رواية خلف الوجوه البيضاء
الفصل التاسع9
بقلم اسلام الحريري
كانت الأنفاس تتسارع في المكان المظلم، والأضواء التي تتأرجح في الزوايا تكشف ملامح الوجوه المتوترة. في قلب هذه الفوضى، كان أدهم يواجه الخيارات الأكثر صعوبة في حياته. الحقيقة كانت تقترب منه، كأنها حافة جرف عميق، لكنه كان يعلم أنه لا يمكنه الهروب بعد الآن.
"هل ستظل تراقب أم أنك ستواجه الحقيقة؟" قال الشخص الغامض بنبرة ساخرة، وهو يلتفت نحو أدهم وهو يتقدم ببطء.
كان أدهم يشعر كما لو أن ثقل العالم كله يقع على كاهله. كل خطوة كانت تقوده إلى منطقة مظلمة أكثر، وكل كلمة تقال له كانت تدفعه ليغرق في الحيرة.
"أنت تعرف الآن، أليس كذلك؟" أضاف الشخص، ثم شد سلاحه وهو يحاول تقليص المسافة بينه وبين أدهم. "كنت جزءًا من هذا النظام منذ البداية، ولن تتمكن من الهروب منه بعد اليوم."
لكن أدهم لم يبدُ مرتبكًا بعد الآن. كان يعلم أن هذا هو الوقت الذي يجب عليه فيه اتخاذ قرار حاسم. بدا في عينيه بريق من العزم، وهو ينظر إلى الشخص الغامض قائلاً: "لن أهرب، ولكنني سأوقفك."
ثم، فجأة، سمعوا صوتًا قادمًا من الجهة الأخرى، صوتًا مألوفًا أدركه جميعهم. كان صوت رنا.
"أدهم!" صاحت رنا، وهي تندفع نحوهم بسرعة، متسللة بين الأنقاض. "أدهم، لا تقترب منهم! هؤلاء ليسوا من كانوا يزعمون أنهم..."
لكنها توقفت عندما رأت الشخص الغامض. عيناها اتسعت من الدهشة، ثم تراجعت خطوة إلى الوراء. "كيف... كيف تعرف هؤلاء؟"
أدهم نظر إليها، ثم قال بنبرة حاسمة: "هم جزء من المنظمة التي كانت تحركني طوال الوقت."
"لكنهم لا يتحكمون فيك بعد الآن!" قالت رنا بحزم، ثم ركزت نظرها على الشخص الغامض: "إذا كان لديك أي فكرة عن الخطة القادمة، فإني أضمن لك أن الأمور ستتغير الآن."
لكن الشخص الغامض انفجر ضاحكًا، ثم قال: "تظنون أنكم تملكون مفاتيح اللعبة؟ أنتم لا تعلمون حتى حجم الخطأ الذي ارتكبتموه."
لكن في تلك اللحظة، قاطعهم صوت جديد، صوت عالي جدًا، يصرخ في كل زاوية المكان: "قفوا جميعًا! لا تتحركوا!"
ظهرت سيدة أخرى، مرتدية زيًا أسودًا بالكامل، وسحبت سكينًا حادًا من حزامها. كانت عيونها تتلألأ وكأنها تعكس غضبًا جامحًا، وكان وجهها مليئًا بالندوب القديمة. "أدهم، انتبه! هؤلاء ليسوا أعداءك الوحيدين." قالتها بصوت منخفض، لكنه قوي.
أدهم، ورغم كل الفوضى، شعر بأن هذه اللحظة ستكون الفاصلة. "من أنتِ؟ ولماذا تظهرين الآن؟"
السيدة التي ظهرت، ابتسمت بلطف وقالت: "أنا من كانوا يتبعونك، لكنني كنت أعمل ضدك طوال الوقت."
صمت الجميع للحظة، ثم تلتها كلماتها التي أحرقت كالسيف: "أنتم جميعًا جزء من لعبة قديمة، وهذه المنظمة ليست سوى وجه واحد من وجوه كبيرة. هناك قوة أكبر تتلاعب بنا جميعًا، والوقت قد حان للكشف عن الأسرار."
توقف الجميع في مكانهم. كان هذا هو اللحظة التي كانوا ينتظرونها، ولكنها كانت مليئة بالتوتر والخوف.
"ما الذي تعنيه؟" سأل أدهم، بينما كان قلبه ينبض بشدة.
"المفتاح..." قالت السيدة، وهي تنظر إلى جهاز محمول كان بيدها. "المفتاح هو المعلومات التي كنت تبحث عنها. لكن الحقيقة ليست كما تتخيل."
قبل أن يتمكن أي شخص من الرد، بدأت الأنوار تتقطع، وتلاشى الظلام في كل مكان. الأجهزة بدأت تعطل بشكل مفاجئ. كان هناك شيئًا قادمًا من بعيد. شيء كبير جدًا، مدوي.
"هل هذا هو؟" سأل يوسف بصوت مهتز.
وفي تلك اللحظة، كانت الأجهزة تتوقف تمامًا، وبدأ الجدار خلفهم ينهار فجأة، وكأنها كانت على وشك أن تبتلعهم في جوفها.
"إنه هنا..." همس الشخص الغامض.
وبدأت الأرض تهتز تحت أقدامهم، ولكن شيء ما كان قد حدث لتوه. لم يعد أحد يعرف إذا كانوا على وشك النجاة، أم أنهم كانوا على حافة الهلاك. وكلما اقتربوا من الحقيقة، أصبح المسار أكثر تشويشًا.
فجأة، لم يسمعوا سوى صوت انفجار آخر. كانت الأرض تحت أقدامهم تنهار، ومعها تنهار الأكاذيب والظلال التي تحيط بهم. كان مصيرهم الآن بين أيديهم، فهل سينجون من هذا المأزق؟ أم أن الحقيقة التي كانوا يبحثون عنها ستظل مخفية إلى الأبد؟
كانت الأضواء تتناثر في كل اتجاه، وحين تلاشى الظلام بالكامل، وجد الجميع أنفسهم في موقف لم يتوقعه أحد. الأرض تهتز تحت أقدامهم كما لو أن الانفجارات قد تم زراعتها على الأرض نفسها. كانوا على حافة انهيار ما لا يمكن تصوره. ومع الانفجار الأخير الذي أضاء المكان، اندفع الهواء بسرعة شديدة نحوهم، مما جعلهم يتراجعون إلى الوراء.
لكن قبل أن يتمكن أحدهم من التماسك، رنا كانت هي الأولى التي سقطت على الأرض، تتنفس بصعوبة بينما تحاول الوقوف. أدهم نظر إليها، وفي عينيه كان هناك خلط من الخوف والغضب.
"رنا!" صرخ، ثم اندفع نحوها، ولكن قبل أن يصل إليها، انفجر الصوت ذاته مرة أخرى. هذه المرة كان الصوت أقوى، وكان موجة الصوت تتبعها حرارة شديدة، وكأن البركان نفسه قد انفجر في مكانهم. كان أدهم يعلم أنه ليس مجرد انفجار عادي. كان هناك شيء أكبر في اللعبة، شيء كان الجميع يغفلون عنه.
"ما هذا؟" همس يوسف، وهو يتراجع عنهم بينما يواصل فحص المكان.
لكن رنا كانت لا تزال على الأرض، والدماء تتساقط من جبهتها. كان أدهم يمسك بيدها، يحاول إيقاظها، بينما تقترب منهم السيدة ذات الزي الأسود، التي كانت قد اختفت في اللحظة الأخيرة.
"أنتِ... ماذا تفعلين هنا؟" قال أدهم بصوت منخفض، بينما كان يحاول أن يُبقي رنا مستيقظة.
السيدة ابتسمت بشكل بارد، ثم قالت بنبرة غير آبهة: "أنتم لا تفهمون شيئًا." ثم نظرت إلى الجميع بحذر، وقالت: "إنها ليست مجرد لعبة بينكم وبينهم. كل شيء كان معدًا منذ البداية."
وبينما كان الجميع في حالة من الذهول، فجأة قطع حديثها صوت آخر، صوت قادم من الظلال. صوت مألوف تمامًا لأدهم. إنه صوت "كمال".
"أدهم، لا تصدق كل شيء. الحقيقة أعظم بكثير مما تتخيل."
ظهر كمال من خلف الجدران المدمرة، وجهه شاحب، وعيناه تحملان نظرة مليئة بالندم. كان يحمل في يده جهاز محمول آخر، وكان يعيد تشغيله أمام الجميع.
"كمال؟" قال أدهم، وهو يشعر بالصدمة. "لماذا لم تخبرني بكل هذا؟"
"لم أتمكن. كنت أراقبك عن كثب. كل ما كنت تفعله، كنت تعتقد أنني معك، لكنني كنت أعمل خلف الكواليس." قال كمال وهو يلتقط أنفاسه.
ثم نظر إلى السيدة السوداء وقال: "لقد كانت معركة مع الزمن. لقد كانت الخطة على وشك أن تتكشف بالكامل."
"خطة؟ ما هي الخطة؟" سأل أدهم بصوت يملؤه الغضب.
كمال ألقى نظرة طويلة نحو أدهم، ثم قال: "منظمة الظل التي كنت تحاربها هي مجرد جزء من لعبة أكبر. التي تتحكم فيها قوة غير مرئية."
"ومن هم هؤلاء؟" سأل أدهم، وهو يقف على قدميه، موجهًا أصابع الاتهام نحو الجميع.
"أنت كنت جزءًا منها منذ البداية. ليس هناك من ينجو منها." قالت السيدة السوداء، لكن كمال قاطعها بسرعة.
"ليس أنت فقط. الجميع هنا، من رنا إلى يوسف، وكل من يحيط بك، كانوا فريسة في لعبة كبرى." ثم نظر إلى أدهم وقال: "أنت كنت تستعد للقبض على رأس الخيط، ولكن الحقيقة كانت مؤلمة للغاية. هذه المنظمة جزء من أكبر خطة سياسية على مستوى العالم."
"ما الذي تتحدث عنه؟" كان أدهم ينظر إلى كمال في صدمة، لم يفهم ماذا يقصد.
"لا يمكنني شرح كل شيء الآن، ولكنهم يريدون السيطرة على العالم عبر التحكم في المعلومات. هم يخططون لإطلاق نظام جديد، يعتمد على خوارزميات ومعلومات مُزورة." قال كمال، متوترًا. "لقد اكتشفوا طرقًا للتلاعب بالعقول والسيطرة على الإرادات، ولن يتوقفوا حتى يسيطروا على كل شيء."
فجأة، كان هناك صوت آخر قادم من زاوية غرفة الظلال. جميعهم التفتوا بسرعة، ليجدوا سامي، الشاب الذي كانوا يظنون أنه ميت، يدخل من الباب المدمّر. كان يحمل في يده جهازًا غريبًا وابتسامة غريبة على وجهه.
"سامي؟" قالت رنا بصوت ضعيف، غير قادرة على تصديق ما تراه. **"أنت... لماذا؟"
سامي نظر إلى الجميع بهدوء وقال: "كنت أعمل معكم لأنني كنت أعتقد أنني أساعدكم، ولكن الحقيقة مختلفة. كان لي دور آخر في اللعبة، وأنتما كنتما مجرد أدوات."
ثم أشار إلى جهازه وقال: "الآن، الجميع سيعرف. سأتأكد أن كل شيء سينكشف."
وما إن نطق هذه الكلمات، حتى انفجرت الأنوار في الغرفة مرة أخرى، وعادت الأجهزة للعمل بسرعة فائقة. فجأة، على الشاشة التي ظهرت أمامهم، بدأ يظهر اسم شخص ضخم، وهو "الزعيم الأكبر".
ولكنه لم يكن أحدهم... بل كان أحد المقربين لهم جميعًا.
"لقد كنت... أنت!؟" قال أدهم بصوت مرتجف، وهو يشير إلى أحد الأشخاص في الزاوية.
كل شيء أصبح واضحًا، ولكن في الوقت ذاته، كان كل شيء قد أصبح معقدًا أكثر من أي وقت مضى.
