رواية خلف الوجوه البيضاء الفصل الثامن8بقلم اسلام الحريري


رواية خلف الوجوه البيضاء الفصل الثامن8بقلم اسلام الحريري

المكان كان ضبابيًا تمامًا، وكل خطوة كانوا يتخذونها داخل ذلك المبنى المظلم كانت تُسمع كصوت خافت يُمزق الصمت. كان الجميع في حالة تأهب قصوى. أدهم، رنا، يوسف، وسامي يتحركون بحذر، ولكن شعورًا غريبًا بدأ يتسلل إلى أعماقهم. كان هناك شيء في الهواء، شيء غير مألوف. 

الرجال الذين كانوا يتسللون في الظلال كانوا مثل الأشباح، يختفون فجأة خلف الجدران، ثم يظهرون في مكان آخر كما لو كانوا جزءًا من الظلام ذاته. أدهم شعر بشيء غريب، شيء يعكر صفو عقله. كل شيء بدأ يتداخل في ذهنه، وكل سؤال بدأ يشير إلى نقطة واحدة فقط: الملاك الأبيض. 

"هل نحن في المكان الصحيح؟" سأل سامي بصوت منخفض، لكن عينيه كانت تراقب الحركة حولهم. "أشعر أن هناك من يراقبنا." 

يوسف التفت إليه، وجهه عابسًا: "هكذا يكون الحال دائمًا. لن نصل إلى شيء إن استمرينا في التفكير في هذه الأمور. نحن هنا من أجل الحقيقة فقط." 

بينما كانوا يتحركون، توقفت رنا فجأة، وكأنها اكتشفت شيئًا غير متوقع. "أدهم... انظر هنا." همست وهي تشير إلى باب خشبي قديم كان يغطيه غبار الزمن. 

أدهم اقترب بحذر، وقام بفتح الباب، ليجد نفسه في غرفة مليئة بالملفات والصور المبعثرة. كانت الجدران مليئة بالصور القديمة والرسائل السرية المخبأة بعناية. لكن هناك شيء آخر جذب انتباهه، شيء كان يخفي وراءه كل تلك الملفات: شاشة عرض قديمة تُظهر سلسلة من الصور المرتبطة برمز غريب. 

"ما هذا؟" همس أدهم وهو يقترب من الشاشة. لكن قبل أن يتمكن من إلقاء نظرة مفصلة، سمع صوت خطوات خلفه. 

"إذا كنتَ تبحث عن شيء..." قال الصوت، وظهر الشخص الغامض من بين الظلال. كان يرتدي زيًّا أسود وكان ملامحه مخفية جزئيًا، لكنه كان يبدو مألوفًا بطريقة غريبة. "فقد وصلت إلى المكان الذي كنت تبحث عنه." 

أدهم التفت إليه بسرعة، قلبه يتسارع: "من أنت؟" 

الشخص الغامض ابتسم ابتسامة باردة، ثم تقدم نحو الشاشة، ضاغطًا على بعض الأزرار. "لقد كنتُ أنتظركم جميعًا. لكن الحقيقة دائمًا ما تأتي في الوقت الذي لا نتوقعه." 

يوسف تقدم نحو الشخص، لكن عينيه كانت تتألق بالشكوك: "ماذا تعرف عنا؟" 

"أنا أعرف كل شيء." قال الرجل باستخفاف. "كل خطوة، كل حركة، وكل سر... الملاك الأبيض هو مشروع طويل الأمد، ولا أحد هنا بريء. حتى أنتم." 

سامي شعر باندفاع داخلي، وكأن الصراع سيبدأ الآن: "أنت تقول كلامًا غامضًا، لكنك لن تجد منا خوفًا. نريد الإجابة، لا الألغاز." 

أجاب الشخص الغامض، وهو يرفع يديه في الهواء: "الإجابة دائمًا أمامكم، لكنكم لا تعرفون كيف ترونها. الملاك الأبيض هو أكثر من مجرد اسم... إنه مبدأ. إنها شبكة من القيم والمعتقدات التي أُسست على الكذب والخداع." 

بينما كان الجميع مشدوهين لكلامه، كان أدهم يركز في الشاشة التي أمامه. كانت صور لأشخاص معروفين عالميًا تظهر على الشاشة، مع بعض الأرقام المشفرة والرموز التي لم يعرفها بعد. ومع ذلك، شيء غريب كان يحدث. بدأ يلاحظ أن بعض الوجوه في الصور كانت مألوفة له. كانت وجوهًا تعود إلى شخصيات أساسية في حياته، أشخاص لم يتوقع أبدًا أن يكونوا مرتبطين بهذا المشروع الغامض. 

"ماذا تعني هذه الوجوه؟" سأل أدهم بصوت هادئ، بينما كان يشير إلى صورة شخص كان يعرفه جيدًا. 

الشخص الغامض نظر إليه بعينين شديدتي التركيز وقال: "أنت تعرفهم جميعًا. وكل شخص من هؤلاء، له علاقة بما يحدث هنا. الملاك الأبيض ليس مجرد كود تقني، بل هو... محرك للبشر. نحن فقط لا نعرف كيف نوقفه." 

أدهم شعر بصدمة تجتاحه، وعينيه تفتح أكثر. "هل تعني أن... هؤلاء الأشخاص كانوا جزءًا من هذه الشبكة منذ البداية؟" 

ابتسم الرجل الغامض ابتسامة ناعمة، لكنه كانت تحمل ألمًا خفيًا: "ليس فقط جزءًا... بل هم من أسسوها. كل واحد منهم كان له دور في تشكيل هذه الإمبراطورية التي تسيطر على العالم الخفي." 

ثم أضاف بنبرة قاسية: "وأنت، أدهم... لا يمكنك الهروب الآن. أنت كنت جزءًا من هذا العالم منذ البداية. كل قرار اتخذته في حياتك كان محكومًا بهذا الكود. الملاك الأبيض... هو أكثر مما تتخيل." 

أدهم شعر بتمزق داخلي. فكل شيء كان يبدو مرتبًا، لكن فجأة بدأ يشك في كل شيء حوله. هل كان هو نفسه جزءًا من هذا المؤامرة؟ هل تم استغلاله منذ البداية؟ كان الشك يعصف به. 

رنا اقتربت منه وقالت بصوت منخفض، محاولةً تهدئته: "أدهم، لا تدع هذا يربكك. نحن هنا معك. لن تتركنا." 

لكن أدهم كان غارقًا في أفكاره، عينيه تحدقان في الشخص الغامض. "أين هو الملاك الأبيض؟" 

ابتسم الرجل بشكل مرعب: "أنت بالفعل أمامه." 

لكن قبل أن يتمكن أدهم من الاستفسار أكثر، دوي انفجار هائل في البناية، وكأن أحدهم قد فجرها من الداخل. تصاعدت ألسنة النار، وأصوات الضجيج بدأت تملأ المكان. 

"لقد بدأنا النهاية... والكل سيرى الحقيقة الآن." قال الشخص الغامض وهو يبتسم ببرود، بينما كانت الأضواء تخفت تدريجيًا.

وسط الدخان المتصاعد والأنقاض التي ملأت المكان، كان أدهم، رنا، يوسف، وسامي يركضون بلا هوادة. الصوت الذي أعقب الانفجار كان مدويًا وكأن الأرض نفسها اهتزت. جدران المبنى كانت تنهار، والزجاج يتناثر في كل مكان، لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا: لم يعد هناك وقت. 

"إلى هنا!" صرخ يوسف وهو يشير إلى مخرج ضيق في الجدار المدمّر. "نحتاج للخروج الآن قبل أن ينهار المكان بالكامل!" 

لكن أدهم كان مختلفًا. رغم الفوضى التي كانت تحيط بهم، كانت عينيه مشدودتين إلى الصورة التي ظهرت على الشاشة قبل الانفجار. كان عقله يصرخ بأسئلة لا جواب لها. تلك الوجوه التي ظهرت، تلك الأرقام المشفرة... كل شيء كان يدور حوله، وكل شيء بدا وكأنه يلمس سرًا مظلمًا لا يستطيع الهروب منه. 

"أدهم!" صاحت رنا وهي تجره بقوة من ذراعه. "لن نتمكن من النجاة إذا لم نغادر الآن!" 

أدهم دفع يديها عنه بلطف، ثم قال بنبرة هادئة ولكنها مليئة بالشكوك: "نعم، لكنني لا أستطيع... هذا ليس مجرد انفجار. هناك شيء أكبر يحدث هنا. شيء يعنيني شخصيًا." 

لحظات من الصمت، حيث اختلطت مشاعر الفوضى مع الرغبة في معرفة الحقيقة. كان يبدو أن كل جزء من حياته كان قد تم تصميمه ليصل إلى هذه اللحظة. ولم يكن يستطيع الهروب الآن. 

في هذه اللحظة، ظهر الشخص الغامض مرة أخرى من بين الدخان. كان يبتسم ابتسامة باردة، عينيه متوهجتين بشدة في الظلام. "أعتقد أن الوقت قد حان، أليس كذلك؟" قال وهو ينظر إلى أدهم. "لقد كنت على وشك اكتشاف الحقيقة، لكنك لا تزال في منتصف الطريق. والآن، ستعرف كيف تكون الحقيقة." 

أدهم شعر بقلبه ينبض بسرعة أكبر. "من أنت؟ ولماذا تلاحقني؟" 

"أنت لا ترى الصورة الكبيرة بعد، أدهم." أجاب الشخص بصوت هادئ. "ما تراه الآن هو مجرد جزء من شيء أكبر بكثير. لا يوجد أحد بريء هنا، لا حتى أنت." 

بينما كان أدهم يهم بالتقدم نحوه، حدث شيء مفاجئ. حطمت نافذة خلفهم، وأطلت منها سيدة غريبة الملامح، عينها تعكس الضوء بحدة، وكانت تحمل سلاحًا في يدها. قبل أن يستطيع أحدهم أن يتكلم، أطلقت النار في الهواء لتوقفهم جميعًا. 

"لا تتحركوا!" صاحت بصوت حازم، ثم خفضت سلاحها قليلاً. "لن أسمح لكم بالمغادرة حتى نحسم هذا الأمر." 

سامي، الذي كان يشعر باضطراب واضح، تقدم خطوة إلى الأمام: "من أنتِ؟ وماذا تريدين منا؟" 

ابتسمت السيدة، وعينها تتأمل الجميع بتمعن. "أنا هنا لأنني أعرف الحقيقة التي تبحثون عنها. ولكن إذا أردتم النجاة، يجب أن تفهموا أن هناك خطوطًا حمراء لا يجب تجاوزها." 

أدهم شعر بأن الألغاز تتراكم أكثر فأكثر، وكانت الصورة تتضح ببطء في ذهنه. "أنتِ تعرفين كل شيء؟" 

"كل شيء." أجابت السيدة، ثم التفت إلى الشخص الغامض وقالت: "ولكنك... أنت قد فاتك الكثير." 

الشخص الغامض تنهد بمرارة ثم قال: "أعلم ذلك. ولكنني لا أملك الخيار الآن." 

أدهم شعر أن الحبل يلتف حوله. "ماذا تعني؟ ما الذي فاتك؟ ولماذا كل هذه الألغاز؟" 

"أنت يا أدهم، كنت جزءًا من هذا النظام منذ البداية." قالت السيدة بنبرة هادئة، ثم اقتربت منه أكثر. "الوقت الذي ضيعته في البحث عن الأجوبة... هو الوقت الذي كنت فيه جزءًا من كل هذا. الملاك الأبيض ليس شيئًا يمكننا التخلص منه بسهولة." 

أدهم شعر بألم في صدره. كان ذهنه يعمل بسرعة. "هل تقولين إنني كنت جزءًا من هذا؟ أنني كنت أساعدهم في تنفيذ كل هذه العمليات؟" 

أجابت السيدة بحزم: "نعم، لكنك لم تكن تعرف. لم يكن لديك خيار. كنت مجرد أداة في شبكة أكبر بكثير من أن تفهمها." 

توقف كل شيء فجأة. الدخان تلاشى قليلاً، لكن الظلال كانت تملأ المكان. كان كل شيء متشابكًا معًا. لا أحد كان يستطيع معرفة من هو العدو ومن هو الصديق. 

"أدهم، أنت على وشك اكتشاف ما يخبئه لك المستقبل." قالت السيدة بصوت خافت، وهي تتابع نظرتها إلى الصورة على الشاشة. "ولكن هل ستتمكن من مواجهة الحقيقة؟" 

أدهم شعر بعاصفة هائلة تجتاح عقله. لم يكن يستطيع الهروب. لم يكن يستطيع التراجع. "هل تقولين إنني جزء من هذه الشبكة منذ البداية؟" 

أجاب الشخص الغامض فجأة، بصوت مليء بالغضب: "نعم، والآن لا عودة." 

ولكن قبل أن يستطيع أحدهم اتخاذ خطوة أخرى، سمعوا صوت خطوات آتية من بعيد. كانوا محاطين. ولكنهم لم يكونوا بمفردهم بعد الآن. 

"لا وقت للإجابة." قال الشخص الغامض وهو يركض نحو الباب. "إنه يقترب."

                   الفصل التاسع من هنا


تعليقات



<>