
رواية ساهر بقلم داليا السيد
رواية ساهر الفصل الثالث عشر13 بقلم داليا السيد
اشتقت لك
بالمساء أخذت حمام وخرجت لتجد الهاتف يرن فتحركت له لتجد اسم هدى مرة أخرى كما أخبرتها فأجابت وقالت "أهلا ماما كيف حالك؟"
كانت سعيدة بتلك المرأة التي قالت "قلقة من أجلك حبيبتي كيف أنتِ الآن؟ هل هناك أي جرح أو ألم؟"
جلست على طرف الفراش وهي تدرك أنه أخبرها ما كان، لم تظن أن يفعل ولكن يبدو أنه فعل فقالت "لا ماما الطبيب أوقف النزيف وقال أني بخير"
صمتت هدى قليلا ثم قالت "نزيف!؟ هل أصبت لتلك الدرجة وجاسم لم يخبرني؟ ذلك المجنون أصابك قبل موته؟"
أغمضت عيونها وفهمت أن هدى كانت تتحدث عن ميشيل وليس الاعتداء وقبل أن تنطق هتفت هدى "أم أن هناك شيء آخر حدث؟ لذلك ساهر لا يجيب اتصالاتي، ماذا حدث آسيا؟ أريد الرد وإلا أقسم أن تجديني عندك بعد ساعات قليلة"
فتحت عيونها وقالت "لا شيء ماما، صدقيني لا شيء أنا فقط تحركت خطأ وأصبت برأسي والطبيب أوقف النزيف كما أخبرتك وساهر أخبرني أنه بطريقه للسخنة للعمل هذا كل ما في الأمر"
صمت هدى كان يعني الكثير فنادتها فقالت هدى "تكذبين ومن أجل ابني المتهور، أنا لا أعلم ماذا وقع بينكم ولكني أعلم أنه يحبك وأنك أيضا تحبينه لذا لا تغضبي منه حبيبتي لتهوره فهو الوحيد بإخوته من لا يجعل العقل سبيله لكن ربما ما تمرون به من أزمات يجعله يتعلم ولا تنسي وعدك لي بأنك لن تتركيه هل نسيت آسيا؟"
بح صوتها من تأثرها بالكلمات وقالت "لا ماما لم أنسى، أنا، أنا فقط"
واختنقت الكلمات بجوفها ولم تعرف ماذا تقول فقالت هدى "أسمعك حبيبتي وتأكدي أن سرك بأمان لآخر العمر"
ترددت، حتى لو أخطأ فلن تقلل منه أمام والدته ومشاكلها لها وحدها ويمكنها حلها بلا مساعدة فقالت "أعلم ماما ولكن كما أخبرتك أنا فقط لم أتوقع الجرح هذا ولدي عمل بحاجة للتنظيم بعد رحيل بابا لذا ذهني مشغول قليلا"
أجابت هدى "حسنا حبيبتي أعانك الله ولو شئتِ التحدث بأي وقت ستجديني"
بالصباح حاولت أن تستعيد نفسها وخرجت للشركة التي تركها لها والدها ورفيق شريك بها، هاتفت المحامي الذي أخبرها بأنه سيمر عليها، راجعت المتأخر منذ وفاة عزت وعادت لسيدة الأعمال ولم تحاول التدقيق بنظرات الموظفين وهي تدخل فهي ما زالت عروسة بشهر العسل، مات بل قتل والدها بليلة زفافها وبعدها خلاف مع زوجها وميشيل واغتصاب، كل ذلك بأقل من اسبوع فهل يظنون أنها ستحظى بيوم واحد عسل؟
أمثالها اعتاد على قسوة الحياة منذ ميلادها فلم يعد الألم يؤلم من كثرة ما تألمت، السكرتيرة أعلنت عن وجود المحامي فدعته للدخول وهزت رأسها لتحيته وجلسا وهو يقول "البقاء لله مدام"
هزت رأسها مرة أخرى وقالت "شكرا لك، فيم أردتني؟"
قال بهدوء "سيد عزت كتب وصية بسيطة قبل موته وكان عليّ تسليمها لك"
اعتدلت وقالت "وصية؟ أي وصية؟"
أخرج ظرف من جيبه وقال "هذه" وفتح الظرف وأخرج ورقة وقال "اسمحي لي بتلاوتها"
هزت رأسها والدهشة تأخذها وهي تسمعه "أكتب وصيتي وأنا بكامل قواي العقلية، أوصي ببيتي بلندن لابنتي الحبيبة آسيا لو فكرت يوم بالعودة إلى هناك، كما أوصي بمبلغ.. لراشيل والدة ابنتي يسلم لها بعد موتي كاعتذار عما فعلته معها، كل ما تبقى من أملاكي سواء نقدي أو شركات أو عقارات فهو لابنتي الوحيدة آسيا"
وأغلق الرجل الورقة وقال "أراد كتابة جملة أخيرة ولكنه استبعدها لأن الوصية لا تحمل كلمات عاطفية"
حدقت بالمحامي بلا فهم وهي تردد "كلمات عاطفية!؟"
قال بهدوء "نعم، كان يريد الاعتذار عما فعله معكِ طوال سنوات حياته وأنه لم يكن الأب الصالح ولكنه بالحقيقة كان يحبك جدا ووجوده هنا بمصر وأنتِ معه كان يعني له الكثير وتمنى لو ظللتم هنا للأبد معا"
لم ترد والكلمات تخترق قلبها، هي حقا كانت سعيد معه منذ عودتهم مصر، هي أحبت البلد لأنها جمعتها به وجعلته يعلن عن حبه لها، شكرت المحامي وعادت للعمل وسلمت نفسها لدوامة الانشغال كي تخرج من دوامة الألم والحزن
السخنة كانت تحتاج منه للكثير من الجهد وقد فعل ولكن بنصف عقل، لم يكن ماهرا كما اعتاد لدرجة أن عامر لأول مرة يعنفه على العمل بطريقة قاسية جعلته يدرك أنه فقد عقله هناك معها وليس فقط نصف عقل وما كان عليه قبول ذلك العمل ومع ذلك كلمات عامر جعلته يعيد ترتيب نفسه وأفكاره وتركيزه، كان يهاتف سيدة ليعرف أخبار آسيا منها فهي رفضت الرد على اتصالاته بأول يوم وهو توقع ذلك فلم يكرره، البعد عنها كان الجحيم بحد ذاته، سيليا عاودت الاتصال به فلم يجيب ربما تدرك أنه لا يريدها بحياته ولكن جاسم لم يعثر عليها
عشرة أيام انتهت عندما عادت بالمساء لترى سيارته تقف أمام الفيلا، دقات قلبها كانت تعلو فوق صوت موتور السيارة، ماذا؟ ألم تنتظر عودته كل يوم؟ ألم تفكر كثيرا بالإجابات التي سترد بها على أسئلته ولم تصل لشيء، لماذا الخوف والارتباك الآن؟ هي المجني عليها وليست الجاني..
فتح لها السائق فنزلت وتأخرت خطواتها حتى فتحت لها سيدة وهي تحمل عنها حقيبة الجهاز والحقيبة الشخصية وهي تقول "سيد ساهر وصل منذ قليل وهو بغرفة الانتظار"
هزت رأسها وسيدة تذهب وهي تحدق بغرفة الانتظار ولا تعرف ماذا تفعل، لن تذهب له، ليس بينهم أي كلمات ستتحرك لغرفتها بلا حديث فلا حديث بينهم
لم تتحرك خطوة عندما سمعته يقول "تأخرتِ اليوم؟"
رفعت وجهها له، متعب، فقد بعض الوزن؟ لا، هو فقط متعب بالتأكيد العمل، قالت وهي تبعد وجهها وتتحرك للداخل "لا، هذا هو موعدي"
توقفت بعيدا عنه ولكنه كان يراها جيدا، ما زالت شاحبة، عيونها لا تبرق ببريق القوة والشجاعة المعتادين، ملابس قاتمة تغطي جسدها النحيل، شعرها مرفوع لأعلى بلا اهتمام أو ربما بعد يوم طويل من العمل وصل لتلك الحالة.
تحرك هو حتى وقف أمامها وقال "تبدين متعبة"
لم تنظر له وقلبها يتلاعب بها بخبث كي يهزمها ولكنها لن تستسلم وهي تقول "العمل كان مرهق بسبب غيابي أنا وبابا"
قال بصوت منخفض "اشتقت لكِ"
رفعت عيونها أخيرا له لتلتقي بوجهه وعيونه المتعبة التي تشتاق لنظرتها وظل الصمت رفيقهم الثالث حتى قطعه "حاولت البقاء بعيدا أكثر لكني لم أستطع آسيا، حقا اشتقت لكِ"
الشوق كلمة ليس من حقها النطق بها لأنها لا تعلم من يستحقها من عدمه كما وأن شوقها لأحد ببعض الأوقات كان يؤدي لنتيجة غير سعيدة، كانت تشتاق لوالدها وهي صغيرة وشوقها له كان يجعلها تصطدم بكاترين وما كانت تفعله بها، كانت تشتاق للحب ولكن وقت أحبت تألمت وتألمت بشدة ممن أحبت فلا يمكنها الآن النطق بشيء يكفيها ما نالت
أخفضت عيونها مرة أخرى وقالت "أحتاج للراحة"
وتحركت للأعلى دون التفكير بشيء، هي تعلم أنهم لا مصير لهم معا، الخلافات والمشاكل وعدم الثقة كلها أسلحة قوية بمواجهة حبها له لذا عليها الانسحاب بهدوء
دخلت غرفتها والتفتت لتغلق الباب ولكنها رأته أمامها، لم يكن ليتركها، لم يكن هذا قراره ولا سبب انتظاره كل تلك الأيام، التفتت وتحركت للداخل فتبعها وأغلق الباب والتف لظهرها المواجه له وقال
"كلانا بحاجة للراحة آسيا"
التفتت له ورأى بريق مختلف بخضراء عيونها وهي تقول "لم أقف بطريق راحتك ساهر"
كان الغضب، ذلك البريق كان غضب نبض بنبرة صوتها أيضا فقال "بل تفعلين"
وتحرك لها حتى وقف أمامها وما زالت واقفة بثبات وقوة تواجهه وهو يكمل "أنت تقفين بطريق راحتي آسيا لأني بعيد عنك وراحتي بقربي منك"
لم تهزها كلماته وهي ترفع وجهها لتناطحه كعادتها منذ عرفها وقالت "كنت قريبة منك أكثر مما تتصور ولكنك أطحت بي لأميال بعيدا عنك"
أغمض عيونه وهي تذكره بما كان، تنفس وفتح عيونه ليجد نفس الغضب بانتظاره فقال "كانت لحظة جنون آسيا وأعلم أني.."
أشاحت بيدها وهي تبتعد من أمامه "وهذا الجنون سيظل يسيطر على حياتنا للأبد ساهر؟ الجنون قد يدفع لأي شيء حتى ولو كان القتل"
التفتت له وهتفت "هل وقتها ستقتلني وتبكي على روحي وتخبرها أنها كانت لحظة جنون؟"
حدق بها وهو اصطدم بكلماتها وهي عادت تقول "هل كل أخطاءك تبررها بأنها لحظة جنون وتنتظر أن يغفر لك الجميع جنونك بصرف النظر عن نتيجة جنونك هذا؟"
ابتعد وهو يذكر عامر بمرة أخبره نفس الكلمات "ستصل لمرحلة تخسر بها الكثير بسبب جنونك هذا ووقتها لن يمكنك استعادة ما خسرته"
أعادته لها وهي تقول "أنا تعبت ساهر، تعبت من لحظات جنونك وتهورك هذه، أنت حقا لا تفكر سوى بنفسك وكرامتك ولا تفكر فيمن حولك ممن تضر وتؤلم، استطعت أن أغفر لك ما كان لأنه كان يغفر لكن تلك المرة لم أستطع ساهر، أنت طعنتني بشرفي وعذريتي التي عشت عمري كله أفعل المستحيل لأحافظ عليها للرجل الذي، الرجل الذي سأتزوجه، كنت أعتبره هدية الزواج الثمينة التي يتباهى بها كل رجل خاصة عندكم بمصر كما أخبرني بابا لكنك حطمت كل شيء بلحظة جنون أليس هذا ما تتخذه مبرر لتصرفك؟"
كلماتها كلها كانت صواب، هو بالفعل كان لا يفكر قبل أن يتصرف، كان يعلم أن هناك من سيحمل عنه أخطاؤه كعامر وجاسم ولكن عند حياته الشخصية ولن يمكن لأحد أن يتحمل النتيجة سواه ولن يتألم إلا هو
جلس على أقرب مقعد وكأن كلماتها كانت ثقيلة بشكل لا يمكن تحمله وهي لم تنتظر رد وتقول "أنا أفكر بالعودة لإنجلترا"
رفع رأسه لها بحدة وهذا الحل لم يخطر لحظة على باله وهي ابتعدت للنافذة ولم تنظر له والصمت عاد يحيط بهم وجسدها النحيل يواجه وشعرها المتناثر يعلن عن غضب صاحبته، نهض وتحرك لها حتى وقف خلفها وقال "أنتِ على حق"
التفتت لتواجه عيونه التي أظلمت ولم يبدو لها لون وهو أكمل "أنا حقا لم أفكر يوما سوى بنفسي وكرامتي واتخذت الجنون شماعة أعلق عليها كل أخطائي لكني دفعت الثمن"
هتفت "بل أنا من دفعت الثمن ساهر وليس أنت"
احنى وجهه ليقترب من وجهها وقال "هذا ما تظنيه أنتِ آسيا ولكنه ليس حقيقي، أنا أيضا تألمت لما فعلته بكِ، أنا أيضا حرمت نفسي من تلك اللحظة التي يستمتع بها أي زوجين، أنا أيضا خسرت العلاقة التي كانت بيننا، أنا دفعت الثمن أيضا آسيا وما زلت أدفع أنتِ تريدين تركي"
ظلت تتجول بين عيونه بنظراتها وهي تستمع لكلماته، هل يقول الحقيقة؟ الألم النابض بعيونه يعلن عن ذلك، لكنها لن تستسلم، لن تسامح، لن تبقى
قالت "لأننا كما أخبرتك مرارا مختلفين ساهر، سأظل بالنسبة لك الفتاة الأجنبية التي عاشت عمرها كله بالخارج وثقافتها الغربية تنتصر على كل شيء وستظل تسيء الظن بي ولن تتنازل عن أفكارك وأنا سأظل أنا ساهر، لن أتغير لأني لست خطأ وما آمنت به أيضا ليس خطأ"
وابتعدت من أمامه، لا تريد أن تضعف فهو لن يتنازل عن أفكاره مهما حدث، خطوة واحدة وكان يمسك بذراعها ليوقفها بجواره وهو يقول "وأنا لا أطالبك بأي تغيير آسيا، أنا أريدك كما أنت هو أنا من يجب أن يتغير وأعدك أن أفعل فقط فرصة أخرى آسيا، تعلمين أن هناك شيء جميل يجمع بيننا وكلانا يريده وأنا أتمسك به فمن فضلك دعينا نعيد ترتيب حياتنا من جديد وعلى أسس جديدة حدديها كما تشائين لكن وأنتِ معي ودون رحيل"
كانت نظرات الرجاء هي كل ما يملأ عيونه وكلماته وحتى لمسة يده فلانت ملامحها فعاد وقال "خذي وقتك قبل اتخاذ قرارك ولكن وأنتِ تعلمين أني وعدتك بالتغيير أعلم أن الأمر ليس بسهل وأنا بعمري هذا لكن كي لا أخسرك سأفعل المستحيل آسيا، فكري كما تشائين ولن أحاول الضغط عليكِ بأي شكل ولو أردتِ مني الرحيل مرة أخرى سأفعل"
ظلت تحدق به وهي تائهة، ضائعة لا تعلم هل تصدقه أم لا وبالنهاية هزت رأسها بالنفي وأخفضت عيونها وقالت "لا، أنا لم أطالبك بالرحيل بأي وقت"
فهز رأسه وهي على حق لذا قال "فقط تذكري أني أريدك وأريد ذلك الزواج ولن أتنازل عنكِ بسهولة لأنك تستحقين"
وتركها وتحرك لخارج الغرفة وهو يعلم أنه لم يعد يتحمل فراقها مرة أخرى ولكن فراقها وهي هنا معه أفضل مائة مرة من فكرة رحيلها للأبد من حياته وهو لن يتحمل ذلك
دخل غرفته التي منحتها له وتذكر ذلك اليوم عندما كانت معه وكانا يرممان خلاف سابق، كل علاقتهم عبارة عن خلافات لا تنتهي بسبب جنونه وتهوره، متى سيتوقف؟ هل كما قالت يوم يقتلها ويفقدها للأبد؟
التقوا على الإفطار وهي تدخل وتقول "صباح الخير"
لم يجلس على رأس المائدة وتناول القهوة وقال "صباح النور"
لم تنظر له لكنه فعل وبدت كالأمس، لم تنبض بالحياة، قال محاولا فتح حديث "لم نكمل مشروع الساحل"
تناولت التوست وقالت "نعم ربما تفضل إيقافه"
تراجع وقال "ولماذا؟ كان جيد وأرباحه مضمونه، عامر لا يوافق على شيء بدون دراسة ولا أعتقد أن ما اقترحته أنا سيء"
هزت رأسها ورفعت عيونها له وقالت "ربما لا تفضل ربط نفسك بالشركة"
تفهم كلماتها فهدأ وقال "بل هو ما أريد، عندما يسمح وقتك نناقش ما تبقى من نقاط كي تبدأ الشركة لدينا التنفيذ"
هزت رأسها وهي تتناول القهوة وقالت "لقد تأخرت"
نهضت فلم يفعل فقالت "ليس لديك عمل؟"
فتح هاتفه وقال "لا، عندما أنتهي من مشروع أحتاج أجازه بعده"
ظلت تنظر له بدهشة ثم تحركت فقال "ما رأيك بالعشاء؟"
توقفت قبل باب الغرفة دون الالتفات له ولا هو التفت وهو يكمل "هدنة، مجرد هدنة ونعود بعدها للحرب"
ولكنها قالت "لا"
وتحركت للخارج وهي لا تريد الاستسلام له، ما زال يظن أن الأمر سهل وأنها ستخضع له بسهولة وتنسى ما كان؟ لا لن يكون
راشيل سألت عنها وجورج الذي استعانت به بالعمل ولم يبخل بمساعدتها ولكنها لم تحكي تلك المشكلة لأحد فقط هي وحدها من عليها تحملها بلا تدخل من أحد
لم يخرج من البيت وسيليا لا تتوقف عن الاتصال حتى هاتف جاسم وأخبره فقال جاسم "أخبر زوجتك بها ساهر"
لف حول نفسه وهتف "ماذا؟ هل جننت ساهر؟ لن تصدق أن ليس بيننا شيء"
لكن جاسم قال "بل ستفعل أولا لأنها تثق بك ثانيا لأنك تخبرها فلو كان هناك خطأ بالأمر فلم تكن لتخبرها، سيليا لن تتوقف وأنا حتى لو وصلت لها فما الذي سأفعله لها؟ لا دليل عليها ساهر فاحمي نفسك وأخبر زوجتك قبل فوات الأوان"
جاسم دائما على حق وهو بكل مرة لا يسمع له ولكن الآن وهو يسعى للتبديل من أجلها فسيسمع له لذا قال "حسنا جاسم سأفعل"
أغلق وشرد قليلا بهما وسرعان ما رن عامر عليه فأجاب بسرعة "عامر كنت أفكر بك"
قال عامر "ماذا هناك؟"
قال "لا شيء فقط عرفت أنك عدت من شرم"
أجاب عامر "نعم لذا فكرنا أنا وليل بدعوتكم غدا هنا على العشاء، آسيا لم تتجمع معنا من قبل وربما هي بحاجة للتغيير"
كان الأمر مفاجئ ولا يعلم ما إذا كانت ستوافق أم لا، صمته جعل عامر يناديه فقال "حسنا عامر فقط أرى ظروفنا وأهاتفك"
عندما عادت كانت مبكرة، ارتاحت لرؤية سيارته فهو لم يرحل كما أخبرها، دخلت وسيدة كالعادة تأخذ منها الأشياء فقالت "العشاء سيدة أنا جائعة"
ابتسمت سيدة وقالت "جاهز مدام وسيد ساهر ينتظرك"
رفعت عيونها لسيدة المبتسمة وتساءلت؛ هل تعرف شيء عن علاقتهم الغريبة؟
ابتعدت سيدة وتحركت هي للداخل وهي تخلع جاكيت البدلة وتكتفي بالبلوزة الحريرية السوداء فوجدته واقفا يتناول كأسا فقالت "مساء الخير"
التفت لها وبدا مختلفا بملابس رياضية مثيرة أظهرت جمال جسده ولياقته فأخفضت عيونها وهو يقول "مساء النور"
جلست على الأريكة وحذاءها العالي أرهقها واليوم كله كان مرهق، الجيب ارتفعت قليلا لتظهر جمال ساقيها رغم الجوارب الشفافة وعيونه اخترقت جسدها بنظرة أحرقتها بلا سبب وهو يجلس أمامها وقال "متعبة؟"
قالت مبعدة عيونها عنه "لا فقط صداع، أنت لم تخرج؟"
تناول ما تبقى من الكأس وقال "لا"
أعلنت سيدة عن العشاء فنهضا وهي تتقدمه وما أن جلسا حتى قال "مشغولة غدا؟"
تناولت اللحم المشوي وقالت "ما سبب السؤال؟"
نظر لها وقال "عامر عاد من شرم وهو يحب التجمع بقصره من فترة لأخرى ودعانا غدا على العشاء"
ظلت تنظر له فرفع وجهه لها بدهشة فقالت "أنت تريد أن يرونا زوجين عاديين؟"
عاد لطبقه وقال بهدوء "هو ما فعله كلانا آسيا نحن الاثنان لم نشرك أحد بمشكلتنا وعلينا حلها وحدنا لكن حتى نصل للحل الجميع ما زال يرانا زوجين عاديين"
نعم هو على حق، لا أحد يعلم بمشاكلهم سواهم ولكنها لن تستطيع التعامل أمامهم كزوجين عاديين لذا قالت "ربما لكني لا يمكنني غشهم، لا أستطيع التعامل وكأننا زوجين عاديين"
لم ينظر لها وقال "أنتِ لا تتخذين أي خطوة إيجابية تجاه أزمتنا آسيا"
نهضت وقالت بضيق "ووجودنا هناك ومعا هو الخطوة الإيجابية؟"
لم يتعصب وهو يجيب "ربما بداية، أنتِ رفضتِ العشاء بالخارج وترفضين التجمع مع إخوتي فماذا تريدين؟"
ظلت صامتة وهو رفع وجهه لها منتظرا إجابة وهي سحبت واحدة وقالت "وقت، أحتاج وقت بلا ضغوط هذا ما وعدتني به"
نهض وتحرك لها حتى توقف أمامها وقال "ولكنك وافقتِ على وجودي، أنا لا أضغط عليكِ آسيا أنا بالفعل أحب إخوتي وأعلم أنهم يحبونك وكذلك زوجاتهم وأريدك معي وأنا بينهم، لا أريد أن أكون وحدي ولا أريد تفويت الأمر دون الذهاب"
كانت كلماته صادقة وهي تعلم ذلك وتشعر بها نابعة من قلبه فأبعدت وجهها وقالت "وأنا أيضا أحبهم ولا أرفض التواجد معهم لكني لا أعرف التمثيل والخداع"
ظل ينظر لها وهز رأسه وقال "أعلم، فقط نذهب ولن أطالبك بأي شيء، يمكنك حتى تجاهل وجودي لو شئتِ لكن لا تجعليني أفوت ذلك"
كان طلب وواضح أنه يريده بشدة فلم تستطع الرفض خاصة وهي بالفعل تحب إخوته وزوجاتهم ولا تريد أن تفقدهم فأخفضت وجهها وقالت "حسنا"
رفع وجهها كعادته بأصابعه ورفعت عيونها له وهو يقول بنبرة تذيب قوتها "حسنا ماذا؟"
ما زالت قوية وهي تتراجع لتسقط يده بعيدا وهي تجيب "حسنا سأذهب معك"
وانطلقت خارجة من الغرفة لتصعد لغرفتها وهي تقاوم قلبها الذي ينادي بذلك الرجل، تحبه ولكنها لن تضعف، عليه أن يتغير ويثبت لها أن لحظات الجنون ثمنها غالي وأحيانا الثمن يكون تدمير كل شيء
الجمعة أجازه بمصر لذا لم تنهض مبكرة ولكن بالتاسعة نهضت على صوت ومن خلف زجاج النافذة رأته بحمام السباحة يضرب الماء بقوة بذراعه، هل كان سباح بيوم ما؟ لقد انتهى حمام السباحة بعدة ضربات من ذراعيه لا تكاد تذكر ومع ذلك شعرت أنه لم يبذل مجهود وهو يسبح، مرة وراء الأخرى حتى خرج من المياه لتنبهر بقوامه المتناسق، أكتاف عريضة متصلة بالعنق، صدر عريض بعضلات مرسومة ومحددة كما هي عضلات بطنه، ما هذا الرجل؟ عملاق يختفي تحت البدلة؟
ساقاه الطويلتان كانتا تلتقيان عند خصر نحيف، جفف جسده وارتدى تي شيرت فوق مايوه السباحة ورفع زجاجة المياه ليشرب عندما التقى بها تنظر له، ارتدت للخلف بارتباك لحركته المفاجئة وهو ابتسم لارتباكها وتراجعها وأكمل المياه
أخذت حمام وما زال شكله لا يفارقها، لم تقابل رجلا مثله من قبله، خاصة على حمام السباحة
ارتدت ملابسها ونزلت وسيدة تخرج بطعام وقالت "كنت سأصعد به لغرفتك"
ابتسمت لها وقالت "شكرا سيدة سأتناوله بالحديقة من فضلك"
تبعتها للحديقة والشمس مشرقة عندما رن هاتفها وهي تتناول الطعام وجورج يرد "حبيبتي كيف حالك؟"
قالت بالاسكتلندية وبسعادة "جورج، أنا بخير وأنت وماما؟"
كان يتقدم لها وتوقف عندما سمع لغة غريبة لم يعرف منها سوى اسم جورج وهي تكمل وهو لا يفهم "نعم جورج أنهيت الأمر كما أخبرتني تبقى شروط المناقصة"
رد جورج "تمام حبيبتي وكيف حال زوجك؟"
ذهبت ابتسامتها ولكنها قالت "بخير جورج كلنا بخير وماما؟"
قال "لا تكف عن الحديث عنكِ وقلقة عليكِ بعد موت عزت"
قالت بحزن "لا داعي للقلق جورج أنا بخير صدقني"
قال بسعادة "تعلمين أني موجود بأي وقت حبيبتي"
قالت "نعم حبيبي بلغ تحياتي لماما"
أغلق كلاهم وفزعت من صوته وهو يقول "تلك ليست الانجليزية؟"
رفعت وجهها له وقد أخذ حمام وعاد لملابسه الرياضية النظيفة فقالت "لا، الاسكتلندية"
ابتسم وقال "تتحدثين عدة لغات"
عادت للطعام وقالت "ولدت هناك وتعلمتها وعندما انتقلت للندن تعلمت الانجليزية والعربية وبالجامعة تعلمت الإيطالية"
رفع حاجبه بإعجاب وقال "رائع كل يوم أعرف عنكِ جديد"
رفعت عيونها له وقالت "هل يهم؟"
قال بنفس الهدوء "نعم آسيا يهم، كل شيء يخصك يهمني"
توقفت عن الطعام وهي تنظر له بلا حديث فاقترب من المائدة وقال "أحيانا أشعر أنكِ لا تصدقين رغبتي بوجودك بحياتي"
تراجعت وسكبت بعض القهوة وتناولت كوبها وقالت "أنت لم تمنحني الكثير لأفعل"
نفخ وقال بجدية "أنا أفعل الآن آسيا ولكنك لا تصدقين"
لم تفر من مواجهته قبل أن تقول "وهل أنت اكتفيت؟"
تراجع محاولا أن يفهمها وهو يقول "أكتفي من ماذا؟"
قالت "من محاولاتك؟"
ضاقت عيونه وهو يختار الإجابة "لا، ليس بعد ولكن تراجعك يقلقني ويؤدي بي لليأس"
قالت وهي تنهض "وأين هي محاولاتك التي أحبطها أنا؟"
وتركته وتحركت للداخل وأغلقت المكتب عليها وتراجع هو بالمقعد وربما هي على حق هو لم يفعل أي شيء ليعيدها له، ليس دعوة على العشاء ولا زيارة إخوته ما يسمى محاولة
ليل كانت جميلة وبسيطة وهي تستقبلها بابتسامة مشرقة جعلتها تشعر بالراحة، عامر ابتسم وهو يقول "سعيد برؤيتك بيننا آسيا"
حلا كانت تحمل طفلها الجديد ورحبت بها ثم عرضت عليها أن تحمله وشجعها حمزة بابتسامة جعلتها تحمل الطفل الذي خطف قلبها، لحظات وساهر قال بمرح "أين مازن وميار؟"
لم تنسى أنه توقف مخصوص لشراء حلويات ولعب لأولاد أخيه الذين هجموا عليه بسعادة، تابعته ومايا ترحب بها وشهور الحمل تبدو عليها وقالت "أهلا آسيا، سعداء بوجودك معنا لا تنشغلي به هو هكذا ما أن يراهم حتى لا يتركهم"
ابتسمت وهي ترى جانب آخر به، جانب من الحنان لم تعرفه، قالت بسعادة "وأنا أيضا مايا، أحب الأطفال"
لم تتوقف بمكان واحد ما بين المطبخ والحديقة الواسعة لمساعدة مايا وليل وحتى حلا وضعت طفلها بالفراش وانضمت لهم بإعداد مائدة كبيرة وانضم جاسم لساهر باللعب مع الأولاد وقال "هل أخبرتها؟"
نظر لها وهي تضحك لأول مرة مع ليل ومايا وقال "لا، ربما بعد أن نرحل من هنا"
صمت جاسم قليلا ثم قال "ماذا بك؟ هل تشاجرتم؟"
لف وجهه لأخيه ومازن يحاول جذب الكرة منه ثم عاد لنفسه وقال "لا"
لم يتركه جاسم وقال "كاذب ولكن من الجيد أنك تحاول التحرر من الجنون بعلاقتك بها، آسيا امرأة عاقلة وليست فتاة طائشة وعلاقتكم جيدة ساهر فلا تفرط فيها"
حدق بها وضحكتها التي لم يسمعها ولا مرة تخترق أذنه وهو سعيد لأنها سعيدة ومتألم لأنه ليس سبب سعادتها، عاد لجاسم وقال "المهم ألا تفعل هي، جنوني كاد يفقدني إياها وأنا أحارب لإعادتها جاسم"
ربت جاسم على كتفه وقال "وهذا يعني أنك متمسك بها وربما تحبها"
لم يبعد عيونه عنها ولم يندهش من كلمة الحب فقد مرت كثيرا على ذهنه بالأيام السابقة وسال نفسه كثيرا هل يحبها؟
الأطفال أعادته لهم وسرعان ما انضموا للنساء بعد أن انتهى عامر وحمزة من الشواء وتقطيع السلطة ولم تمانع بالجلوس بجواره وهو يضع لها الطعام وهي تتناوله بشهية واضحة وما أن أزالوا الأطباق وأبعدها الخدم حتى وزعت المشروبات وتحرك لها عامر وقال "عصير، أعلم أنكِ لا تتناولين أي كحول"
ابتسمت وقالت "نعم، ماما كانت لا تفضله لأن جورج كان مريض كبد وبابا كان يحرمه رغم أنه كان يتناوله أحيانا"
ضحك وقال "نعم رأيته يفعل بالحفل، كيف حالك مع ساهر آسيا؟"
اندهشت من سؤاله وقالت "لماذا تسأل عامر؟"
ظل ينظر لها لحظة وأخيرا قال "دون أي مقدمات أنا عرفت بما حدث لكِ منه، لا، هو لم يخبرني ولا يعلم حتى أني عرفت"
تجهم وجهها وشحب وارتجفت يدها وهي تقول "كيف، كيف عرفت؟"
تناول البيرة وقال "دكتور أسعد الطبيب الذي استقبلك بتلك الليلة يعرف طبيب آخر وهو صديق لي كان بيننا عمل وهو من أخبرني، كنت بشرم وهاتفت المشفى ولكنك كنت نائمة"
تراجعت وقالت "ولم تهاتفه؟"
قال بضيق "لا، كنت غاضب منه ولا أفهم سبب ما حدث فأردت سماعك وبعدها عرفت بعودتك للبيت وظننت أن الأمر انتهى لكن رؤيتكم الليلة تظهر أن لا شيء بخير"
أخفضت وجهها وهي تعلم أن لا مفر لها فقالت "ميشيل قال كلمات عن واقعة حدثت لي معه منذ أكثر من ثلاث سنوات عندما كاد يعتدي علي ولم ينجح، أنا كنت قد أخبرت ساهر لكن كلمات ميشيل هيأت لساهر أني كذبت عليه وأن ميشيل، بعدها ساهر أراد التأكد من أني.."
تناول عامر البيرة جرعة واحدة وهي حاولت ألا تبكي وعامر يقول "لذا أراد الطبيب الإبلاغ عنه"
هزت رأسها وقالت "ولكني لم أوافق"
قال بامتنان "لأنكِ امرأة أصيلة آسيا وماذا ستفعلين معه؟ جنونه فاض الحد"
رفعت وجهها له وقالت "أردت العودة لندن والانفصال ولكنه طلب فرصة أخيرة ولا أعلم ماذا أفعل عامر، أخاف لو فعلت يؤلمني مرة أخرى ولو رحلت"
وصمتت فأكمل "تتألمين لفقدان من تحبي، لا تندهشي من جرب الحب يعرفه بعيون الآخرين وأنت تحبينه وغارقة بحبه ولكني أرى حبك بعيونه آسيا، ليس لأنه أخي فقط بل لأني أعرفه جيدا كالأب وابنه، كان لابد أن يواجه ضربة قاضية كهذه يدرك فيها أن الخسارة كبيرة كي يتوقف عن تهوره امنحيه الفرصة آسيا، سامحيه وأنا واثق أنه لن يعود للجنون مرة أخرى"
كلمات عامر كانت حافز لها جعلتها تبعد مخاوفها التي كانت تسيطر عليها جانبا وتعيد التفكير، عندما انفرد عامر به قال "لم تخبرني أنك تسقط بالحب"
لف وجه لأخيه الكبير الذي ابتسم وقال "وما المانع أليست زوجتك؟ فقط حافظ عليها فهي تستحق يا أخي"
ما أن تحرك بالسيارة حتى قال "شكرا لوجودك آسيا"
قالت "كنت سعيدة ولم أندم لوجودي"
ما أن دخلا الفيلا حتى قال "هل نتحدث؟ لدي ما أخبرك به"
التفتت له وهو كان يتبعها حتى توقف أمامها وقال بلا مقدمات حتى لا يتراجع وهو بالأساس لن يتراجع ربما هذه تكون المحاولة التي تعيدها له
"تعلمين أنني كانت لي علاقات نسائية سابقة؟"
هزت رأسها وهي لا تفهم سبب اختراق تلك الجبهة الآن فعاد وقال "تذكرين حريق شقتي؟"
عادت تهز رأسها بالإيجاب فقال بلا تردد "الشرطة وجدت رسالة تقول أن تلك هدية زواج لي من حبيبتي"
تراجعت فلم يهتم كي لا يتوقف وأكمل بالفعل "يوم حادث ميشيل هنا جاءني اتصال وكان ممن فعل ذلك، امرأة اسمها سيليا عرفتها لشهرين تقريبا ونعم نمت معها وعشنا علاقة كاملة ولكن وقتها سافرت لندن وعرفتك وبعد عودتي قلت علاقاتي وتقريبا قطعت علاقتي بها هي وغيرها وهي كانت تهاتفني من وقت لآخر كدعوة للخروج سويا ولكني كنت أرفض حتى عرفت بزواجنا وفعلت ما فعلت"
سقطت كلماته عليها دفعة واحدة جعلتها لا تستوعب كل ما قاله وهي تعقد حاجبيها وتحدق به حتى ابتعد وقال "هي الآن تحاول الاتصال بي ولكني لا أجيب"
تاهت منها الكلمات ولم تعرف بماذا تجيب، فقط تحاول تجميع شتات نفسها وهو التفت لها ولكنه لاحظ توهان عيونها فعاد لها وقال "أخبرتك بالأمر كي لا تظنين أني أخونك"
لم تجد سوى سؤال هو ما جمعته على لسانها "لماذا الآن؟"
قال بثقة "لأنك أخبرتني أني لم أحاول أي شيء بطريقي لكِ ولأني لا أريدك أن تظني أني عدت لذلك الطريق، ولأني أريدك أن تدركي أني أحاول استعادة ثقتك آسيا، أنا حقا نادم على ما حدث وأريد زواجنا وأريد أن نكون أسرة كما هم إخوتي، أريد تلك الأسرة معك آسيا فهل تريدين ذلك حقا؟"
ظلت تحدق به وتذكرت كلمات عامر لها فأخفضت وجهها وقالت "يوم وافقت على زواجنا كان هذا هو ما أحلم به ساهر، أردت تلك الأسرة والأولاد والبيت الصغير الدافئ، لكن ما حدث"
رفع يداه لذراعيها وقال "ما حدث كان خطأ وأنا أريد تصويبه فقط بحاجة لموافقتك لنبدأ من جديد وننسى كل ما حدث لنا ونسعى لتحقيق ما تمنيناه"
كانت عيونها فقط مليئة بالخوف ولكنه رفع يداه لوجهها وأحاط وجنتيها بهما وقال "لا داعي للخوف آسيا صدقيني لن تتألمين بسببي مرة أخرى، أعدك بذلك لأن ألمك أصبح يؤلمني أضعاف، فقط عودي لي"
لم يمكنها رفض كل ذلك ولكنها قالت "وسيليا؟"
مسح دمعتها الهاربة وقال بحنان وصدق "ماضي، كلهم ماضي لا مكان له الآن بحياتي لأنك تأخذين كل مكان بحياتي ولا مكان لسواكِ، أنتِ فقط من تملأ كل كياني وعقلي، أنا لا أكف عن التفكير بكِ لحظة واحدة، أقسم على ذلك"
ابتسمت وقالت "سنعيد شحن الرصيد"
ابتسم هو الآخر واعتبر كلماتها نهاية للماضي وبداية لعالم جديد فجذب وجهها له وقبلها قبلة طويلة، قبلة اشتياق، اعتذار، غفران، كل شيء كان يتموج داخل تلك القبلة حتى أخذت أنفاسها فأبعد فمه وقال "لن يفرغ رصيدي عندك مرة أخرى آسيا أعدك بذلك"
عادت تبتسم فوجدته يحملها فجأة فهتفت "ساهر ماذا تفعل؟"
قال وهو يتحرك للسلم "كان من المفترض أن أحملك بليلة زفافنا ولكن ما حدث هد كل شيء والآن نعيد الطقوس لنا وحدنا"
كانت قد لفت يداها حول عنقه وقال "ومتى ستتوقف عن طقوسك هذه؟"
توقف أمام باب غرفته وقال "افتحي الباب وبالداخل نتناقش"
ضحكت تلك الضحكة التي تمنى أن يسمعها له هو فأخذت قلبه وشعر بأنه لم يعد يريد شيء سوى أن يكون معها ومعها هي فقط