
بقالي أسبوع بحاول معاكِ بالحُسنى بس الظاهر كدا إنك مش هتيجي إلا بالغصب."
عادت خطوتين للخلف بفزع لكنها حاولت التظاهر بالقوة، فخاطبته بثبات زائف:
-متقربش وإلا...
قاطعها:
-مش هتقدري تعمليلي حاجه.
قالها حمدى بنظرات حادة، حاولت مروى الصمود فهتفت بسخريه:
-إنت اللي متقدرش تعملي حاجه وأحسنلك يا حمدي تبعد عن طريقي...
أخرج هاتفه من جيبه وقال:
-بصي كويس للفديو ده عشان تعرفي إن أنا أقدر أعمل كتير أوي يا فُله.
جحظت عيانها وصُدمت حين طالعت الفديو وهدرت به:
-إيه ده... الفديو دا متفبرك!
-إثبتي إنها مش إنتِ! ودي أقل حاجه في الي عندي.... هنشرهم كلهم وشوفي بقا مين هيصدقك ويكدب عينه!
قالت بانفعال:
-حرام عليك إنت عايز مني إيه؟
غمز لها قائلًا:
-أنا عايزك يا قلبي...
-حسبي الله ونعم الوكيل فيك.
قالتها بحسرة فابتسم بسخرية قبل أن يركب سيارته، طالعها من نافذة سيارته وقال:
-هكلمك ولو مردتيش عليا هيكون ليا تصرف تاني...
ازدردت ريقها باضطراب، تذكرت أن هاتفها مفقود، غأدمعت عينيها ووقفت تندب حظها وتسب حمدي، وبعد دقيقة من التفكير ابتلعت غصة في حلقها وأكملت طريقها لتعود للبيت...
_____________________________
وأمام شقة منى كانت تقف جوار هدى، همت أن تفتح باب شقتها فنادتها أم مصطفى وعاتبتها:
-بقا كدا يا منون إسبوع كامل متسأليش عليا!
-معلش والله يا طنط حضرتك عارفه الكليه والشغل أنا مبقعدش والله...
ابتسمت أم مصطفى وقالت:
-معلش يا حببتي الله يعينك.... بس يارب ميكونش عندك شغل النهارده...
-لا النهارده راحه بس ليه؟
-كنت عامله حفله صغيره كدا بمناسبة يوم ميلاد مصطفى وعايزاكِ تساعديني.
تذكرت تاريخ اليوم فهو يوم ميلاده بحق، ابتسمت قائله:
-طيب هغير هدومي وأجيلك علطول.
كانت هدى تقف شاردة بوجه متجهم على غير عادتها، وأعين هائمه فقاطع شرودها أم مصطفى:
-بت يا هدى مالك واقفه بعيد كدا ليه!
أقبلت هدى باتجاههم وقالت بابتسامه مصطنعة:
-ازيك يا طنط؟
-الحمد لله... تيجي بقا مع منى تساعدوني.
-حاضر يا طنط دا إنتِ تأمري.
نظرت منى لهدى وقالت:
-هدى أصلًا مش عجباني بقالها إسبوع... أنا جيباها معايا عشان أتكلم معاها...
ابتسمت أم مصطفى وقالت:
-طيب هسيبكم تتكلموا مع بعض شويه... بس متتأخروش عليا ومتتغدوش أنا عامله أكل تعالوا نتغدى سوا...
_______________________________
في بيت كبير مكون من ثلاث طوابق وفي الطابق الأول عاد سيف من عمله وجلس قبالة أخيه الأصغر «معاذ»، خاطبه:
-أنا نسيت موضوع الموبايل دا خالص... خد يا معاذ صلحه عشان أوديه لصاحبه!
أخذ معاذ الهاتف من يد سيف وقلبه بين يديه يتفحصه بتمعن ثم قال:
-دا شكله فاصل شحن... وهيحتاج شاشه كمان.
-ظبطه بقا ياريت النهارده يكون خلصان.
-المهم هتدفع يعني!
قالها معاذ بمرح فرد سيف:
-طول عمرك مادي حـ ـقير....
لكزه سيف في كتفه بخفه مستطردًا:
-هتاخد فلوس من أخوك الكبير ياد... أومال لو مكنتش فاتحلك السنترال بفلوسي!
"معاذ يدرس بكلية التكنولوجيا والمعلومات بعامه الثاني يهتم كثيرًا بمجال التكنولوجيا يستطيع اختراق أي هاتف أو جهاز حاسوب بمهارة وحرفيه"
دخل شاب أخر للغرفه مهرولًا وهو يقول:
- جماعه حد يحوش أمكم عني.
دخلت والدته «نبيله» خلفه وقالت:
-أنا نفسي أعرف الناس كلها عيالها بتتجوز إلا عيالي ليه!؟
أردفت وهي تشير على سعد: يعني ما شاء الله واحد واعظ أد الدنيا.
أشارت نحو سيف وأضافت:
-والثاني ظابط... أي واحده تتمنى بس يشاولها.
-والثالث الله أكبر في كلية تكنولوجيا ومعلومات بس لسه شويه عليه...
ضحك التلاث أخوه وقال سيف:
-جواز إيه يا ماما مش طالبه وجع دماغ... أنا عايز أعيش حياتي...
أضاف سعد:
-أنا بقا مستني سيف مش هتجوز إلا لما يعيش حياته وبعدين يتجوز.
ضمها معاذ وقبلها من خدها قائلًا:
-متزعليش يا ماما هاتيلي عروسه وأنا مستعد أتجوز.
شهقت نبيله وقالت:
-تتجوز وإنت لسه في تانيه كليه؟! أنا بتكلم عن الاتنين دول ناقصهم إيه؟ ايه الي مانعهم من الجواز...
نظر الإثنان لبعضهما ولم ينطق أي منهم منعًا للجدال الدائم بشأن هذا الموضوع، أردفت نبيله:
-إنتوا أحرار المهم مين هيوصلني لعند خالتكم؟
-أنا خارج أصلًا هوصلك في طريقي... يلا اجهزي...
نظرت نبيله إلى ثلاثتهم قائله:
-اعملوا حسابكم انتوا التلاته تيجوا على هناك بالليل.
-منقدرش نتأخر يا بلبله.
_______________________
دخلت مروى غرفتها أطلقت العنان لدموعها التي حبستها أمام أفراد أسرتها، تبكي على ما وصلت إليه.
كانت تريد أن تتحدث مع أحد تريد أن تفرغ ما بقلبها عل أحد يساعدها لا تستطيع التفكير ولا التدبير، مسحت دموعها وفتحت حقيبتها لتخرج تلك الورقه الصغيره التي كتبت بها منى رقمها، تنهدت بحسره ثم مسحت دموعها وخرجت من غرفتها لتأخذ هاتف ناهد ثم دخلت للغرفة مرة أخرى وأوصدها جيدًا ترددت كثيرًا أن تطلب لكنها فعلت في النهاية...
____________________
كانت أم مصطفى تحاول تزين البيت فخطر في بالها شيء، حملت هاتفها وطلبت رقم أحمد الذي رد عليها مسرعًا:
- طنط رقيه وحشتيني.
قالت بضيق مصطنع:
-لو وحشتك بجد كنت تسأل عليا!
-والله بسأل مصطفى عليكِ علطول.
-على العموم أنا عازماك النهارده بالليل عامله حلفه مفاجأه لمصطفى ومحتاجه مساعدتك.
-مفاجأه بقا وحركات... طيب عايزاني أساعدك في إيه أجيب التورته؟
-لا أنا مظبطه كل حاجه بس محتاجه منك تعطل مصطفى لحد بالليل وتبلغني وهو راجع.
-عنيا يا طنط دا إنتِ تأمري... هعطلهولك لحد العشا.
وبعد انتهاء المكالمه وقبل أن يطلب رقم مصطفى جذب انتباهه اسمها «هدى» في الهاتف فشعر بوغزه في صدره، فقد أصبح مولعًا بها، وقد مر عليه إسبوع عصيب، يفتقدها بشده ويتمنى لو تعود لتحدثه فقد اشتاق لصوتها وضحكتها وخفة دمها، تنهد بألم ثم طلب رقم مصطفى...
__________________________
وفي الشركة جلس مصطفى بمكتبه شاردًا، كم يزعجه هروب منى المستمر، يخشى أن يكون حبًا من طرف واحد! طرد الأفكار من رأسه فهو ينزعج كثيرًا عندما يتخيل أنها لا تفكر به ولا تشعر بحبه، حمل مفاتيحه وهاتفه ليخرج من الشركه ويعود للبيت فأضاء هاتفه برقم أحمد أجاب مصطفى قائلًا:
-سيادة المدير...
-فينك يا درش... محتاجلك ضروري.
قال مصطفى:
-مالك صوتك شكله زعلان.
تنهد أحمد بألم وقال:
-نفسيتي تعبانه أوي... محتاج أتكلم معاك.
-طيب أنا كنت خارج من الشركه إنت فين؟
-أنا في المكتب تعالالي.
__________________________
-قوليلي بقا مالك مش إنتِ هدى الي أعرفها في حاجه في قلبك!
تنهدت هدى بألم وقالت:
-أحمد.
-أحمد!! مش فاهمه؟!
هدى بأعين زائغة:
-قلبي فيه أحمد... غلطت وبتعاقب... كنت بقعد طول الليل أبص في صورته... أو أسمع ريكوردات بصوته... اتعلقت بيه من غير ما أحس... ولما اكتشفت إني بغلط قطعت علاقتي بيه بس مش قادره أعيش حاسه إني ماشيه تايهه...
كانت منى تنصت إليها علها تُفرغ كل ما يعتل يصدرها ويرهق روحها، أدمعت عيني هدى وأردفت:
-أنا... أنا مش عارفه أتجاوز مش عارفه أعيش من غيره... ساعات ببقا عايزه أفك البلوك وأكلمه أقوله متسيبنيش...
مسحت دموعها واسترسلت:
-بصلي قيام عشان أدعي ربنا يكون من نصيبي عشان بجد مش عارفه أعيش من غيره... مش قادره أكل... مش قادره أضحك مش قادره أكمل... حياتي وقفت من بعده يا منى.
ضمتها منى وقالت:
-ليه شايله في قلبك كل دا ومحكتليش مش احنا أصدقاء وبنقول لبعض كل حاجه!
-كنت عارفه إنك لو عرفتِ هتزعلي مني عشان كدا خوفت أحكيلك.
-إنتِ هبله!!! أنا عمري ما أزعل منك... قومي كدا اغسلي وشك وتعالي نروح نساعد طنط رقيه شويه وتيجي بقا تحكيلي بالتفصيل اتعرفتوا ازاي وكل حاجه من البدايه.
ابتلعت هدى غصه حلقها وابتسمت بتصنع قائلة:
-ماشي.
نهضت لتغسل وجهها، علها تنعش روحها الخاملة، تنفست بارتياح فقد شعرت ببعض الراحة قلبها حين أفرغت بعضًا من الشحنه السلبية التي تحيط قلبها.
أما منى فجلست تفكر في حالة صديقتها، تشعر بها فإنها لوعة الحب.
فالحب ابتلاء من الله يزرعه في قلوب العباد ليرى مدى صبرهم وتحملهم لآلامه، فإما أن نصبر حتى يأتي الحلال أو نتعجل فينزع الله البركه من العلاقه...
قاطع شرودها رنين هاتفها، تنحنحت لتجلي حلقها وأجابت:
-السلام عليكم...
-عليكم السلام ازيك يا منى؟
-الحمد لله مين معايا؟
-أنا مروى فاكراني؟
-أيوه إزيك يا مروى عامله ايه؟
-الحمد لله كنت عايزه أتكلم معاكِ شويه لو فاضيه.
-اتفضلي يا حببتي.
-لا مينفعش في التلفون ممكن نتقابل؟ قوليلي المكان الي إنتِ فيه وأنا أجيلك... أرجوكِ محتاجه أتكلم معاكِ ضروري.
-أنا في البيت خدي العنوان وهستناكِ.
أملتها العنوان فقالت مروى:
-تمام مسافة السكه هكون عندك.
فكرت مروى قليلًا فيما تفعله، وأخذت قرارها ستذهب حتى لو لم تقتنع بما تفعله!
من ناحية أخرى أغلقت منى الهاتف، وجلست تفكر في مروى وما تريده! خشيت أن تحدثها عن مصطفى مجددًا فتأففت بضجر...
طردت الأفكار من رأسها وابتسمت حين تذكرت حفل ميلاد مصطفى،فقد اشتاقت لرؤيته، وها هي تضعف مجددًا أمام عاطفتها ومشاعرها!
___________________________
وبعد فترة وقفت مروى أمام البرج حائرة فهذا هو العنوان كما وصفته منى، ظلت تنظر يمنة ويسرة علها تجد من تسأله تزامنًا مع خروج سيف من البناية بعدما أوصل نبيلة ووقفت يتحدث عبر هاتفه، فأقبلت مروى وسأله:
-لو سمحت أوصل شقه ١٢ إزاي؟
إلتفت إليها بعدما أنهى مكالمته وما أن أبصرها ابتسم وقال:
-إنتِ!!!
الفصل السادس
-إنتِ!!!
قالها سيف بذهول، وحين تذكرته نطقت في سرعة وبنبرة حادة:
-فين موبايلي؟!
-موبايلك بيتصلح.... المحل قريب من هنا لو تحبي تيجي معايا نجيبه.
أومأت مروى برأسها فهي تريد الهاتف اليوم قبل الغد، وقف سيف أمام سيارته وفتحها فقالت بنبرة مهزوزة:
-لأ أنا مش هينفع أركب مع حضرتك قولي اسم المحل وأنا أجيلك على هناك!
-يا ستي ممكن تعتبريني أوبر!
قالها سيف وفتح باب سيارته وركب، فقالت وهي تهز عنقها نافية:
-لا مش هينفع.
سألته عن عنوان المحل وأبت لتغادر، فقد أوجست في نفسها خيفة منه، عادت تنظر إليه وقالت:
-هو المكان مش بعيد صح؟!
-خمس دقايق بس بالعربيه.
فتح لها باب السياره لتركبت في الخلف، وقفت تُطالع السيارة في ريب وقلق لكنها ركب في النهاية وانطلق سيف بالسياره.
عدّل مرآة السيارة بحيث يستطيع رؤيتها، كانت مروى شاردة ضائعه فهي أشبه بمن كان يسلك طريق يجهله باحثًا عن مأوى، فانقطع عليه الضوء وأصبح يتخبط في الظلام يبحث عن ضياءٍ بدلًا عن المأوى.
كانت تنظر من نافذة السيارة تُدمع عيناها بين فنية وأخرى وتميحها بأناملها الرقيقة، بدأ له أنها شامسة في شيءٍ وخيم، شعر بضياعها وأثارت فضوله فأراد أن يمُد يد العون لها، قال:
-ينفع أسألك سؤال؟
انتشلها من بؤرة تؤرقها فاعتدلت في جلستها، وانتبهت للمرآة التي تُسلط عليها حين تلاقت عينها مع انعكاس عينه بقا، أطرقت وقالت:
-اتفضل.
-ليه عينك مليانه حزن أوي كدا؟
طالعته بسخرية وقالت ببرود:
-قديم أوي أسلوب الشقط دا يا كابتن.
ضحك وقال:
-الله يسامحك بقا دا شكل واحد بيشقط!! دا أنا حتى فاشل في الكلام دا...
افتر ثغرها بابتسامة جليدية، وقالت:
-اقتنعت أنا!!! وليه بتسأل يهمك في حاجه؟
-جايز يكون عندك مشكله وأقدر أساعدك!
تنهدت بألم وقالت:
-من ناحية المشاكل فأنا عندي مشاكل مش مشكله واحده... وبعدين محدش بيساعد حد من غير مقابل!
-لا والله أنا مستعد أساعد من غير مقابل ولوجه الله...
صمتت وشردت تفكر للحظات، فيجوز أن يساعدها كما يقول، فهو شخص لا تعرفه ولا يعرفها لن يحدث شيء فلتجرب عله يساعدها، حتى وإن لم يساعدها على الأقل ستتحدث، كما أنها تخشى أن تصل المشكله لأفراد أسرتها فهي لا تريد أن تمس المتاعب قلب والديها وستُحاول حل مشكلتها بنفسها! وبأي وسيلة...
خرجت من شرودها وأومأت برأسها قائله:
-هحكيلك...
ثم شرعت في سرد قصة حياتها، وهو يسمعها بانتباه.
_______________________________
-والله يا هدى دمك شربات...
قالتها نبيلة بضحك، فقالت هدى بمرح:
-طيب هقولك بقا فزوره... تعرفي ليه الدكتور الصيدلي لازم يبني عماره؟
-عشان يعيش فيها!
قالتها بتركيز، فردت منى بضحك:
-لا عشان يسكن الآلام.
صكت منى كفها بكف هدى وضحكتا ونظرتا كلا من رقية ونبيله لبعضهما ثم انفـ ـجرتا ضاحكتين، قالت
-انتوا بصراحه مسخره.... الي يقعد معاكم ميبطلش ضحك.
ابتسمت هدى قائله:
-بس دي أصلًا نكته بايخه مبتضحكش!
قالت نبيلة:
-ياختي احنا مبنصدق نلاقي حاجه نضحك عليها
انشغلتا منى وهدى ليكملان بتزين الشقه بينما تُطالعهما نبيله بإعجاب فهما زوجتان مثاليتان لأولادها سيف وسعد قاطع شرودها رقية التي جلست جوارها وهمست:
-اي رأيك فيهم؟
ابتسمت نبيله قائله:
-الاتنين زي القمر... ينفعوا سيف وسعد
لكزتها رقيه في كتفها بخفه قائله:
-لا انسي دول محجوزين منى لمصطفى وهدى لأحمد.
-من امته الكلام دا؟
قالتها نبيله بخيبة أمل، فرد رقية:
-عيني عليهم من زمان لمصطفى وأحمد... ادعي بقا ربنا يجعلهم من نصيبهم!
____________________________
وبعدما انتهت مروى من سرد حكايتها أضافت بحسرة:
-باختصار أنا أسوء بنت ممكن تقابلها في حياتك.
-لا متقوليش كده!! طول ما الإنسان بيغلط ويعترف بغلطه فمينفعش نقول عليه سيء.
وقف بسيارته فقد وصلا للمكان المراد، نظر لها بترقب منصتًا إليها يحثها بعينيه على تَلفُظ المزيد من الكلمات فقالت:
-بس أنا خونت ثقة أهلي... صاحبت ولاد كتير... معرفش ليه كنت بعمل كدا! عارف أنا كنت رايحه فين دلوقتي؟!
-فين؟!
-كنت رايحه عند بنت كده عشان أثبتلها إن أنا اتغيرت وافهمها إني مش وحشه زي ما هي متخيله! تقولي ليه عاوزاها تغير نظرتها عنك أقولك معرفش...
فكرت من عينيها دمعه:
-بس والله أنا عايزه أتوب وأتغير لكن الماضي مش عايز يسيبني... كأن حاجه بتزقني لورا... الشاب الي كنت بكلمه مركب وشي على فديوهات وحشه...
شهقت باكية واستطردت:
-أنا والله كان أخري كلام و في التلفون أو أقابله في مكان عام.... ودلوقتي عايز مني حاجات أكبر وإلا هيفضحني.
حكت له موقف العصير وكيف غابت عن وعيها، كان يسمعها بإشفاق يحدق بملامحها التي تزداد جمالًا مع بكائها وكأنه سُحر بها، جُذب إليها كأنها مغناطيس وهو قطعة من الحديد يُسحب إليها، سرعان ما غض بصره عنها ونظر أمامه، أما هي فقد إغرورقت وجنتيها بالدموع، سحب منديل من أمامه وأعطاها إياه قائلًا:
-طيب اهدي.... هاتيلي عنوان الواد دا ومتقلقيش.
-معرفش عنوانه.... كان معايا رقمه بس الموبايل معاك!
-طيب استني ثواني هروح أشوف الموبايل وأرجعلك.
دلف للمحل واستغرق به قرابة النصف ساعه، فارتجلت من السياره تنتظره، وبعد دقائق عاد وبيده هاتفها وقف قالتها وقال:
-اتفضلي موبايلك... غيرتله الشاشه بس وكل حاجه زي ما هي.
أخرج ورقة وقلم من جيبه وقال:
-قوليلي بقا اسم الشاب ورقمه وأي تفاصيل تعرفيها عنه.
وبعد أن أعطته التفاصيل وكتبها قال:
-هاتي بقا رقمك عشان أتابع معاكِ.
أعطته رقمها فقال:
-اسمك إيه عشان أسجله؟!
-مروى!
ريقها بنظرة استردها سريعًا وابتسم وهو يُسجل اسمها ويردده...
ارتفع هاتفها بالرنين فقال لها:
-دا رقمي سجليني سيف.
أومات ووقفت تُالع شاشة هاتفها في حين طلب سيف رقم أخر وبعد السلام، قال:
-فيه رقم عايزك تتحرى عنه يا غالي...
وبعدما انتهى من المكالمة طالعها وقال:
-متقلقيش يا مروى... استني مني مكالمه النهارده...
قالت بابتسامة:
-شكرًا...
أشار سيف لسيارته وقال:
-اتفضلي أوصلك...
-لا أنا هتمشى شكرًا لحضرتك.
همت بالمغادره فأوقفها صوته:
-لو فيه أي حاجه رني عليا أي وقت...
أومأت برأسها وغادرت لتعود للبيت فلم تعد بحاجه لرؤية منى أو غيرها، ارتاحت حين تحدثت مع سيف، لم تكن تدري هل ما تفعله صحيح أم أنها تقترف خطأً فادحًا، كانت كغريق وجد يد ممدودة فتشبث بها عله ينجو...
__________________________
جلس مصطفى مع أحمد في الڤيلا الخاصة به، يتبادلان أطراف الحديث بعد أن تناولا الغداء، حكى له أحمد عن علاقته مع مع هدى ثم قال:
-بس يا سيدي والموضوع انتهى على كدا!
-طيب معني كدا إنها بنت محترمه... مستني ايه بقا! روح اتقدملها.
-مش عارفه أوصلها حتى رنيت عليها من رقم تاني موبايلها مغلق... تقريبًا غيرت رقمها.
قالها أحمد فسأله مصطفى:
-طيب متعرفش هي ساكنه فين نسأل عنها؟
-مقالتليش معلومات عن نفسها إلا إنها من الإسكندريه واسمها هدى أشرف وفي كليه تمريض... المهم سيبك مني قولي إنت عملت ايه مع منى؟
سأله أحمد فتنهد مصطفى بعمق وقال:
-ولا حاجه مفيش جديد... بس أنا بحاول وهي تستحق بصراحه...
تنهد أحمد هو الأخر وقال:
-وأنا كمان هحاول...
____________________________
أسدل الليل ستارة الظلام، أصرت أم مصطفى على هدى أن تمكث لساعة أخرى فاستأذنت هدى والديها وجلست معهن يتبادلن أطراف الحديث، كم تمنت هدى لو تخرج من حالة الحزن التي تخيم على قلبها فقررت أن تقضي معهم ساعة أخرى علها تتناسى كل ما يرهقها...
ارتفعت رنات هاتف أم مصطفى فأجابت مسرعة:
-أيوه يا أحمد... راجع... طيب عطله نص ساعه كمان على ما ولاد خالته يوصلوا.
رد أحمد قائلًا:
-ركب عربيته أصلًا وخلاص كلها خمس دقائق ويكون عندك.
-طيب خلاص يا أحمد أهم حاجه تيجي معاه.
-متقلقيش... أنا راكب عربيتي وجاي وراه.
-طيب توصلوا بالسلامه.
كلما سمعت هدى إسم أحمد اختلج قلبها وازداد توترها، قاطع شرودها أم مصطفى قائله:
-يلا يا بنات جهزوا كل حاجه عشان مصطفى في الطريق.
وبعد خمس دقائق أغلقن كل أضواء المنزل مترقبين ومنتظرين...
فتح مصطفى باب الشقه ودلف ينادي والدته ثم أشغل الضوء، فتساقطت الورود على رأسه، نظر لجمال البيت وزينته وابتسم بسعاده وأمه وخالته تقولان:
-سنه حلوه يا جميل.
أقبل مصطفى يضم والدته ويقبل يدها ويشكرها على تلك الحفلة، ودخل أحمد يتبعه حاملًا هديه وهو يردد:
-يلا حالا بالا بالا حيوا ابو الفصاد...
ضحك مصطفى قائلًا:
-أبو الفصاد ده أنا!!
-كل عام وإنت بخير يا كبير.
قالها أحمد وهو يضم مصطفى، ثم أقبل يُسلم على ام مصطفى فشدته من أذنه بخفه قائله:
-هات حضن يا واد دا أنا أمك إنت ناسي إن أنا مرضعاك تسع شهور...
قبل أحمد يدها قائلًا:
-ربنا ميحرمنيش منك يا طنط.
كان هدى ومنى يقفان جوار المطبخ ترهفان السمع فدق جرس الباب ودخل سيف مع إخوته وجلس الجميع معًا يتبادلن أطراف الحديث وهدى ومنى في المطبخ، حملت هدى البيبسي لترتشف منه تاره وتتحدث تارة، قالت:
-مش كنا مشينا بدل ما إحنا محشورين في المطبخ كدا!
-يا بت بطلي بيبسي بقا هتتعبي.
ارتشفت هدى رشفة أخرى وقالت:
-سيبيني أشرب يمكن أنسى...
ضحكت منى علي كلامها وقاطعهما رنين هاتف منى برقم غير مسجل، فأجابت وألقت السلام، فردت مروى بتلعثم:
-عليكم السلام أنا مروى... معلش يا منى أنا جيت لحد البيت بس اضطريت أروح مشوار ضروري
-ولا يهمك يا حببتي أنا موجوده أي وقت.
-تسلمي يارب شكرًا ليكِ هكلمك تاني إن شاء الله.
وبعد السلام أغلقت معها فسألت هدى:
-هي مين دي؟
-دي مروى كانت عايزه تقابلني!
-أهااا طيب خلي بالك بقا عشان أنا بغير... إنتِ صاحبتي لوحدي تمام؟
ابتسمت منى قائله:
-إنتِ أختي أصلًا مش صاحبتي.
غمزت هدى بعينها وقالت:
-طيب احكيلي بقا اي حكاية مصطفى... عينك بتطلع قلوب لما بتسمعي إسمه.
شهقت منى وقالت بصدمة:
-يا نهار أبيض هو أنا باين عليا حاجه؟
ابتسمت هدى قائله:
-لا بس أنا قرياكِ يا بت.... احكيلي بقا.... ما أنا حكيتلك عن أحمد.
قالت منى بعد تنهيدة حارة:
-اسكتي يا هدى متقلبيش عليا المواجع.
-مواجع! دا الموضوع كبير بقا!
-بعدين هبقا أحكيلك عشان محدش هنا يسمعنا.
_______________________
دخلت أم مصطفى للمطبخ وقالت:
-أنا آسفه يا بنات نسيتكم خالص... تعالوا اقعدوا معانا بره.
هدى بتلعثم:
-لا أنا مش خارجه إلا لما الحشد الي بره دا يمشي أنا بتكسف.
وجهت أم مصطفى حديثها لمنى:
-طيب تعالي إنتِ يا منى إنتِ عارفاهم كلهم.
قالت منى بتلعثم:
-لا يا طنط احنا هنمشي أصلًا أ..أنا بس كنت عايزه أدي لمصطفى الهديه دي ممكن توصليهاله...
ابتسمت أم مصطفى وقالت بمكر:
-طيب متوصليهاله إنتِ!!
سحبتها من يدها إلى الشرفه وهي تقول لهدى:
-عن إذنك ثواني يا هدى...
وانصاعت منى لها فخرجت وهي تُطالع هدى، فقبلت هدى باطن يدها ولوحت لها بابتسامة...
وقفت منى بالشرفة تقرض اظافرها، حتى سمعت صوته وهو يرد على والدته:
-نعم يا ماما!
أشارت الشرفة حيث منى وقالت بعد غمزة:
-منى كانت عايزاك.
ابتسم مصطفى فور ابصرها، تركتهم وغادرت والدته معلله:
-هشوف خالتك بتنادي ليه!
توترت منى وتحول عقلها لصفحة بيضات أصبح الكلام ثقيلًا على لسانها، قالت متلعثمة:
-كـ... كل سنه وإنت طيب.
-وإنتِ طيبه يا منى.
مدت يدها بالهديه وهي تبتلع لعابها قائلة:
-دي حاجه بسيطه كدا!
-دي حاجه كبيره أوي عندي... شكرًا لذوقك.
همت أن تغادر لولا أن أوقفها صوته قائلًا:
-ليه بتتهربي مني؟
التفتت نحوه وقالت:
-ههرب منك ليه!
-أنا جوايا كلام كتير أوي عايز أحكيهولك يا منى.
قالها مصطفى فوضعت يدها على سور الشرفه وهي تُطالع الطريق لبرهة، وقالت:
-بس احنا مفيش بينا كلام!
-ومين السبب في كدا! مش إنتِ الي بعدتيني عنك!
حدقت بنقطة وهمية في الفراغ تفكر في طريقته! أمازال يُلقي اللوم عليها! مازال يجهل مرادها! خاطبته باقتضاب:
- أنا لازم أمشي عشان هدى مستنياني.
-شوفتي بقا بتتهربي مني ازاي؟! منى إنتِ مش حاسه بيا! مش حاسه بمشاعري ناحيتك؟ أنا عايز أخد خطوه وخايف من رد فعلك.
قالها بانفعال، أقال مشاعره!؟ فماذا عن مروى؟ عزمت ألا تُخطئ مجددًا ستُحاول أن تُلملم ما تبقى من كرامتها وكبريائها، فنطقت:
-مصطفى أنا مش بتاعت الكلام دا وإنت عارف كدا كويس!
-كلام إيه! منى إنتِ فاكراني عايز أصاحبك؟!
هز رأسه يمنةً ويسرةً وهو مبتسم بسخريه وقال وهو يُطالع الطريق من شرفته:
-إنتِ متخيله إن أنا ممكن أفكر فيكِ كدا!!
_________________________
على جانب أخر جلست أم مصطفى ووجهت كلامها لأحمد قائلة بمكر:
-ممكن يا أحمد تجيبلنا مايه من المطبخ.
-حاضر يا طنط... ثواني.
قالها ونهض متجهًا للمطبخ، وهي تنظر لأثره بابتسامة.
********
كانت هدى تقف في المطبخ تفتح علبة الجاتو لتأكل القطعه الثالثه لكنها توقفت وقالت:
-أكيد هيقولوا عني مفجوعه... بلاش...
أغلقت العلبه مرة أخرى حدثت حالها قائله:
-خليني أرص المواعين دي وأسلي نفسي على ما الست منى تيجي...
ومن ناحية أخرى دلف للمطبخ فوجدها تقف على أطراف أصابعها تحاول وضح الطبق بمكانه، فابتسم وتنحنح فأجفلت وسقط الطبق من يدها فانكـ ـسر عضت لسانها وانحت تلملم الفتات، وحين أبصرت أحمد ونظرت لهذا الذي يرتدي نفس التيشيرت الخاص بحبيبها! ازدردت ريقها بتوتر واختلج قلبها.
انحنى أحمد ليساعدها في جمع الفُتات نظر لها قائلًا: أنا آسف لو خضيتك.
جاءت أم مصطفى مهروله أثر صوت الطبق وهي تقول:
- فيه إيه يا أحمد؟
وبمجرد أن سمعت هدى إسمه ارتعدت فرائصها فهو أحمد! ليس شبيه كما تعتقد! وقفت وألقت ما جمعته من الطبق المكسور أرضًا فتبعثر مرة أخرى، ضحك أحمد على صنيعها، وخاطب أم مصطفى:
-مش تقولي يا طنط إن فيه حد في المطبخ!
قالت رقيه بخبث:
-معلش يبني نسيت خالص.
خافت هدى أن تنطق أم مصطفى اسمها فحاولت أن تقول أي شيء يغطي على الكلام فنكقت بتوتر:
- أنا أسفه يا طنط... لازم أمشي حالًا عشان اتأخرت.
هرولت هدى لخارج المطبخ فنادتها أم مصطفى قائله:
-استني يا هدى شنطتك!
عادت لتأخذ حقيبتها وهي ترمقه بطرف خفي وقلبها يختلج...
أما هو فحين وقع الإسم على مسمعه ولاحظ حركاتها وتوترها شك أنها هي! فهر ل خلفها وهو يقول:
-طنط أنا هنزل أجيب حاجه من تحت وأجي.
ابتسمت أم مصطفى بانتصار وهي تقول:
-ماشي يا حبيبي.
ظنت أن خطتها نجحت وأنه أُعجب بها، فانحنت تُلملم فتات الطبق المكسور وهي تبتسم بسعاده قائله:
-فداهم...
____________________
كانت مروى تعبث بهاتفها حين وصلها رساله من حمدي بفديوهات وصور أخرى لها، فمن يراها لن يشك للحظه أنها مركبه...
هَمَى الدمع من عينيها لتصب دموع الحسره، صدع هاتفها بالرنين فأجابت:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيك... حرام عليك إنت شيطان!
قال وهو يبتسم ساخرًا:
- أنا مستنيك دلوقتي في عنوان***** لو مجيتيش صورك مش هتاخد دقيقه وتكون منتشره في كل مكان.
أغلق دون أن تعقب، لم ينتظر إجابتها...
أطبقت يدها على فمها لتكتم شهقاتها ثم حملت هاتفها تطلب سيف لكنه لم يرد عليها فارتفع نشيجها وبدون ذرة حِكمة أو تريث ارتدت ملابسها وخرجت دون استئذان ودون أن يراها أحد...