
رواية الحقيقة المرة الفصل الاول1 بقلم سالي سيلا
بعد أن توقفت السيارة جانباً في نهاية الشارع، نزلت منها، راغبة في المشي قليلاً على الأقدام، إذ لم أقم بذلك منذ أيام. فجأة، اصطدمت كرة بإحدى قدمي، تبعها طفل صغير يركض نحوها محاولاً الإمساك بها. ابتسمت، ورفعت الكرة وقدمتها له، ثم داعبت خصلة شعره التي كانت تتدلى على جبينه. كان ولداً جميلاً حقاً، تشعر بالبهجة وأنت تنظر إليه. أخذ الكرة بسرعة من يدي وهو مرعوب، ثم انطلق مسرعاً نحو شخص ما، ينادي: "أمي، أمي، لقد التقطتها!" ثم ظهرت فتاة على كرسي متحرك، تبادل الصبي الابتسامة معها وهي تمدحه على عمله الجميل. في البداية، لم ألاحظ ملامحها، فقد شعرت فقط بالسوء نحوها، إذ أن المنظر يحزن أي إنسان، فلا أحد يرضى أن يكون مقعداً على كرسي، خاصةً إذا كان لديه أولاد ومسؤوليات.
بينما كنت أستعد للمغادرة، سمعت اسمي ينادى من خلفي. وعندما استدرت، لم أجد سوى تلك الفتاة التي شعرت بالشفقة عليها قبل قليل، تمسك بيد الصبي. سألتها: "عفواً، هل تعرفينني؟" فرفعت القبعة قليلاً لتظهر ملامح وجهها بالكامل. هناك فقط صُعقت في مكاني، حيث لم أتوقع أن ألتقي مجدداً بهذه الفتاة، التي كانت سابقاً من أعز أصدقائي!
"أهذا أنتِ يا نجوى!؟"
"تريثي يا أرين، لا ترحلي.. هناك أمر أود أن أكلمك عنه.."
"وهل لا يزال ما بيننا كلام يقال يا نجوى؟"
"مر زمن طويل منذ آخر مرة رأيتك فيها. سبحان الله، ها قد جمعنا القدر مجدداً في حين كنت أبحث عن عنوانك منذ أيام. فالله عادل، يريد أن يأخذ كل واحد حقه في أقرب وقت ممكن يا أرين."
"قبل كل شيء، أخبريني لماذا أنتِ على هذا الكرسي. هل قمتِ بحادث ما؟"
"القصة طويلة، سأحكيها لكِ لو منحتني بعضاً من وقتك.. تامر، خذ الكرة والعب مع أصدقائك هناك، ولا تبتعد كثيراً."
"حاضر يا أمي."
"ابنك جميل جداً يا نجوى.. أهنئك عليه. بمعرفتي بكِ الجيدة وبسبب طريقة تفكيرك، لم أتوقع قط أن تقبلي لتلعبي دور الأمومة!"
"هههه حقاً. ولكنه طفل ذكي ومحبوب، يدخل القلب بسرعة. بل أهنئ أمه عليه."
"ماذا تقصدين يا نجوى، أليس هذا الصبي ابنك؟ قبل قليل كان يناديكِ بأمي."
"أرين، انظري إليه جيداً. ألم تلاحظي شيئاً..؟ مثلاً من يشبه؟"
"تلمحين أنه يشبه لمازن؟"
"هو يشبهه فعلاً، ولكن هناك من أخذ الكثير من شبهه."
"لا أظن أنه يشبهكِ يا نجوى. ربما أخذ من أقرباء والده."
"بل يشبه أمه الحقيقية يا أرين...."
"نجوى، أنتِ تتكلمين بألغاز لم أفهمها عليكِ. وأنا ليس لي خلق للمناهدة معكِ. أنا أجبر نفسي الآن جبراً كي أعطي وأخذ معكِ الحديث. ألم تتزوجي بمازن؟ فكيف تكون له زوجة أخرى؟ وإن كان، متى انفصلتما حتى يتزوج بأخرى وينجب هذا الصبي الذي يظهر عمره منذ سفركِ أنتِ ومازن إلى أوروبا!؟"
"أعلم يا أرين أنكِ تبذلين مجهوداً كبيراً حتى تقفي معي هذه الوقفة وتتكلمين معي بعد كل ما فعلته بكِ... ولكن أنا أخبركِ الصدق. فالولد ابن مازن فعلاً، ولكن ليس بابني الحقيقي."
"ابن من إذاً يا نجوى؟"
"إ. بب. ن ابن. هو ابنكِ أنتِ يا أرين!"