضراء، تعكس جمال عينيها. ركضت نحو والدتها و احتضنتها بسعادة:
– ألف مبروك يا حبيبتي.
وقبلها والدها قائلًا بفخر:
– حبيبتي كبرت... وبقت أجمل عروسة.
نظرت نسمة إلى أحمد بحب ولهفة، بادلها النظرة، ثم احتضنها بحب كأنهما عاشقان.
شاهدتهما شهد، وسالت دموعها بصمت؛ فأخيها لا يهتم بها، ولا تراها عيناه.
لاحظ أحمد دموعها، وشعر بالحزن لأجلها، فهو يراها طفلة تائهة، لا تعرف الطريق، وتحتاج من يأخذ بيدها.
جلس الجميع في جو عائلي جميل، والغريب أن مروان شعر بألفة غير معتادة، ولم يتضايق من وجودهم.
استأذنت شهد للخروج إلى الحديقة لترد على هاتفها.
لكن أحمد خرج خلفها، وما إن اقترب حتى صُدم مما سمع.
كان صوتها غاضبًا و عصبيًا وهي تقول:
– عايزة إيه يا نادين؟! لا، أنا معدش ليا علاقة بيكي، ولا بأي حد من الشلة خالص!
وأنا عرفت الاتفاق اللي كان بينك وبين هاني... علشان تشوهي سمعتي؟!
توقف صوتها لحظة، ثم تابعت بانفعال أكبر:
– أنا مش ممكن أسامحك أبدًا، أنتي والحيوان اللي اسمه هاني!
ولو مروان بن عمي عرف، هيمحيكم من الوجود!
ولو فكرتي تتصلي بيه تاني... صدقيني، هحكي له كل حاجة!
أغلقت الخط، بضعف و ظلّت تبكي بصمت. كانت تتساءل بألم:
"أين أبي؟ أين أخي الآن؟"
فجأة سمعت صوتًا هادئًا خلفها:
– جميل عليكي الفستان ده.
التفتت إلى صاحب الصوت، وجدته يقف خلفها مبتسمًا ابتسامة عذبة جعلتها تنسى للحظة ألمها.
مسحت دموعها سريعًا و ابتسمت:
– بجد عجبك؟
ابتسم لبراءتها، وهتف بغمزة:
– هو يعني مش توبة كاملة بشعرك ده... بس مش مهم، مشوار الألف ميل بيبدأ بخطوة.
ضحكت شهد برقة:
– معلش... أول مرة ألبسه ومش عارفة أتعامل معاه، ومافيش حد أعرفه بيلبس حجاب.
أشار لها:
– تعالي اقعدي.
جلست شهد بهدوء. قال أحمد:
– بكرة نسمة تعلّمك، بس حاليًا... عايز أعرف، في إيه؟ مالك؟
هربت من عينيه بخوف وتوتر، خائفة أن يظن بها السوء إن علم الحقيقة.
لكن صوته جاء حازمًا، وكأنه يملك حق التصرف في حياتها:
– المكالمة دي... أنا عايز أفهم معناها.
أخفضت وجهها، ثم قصّت عليه كل ما حدث منذ قابلته يوم عيد ميلاد نادين .
استمع إليها أحمد بغضب، وعيونه تشتعل كأنها تحتضن الجحيم:
– معاكي صورة ليه؟
هزّت رأسها نافية:
– لا... أنا عارفة إنك فاكرني بنت سهلة، وممكن تفرّط في شرفها. لكن لا!
أنا ألبس، أضحك، وأخرج... بس عاملة لنفسي حدود.
اللبس اللي خلاك تبصلي باحتقار... عادي في البيئة بتاعتي.
مافيش عندي حد يفهمني، أو ينصحني، أو ياخد باله مني. بس اللبس ده... عندنا كبير وصغير بيلبسه.
سكتت لحظة، ثم أكملت بألم:
– بس كله إلا شرفي!
مافيش واحد عمره لمس إيدي... أو باسني.
تابعت وهي تشيح بوجهها عنه:
– ولما بشوف حبك لأختك وخوفك عليها... كنت بتمنى فريد يعمل معايا كده، و يحميّني من الوحوش اللي في هيئة بشر...
وعايزين ينهشوا لحمي.
