رواية وما معني الحب الفصل التاسع9 والعاشر10 بقلم ايه شاكر

رواية وما معني الحب الفصل التاسع9 والعاشر10 بقلم ايه السيد شاكر 
إنت إزاي تدخل حمام السيدات؟!

نظر «سعد» لأرجاء المرحاض باضطراب ثم قال بلجلجة:
-لأ حضرتك إللي داخله غلط! مرسوم بره علامة راجل أنا متأكد...

ازدردت ريقها بتوتر وهرولت لتفتح الباب، كانتا يداها ترتعشان بتوتر، تمسك حجابها بيد وتحاول فتح الباب بالأخرى، كان سعد ينظر في كل اتجاه إلا نحوها وكان مشفقًا على حالتها...

فتحت الباب وكادت تفر من أمامه، ولكن أوقفها صوته المرتعش:
-استني رايحه فين؟ تعالي البسي حجابك وأنا هقفلك قدام الباب.

وقفت مكانها لبرهة دون التفات وكأن قدميها التصقت بالأرض بل وكأنها تحولت لتمثال من شمع.
كان جبينه يتفصد عرقًا من شدة الحرج وقال متحاشيًا النظر نحوها وقبل أن يخرج:
-اقفلي من جوه وأنا هقفلك على ما تخلصي عشان محدش يزعجك.

أومأت رأسها، وبمجرد خروجه صكت الباب خلفه بقـ ـوة فأجفل، وأطبقت «ناهد» يدها على صدرها لتهدئه تلك المضغة التي كادت تثب خارج أضلعها، قلبت نظراتها بارجاء المرحاض وابتلعت ريقها ثم قالت: 
-دا إيه الغبـ ـاء إلي أنا فيه ده... إزاي مأخدتش بالي إن دا حمام الرجاله!

نفخت بضيق ثم وقفت تنظر لإنعكاسها بالمرآة وتهندم حجابها وحين أبصرت وجهها الذي تحول لكتلة حمراء، خاطبت نفسها:
-خلاص اهدي يا ناهد...

أخذت تتنفس بهدوء وهي تقول:
-شهيق... زفير... اهدي محصلش حاجه ابدًا...

وبعد أن انتهت من لف حجابها مسكت مقبض الباب بتوتر، ووضعت يدها الأخرى على صدرها فكانت تستحي أن تخرج فتضطر لرؤيته مرة أخرى، أخذت نفسًا عميقًا من أنفها وزفرته من فمها لتهدأ ثم أدارت مقبض الباب وخرجت، رمقته بنظرة استعادتها سريعًا ثم قالت على استحياء: 
-شكرًا.

أشار سعد للافتة أمام الباب وقال:
-دا حمام رجاله أنا عمري ما اتلغبط في الرسمه أبدًا... ابقي خلي بالك...

قالها وانصرف من أمامها ووقفت هي تُطالع الافته ثم أطبقت يدها على جبهتها وأطرقت وهي تكبح ابتسامة حاولت شق الطريق لتظهر على شفتيها.

أما سعد فكان يسير بخطى واسعة ليبتعد عنها وقد ارتسم الحرج على قسمات وجهه.
                    ********
جحظت عيني مروى حين أبصرته أمامها، لم تتخيل أن يكون ضابط شرطه، عضت شفتيها في توتر وأطرقت، خشيت أن يتهور ويحكي أي شيء أمام والدها فقد ظنت أنها لن تراه مجددًا بعدما حكت له كل شيء وكشفت له تفاصيلها الخاصة والتي تخفيها عن أفراد أسرتها...

رمقها سيف بنظره خاطفة ووجه كلامه لوالدها قائلًا: 
-كنت عايز تقرير لحالة الأنسه منى!

-حالة منى! طيب اديني خمس دقائق هكتبهولك ويكون جاهز.

-تمام خد وقتك يا دكتور... وأنا هاخد أقوال منى على ما تخلص إن شاء الله.
 
أومأ عوض بالموافقه، وخاطب مروى قائلًا:
-هروح أكتب التقرير على ما ناهد تيجي... إستنوني هنا ثواني.

ابتعد سيف خطوتين وتظاهر بانشغاله بهاتفه وبمجرد انصراف عوض رفعه بصره ونظر لمروى التي ظهر عليها الارتباك، وازدردت ريقها في اضطراب وهي تعدل من حقيبتها، فابتسم واقترب منها قائلًا:
-إزيك يا مروى؟

إجابته دون أن ترفع بصرها فسألها:
-لسه الواد دا بيضايقك ولا الموضوع إتقفل؟
-لا الحمد لله الموضوع اتقفل.
-طيب كويس... خلي بالك من نفسك.
ابتسمت قائله:
-شكرًا لحضرتك.... 

رفعت بصرها وأردفت بارتباك:
-ياريت الموضوع دا يفضل سر بينا لأن محدش من أهلي يعرف عنه حاجه.

ابتسم وهز رأسه متفهمًا وهو يقول:
-متقلقيش اعتبري نفسك مقولتليش أي حاجه.

استأذنها سيف حين ارتفع رنين هاتفه برقم سعد ووقفت لحالها بينما كان يتحدث عبر الهاتف أخذت ترمقه بطرف خفي وفعل هو مثلها وفجأة التقت نظراتهما وتشابكت للحظات فانتفض قلبيهما في آن واحد وأطرق كل منهما قبل أن يصل سعد لمكان أخيه.

أقبلت ناهد حين رأتها، سألت:
-أومال بابا فين؟
 
لم تجبها وظلت شاردة، وانتبهت حين فرقعت ناهد أصابعها أمام وجهها، سألتها:
-هه... قولتي ايه!!
-سرحانه في إيه؟ بقولك بابا فين؟ 
-راح المكتب... تعالي نستناه قدام العربيه أحسن من هنا.

رمت سيف بنظرة أخيرة قبل أن تجذب أختها من ذراعها وتخرجلن من المستشفى، بينما كانت ناهد تتابع حركات أختها المضطربه ونظراتها الأخيرة المختلسه، سألت ناهد:
-مين اللي كنتِ بتبصي عليه ده؟!

توترت مروى وقالت: 
-هه... لأ معرفهوش هو ظابط بس أنا معرفهوش.

قالت ناهد بمكر:
-ظابط!! إنتِ متأكده إنك متعرفهوش؟!
غيرت مروى دفة الحوار قائله:
-الله يكون في عون بابا دا أنا اتخنقت من ريحة المستشفى دي!!

من ناحية أخرى كان سعد يتابع ناهد التي وقفت للحظات مع مروى قبل أن يغادرا، ابتسم حين تذكر ما حدث وطالع أخيه قائلًا:
-أما أنا حصل معايا حتة موقف... تعالى أحكيلك...
_____________________
دخل مصطفى لغرفة منى التي تسكن الفراش، وقد عُلق بيدها محلول، كان يرنو إليها بإشفاق، قال:
-ألف سلامه عليكِ يا منى.

-الله يسلمك.
قالتها بوهن تزامنًا مع دخول الممرضة التي قلبت نظرها بالغرفة حيث كانت هدى ورقيه ونبيلة، وقالت:
-لا يا جماعه مينفعش الزحمه دي.... لو سمحتوا واحده بس تقعد والباقي يتفضل بره.

هدي: خارجين دلوقتي.
اقتربت هدى من الممرضة وأردفت: هي ملهاش علاج دلوقتي؟ 
الممرضه: ليها كمان ساعه.

ارتفعت رنات هاتف هدى فخرجت من الغرفه لتجيب أختها، هدير التي قالت:
-إيه يا دودو منى عامله إيه؟
-الحمد لله يا هدير فاقت بس متبهدله إدعيلها.
-ربنا يشفيها يارب.... أنا هخلص الدرس وأجي أتطمن عليها.
-ماشي يا قلبي إبقي رني عليا وأنا أقابلك.

على جانب أخر 
اقترب مصطفى من منى قائلًا:
-سيف عايز ياخد منك كلمتين عشان الحادثه
تحاشت منى النظر نحوه ونطقت:
-ماشي خليه يدخل.
أومأ رأسه مؤيدًا وخرج ينادي سيف.

فنهضت أم مصطفى وقالت:
-وأنا هروح أطبخلك حاجه تسندك.
-لأ متتعبيش نفسك يا طنط... أنا مليش نفس لأي حاجه.
قالتها منى فعقدت أم مصطفى جبهتها وهي تقول بانفعال مصطنع:
-هتاكلي غصب عنك خليكِ تقوميلنا بالسلامه.

قاطعتها نبيله التي وقفت جوار منى وربتت على يدها بحنان:
-أنا كمان همشي يا حببتي وهجيلك تاني.
-شكرًا يا طنط... تعبتك معايا.
قالتها منى بضعف،فابتسمت نبيله قائله:
-عقبال ما أتعبلك كدا في فرحك يا حببتي.

سُرعان ما خرجتا وظلت منى لحالها للحظات قبل أن يدلف بصحبة سيف الذي هتف قائلًا:
-حمد الله على سلامتك يا استاذه منى.
-الله يسلمك.
-تقدري بقا تحكيلي تفاصيل الحادثه؟

أومأت منى برأسها وبدأت تسرد عليه ما حدث وأثناء الكلام انزلق حجابها كاشفًا عن خصلات شعرها الأماميه فاقترب مصطفى منها ومد يده ليسحب حجابها للأمام توترت وتلعثمت في الكلام، طالعته بنظرة تشي بالكثير وابتسمت وتلاشت ابتسامتها حين لاحظت أثر الإرهاق باديًا على قسمات وجهه.

وضع مصطفى هاتفه جوارها ليتظاهر ويكأنه نساه ليعود إليها مرةً أخرى، خرج من الغرفه، وأثناء سيره بجوار سيف هتف بدهشة زائفة:
-أنا باين نسيت موبايلي جوه! اسبقيني إنت وأنا هجيبه وأجي.

طرق بابها عدة طرقات ثم فتحه، وحين رأته يدخل مجددًا حاولت أن تعتدل من رقدتها لكن أوقفها صوته:
-خليكِ زي ما إنتِ.... أنا نسيت الموبايل بس هاخده وامشي.

انحنى يأخذ هاتفه ووقف يضعه في جيبه مسلطًا نظره عليها، أراد أن يطمئن على خالتها بينما كانت هي تنظر في اتجاه آخر شاردة ومتعبه، قال: 
-مش عايزه أي حاجه أجيبهالك؟ 

تأوهت بألم وقالت:
-خليهم بس يجيبولي مُسكن لأني بدأت أحس بألم.

-هدى كانت بتجهز الأدويه بتاعتك بره.

أومأت رأسها، فابتلع ريقه، وقال:
-منى.... 

نظرت له وقد ارتسم الاستفهام على ملامحها وهي تترقب قوله، فأردف في تردد:
-أنا شايف إني إتأخرت أوي على طلبي دا.

صمت هنيهة ثم ابتسم وقال:
-لكن أن تصل متأخرًا خيرٌ من ألا تصل أبدًا. 

صمت هنيهة أخرى ونطق:
-تقبلي تتجوزيني؟

لا تدري لمَ ابتسمت! لكن جاهظت وأخذت إبتسامتها ورسمت معالم الجديه على وجهها قائلة: 
- مش وقته الكلام دا.

-إحنا كدا كدا هنتجوز... دلوقتي أو بعدين... أنا بحبك وإنتِ بتحبيني إيه المانع بقا؟

رفعت عينيها الزابلتين، وكانهما أوراق شجرة في فصل الخريف تجاهد لتبقى على غصنها، قالت: 
- إنت شايف إن دا وقت مناسب للكلام دا؟! 

-أيوه هو دا الوقت المناسب، دا أكتر وقت إنتِ محتجاني فيه وأنا كمان محتاجلك. 

صمتت تفكر في عرضه، فهي سعيده بعرضه وتريده بجانبها تريد أن تستند عليه حتى ولو كان سيتزوجها إشفاقًا عليها فهي ستوافق، فالآن هي أضعف من أن ترفض عرضًا كهذا، تريد أن تشعر بالأمان والإطمئنان، تريد أن تعيش في كنفه ويعود لوصايته عليها، أمَ كفاها مكابرة وعناد! ستُلقي بكرامتها وكبريائها جانبًا وتركن عقلها لتمشي وراء هواها وعاطفتها، أخرجها من شرودها حين قال: 
-هنكتب الكتاب دلوقتي والفرح براحتنا.

حاولت إظهار بعض الكبرياء قائلة: 
-دا إسمه جنان!

ابتسم قائلًا: 
-إيه المشكله لما نتجنن شويه أخدنا إيه من القرارات الي بتتاخد بالمسطره.

ازدردت ريقها بتوتر ولم تنبس بكلمه، فحتى وإن كان لا يحبها فهي تحبه وتريده، قاطع شرودها قائلًا: 
-هسيبك تفكري على ما أجيب الشبكه والمأذون وأجي.

ضحكت على طريقته فأردف مبتسمًا:
-ضحكت يبقا قلبها مال...

فقلبهاولم يميل فقط فقد وقع في حبه منذ زمن بعيد، قاطعتهما منار التي فتحت الباب بدون استئذان ودخلت قائله بسماجه:
-شكلي جيت في وقت غير مناسب ولا إيه.... حمد الله على السلامه يا منى.
 
ردت منى وهي تشيح بصرها عنها قائلة بجمود:
-الله يسلمك.

حمحم مصطفى وقال:
-طيب هستأذن أنا وزي ما اتفقنا بقا يا منى.

قالت منى:
-لا استنى كنت عايزاك في حاجه.

شعرت منار أن وجودها غير مرغوب ولا مرحبًا بها،  فنظرت لمنى قائله بنبرة مرتعشة:
-آآ... تنا كنت جايه أتطمن عليكِ. 
-فيك الخير يا منار. 
قالتها منى دون أن تُطالع منار، وتعجب مصطفى من طريقة منى، فهو يعرفها جيدًا ولم يعهد.منها إلا أنها تعامل الجميع بمودة.

حدجتها منار بغيظ فكانت تظنها ميته لم تتوقع أن تتحسن حالتها، خرجت منار بدون إستئذان ونظرت منى لأثرها بإزدراء، فسأل مصطفى:
-مين السمجه دي؟
-سيبك منها... هحكيلك عليها بعدين.

خشى مصطفى أن ترفض منى عرضه للزواج فابتلع ريقه وهو يقول:
-طيب قولتيلي عايزاك في حاجه؟!
-عايزه أقولك إن مفتاح شقتي في الشنطه و... والبطاقه وفي درج المكتب بتاعي هتلاقي صور شخصيه عشان كتب الكتاب.

ابتسم مصطفى وتهللت أساريره قائلًا وهو يرفع سبابته:
-ساعه وهجيب المأذون وأجي قبل ما ترجعي في كلامك.

اتسعت ابتسامة منى وفتح هو الباب ثم خرج مهرولًا وقد تناسى كل التعب وقلة النوم فلم ينم غير ساعة منذ البارحه، وصل حيث تقف والدته لحالها تنتظره بعد أن غادرت خالته مع أولادها وقال وهو يلهث: ماما مش عايزه تفرحي بيا؟
-طيب خد نفسك الأول... طبعًا عايزه أفرح بيك.

ابتسم قائلًا:
-أنا قررت أتجوز منى.

أطلقا والدته زغروده في المستشفى فضحك مصطفى قائلًا:
-إيه يا أم مصطفى إحنا في المستشفى.
-دا أسعد خبر سمعته في حياتي... ربنا يشفيها يارب وأنا أعملكم فرح الناس كلها تحكي بيه.

باغتها بقوله:
-أنا عايز أكتب الكتاب النهارده... هي موافقه وأنا عايز أكون جنبها في الوقت دا إيه رأيك؟!

ضمته والدته قائله بسعاده:
-عين العقل يابني... ربنا يسعدك ويجبر خاطرك يارب.

سُرعان ما أضافت:
-بس الإجراءات والكشف الطبي و...
-متقلقيش أنا هرتب كل حاجه.
_______________________
خرجت «هدير» من الدرس نظرت لصديقتها التي تقف مع شاب تمسك يده وتمازحه، تتوارى كي لا يراها أحد، كانت هدير تنتظرها لتأتي وحين رأتها الفتاه سلمت على الشاب واستأذنته وأقبلت إلى هدير مبتسمه.....

قابلتها هدير بوجه متجهم وقالت: 
-إيه الي بتعمله دا؟ مين الي كنتِ واقفه معاه؟ 

قالت الفتاه بإبتسامه:
-دا الكراش بتاعي ماصدقت يكلمني اديته رقمي وأخدت رقمه.
-يعني ايه كراش أصلًا؟
-دا إنتِ قديمه أوي متعرفيش يعني إيه كراش! 

أشارت على بطنها قائلة:
-دي حاجه قريبه من الكرش يعني! إيه كراش دا؟

ضحكت الفتاه بمياعه لتجذب انتباه الشباب جوارهما وقالت:
-لا يبنتي بكراش عليه يعني كنت متابعاه وبتفرج على صوره كدا من بعيد لبعيد.

ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجه هدير وقالت:
-والله! 
أردفت بحزم:
-حرام يبنتي ربنا أمرنا بغض البصر مينفعش الي بتعمليه دا!
-بقولك إيه متعمليش فيها شيخه... عايزه تفهميني إن معندكيش كراش متابعاه؟!
-لا والله ما عندي.... أنا محافظه على قلبي لحلالي وقرة عيني.
-بقولك ايه يا هدير أنا مش عايزه مواعظ خليكِ في حالك...
ابتسمت الفتاة مستطرده:
-أنا فرحانه أوي أخيرًا هخرج معاه.

ردت هدير بحزم:
-علفكره لو استمريتِ في الي بتعمليه هقول لأهلك وهقطع علاقتي بيكِ.

نظرت لها الفتاه وقالت بغيظ: 
-هدير متدخليش في حياتي تقولي لأهلي ايه! ياريت متشغليش بالك بيا 

تشاحن الفتاتان تأرجح حوارهما بين شد وجذب إلى ان غادرت هدير وتركت الفتاه تقف مكانها وتطالع أثرها بغضب وهي تنفخ بحنق شديد، حملت الفتاة هاتفها وطلبت رقم شاب وبمجرد أن أجابها قالت: 
-أيوه يا فؤاد... لقيت البنت الي كنت بتدور عليها ولا لسه؟

تنفست الصعداء وقالت:
-طيب أنا لقيتها
وفي بيت سيف كان االثلاث إخوة يجتمعون بغرفة  واحدة ويروى لهما سعد ما حدث معه للمرة التي لا حصر لها وملامحه تشي بمدى إعجابه بالفتاة ويرتسم على محياه ابتسامة عذبة، قال معاذ بابتسامة:
-يابني إسألني أنا... كل قصص الحب وفي كل الروايات والأفلام بتبدأ كدا صدفه، نظره، ابتسامه، يليها حب وجواز علطول.

حاوط سعد كتفي معاذ بذراعه وقال وهو يتذكر ناهد:
-هي بصراحه حلوه وأبوها دكتور مشهور وكمان باين عليها محترمه بفكر كدا أخد خطوه وأفك النحس وأتجوز.

وثب معاذ ووقف أعلى الفراش وأخذ يغني:
-الحب كدا وصال ودلال ورضا وعصام...

-أم كلثوم قالت رضا وعصام! 
قالها سيف الذي كان يتابعهما في صمت وشرود وهو يرقد أعلى الفراش بزي العمل، فضحك معاذ قائلًا:
-لأ أنا الي قولت.

أغلق سيف جفونه وقال بإرهاق:
-اتفضلوا اطلعوا كملوا كلام بره عشان هموت وأنام... منمتش طول الليل.
 
قال أخر جملة تزامنًا مع فتح والدتهم نبيله باب الغرفة، قالت ببهجة:
-يا ولاد! كتب كتاب مصطفى كمان ساعه اجهزوا يلا... عقبال عندنا يارب.

فتح سيف عينه بثقل وعقد جبهته وهو يقول ببعض الدهشة:
-مين مصطفى؟!! إوعي يكون إبن خالتي! 
-أيوه، هو إنتوا تعرفوا مصطفى غيره!!! هيكتب كتابه على منى النهارده.

قالتها نبيلة وهي تجلس جوار سيف، الذي سحب الغطاء عليه وهو ينطق بصوت مرهق:
-طيب ألف مبروك... عقبالك يا سعد.

خاطب سعد والدته:
-ليه كدا! طيب ما يستنى على ما تطلع من المستشفى!
تثائب سيف وردد بتكاسل:
-وأكون نمت شويه أنا مش عارف أفتح عيني.

ابتسم سعد وهو يحدث بنقطة وهمية في الفراغ: 
-بس هو بيحبها وهي تستاهل بصراحه، وخير البر عاجله.
-طيب أجهز نفسي بقا عشان نروح نعمل الواجب. 
قالها معا بحمـ ـاس، فقال سعد:
-وأنا كمان خدني معاك أوضة اللبس.
-وأنا كمان هقوم أجهز نفسي...
قالتها نبيله، وخرجت من الغرفة وتبعها سعد ومعاذ، تاركين الغرفة مضاءة، فرفع سيف رأسه وهدر بهم:
-يا جماعه طفوا النور الله يكرمكم عشان أنام.

عاد معاذ وأطل برأسه من الباب ومد يده يطفئ الضوء وهو يقول بضحك:
-هنطفي كل النور بس خلي بالك أصل أبو رجل مسلوخه يطلعلك من تحت السرير.
 
رد سيف بصوت ناعس:
-متقلقش أنا أصلًا إلي سلخله رجله.... إطفى النور يا معاذ وخد الباب في إيدك بدل ما أقوملك.

قالها سيف منفعلًا، فأغلق معاذ الضوء وصفع الباب خلفه بقـ ـوة فأصدر دويّ مزعجًا، غمغم سيف نازقًا وسُرعان ما غط في سباتٍ عميق...
______________________
في مكان يشبه غرفة العمليات
جلس ما يقرب من ثلاث رجال مع منار وفتاة أخرى، ع طاولة مستديرة، يرأسهم «جابر» الذي هتف قائلًا: 
-إحنا محتاجين نهدي اللعب الفتره دي.
-هو كدا خلاص هنشيل منى من الخطه.
قالتها منار بنبرة مرتعشة ومرتبكه، فعلق جابر بغيظ:
-إنتِ عايزه تودينا في داهيه! خلي بالك يا منار أخطائك كترت...

منار بخوف:
-آآ... أنا آسفه يا دكتور جابر وأوعدك إني هركز كويس.

قال جابر:
-العين علينا دلوقتي.... هنهدي شويه لحد ما أظبط كام حاجه وهنرجع أقوى من الأول...

كان زياد يرمق حمدي بين حين وأخر وهو شارد يحاول استنباط ما يفكر به، فطالعه جابر وقال:
-وإنت يا زياد!

انتفض زياد ونظر له، فاظف جابر:
-متحاولش تقابل حد من الجماعه الفتره الجايه؛ لأن أنا حاسس إن الحكومه عينها عليك.

أومأ زياد رأسه عدة مرات مرددًا: 
-حـ... حاضر يا دكتور.

نهض جابر وقال:
-حاولوا متقابلوش بعض الفتره الجايه لحد ما أكلمكم أو أتواصل معاكم تاني.
 
انتهى الإجتماع وغادر الجميع...

وخارج المبنى وقف زياد قبالة حمدي وقال:
-إيه رأيك؟

أطلق حمدي ضحكة كالزفرة وقال بسخرية:
-نهايتهم قربت.
_______________________
-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير...
 
ارتفعت أصوات الزغاريد لتعم أرجاء المستشفى وارتسمت السعاده على وجوه الحضور، عانقت أم مصطفى ابنها ثم ضمت منى بحب وأدمعت عيناها وقالت:
- ربنا استجاب لدعواتي، كنت بدعي ليل نهار تكوني من نصيبه... مبروك يا حبايبي.
 
هنئهما الجميع ووخرجوا من الغرفة...

وبخارجها نظرت «هدير» للساعه بيدها وقالت:
-أنا همشي بقا يا هدى عشان ميعاد الدرس... إنتي هتروحي إمته؟ 
-مش عارفه والله ممكن أبات مع منى النهارده كمان.

-طيب أنا هخلص الدرس العشا هكلمك قبل ما أرجع البيت.

غادرت هدير بينما كان أحمد يسترق النظر إلى هدى المرهقة اقترب منها قائلًا:
-لازم تروحي ترتاحي شكلك مرهق أوي. 
ابتسمت هدى وقالت: مقدرش أسيب منى لوحدها.
ابتسم قائلًا بإعجاب: اطمني منى مبقتش لوحدها... إنتِ جدعه أوي يا هدى.

ردت على استحياء: شكرًا.

على جانب أخر أضاء هاتف معاذ معلنًا عن إتصال من رقم لأحد أصدقائه:
-أيوه يا فؤاد... 
-ماتيجي نسهر.
-نسهر مع بعض للصبح عادي.... بس يا عم تكون القعده حلوه وبسمسم مش زي المره الي فاتت وإلا إنت عارف هعمل إيه!
ابتسم فؤاد بخبث وقال:
-متقلقش دا أنا مجهزلك قعده في قمة الحلاوة والنقاوة.
-ماشي يا ريس... جايلك...

وبعدما أنهى المكالمة جذب انتباهه تعرقل هدير وقوعها أرضًا وتساقط المذكرات والأوراق من يدها، اتجه نحوها يساعدها على النهوض ويجمع ما وقع منها ثم قال:
-إنتِ كويسه؟ 
أومأت في حياء وهي تقول:
-أيوه كويسه... شكرًا ليك.
قالتها وأخذت باقي أوراقها ومضت تتعثر في خطاها حرجًا واضطرابًا، وهو يُطالع أثرها ويقلب شفتيه في حيرة.
_____________________________
جلس مصطفى على مقعد مقابل منى والبسمه لا تُفارق محياه...

طالعته منى وأطالت التدقيق في ملامحه بعدما كانت تغض بصرها عنه كم اشتاقت له، أصبح حلالها تنظر له كيفما تشاء وتحبه كما تهوى، وتنهل من حبه دون قلق...

 أقبل مصطفى إليها وأمسك يدها بحنان قائلًا:
-بحبك من وإنتي لسه صغيره، حبيتك وإنتِ بتكبري قدام عيني يوم بعد يوم...

قبلها من جبينها فأغلقت عينيها، تزامنًا مع فتح هدى الباب دون أن تطرقه فعادت تغلقه في خجل وأدارت ظهرها له بإحراج، سرعان ما فتح مصطفى الباب وقال:
-تعالي... تعالي يا هدى.
ابتلعت هدى ريقها واقبلت إلى منى وقالت في تلعثم:
-أنا عايزاكِ تقومي تتحركي عشان الجرح يلم أسرع.
 
بدلت منى نظراتها بين مصطفى وهدى وقالت:
-لا أنا مش هقدر... إذا كنت قاعده وحاسه بالألم أقوم اتحرك ازاي!!

اقتربت منها هدى تساعدها وقالت:
-يلا بس هساعدك أنا وأستاذ مصطفى.

-سيبيها يا هدى أنا هساعدها تمشي.
 
أمسك مصطفى بيدها فارتسمت الإبتسامه على شفتيها، فابتسم وساعدها لتنهض وبدأت تسير ببطئ وهي تستند عليه وترمقه باطمئنان بين فنية وأخرى...

 وبعد ساعة
امرت أم مصطفى هدى أن تعود لبيتها وترتاح ثم تأتي في الصباح إذا ارادت، فوافقت هدى فقد كانت في اشد الحاجه إلى الراحه، كان أحمد ينتظر خارج الغرفه وما أن ابصرها تمشي، تبعها وناداها فوقفت، قال:
-رايحه فين؟ 
-هروح بقا طنط هتبات معاها الليلة.
-طيب يلا هوصلك في طريقي.
-طيب بس الأول هكلم بابا أستأذنه...

قالتها بارتباك فأخرج هو هاتفه وقال بابتسامة:
-أنا يا ستي اللي هكلملك بابا أستأذنه.
_______________________

خرجت «هدير» من درسها بعد أذان العشاء، كانت تسير لحالها فقد قاطعت صديقتها الوحيدة بعد مشاجرة الصباح، رن هاتفها فردت قائلة: 
-أيوه يا بابا.
-إنتِ فين يا حبيبة بابا؟
-جايه حالًا خمس دقائق وهكون عندك.

أخذت هدى الهاتف من والدها قائله:
-انجزي ياختي أنا جعانه وهموت وأنام ولو اتأخرتِ عن خمس دقائق هاكل منابك... إحنا عندنا الغائب ملهوش نايب.
ابتسمت هدير وقالت:
-مش هتأخر أنا خلاص أُعتبر قدام البيت.
أخذ والدها الهاتف قائلًا:
-تيجي بالسلامه يا حبيبة قلبي.

أغلقت الهاتف وهرولت مبتسمة تريد أن تغنم بصحبتهم على العشاء فهم عائلتها الحنونه، كانت تسرع في خطاها وإذ بغتةً ينقض عليها شاب من خلفها وأطبق يده على فمها كي لا تصرخ وأخر أتى من امامها وسحباها وسُرعان ما وضعوها داخل السياره وهي تُعافر لتهرب منهما لكن لم تستطع فهي واحده أمام إثنان وإن شئت فقل هي نصف واحد بجانب الإثنان، فهي أنثى، والأنثى مهما تظاهرت بالقوة ستظل ضعيفة...
 ظل الشاب واضعًا يده على فاها وحقنها الأهر بدواء وما هي إلا دقيقة حتى غابت عن وعيها فنظر الشاب لصديقه قائلًا: 
-كدا مفعول الدواء اشتغل، اطلع بقا على الشقه عشان نلحقها قبل ما تفوق...
___________________________
نظر «مجدي» في ساعته التي تجاوزت الحادية عشر ولم تعد ابنته، وحتى هاتفها خارج نطاق الخدمة، ردد في فزع:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، لا كدا البنت اتأخرت أنا نازل أدور عليها.

نهضت الأم التي تضع يدها على قلبها في فزع وقالت:
-خدني معاك يا أبو هدى نروحلها مكان الدرس.
 
قالت هدى:
-هي كانت في درس الفزياء أنا عارفه مكانه... خليكِ إنتِ هنا يا ماما عشان أخويا الصغير نام وعشان لو رجعت وأنا هخرج مع بابا نشوف اتأخرت ليه؟

اتفقوا على ذلك، وتركتهما الام وانتظرت بالبيت على مضض، وهي تلهج بالدعاء لتعود ابنتها سالمة...

 خرجت هدى المرهقة مع والدها يتحسسان غياب هدير عن البيت.
__________________________
دقت الساعة الثانية بعد منتصف الليل 

فتح معاذ جفونه بخمول، وأخذت عيناه تجول في ارحاء الغرفة التي لا تشبه خاصته، أجفل حين أبصر قطرات دماء على الفراش، خفق قلبه هلعًا حين رأي فتاه ترقد جواره غائبة عن وعيها وبملابس ممزقه، وكأن هناك من اعـ ـتدى عليها وبوحشيه، ازدرد لعابه في توتر وهو يبصر أثر الد**ماء على ساقيها...

أطبق يده على فمه بخوف وهو يرمقها بارتباك ثم كشف عن وجهها المغطى وكانت نفسها الفتاه التي رأها في المستشفى...

 صك وجهه بكلتا يديه في حسرة وخجل واشمئزاز من نفسه! 
هزها ليتأكد من كونها على قيد الحياة، ففتحت جفونها، وحين رأت وجهه انتفضت، وعندما أدركت حالتها صرخت صرخة اهتز لها قلبه، فأدمعت عيناه وهو يردد في صدمة مغلفة بالإرتباك:
-أنا معرفش إيه الي حصل، أنا مش فاكر حاجه... مش فاكر... مش فاكر حاجه.

أخذت «هدير» تستر جسدها بغطاء الفراش، بينما يخترق أذنه صوت نشيجها وبكائها الحاد...


الفصل العاشر 
لم تكن تعلم ماذا الذي حل بها بعد أن خدرها أحد الشابين الذي تجهل هويته حتى الآن، ربما كان هو نفسه معاذ الذي ينزوي على نفسه أعلى الفراش ويبكي أو ربنا يتظاهر بالبكاء.

وثبت هدير واقتربت منه وصفعته على وجهه والدموع تفر من عينيها، امسكته من تلابيبه وصرخت في وجهه:
-إنت عملت فيا إيه؟... عملت إيه؟ 

كان صامتًا لم يقاوم بل كان يهتز معها بلا حول ولا قوة وتفيض الدموع من عينيه، تركها محدثًا حاله أنه يستحق القـ ـتل...

بكى معاذ على تلك الحاله التي وصل إليها فقد أخطأ عندما رافق هؤلاء الشباب، حاول إصلاحهم ووعظهم مراتٍ عديده فلم يرجعوا، توجب عليه أن يبتعد عنهم، فالصاحب ساحب وقد حاولوا سحبه لضلالهم وعندما يأسوا منه أحاكوا له تلك المكيدة، لينتقموا منه لأنه أخبر أهلهم عما يشربون من المـسكرات والمخدرات، فها قد أجبروه على التجرع من كأسهم وذاق مكرهم، فأخر شيء يذكره عندما شرب كأس من العصير وهم يلعبون البلاستيشن.

اضطرمت النار بقلبه، يكاد داخله يحترق مما حدث، فما ذنب تلك التي تصرخ أمامه، فقد كان هو السكين الذي ذبحها، فكلما طالع تلك المنكمشه التي تتكور على نفسها في ركن بعيد، وسمع صوت بكائها الذي يزلزل الغرفه؛  لعن حاله تمنى لو تنشق الأرض وتبتلعه الآن وينتهي كل شيء، حاول معاذ أن يتذكر أي شيء لكنه لم يستطع، مرت عليهما فترة ثقيله يختلط فيها صوت نحيبهما، ولم يُحرك أحدهما ساكنًا فقد شُل تفكيرهما كُليًا.

تمنت هدير أن يكون كابوسًا وتستيقظ منه الآن! لم تفكر في أي شيء إلا أسرتها فكيف ستذهب لأسرتها بتلك الحاله!

طفقت تضـ ـرب رأسها بالجدار وهي تردد بانهيار:
-عملت فيا إيه!! حرام عليك!! 

ولم ينطق هو بأحرف جديده إلا جملة كانت على لسانه وتحول برأسه:
-أنا مش فاكر حاجه! مش فاكر... مش فاكر حاجه.

هوت هدير جالسة وهي تبكي وتنوح...
___________________
وبعد كثير من الجهد، ما يقرُب من خمس ساعات من البحث المتواصل صفع التوتر باب قلبه وبلغ منه الخوف مبلغه.

وقف «مجدي» مكانه حائرًا لا يدري أين اختفت ابنته؟ فقد كانت بطريق العودة للبيت، توترت هدى وحضر في ذهنها سيف ضابط الشرطه، طلبت رقم منى فرد عليها أم مصطفى وبعد السلام قالت أم مصطفى: 
-معلش يا هدى أنا مصدقت منى نامت قولت أسيبها تريح شويه.

ازدردت هدى ريقها بتوتر وقالت: 
-أنا كنت عايزه رقم الظابط اللي كان بيتكلم مع منى الصبح ضروري.

-تقصدي سيف ابن اختي! ليه خير؟ 

ارتشفت هدى دموعها وقالت:
-هدير أختي مختفيه بقالها خمس ساعات... قالت أنا في الطريق ولحد دلوقتي مفيش أي أخبار عنها حتى موبايلها مغلق!

-لا حول ولا قوة إلا بالله ربنا يطمنكم عليها يارب... طيب اكتبي الرقم....
املتها الرقم وأردفت: وأنا برده هكلمه...

قالت هدى بصوت متحشرج:
-ماشي شكرًا يا طنط.

أغلقت هدى الهاتف بينما كان والدها قد سجل رقم سيف وطلبه على الفور...
_________________________
كان «سيف» يغط في سباتٍ عميق، رن هاتفه مرة بعد الأخرى ولم يسمعه، فدخل سعد الغرفه على صوت رنة الهاتف، أخذه وأجاب...
-لأ أنا أخوه هو بس نايم... تحب أبلغه حاجه لما يصحى.

-بنتي مختفيه بقالها ٥ ساعات وكنت عايز مساعدته.

-طيب حضرتك ممكن تقدم بلاغ لأنه مش في الشغل النهارده.
قالها سعد بلامبالاة فتنهد مجدي بحسره وقال:
-ماشي شكرًا.

أغلق سعد الهاتف وهو يهتف: إيه الناس دي يعني عشان اتأخرت ٥ساعات يبقا اتخطفت!!

وكان سيضع الهاتف على الطاوله فجذب انتباهه وصول رسالة محتواها:
"شوف أخوك المحترم عمل إيه." 

وصور لمعاذ عاري الصدر وبجواره فتاه بملابس ممزقه، تليها رسالة أخرى بعنوان المكان، أجفل سعد وفتح غرفة أخيه معاذ وفتش في فراشه الذي كان يحوي وسادة تحت الغطاء، وقال بفزع:
-الواد ده راح فين!!

ثم هرول لغرفة سيف يهزه بعنـ ـف وهو يقول:
-قوم الحقني...
________________
وقف «مجدي» يقلب كفيه بقلة حيله لا يدري ماذا يفعل؟ حتى صدعت رنة معلنة عن رسالة من رقم فتحها على الفور ورأي ما جمد الدم بعروقه، تصبب عرقًا من منظر الصور، أنها ابنته وبجوارها شاب في فراش واحد صدع هاتفه برسالة أخرى بها العنوان، فركب سيارته وانطلق مسرعًا للعنوان وهدى تسأله عمَ حدث لكنه لا يجب سوى بـ:
-اصبري دلوقتي...

وجد باب الشقه مفتوح فدخل، كان يمشي بترقب ناظرًا للغرفه التي يخرج منها الضوء تناهي لسمعه أصوات البكاء، وكلما اقترب من الغرفة تسارعت دقات قلبه، فتح الباب وهو يلهث بينما كانت وهدي تتبع خطواته بحرص وقلق...
_____________________
جلس فؤاد مع أخته «فاتن» وأخيه الأكبر «فارس» وضع هاتفه جانبًا ونفث الدخان من فمه، ونظراته تشع حماس وانتصار كأنه ظفر على صاحبه، تنهد بارتياح ثم تحدث قائلًا بسعاده:
-كدا المهمه تمت بنجاح وأنا ميهمنيش إلا فضيحته قدام أهله.

تحدثت فاتن قائله:
-وأنا مكنتش عايزه إلا الصورتين دول بس عشان أكسر عينها قدام الكل.
أردفت بحقد: إنت مش متخيل الشباب فاكرينها محترمه وكلهم بيحبوها ازاي! حتى الكراش بتاعي لما نادى عليا كنت فاكره معجب بيا... تخيل وقفني عشان كان بيطلب مني رقمها! كدا بقا هتتذل وعينها هتتكسر.

علق فارس بنزق:
-أنا مش مقتنع بالي عملتوه ده، يعني إيه الإستفاده لما صورتوهم مع بعض في سرير واحد... 
أردف بقلق: ربنا يستر ومتروحوش في داهيه.

ضحك فؤاد بسخريه وقال:
-أنا فرحان فيه وفي اللي هيحصله النهارده ولا إيه رأيك يا تونا!

اعتدلت فاتن في جلستها وقالت بضحك: 
-بصراحه مكنتش أتمنى أعمل فيها كدا بس... هي فاكره نفسها أحسن مني في كل حاجه....

أشارت لنفسها ورفعت رأسها بزهو وهي تضيف:
-أنا فاتن جابر بابا صاحب أكبر مستشفى في اسكندريه وهي باباها حتة موظف تيجي تديني أنا نصايح!! 

حدقت بنقطة وهميه في الفراغ واستطردت:
-لازم تتفضح وتعرف إن أنا أحسن منها.

التقط أخوها اللجام منها حين قال:
-ومعاذ باشا صاحب الحكم والمواعظ قال إيه رايح يحكي لبابا وينصحه ياخد باله مني، خلاني اتحرم من العربيه والفلوس أسبوع كامل... بس كدا خالصين أنا كمان قرصت ودنه.

رشقهما فارس بنظرة تعجب مما يفعلانه قال بتبرم:
-إنتوا الإتنين شياطين... لو مش إخواتي كنت قطعت علاقتي بيكم!

تنهد بحسره وأردف وهو يبدل نظره بينهم:
-طيب والبنت عملتوا فيها إيه؟ يعني ازاي خلتوه اعتدى عليها؟

نظر لإخيه وسأله بخوف: 
-إوعى تكون إنت الي عملت فيها حاجه!

نظرا الإثنان لبعضهما وابتسمت فاتن وهي تنظر لأثر الجرح بيدها بخبث وقالت:
-متقلقش معملش حاجه أنا الي عملت... نقطتين دم على رجليها وعلى السرير والموضوع خلص.

قهقه فؤاد مرددًا بسخريه: الله يرحمهم الليله.
________________________
نهضت «هدير» بأطراف مرتعشه لتغادر ذاك المكان تزامنًا مع دخول والدها وخلفه هدى للغرفة...

أجفل من منظر ابنته وأطبق يده على فمه وهو يبدل نظره بين ابنته ومعاذ، ثم انقض على معاذ يضـ ـربه بعنـ ـف، ومعاذ يبكي بدون أدنى مقاومه كان في حالة يرثى لها، يردد بصدمه وبكاء:
-مؤامره عليا والله قتلوني قبل ما يدبحوها.

حين رأي مجدي هيئة الشاب المزرية دفعه بعنـ ـف وجلس على الأرض.

 على جانب أخر اقتربت هدى من أختها تضمها وتسترها جيدًا وظلتا تبكيان.

 وبعد دقائق ألقى الصمت عباءته على المكان كان مجدي يجلس منكس رأسه ويحاوطه بكلتا يديه في حسرة، وهدى تضم أختها وتربت على ظهرها بحنو، أما معاذ فلم تغادره الصدمة والدموع تفر من عينه دون أن يصدر صوت، كم تمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه.

خُلع رداء الصمت عند دخول نبيله مع سعد وسيف، وقفوا هنيهة مشدوهين ثم ركض سيف وسعد صوب أخيهما، الذي انهار بالبكاء فور روئيتهم.

طالع سيف عيني أخيه وحاوط وجهه بكلتا يديه قائلًا بخوف:
-في إيه يا معاذ؟ إيه اللي حصل يا بابا؟!

رمق سعد هدير التي تلتف بغطاء وتطالع الفراغ بنظرات مدلهمه، وقال لمعاذ:
-يبقا الصور الي اتبعتت صح.... إنت عملت إيه يا معاذ؟ 

شهق معاذ باكيًا وضم سيف وأخفى وجهه بداخل أحضانه، كأنه يواري خطيبته وحسرته وضعفه، قال معاذ بحشرجة:
-والله ما فاكر حاجه... أنا معرفش حاجه... شربوني حاجه محستش بنفسي إلا وأنا هنا. 

ارتكز سعد على ركبتيه مقابل مجدي فرقبة أخيه أصبحت تحت سكينته، قال برجاء:
-أنا أخويا ميعملش كدا... والله أكيد في حاجه غلط!

اقتربت نبيله من ابنها وضـ ـربه بقوه وهي تصيح بحده: 
-إنت عملت إيه؟ عملت إيه؟!

هز رأسه يمنةً ويسرةً  وقال بانهيار:
-معرفش... أنا معرفش... مكنتش في وعيي... والله معرف حصل إيه؟

وقف سيف وسعد ينظران لبعضهما ثم لأخيهما شفقةً على حالته تلك، وحالة المسكينه التي دُمرت حياتها...

سرعان ما أقبل معاذ يمسك يد مجدي والدموع تنسكب من عينيه كالشلالات وقال:
-والله العظيم معرف إزاي حصل كدا.... والله يا عمي ما أعرف.

لم يرد عليه مجدي وسحب يده منه وابتعد خطوات وهو يفكر فيما سيفعل... 

 وبعد فترة من الصدمة هدأت الأصوات وعم الصمت أرجاء المكان إلا من أصوات أنفاسهم المتضاربة، اقترب مجدي من ابنته قائلًا: 
-يلا هنروح نعمل بلاغ.

أجفلت نبيله ووثبت تقف أمام مجدي وتتوسله بدموع:
-لا متضيعش مستقبله دا يتيم مشافش أبوه... أنا تعبت على ما ربيتهم لوحدي يا أستاذ.... والله تعبت.

ارتشفت دموعها وأردفت: 
-عيالي كلهم يعرفوا ربنا.... أكيد دي مؤامره زي ما بيقول... وحياة ولادك يا أستاذ متضيعش تعبي وتربيتي.... بلاش تشمت عمامه... هيصلح غلطته ويتجوزها... بلاش فضايح الله يسترك.

فكر مجدي في أصح خطوة يأخذها الآن فقد حدث ما حدث، والأمر يحتاج تريث كى لا تتلوث سمعة ابنتيه بأي غبار، نظر لمعاذ قائلًا:
-هتمضي شيك على بياض وهتكتب على بنتي، وتعملها فرح والناس كله تعرف إنكم اتجوزتوا وبعدين نشوف هنعمل إيه!
تهللت أسارير نبيله وقالت بدموع: 
-هنعمل إلي تطلبه... ربنا يستر عرضك.

قال معاذ بقلة حيلة: 
-أنا مستعد أعمل أي حاجه تطلبها...
نظر سيف وسعد لبعضهما فأومأ سيف موافقًا وأطرق سعد راضخًا بقلة حيلة.
_______________________
في اليوم التالي 
في المستشفى تحسنت حالة منى قليلًا، نظرت لمصطفى قائلة: 
-هيغيرولي على الجرح دلوقتي! أنا خايفه أوي.

ربت على يدها بحنان:
-متخافيش إن شاء الله مش هيوجعك...

ازدردت ريقها بتوتر وبدأت الممرضه تكشف مكان الجرح الذي كان مؤلمًا، فصرخت منى قائلة: 
-براحه... براحه.

نظرت لها الممرضه وهي تزيل الضمادات، وقالت؛
-معلش استحملي بس شويه...

حين شعرت بالألم مسكت يده وضغطت عليها بقـ ـوه وهي تتأوه، أشفق على حالتها وتجعدت ملامحه فزعًا عندما رأى شكل جرحها.

 وبعدمت انتهت الممرضه نظرت لمنى قائلة: 
-الدكتور عوض هيبص عليكِ دلوقتي وهتخرجي علطول.

قالت منى:
-هخرج النهارده! دا أنا كنت فاكره هتحجز أسبوع ولا حاجه!
 
-لا إنتِ جرحك كويس مش محتاجه قعدة المستشفى... وكلها أربع أو خمس أيام وتشيلي الدرنقه.

-كويس عشان امتحاناتي كمان إسبوع.
نظرت منى لمصطفى وأضافت: 
-هي هدى مجتش كانت بتقول هتجيلي بدري! 

هز رأسه نافيًا وقال:
-لا لسه مجتش... زمانها جايه.

نظر مصطفى لوالدته التي تجلس لحالها في ركن بعيد وتحمل هاتفها بقلق ورنى إليها، سألها:
-مالك يا ماما؟ 

طالعته وقالت:
-هه... مش عارفه والله برن على خالتك وعلى عيالها محدش فيهم بيرد عليا من امبارح.

-متقلقيش خير... جربي ترني تاني ممكن مشافوش موبايلاتهم.
 
-لا أنا مش هرن أنا هقوم أروحلها... خلي بالك من منى.

أومأ رأسه بالموافقه وقال:
-طيب يلا هوصلك وأرجع.

-لأ خليك مع منى أنا هبقا أرن عليك.

تذكرت مكالمة هدى وأردفت: 
-حتى هدير أخت هدى كانت مختفيه امبارح برن على هدى كمان مبتردش! 
-طيب أنا هخلي منى ترن عليها دي لسه سأله على هدى... يبقا عشان كدا مجتش النهارده!

أطلقت تنهيدة عميقة وقالت:
-ربنا يطمنهم عليها... 
_____________________________
وفي بيت مجدي اجتمع الجميع مع المأذون لإتمام كتب الكتاب.
دخل مجدى لغرفة ابنته وحثها لتمضي الأوراق تارة وتبصم تارةً أخرى، كانت ملامحها جامده ونظراتها مدلهمه، أصبحت لا تشعر بأي شيء كمن كان يتألم واعتاد الألم فلم يعُد يُبالي.
حددوا ميعاد الفرح بعد مرور شهر رمضان الذي كان على الأبواب، وغادروا جميعًا إلى بيتهم بعد تنفيذ الإجراءت.

وقفت والدتها تبكي وتضـ ـرب مجدي على صدره وقالت وهي تنوح:
-ارتحت يا مجدي... جوزت بنتك للي دبحها بإيده... رميت البت في النار بإيدك.

شهقت ببكاء وأردفت: 
-بدل ما تجيبلها حقها منه رايح تسلم رقبتها ليه...

ظلت تضـ ـرب بصدره وتهتف: 
-حرام عليك... حرام عليك!

ضمها مجدي يهدئها ثم نظر لها قائلًا بتبرير:
-الواد باين عليه مظلوم وواضح انها مؤامره من حد... هجيب حقها من واحد اتدبح زيها بالظبط!

مسحت مديحه دموعها وقالت:
-كان نفسي أفرح ببناتي... ربنا ينتقم منه... حسبي الله ونعم الوكيل.

ربت مجدي على كتفها قائلًا: 
-أنا بستر عرضي يا مديحه... وهجيبلها حقها مش هسكت أوعدك هجيب حقها منه أو من غيره.
________________________
جلست أم مصطفى تسمع من أختها ما حدث وتقلب كفيها، نظرت لمعاذ الذي يجلس منكس الرأس، يتضح أثر الإنكسار واله عليه كم يخجل مما حدث، بل لا يستطيع رفع عينيه بأحد.

دنا منه سيف وخاطبه:
-اشرحلي بقا الي حصل بالتفصيل عشان الموضوع دا مينفعش يعدي كدا.

شرح له معاذ ما حدث، وطأطأ رأسه وهو يقول:
-أنا أخر حاجه فاكرها العصير، وإن أنا دوخت، معرفش حصل إيه بعد كدا.

أخرج سيف هاتفه ووضعه نصب عيني معاذ قائلًا:
-شايف الصور دي أكبر دليل إن دي مؤامره.... لكن إشمعنا البنت دي!!
هتف سعد: يمكن مثلًا الي لقوها قدامهم فخدروها زي ما عملوا مع معاذ!

رفعت نبيلة رأسها وتنهدت بحزن قائله:
-الحمد لله إن الموضوع عدى بالسلامه... ورب ضارة نافعه.
قال سيف بقلق:
-بس أنا مش حاسس إنه عدى، الصور دي مش هتعدي بالسهوله دي...

رد معاذ بثقه:
-أنا متحكم في موبايلتهم كلها حاططلهم تطبيق مخفي أقدر أعمل الي أنا عاوزه فيها.

ردت أم مصطفى:
-أنا مش قادره أستوعب إلي حصل... الله يصبر أهل هدير.... البنت دي في قمة الأدب والإحترام.

قالت نبيله:
-قدر الله وما شاء فعل.

قام سيف واتجه لمعاذ يربت على كتفه وقال:
-إنت بقا مهمتك تمسح الصور دي كلها.
أومأ معاذ برأسه بالموافقه، ثم عبس وجهه وسالت الدموع من عينيه قائلًا: 
-أنا الي مأثر فيا إني دمرت حياة البنت دي... ذنبها إيه عشان يحصلها كدا!

عندما رأي سيف حالة أخيه، وقف يزأر كالأسد، كشر عن أنيابه وقال بانفعال:
-متقلقش والله لأجيبلكم حقكم من ولاد الـ...

أخرج ورقة وقلم من على المكتب واستكمل مخاطبًا معاذ:
-قولي كل تفاصيلهم.

وبعد أن أخذ التفاصيل، وقف يقرأ ما كتبه ثم قال بصدمة:
-هو فؤاد دا ابن الدكتور جابر؟!

أومأ معاذ أي نعم، فابتسم سيف وقال بسخرية:
-صحيح هي الحدايه بتحدف كتاكيت! والله لانتقملك منه ومن أبوه!

وضع سيف الورقه بجيبه فناداه سعد:
-رايح فين؟ 
قال:
-عندي شغل مهم...

قالت نبيله: استنى يا سيف إتغدى...

قال سيف هو يتجه نحو الباب:
-أنا ساعه وراجع مش هتأخر...

صك الباب خلف ظهره و ووقفت نبيلة تلهج بالدعاء لأولادها وأختها تربت على كتفها وترجو الإستجابة.

نهض سعد هو الأخر وقال:
-وأنا عندي ندوه في الجامعه هحضرها وأجي...
______________________________
اتصل أحمد بوالد هدى «مجدي» طلبًا لموعد لتحديد الخطبه، فحمحم مجدي وقال:
-سيبني يومين كدا وأنا هكلمك بنفسي وأحدد معاك الميعاد.
-طيب ممكن أكلم هدى لو تسمحلي. 
-أيوه طبعًا ثواني هناديها. 
قالها مجدي ونادى ابنته، وصوب الهاتف لها قائلًا بابتسامة صغيرة:
-كلمي الأستاذ أحمد.

أخذت هدى الهاتف وألقت السلام في حياء، فرد أحمد:
-عليكم السلام... عامله ايه؟ 
-الحمد لله بخير.
-ممكن تفكيلي البلوك بعد إذنك... عايز أطمن عليك.

ردت باقتضاب:
-ماشي.

أغلقت معه المكالمه ونظرت إلى حيث تجلس والدتها بجوار أختها والحزن يغمر خلجات وجههما فقد خيم السواد على جدران البيت، أطلقت تنهيدة متألمة، وتذكرت منى فلم تسأل عنها اليوم، كما أنها مرهقة جدًا.
حملت هاتفها وأخرجت إسم أحمد من قائمة الحظر، ثم أرسلت له رسالة عبر الواتساب:
 "أنا تعبانه نفسيًا أوي الفتره دي ادعيلي" 

جلس أحمد على مكتبه يمسك بيده قلم يحركه بتوتر واضطراب، شعر من صوت هدى أن هناك خطب جلل! أسند ظهره للخلف وزفر بقلق، أقنع حاله بأنها ربما كانت محرجة في حضرة والدها، قاطع شروده رنين هاتفه برسالة عبر الواتساب نظر لها بترقب ورد عليها
" خير!! إنتِ كويسه؟" 

أدمعت عيناها وهي تكتب:
 "لأ مش كويسه، حاسه إن أنا في كابوس"

 "متقلقنيش عليكِ" 
جففت دموعها حتى يتسنى لها رؤية شاشة الهاتف وكتبت:
"متقلقش دي ظروف عائليه... ادعيلنا"

أغلقت هاتفها وجلست تفكر في أختها وما آلت إليه الأمور في طرفة عين.
_______________________________
استيقظت «مروى» من نومها قبل الظهر بساعة كانت في البيت بمفردها، فوالدها بعمله ووالدتها بالعيادة الخاصه بها فهي طبيبة أسنان، أما ناهد فذهبت ٱلى الجامعه....
بعد أن أدت فرضها وتناولت فطورها، اختارت فيلم كوميدي تبدأ به يومها، دخلت المطبخ تبحث عن شيء يسليها، لفت نظرها مطحون القهوة الخاص بأختها والتي تحذرها دائمًا من الإقتراب منه، أخذته وهي تبتسم قائلة:
-سامحيني يا ناهد.
بحثت عن حليب لتُعد مشروبها المفضل «الأيس كوفي» تزامنًا مع قرع أحدهم جرس الباب فسألت:
-مـــــــيــــــــن؟ 
وضعت أذنها على الباب وسألت مجددًا: 
-مين؟ 
أجاب:
-أنا!
سألت مجددًا علها تكتشف من صوته من هو!
-ميين؟
فرد بنفس رده السابق مع رفع صوته قليلًا:
-أنـــــــــــا
همست لحالها ساخرة من رده: أنا!! 
أردفت وهي تبحث عن الإسدال: 
-نفسي أعرف إيه "أنا" دي... أخمن إنت مين يعني!!! أما المصرين دول عليهم حركات! 

رن الجرس مجددًا لكنها لا زالت تبحث عن الإسدال، نظرت لإسدال أختها التي تحذرها دائمًا من ارتدائه وقالت:
-سامحيني بقا يا ناهد هو الي قدامي!

حاولت أن ترتدي الإسدال وهي تسير باتجاه الباب فاصطدم خنصر قدمها بكرسي الطاوله وجلست على الأرض تتأوه وتتحسس إصبعها وهي تردد بنزق:
-حتى الإسدال شكله زعلان إني بلبسه!

قرع الجرس مرة أخرى فوثبت وهي تقول:
-حـــــاضر حــــاضر جايه.

ارتدت الإسدال وهرولت تفتح الباب فتعرقلت قدمها بطرف الإسدال الطويل وسقطت واصطدم رأسها بالطاولة، جلست تتحسس رأسها وتتاوه، فقُرع الجرس بقوة ودق الباب، فهو ينتظرها على الباب منذ فترة وهي تعافر لتصل للباب، قامت ترتكز على الحائط بألم حتى وصلت لمقبض الباب، أخذت نفسًا عميقًا، وفتحت والغضب يرتسم على قسمات وجهها...

خلف الباب كان ابن البواب الذي لم يتجاوز الإثنى عشر عام تحسست رأسها بألم وصرخت في وجهه:
 -إيه ما قولت جايه معندكش صبر! 
-معلش يا أبله مروى خدي اللبن والطلبات دي.
نفخت وأخذت ما بيده وهي تقول:
-ماشي.

رفعت سباتها في وجهه وأردفت:
-هسامحك بس عشان أنا كنت محتاجه اللبن.... شكرًا.
 
أغلقت الباب وخلعت الإسدال نظرت لمطحون القهوة وهي تقول:
-سامحيني بقا يا ناهد محتاجه حاجه تظبطلي الدي وتعليلي الجي.

بدأت تُعد مشروبها الذي تفضله كثيرًا، بحثت عن السكر فلم تجد ولا ذرة منه، قاطعها جرس الباب فلوت شفتيها لأسفل قائلة:
 -يــــــــوه معركه جديده.

نظرت للإسدال ناهد وقالت:
- لأ والله ما أنا لبساك... 

بحثت عن إسدالها وارتدته وهي تهتف: 
-حاضر... جايه... مين؟
-أنا...
زمت شفتيها بحنق وقالت:
-أنا تاني!! هي فزوره أقعد أخمن إنت مين!

فتحت الباب وقالت بحدة:
-إنت تاني.... هو إنت ملكش إسم! إسمك إيه؟ 

-أنا سيف يا أبله.

-طيب لما تخبط على حد يسألك مين تقوله أنا سيف... بسيطه جدًا.... وتشيل إيدك من على الجرس شويه.
ابتسم الفتي وقال:
-حاضر يا أبله، اتفضلي السكر.

أخذت السكر وقالت: 
-هسامحك المره دي كمان عشان محتاجه السكر... شكرًا... هتجيب حاجه تاني؟
 
-باقي الهدوم هجيبها من المكواه.
-ماشي في انتظارك 

أغلقت الباب ثم خلعت إسدالها، وأعدت مشروبها وشغلت فيلم كوميدي لتشاهده لكنها لم تُعجب به ففتحت كتابها لتذاكر، ارتشفت منه مرة بعد الأخرى بتلذذ ومتعه وهي تقول:
-المشروب دا بينزل قلبي مش معدتي... تسلم إيدي. 

وبعد فترة كانت تذاكر وبجوارها الكوب الخامس من مشروبعا المفضل، ترتشف منه بتلذذ بين حين وأخر، قاطعها رنين الجرس، فوثبت ووقفت خلف الباب قائلة: 
-مين؟ 
-أنا!

عقدت جبهتها وقالت بغيظ:
-إنت مين؟! 
-أنا سيف. 
ابتسمت، اعتقدت أنه نفسه الفتى، فلم ترتدي اسدالها وضعت المشروب على الطاوله وفتحت الباب مدت يدها من خلفه دون أن تظهر وهي تقول: 
-هات...

تعجب الضابط «سيف» ولم يحرك ساكنًا وقف مكانه لا يدري ماذا تريد! 

فأردفت:
-هات يا سيف الهدوم.

لم يرد كذلك، فرأت سجاة الصلاه بالقرب منها، وضعتها على رأسها لتغطي شعرها، وأطلت برأسها من فتحة الباب وحين أبصرته جحظت عيناها بصدمة، وصكت الباب في وجهه...

هرولت «مروى» ترتدي إسدالها، وأدرك سيف أن هناك سوء تفاهم فرن الجرس مجددًا ووقف ينتظرها...

نظرت لنفسها في المرآه برضا، وركضت لتفتح الباب لكن تعرقلت بطرف إسدالها فوقعت على وجهها وخدشت أسنانها العلويه شفاها السفليه وتساقط منها قطرات الزبد الأحمر، تحسست شفتيها وتأوهت بألم وأخذت منديلًا ووضعته عليها وهي تقول:
-لا بجد كدا كتير! إيه اللي بيحصلي دا... معقول كل دا عشان خلصت النسكافيه بتاع ناهد!

قرع سيف الجرس مجددًا، فهندمت ثيابها قبل أنا تفتح الباب وهي تضع منديلًا على شفتها، طالعته بابتسامة فابتسم قائلًا:
-ازيك يا مروى... الدكتور عوض موجود؟ 
قالت بتلعثم: 
-الحمد لله... لا مش موجود...
أردفت بحرج: 
-آآ... أنا آسفه يا حضرة الظابط أصل مفيش حد هنا غيري و... واتصدمت لما شوفتك... واتكعبلت في الإسدال فاتأخرت و...
ابتلعت باقي أحرفها حين تبسم ضاحكًا وقال:
-ولا يهمك... أهم حاجه إنتِ كويسه؟

ابتسمت وتحدثت بمرح:
-والله الحمد لله جت سليمه.

تحاشى النظر إليها وقال برتابة:
-طيب أنا عايز أوصل للدكتور عوض.
-هتلاقيه في المستشفى.... تاخد رقمه؟ 
-أنا رنيت عليه مبيردش... وفي المستشفى قالولي في البيت.

قلبت فمها متعجبة وسألته:
-طيب هو فيه حاجه ضروري؟
-أيوه دا شغل مستعجل...
-بابا ليه رقم خاص ليا أنا وإختي وماما هرنلك عليه ممكن يرد... ثواني...

قالتها ودخلت تبحث عن هاتفها وحين عادت إليه كان يقف على الباب ويوليها ظهره كي لا يكشف خصوصية البيت، فأعجبت بفعلته...

طلبت رقم والدها وسرعان ما أجابها، قالت:
-أيوه يا بابا إنت فين؟
-أنا رايح لماما العياده... عايزه حاجه؟

رمقت سيف بنظرة خاطفة وقالت:
- فيه ظابط بيسأل على حضرتك... خد هيكلمك.

أعطت لسيف الهاتف، فتحدث مع عوض قائلًا:
-عليكم السلام.... أنا كنت عايز حضرتك بخصوص مستشفى دكتور جابر...

رد عوض:
-لا مينفعش كلام في التلفون لازم نتقابل.

وبعدما أغلق معه، شكرها سيف وغادر، حملت هاتفها تستنشق رائحته وهي مبتسمة، فقد كان بين يديه قبل لحظات، أدركت ما تفعله وحدثت نفسها قائله:
-إيه الهبل الي أنا فيه دا!! 

على جانب أخر كان «عوض» يقود سيارته فداهمته سيارة أخرى وأطلق أحدهم الرصاص على عجلة سيارته قبل أن تفر السيارة وتختفي عن مد بصره.

حاول أن يتحكم بسيارته حتى أوقفها واستطاع النجاه بدون أذى، رن هاتفه معلنًا عن رساله محتواها:
"المره دي بوريك أنا ممكن أعمل إيه، المره الجايه ممكن الرصاصه تجي فيك أو في حد من عيلتك خاف على نفسك ومتتكلمش" 

زفر الهواء من فمه بضيق وطفق يقرأ الرسالة مرة بعد أخرى ويفكر في خطوته القادمة.
________________________
وصلت «منى» لبيتها، وقفت أمام المصعد فهي تهاب ركوبه منذ الصغر، فقد وقع المصعد بصديقتها وهي في السابعة من عمرها ومنذ ذلك الحين وهي تخاف أن تركبه وتُفضل الصعود على الدرج، إلا مع مصطفى الذي كان يمسك يدها دائمًا، نظرت إليه فابتسم وقال:
-متخافيش...

مد يده ليمسك يدها ودخل للمصعد، تبعت خطواته وقبضت على يده وأغلقت عينيها فهي لا تشعر بالأمان والإطمئنان إلا معه، نظر لها قائلًا:
- افتكرت أيام زمان....

تنهد بحنين وأضاف:
-مع إن دي ممكن تكون أصعب فتره مرت عليا عشان تعبك لكن أنا فرحان إننا اتجوزنا.
قالت بابتسامة:
-الحمد لله.

خرجوا من المصعد ووقف مصطفى أمام شقته قائلًا: 
-من النهارده هتقعدي هنا.

هزت عنقها نافية وقالت:
-لأ أنا مش برتاح إلا في شقتي.

-ودي برده بقت شقتك.

نظرت منى لمصطفى وقالت وهي تشير على شقتها: 
-أنا هقعد في شقتي لحد ما نعمل فرح. 
- أكيد لما تقومي بالسلامه هعملك أحلى فرح... بس اقعدي معانا لحد ما تقومي بالسلامه.

قالت برجاء:
-لأ أرجوك متضغطش عليا.

ابتسم قائلًا بتفهم:
-خلاص أنا أهم حاجه عندي راحتك.
فتح الباب ومسك يدها يساندها حتى وصلت فراشها تذكر هدى فقال:
- أنا نسيت أحكيلك حاجه عن هدى صاحبتك...

-مالها!
أخذ يروى لها ما حدث مع هدير، فطلبت من هاتفها لتكلم صديقتها، وسردت لها هدى ما حدث للمرة الثانية ومنى تسمع صوتها البائس اليائس، وتحكي عن تفاصيل أخرى لم يعرفها مصطفى، حتى انتهت فقالت منى بحسرة: 
-حسبنا الله ونعم الوكيل... ربنا هو المنتقم الجبار.

وبعد أن أنهت مكالمتها اقترب منها مصطفى يسألها:
-فيه ايه؟ 
سردت له ما حدث فقال بصدمة وذهول:
-معاذ ابن خالتي!!!؟ مش ممكن... معاذ متربي ميعملش كدا! أكيد فيه حاجه غلط! 

عقبت على كلامه قائلة:
-واضح جدًا إنها مؤامره... ربنا ينصرهم يارب.

حمل هاتفه وقال:
-طيب هرن على ماما أطمن على معاذ... أكيد زمانها عند خالتي.

غادر الغرفه وتركها تحملق بالفراغ وقلبها ينتفض على حالة المسكينه هدير وأسرتها أثر تلك الصفعة المباغتة.
____________________________
وفي كلية التجارة

هرولت ناهد لتحجز مكان لتلحق بالندوة فكم تحب أن تحضر مثل تلك الدروس الدينيه، جلست في المقدمه تنتظر الحضور حتى أبصرته يدخل ومعه واعظ أخر، أطرقت في خجل شعرت ببعض الحرارة تغزو جسدها واحمرت وجنتيها بحياء، فقد تذكرته جيدًا، فذلك الموقف غير قابل للنسيان...

جلست تلوم حالها ما كان يجب عليها الجلوس في المقدمه، نظرت نحو باب القاعة الذي أُغلق فور دخولهما، إذًا لن تستطيع الإنسحاب من الندوة الآن..

بدأت الندوه وتحدث سعد بفصاحة وبيان، إندمجت بالدرس وتناست إحراجها، أُعجبت بعلمه وإلقائه للخطابه.

انقضى الوقت سريعًا، وخرج سعد ومن معه، انشغل صاحبه بالحديث مع الشباب فوقف يسترق النظر إليها فهو الأخر عرفها من النظرة الأولى وحين خرجت اقترب منها مبتسمًا وقال: 
-أكيد فاكراني!
ازدردت لعابها وقالت بمكر:
-مش واخده بالي... حضرتك تعرفني؟

قال بفطنه: 
-أنا عارف إنك فاكراني كويس... على العموم أنا سعد عبد الحميد.

ابتسمت وقالت:
-على العموم فرصه سعيده... مش زي المره الي فاتت!
ابتسم قائلًا:
-يعني فكراني؟!

أومأت رأسها بالإيجاب واستأذنته لتغادر والإبتسامة تعلو محياها لا تدري لمَ تمنت زوج مثل هذا، بل تمنته هو! 
___________________________
تنهد «معاذ» براحه بعدما حذف الصور من هواتفهم لم يكن يعلم أن هناك أخر يمتلك الصور ويعد خطة أخرى.

مر أسبوع أصرت منى أن تمكث بشقتها، ورفضت أن يظل معها مصطفى فكانت والدته تنام معها في الليل ومصطفى يتردد عليها أثناء النهار.
ذبُل جرحها وكانت تذاكر لإمتحانها، فستبدأ إمتحاناتها في شهر رمضان الذي تبقى على بدايته يوم واحد.
كانت هدى تتهرب من الحديث مع أحمد وتحاول جاهدةً إخفاء ما حدث لأختها عنه.

أما ناهد فكثيرًا ما كانت تفكر بالمواقف القليله التي جمعتها بسعد وترتسم الابتسامه على شفتيها كلما تذكرت كلماته.
ومروى لم ترى سيف خلال ذلك الأسبوع لكنها تشعر بشيء مختلف لم يمس قلبها من قبل كلما حضرت صورته إلى ذهنها.
__________________

عادت «هدير» تمارس حياتها وتستعد للإمتحانات لكن لم تتغير نفسيتها إلا للأسوء أصبحت ذابله، لا تضحك ولا تبتسم، ولا تتحدث إلا بالقليل، فقط تأكل كي لتعيش.
خرجت من البيت لدرس الفزياء، كان معاذ يراقب بيتها ككل يوم ينتظر ظهورها أراد أن يتحدث معها ويوضح لها ما حدث، ظل يتبعها بخطوات مترددة وبانفاس حائرة، حتى دخلت درسها فجلس قالتها يزر الهوال من فمه في حيرة...
*****
لاحظت هدير أن العيون ترشقها بنظرات مبهمة، غضت طرفها عنهم وطلبت ورقة الأسئلة من السكرتيرة، فقالت السكرتيره وهي تعطيها الورقه:
-لما عرفت الي حصلك صعبتِ عليا خالص.
-اللي هو إيه إللي حصلي؟! 

كانت فاتن تتابع الحوار بينما ترتسم على زاوية شفتيها ابتسامة خبيثة، أخفاها كي لا يلاحظها أحد.

قالت السكرتيره: 
-واحد تعدى عليكِ!... هو صحيح كنتِ ماشيه معاه زي ما بيقولوا وضحك عليكِ.

أثارت كلماتها غضب هدير، فهدرت بها بنبرة منفعلة مرتفعة:
-إنتِ مين قالك الكلام دا؟! 

انفعلت السكرتيرة أثر صوتها الهادر، فقالت:
-إنتِ بتعلي صوتك عليا!

أخرجت الصور من مكتبها ووضعتها نصب أعينها مستطردة: 
-شوفي يختي صورك منتشره في كل مكان!

ابتسمت فاتن ببهجة حين اشتد الحوار وطفق الجميع يشاهدون ما يجري بفضول وترقب...

ترقرقت عيني هدير بالدموع لكنها سُرعان ما تداركت حالها وقالت بانفعال أشد:
-الصور دي مفبركه مفيش حاجه من دي حصلت. 
-لا مش متفبكركه... إنتِ شكلك مشوفتيش تربيه أصلًا عشان تعلي صوتك عليا كدا! 

صرخت هدير باندفاع:
-أنا متربيه أحسن منك. 

-طيب ماشي اتفضلي بقا اطلعي بره عشان احنا مبندخلش بنات قليلة الأدب الدرس عندنا.

قالتها السكرتيرة بنبرة هادئة وقذفت الصور بوجهها فتناثرت أرضًا، وأضافت:
-وخدي القرف بتاعك دا معاكِ.

نظرت هدير للصور التي تطايرت للخارج، والنظرات حولها تكاد تخترقها، وهمت أن تنطق وتبرر، لكن دخوله المفاجئ وظهوره جوارها وهو يمسك صورتهما، جعلها تبتلع كلماتها وتصمت، خاطب السكرتيرة بأعين تشع غضب:
-إنتِ إزاي تكلمي مراتي كدا!  

تعليقات