رواية حياة مهدورة الفصل الاول1بقلم رشا عبد العزيز
في إحدى ليالي الشتاء الممطرة داخل حى من أحياء القاهرة نجد الأمطار تطرق على شباك منزلها والرياح تعصف بالمكان تحدث ضجيجًا وهي ترطم الأشياء ببعضها وأصوات الرعد والبرق تخترق صمت المكان ، كل هذا الضجيج لم يشغلها عن اندماجها في ما تعمل فقد كانت منكبة ممسكة بتلك العباءة تطرز عليها نقشات جميلة من الخيوط والخرز انحنت تقضم ذلك الخيط الذي عقدته مسبقاً ثم رفعت رأسها لتشعر بتشنج رقبتها أثر بقاءها وقتًا طويلًا منحنية أمسكت رقبتها بيديها وبدأت تدلكها كي تخفف من تشنجها وحركتها يمينًا ويسارًا لعل ذلك يساعدها ، تنهدت بتعب ورفعت تلك العباءة أمام عينيها تنظر بإستحسان لماصنعت
-والله برافو عليكي يا بت يا إيمان بقيتي أسطى ، مدام روز هيعجبها الشغل خليني أوريها لماما هتفرح اوي
وبخطى سريعة اتجهت نحو غرفة والدتها
فتحت باب غرفة والدتها ، تلك الغرفة التي ملأتها علب الادوية وسكنت أركانها رائحة المرض مع إضاءتها الخافتة وسرير والدتها الذي أصبح يحتضن جسدها طيلة الوقت منذ اصابتها بجلطة دماغية قبل عام عقب حزنها على وفاة والدها الذي غادر الحياة نتيجة فشل كلوي أصابه نتيجة لمضاعفات مرض السكري كان والدها يعمل مهندسًا في الإدارة الزراعية ، كان بالنسبة لوالدتها الحياه بأكملها لم تتحمل فقدانه لتسقط طريحة الفراش بسبب المرض الذي تتعالج منه منذ فترة. رغم تحسنها وعودتها للكلام لكنها لا تستطيع الحركة بعد إصابة جزئها الأيمن بشلل تام لتقوم إيمان برعايتها واخذت مكانها في الحرفة التي كانت تعمل والدتها فيها مسبقًا. وهى تطريز العباءات لصالح أحد الاتيليهات المعروفه
-مساء الخير يا ماما
وبنظرات واهنة ملأها الحزن والحسرة على صغيرتها التي تتحمل عبئًا فوق طاقتها فرغم انها لا تبلغ سوى عشرون عامًا لكنها تعيلها وتهتم بها وبأشقائها ، نظرت منى لصغيرتها ورسمت ابتسامتها المعتادة على وجهها
واجابت بلسان ثقلت عليه الكلمات:
-مساء النوريا نورعيني
رفعت العباية امام أنظار والدتها وسألتها بابتهاج :
-شوفي ياست الكل أي رأيك فى عمايل بنتك ؟
نظرت منى إلى ماصنعت صغيرتها واخبرتها مفتخرة
بصنيعها :
-الله برافو يا إيمان ، برافو يابنتي ده انتي بقيتي أحسن مني .
اقتربت منها إيمان تقبل يدها التي توقفت عن الحركة وقالت بحزن تخفيه عن والدتها
-فشر انت محدش يقدر يوصلك ياست الكل .
-لا ياحبيبتي صدقيني هتشوفي ازاي مدام روز هتحب شغلك .
قالتها منى تشجعها
-لا ما هي من المرة الي فاتت لما روحتلها قالت ان شغلي بقى برفكت
ثم شردت إيمان حالمة بما تتمناه وقالت وهي تجلس بجانب والدتها على السرير .
-ياما نفسي أعرف أتكلم أنجلش زيها و ارطن زي ماهي بترطن مع زباينها
لمعت عين منى بدموع التي تجمعت حسرة على ضياع حلمها ورفعت يدها اليسار تربت على ذراعها
-سامحيني يابنتي كله بسببي لولا مرضي كان زمانك في الكليه زي زمايلك لكن انتي بدل ماتشيلي الكشاكيل والكتب خليتك تشيلي الابره والخيط .
-ليه بتقولي كده يا ماما ياحبيبتي هو أنا اشتكيتلك دا نصيبي وانا راضية بيه وبالعكس أنا فرحانة باللي بعمله .
وبكرة هتشوفي بنتك هتبقى أيه مش يمكن اكبر واشارك مدام روز في الاتيليه
قالت ذلك ضاحكة محاولة تخفيف شعور الذنب الذي يسيطر على والدتها منذ ان تخلت عن حلمها في دخول الكلية بسبب مرضها و اضطرارها إلى الاكتفاء بشهادة الثانوية العامة والتفرغ للعنايه بها وبأشقائها
-صعبان عليا يابنتي المجموع الكبير الي جبتيه .
-فداكي ياست الكل المجموع وصاحبته .
قالتها إيمان ورغم ادعائها اللامبالاة لكن مجموعها وحلمها كان كالجرح النازف فى قلبها يؤلمها كلما حادثتها احدى صديقاتها واخبرتها عن حياة الكلية وعالمهم الجديد شعوربالنقص ظل يلازمها طيلة حديثها معها لتقرر الهروب من امام والدتها قبل ان تفضحها دموعها امامها فتزيد ألمًا فوق آلامها
استقامت واقفة ودثرت والدتها بالغطاء ، التقطت حبه الدواء وأمسكت قدح الماء قربت الدواء من فم والدتها لتلتقطها بشفتيها وسقتها الماء ، اعادت الكاس مكانه وقالت :
-بالشفا ياحبيبتي تصبحي على خير ياست الكل .
واستدارت تهم بالرحيل وماكادت تخطو خطوة حتى نادتها والدتها :
-إيمان
التفتت بسرعة اليها وعينها تترقب طلبها :
-نعم ياست الكل أمري .
وبعينين متوسله وصوت خالطه الرجاء قالت :
-لو جرالي حاجه أخواتك أمانة في رقبتك خلي بالك منهم .
خطت تدنو منها مقبلة رأسها
-بعد الشر عنك يا أمي ان شاء الله ربنا يديكي طولة العمر وتربيهم وتشوفي ولاد ولادهم بالله عليكى يا ماما بلاش الكلام دا ، انتى عارفة انى مبحبش..
لكن قاطعتها والدتها تمسكت بيدها بأصرارونظرت لعينيها بتوسل
-أوعديني يا إيمان
رفعت يدها تقبلها تزرع بذور الأمل وتسقيها بوعد طوق رقبتها دون ان تعلم
-أوعدك يا أمي أطمني ونامي مرتاحة
تركت والدتها وخرجت متوجهة نحو غرفة اشقائها تطمئن عليهم وقفت امام الباب تنظر إلى تلك الأسرة الثلاثة المتجمعه في هذه الغرفة وهي تتذكر كيف لم تستطع والدتها الإنجاب بعدها حتى انها فقدت الأمل رغم مراجعتها الطويلة للأطباء لكن دون جدوى حتى تفاجأت بحملها بعد عشرة أعوام لتنجب شقيقها إسلام وتفاجئت بعد عامين بأنجابها لتوأم حنان وأسر ليصبح لها أشقاء بفارق عمر كبير لكنها تحبهم جدا حتى انها أصبحت تشعر انها والدتهم بعد ان تولت رعايتهم بعد مرض والدتها
اقتربت من سرير حنان التي كانت تحتضن دميتها وتنام لتدثرها وتقبل جبينها ثم اتجهت نحو سرير آسر المجاور له ودثرته وقبلت جبينه. ثم اتجهت نحو سرير إسلام الذي كان يتململ في الفراش فعلمت انه لايزال مستيقظ
لكنها دثرته وقبلت جبينه وما ان ابتعدت حتى سمعته يقول
-ابلة إيمان .
مسحت على وجهه بحنان وسالته مبتسمة :
-ايوه ياحبيبي انت لسه مانمتش؟
ليعتدل إسلام ويرفع جسده ينظر اليها بحيرة :
-لا لسه يا ابلة كنت عاوز أقولك حاجة بفكر فيها
جاورته على السرير واحاطت كتفه بيدها تنظر اليه و تسأله باهتمام
-وأي الي بتفكر فيه ؟
رفع نظره يتطلع اليها وتكلم متوجسًا من ردة فعلها :
-عاوز اشتغل مع عم عبده في الورشة عاوز أساعدك يا ابلة .
نظر لها يحاول استعطافها كي توافق رغم انها كانت سعيدة بهذا الصغير الذي سبق عقله عمره لكنها نهرته بشدة تبعد عنه أفكارًا قد تلهيه عن دراسته
-إسلام احنا مش اتكلمنا في الموضوع ده واتفقنا أننا منتكلمش فيه تاني
-بس يا ابله
-خلاص يا إسلام الكلام انتهى في الموضوع دا لو عاوز تساعدني بجد ذاكر وتفوق غير كده انت مش بتساعدني انت بتأذيني .
ليقطب حاجبه مستفهماً منها :
-بأذيكي ازاي يا ابله ؟
أمسكت يده الصغيرة بين يديها بحنان :
-لما الايد دي تتعب وتهمل دروسها وبدل ما تكتب تشتغل يبقى بتأذيني يا إسلام أناعاوزة أشوفك حاجة كبيرة افتخر بيها قدام أهل الحارة عشان كده لو بتحبني متجبش سيرة الشغل تاني .
قبل وجنتها وقال مبتسمًا :
-أوعدك أكون حاجة كبيرة عشان خاطرك .
قرصت وجنته ودعته لينام لتدثره بالغطاء وهي تقول
-برافو شاطر ياحبيبي يلا نام بكرة عندك مدرسة .
تركت الصغار وخرجت تجمع أغراض عملها وترتبها حين سمعت طرقات على الباب ليرفرف قلبها بشدة وتشق وجهها إبتسامة كبيرة فهي تعلم هوية الطارق وبخطى راكضة اتجهت نحو الباب تفتحه بسرعة تكحل عينها برؤية حبيب قلبها فتحت الباب لتتسع عينيها وهي ترى ملابسه المبللة وقطرات الماء التي تقطر من خصلات شعره الأسود ، وجهه الذي غرق بمياه الأمطار التي تنزلق على وجنته وعينه التي تعشقها تلمع لهفة لرؤيتها ، لتقول باضطراب :
-حسن
ليجيبها بصوته العاشق ونظراته المشتاقة التي سبقت كلماته :
-قلب حسن وروح حسن وعيون حسن ودنيته
غزت الدماء وجنتيها خجلًا من غزله الذي ينثره عليها بسخاء لترتبك وتقول :
-انت كنت فين وإزاي تخرج في المطر كده هتتعب ياحبيبي .
امسك قلبه وأغمض عينيه مدعي انهياره بسبب كلامها
-اه ياقلبي كلمة حبيبي منك عسل
ضحكت على كلامه وقالت تمثل الغضب وهي تضرب على كتفه بخفة :
-بس يا حسن أنا بتكلم بجد
ليغمز لها ويجيبها مبتسمًا :
-وانا بتكلم جد يا نبض قلبي ، دا انت النظرة منك توديني عالم تاني بسمتك تخليني احب الدنيا ، كلمة حبيبي من شفايفك كأنها الحياة لقلبي الي بيعشقك .
نهرته بحدة رغم سعادتها بكلامه الذي كان كالبلسم يشفي جراحها وحبه الذي ينسيها ألمها وتعبها فهي تنتظر رؤيته التي تزيل عنها تعب يومها بأكمله
-بس يا حسن احنا واقفين على السلم حد يشوفنا
نظر يمينا ويسارا ثم عاود النظر اليها وقال بسخط
-ومايشوفونا انتي خطيبتي وكل الدنيا عارفة هنخاف من إيه ؟
-ولو يا حسن ميصحش وقفتنا كده غلط وانا ماقدرش أدخلك جوه ماما واخواتي نايمين
نظر لها بوجه ممتعض وقال متهكمًا
-كده يا إيمان وانا الي خارج وسط المطر عشان اجيبلك الحاجة الي طلبتيها واجيبلك البسبوسة الي بتحبيها
قال ذلك وهو يرفع الكيس أمام وجهها فتتسع ابتسامتها
تخطف الكيس من يده وهي تقول :
-بجد ياحبيبي متشكرة اوي .
لتفتحه بلهفة تنظر داخله
- الله بسبوسة متشكرة يا سونة .
-بالهنا والشفا ياروح سونة فرحتك بنسبالي احلى شكراً
ليدعي إنزعاجه ويقلب شفتيه قائلًا :
-بس أنا لسه زعلان .
رفعت نظرها من الكيس تنظر له بقلق وتقول مستعطفة أياه
-معلش يا حسن سامحني .
لينظر لها بحب ويقول مستهزئًا من نفسه
-وانت صدقتي دا أنا ازعل من نفسي ولا ازعل منك ياروحي سيبك مني قوليلي عملتي أي النهاردة ؟
-معملتش حاجه العادي بتاع كل يوم بس نور اتصلت بيا وحكتلي…
ثم صمتت تبتلع باقي كلماتها بغصة مرة آلمتها كمياه ساخنة نزلت في جوفها ، نظر لها بحزن وقال يبث فيها الأمل :
-يابنتي هو انت لسه بتكلمي صاحبتك دي الي بتسمم بدنك كل مرة بكلامها عن الكلية والمحاضرات ، يا بنتي انسي .
ثم اقترب منها مما جعلها تعود خطوتين إلى الوراء بتلقائية يهمس لها :
-ما أنا قولتلك قبل كده بكرة نتجوز واخليكي تكملي كلية وهذاكرلك أنا بنفسي ولا انتي عندك شك فى قدراتي دا أنا مدرس لغة عربية وأعجبك .
لتبتسم على كلامه لكنه أكمل وهو يغمزلها ويعض على شفتيه بوقاحه
-ده أنا بدي دروس خصوصية تجنن
رفعت حاجبها واتسعت عينها بدهشة وقالت له بحدة :
-حسن انت قليل الأدب .
قالت ذلك ثم صفعت الباب بوجهه بقوة
ظل ينظر إلى الباب مندهشًا من ردة فعلها ثم تنهد بأمل :
-امتى يجمعنا بيت واحد واديكى دروس خصوصية
ثم توقف في لحظة ادراك يحاور نفسه
-تصدق ياحسن هي عندها حق انت بقيت قليل الأدب .
ليضحك على نفسه ويقول :
-جننتني بنت الايه وبقيت بكلم نفسي بس بعشقها .
اماً هي فأسندت ظهرها على الباب تمسك قلبها الذي يرقص داخل صدرها وتلملم شتات روحها التي يبعثرها حضوره
**************************
أشرقت شمس الصباح تداعب أجفانها تلمع اشعتها على بشرتها البيضاء وشعرها الأسود تزيدها جمالا فوق جمالها رفرفت أهدابها بأنزعاج لتفتحها ببطئ حتى تعودت على الضوء لتتثائب واضعة يدها على فمها وتدعك عينها حتى تتضح لها الرؤية نهضت متثاقلة تنظر نحو والدتها التي تتشارك معها الغرفه خوفا من احتياجها لشئ ليلا رحلت من الغرفة بهدوء متجهة نحو غرفة اخوتها لتوقظهم وتجهزهم للذهاب للمدرسة روتين تعودت عليه بعد مرض والدتها
-يلا ياولاد يلا أصحو عشان تروحوا المدرسة يلا مفيش وقت يلا ياكسلانين .
اتجهت نحو كل واحد فيهم توقظه وتداعبه وهم يمتثلون لاوامرها بطاعة وحب تساعدهم في ارتداء ملابسهم ثم تجهز لهم الفطور حتى يغادروا للمدرسة لتتجه نحو المطبخ تعد الغداء ثم تنظف الشقة ثم تعود لوالدتها تطعمها وتغير ملابسها وتناولها الدواء عمل تعرف انه فوق طاقتها لكنها لم تكن تمتلك رفاهية الاعتراض او الشكوى
***************بقلم * رشا عبد العزيز *
أخذت تدندن احدى الأغاني التي تحفظها وتلملم تلك العباءات التي أعدتها مسبقًا كي تأخذها لمدام روز فموعد تسليمها اليوم لتسقط أنظارها على احدى عباءات العرائس لتلوح صورته أمامها فتبتسم بتلقائية وهي
تتخيل نفسها ترتدي عباءة مماثلة تنهدت بثقل لتقول :
-امتى ياحسن البسلك عباية زيها .
-ابله يلا مش هنمشي .
كان هذا صوت حنان الذي أخرجها من خيالاتها الجميلة لتنتبه لتأخرها على موعدها لتحمل أغراضها وتقترب تمسك بيدها :
-يلا ياحنونة خلينا نمشي
خرجت من باب الشقة تمسك بيد حنان تنزل السلالم حتى وصلت باب البنايه ليشرق وجهها بابتسامة وهي تجده يطل عليها من بعيد رفرف قلبها لرؤيته التي تزيل همومها كما تزيل الشمس ظلام الليل لكنها ارتبكت عندما رأت وجهه يتجهم عند رؤيتها اقترب منها وقال بصوت حاد :
-الهانم رايحة فين من غيرأذن خطيبها؟
تلعثمت وهي ترى نظراته المصوبة نحوها
-رايحة عند مدام روز أسلمها الشغل .
ليشيرلها ان تتقدم ليرافقها
-طب يلا عشان أوصلك .
لتنظر اليه باضطراب وقالت متوجسة :
-ملوش داعي ياحسن المكان مش بعيد وحنان معايا .
ارتسمت عقدة بين حاجبيه تشير إلى بركان غضبه الذي يوشك على الانفجار ليقول بغضب :
-يلا يا إيمان من غير كتر كلام .
مشت بجواره من دون أن تتحدث بكلمة واحدة فقد كان الصمت يسود طريقهما لا يقطعه سوى اسئلة حنان الطفولية الغريبة والتي كان يجيبها هو تارة وهي تارة أخرى حتى وصلوا إلى أتيليه مدام روز ليقف ويشير لها بالدخول :
-أنا هستناكي هنا .
لم تعقب على كلامه لأنها تعلم ان لاشي سيجعله يعدل عن قراره أومأت برأسها ودخلت لتستقبلها مدام روز بحفاوة :
-أهلا يا إيمان فى معادك بالمظبوط
-أهلا يا فندم
أعطتها إيمان ماصنعت لتأخذه مدام روز وتطلع عليه بانبهار وتقول مادحة :
-برافو يا إيمان شغلك يجنن أنتي بتبهريني حقيقي تفوقتي حتى على شغل ماما .
ابتسمت إيمان ابتسامة باهتة فتفكيرها كان منشغل بحسن وردة فعله على خروجها دون إذنه
-متشكرة يا مدام دا من ذوق حضرتك اقدر لوسمحتى استلم الشغل الجديد .
العودة إليه كان جل مايشغل تفكيرها حسن هو الشئ الوحيد الذي يطفي على حياتها لون بعد أن اصبحت رمادية ، أيامها تشبه بعضها وكأنه أصبح هدفها بعد أن فقدت هدفها الدراسي .
استلمت أجرتها وعملها الجديد وخطت خارجة وعينيها تبحث عنه باشتياق لتجده لايزال جالس في مكانه ينتظرها
وبخطوات متوترة اقتربت منه :
-أنا خلصت ياحسن .
نظر اليها واستقام واقفا يهز رأسه ويتخطاها يسبقها كي تتبعه دون كلمة ولكنها استوقفته
-حسن أنا أسفة مكنتش أعرف خروجي هيضايقك ، بس أنا خارجة عشان شغل والله واديك شايف حنان معايا .
التفت اليها ينظر اليها بوجه ممتعض ليأخذ نفسًا عميقًا ويخرجه بشدة يطفئ من وهج غضبه
-إيمان أنا عندي ثقة فيكي أكثر من ثقتي في نفسي لكن معنديش ثقة في الناس يا إيمان أنتي جميلة وعين الناس عليكى وأنا مستحملش حد يبصلك كده والا كده
-بتغير عليا يا سونه؟
قالت ذلك بعد ان اشرق وجهها بابتسامة أثر كلامه
-أنا لو أطول يا إيمان كنت خبيتك في قلبي وقفلت عليكى .
لتزم شفتيها وتقول مشاكسة :
-لا يا عم مش عاوزة استخبى فى قلبك شكلك يخوف وأنت زعلان .
اتسعت ابتسامته ينظر لها بحب ويقول :
-لوتعرفي يا إيمان بحبك قد أيه كنت عذرتيني .
-وأنا كمان بحبك يا حسن .
قالت ذلك وهي تبادله النظرات العاشقة حتى ملت حنان من تحديقهم ببعضهم لتقرر إنهاء هذا التواصل البصري من دون قصد عندما قالت:
-عم حسن انت مش هتشتريلي حاجة حلوة زي ماوعدتني .
ليعود حسن من تحديقه بها وينتبه لها ويرد عليها :
-بس كده أنت تأمري ياحبيبتي .
قال ذلك وهو يقرص وجنتها مبتسمًا
******************************* ( رشا عبد العزيز )
أيامها مرت اعتيادية ومتشابهة حتى جاء ذلك اليوم الذي لن تنساه طيلة حياتها عندما دخلت على والدتها توقظها بعد أن رحل اشقائها إلى المدرسة ، دخلت الغرفة وفتحت الستائر لتملأ أشعة الشمس المكان ثم اتجهت نحو والدتها تهزها :
-ماما أصحي ياست الكل معاد الدوا بتاعك ياحبيبتي أنا هروح أجبلك الفطار على ما تصحي .
استدارت مغادرة المكان لكن تسمرت قدمها فجأة في لحظة ادراك لتلتفت ببطئ كأنها لاتريد أن تستوعب مايحدث عاودت النظر لتجد لون بشرة والدتها قد تغير، ثقل جسدها حتى أصبحت قدماها لا تحملها وبخطى مثقلة اقتربت منها جثت على ركبتيها بثقل جسدها وبيد مرتعشة تحسست وجنتيها ونادتها بقلق :
-ماما....ماما
بدأت تضرب وجنتيها بقوة لعلها تستيقظ لكن بدون فائدة رفعت جسدها تضع أذنها على موضع قلبها علها تسمع نبضة لكن السكون القاتل كان سكنها ، هنا ادركت الحقيقة المرة التي تحاول الا تصدقها ، أمسكت يد والدتها الباردة وأجهشت بالبكاء وبكلمات متقطعة عاتبتها :
-ليه يا ماما ليه دلوقتي دا أنا محتجاكي ليه مش كنت اتحسنتي وقولتي هاحضر فرحك ليه يا أمي دا أنا معرفش حاجة في الدنيا ، هعمل أيه من بعدك دا أنا معرفش اعمل أكل ألا لما اسألك طب هاسأل مين لو اخواتي تعبوا هعمل أي طب لو اتخانقت اعمل أي طب اشتري خضار قد أيه طب اعمل رز ولا مكرونة طب ارد أقول أيه حتى الكلام والرد متعلمتوش سبتيني ليه
ثم انهارت تصرخ وتنتحب مدة من الزمن حتى خارت قواها ولم تعد تستطيع الحركة لكنها فجأة رفعت رأسها تنظر لوالدتها وكأنها تذكرت شيئا حملت جسدها المثقل بالحزن وتلمست وجه والدتها
( بقلم . رشا عبد العزيز )
-ماتخافيش يا ماما أنا هحافظ على الأمانة واخواتي هاربيهم أحسن تربية ماتخافيش عليهم .
ثم تمددت على السرير بجوارها تحتض جسد والدتها البارد بعد أن غادرته روحها الى بارئها ونامت بين أحضانها وكأنه الوداع الأخير هي توقن أنه مهما كان جسد والدتها بارد سيكون أدفئ من الأيام بدونها.
غفت مدة من الزمن وكأنها تهرب من الحقيقة حتى سمعت الباب يطرق ، لم تبالي ليعود الطرق بقوة مع مزامنته بضرب الجرس المستمر وكأن من في الخارج شعر بها بالكاد حملتها اقدامها حتى الباب لتفتحه فتجد حسن يقف أمامها تملكه القلق من هيئتها ليسألها باضطراب
-مالك يا إيمان ؟
وكأنها كانت تنتظره لترمي همومها لتقول بصوت بح من البكاء :
-أمي ماتت
قالت هذا ولم يعد جسدها يتحمل أكثر لتفقد سيطرتها عليه وتسقط مغشيًا عليها وارتطم جسدها بقوة على الأرض وآخر شئ سمعته هو صراخه بأسمها
استعادت وعيها على يد والدة حسن وهي تضرب وجنتها محاوله إفاقتها
-اصحي يا بنتي ياعيني عليك ربنا يعينك
فتحت عينها بوهن بعد ان أثقل جفنيها البكاء لتواجه عينيها عينيه القلقة ينظر لها بخوف ليسألها :
-إيمان انت سامعاني أنتي كويسة ؟
لتتذكر ماحدث وتعاود انخراطها في البكاء بين أحضان والدته وهي تنادي والدتها كم تمنى لو يستطيع يأخذها بين أحضانه ويخفف عنها
جلست في العزاء تحتضن اشقائها الذين يبكون بين أحضانها تحاوطها النساء من أقاربهم وجيرانهم رغم أنين أخوتها بين أحضانها لكنها كانت تستمع لهمهمات النسوة الآتي التفن حول والدة حسن من الجيران يواسونها
-ياعيني عليه حسن هيتجوزها بأخواتها .
لترد الأخرى :
-أه والله صحيح هيشيل العيلة بحالها .
لتجيب أم حسن مؤيدة :
-ايوه ياعيني عليه ابني هيشيل الهم بدري .
لتسألها أخرى :
-طب ما يسيبهم لعمامهم يربوهم همه أولى بيهم .
لتجيب أم حسن :
-ومين هيشيل كوم اللحم ده غير ابني الخايب .
لتشرد إيمان متذكرة لقاءها مع أعمامها الذين اخبروها علانية أنهم لايستطيعون مساعدتها وعليها الاعتماد على نفسها فلكل منهم عائلته وحياته
-معلش يابنتي انت عارفة أن الحياة صعبة وكل واحد عنده مسؤولية وعيال أحنا مش هنقدر نعمل حاجة بس انتي قوية يا إيمان وهتقدري تسدي مكان والدتك ووالدك
تطلعت اليهم بألم وهي تشعربأول أعمدة الحياه التي من المفترض أن تستند عليها تهوى امام عينيها في أول الطريق لتطرق تلك الحقيقة أروقة عقلها تخبرها انها السند الوحيد لاخوتها
عادت من شرودها على صوت نحيب حنان القابعة بين أحضانها
-أبله أنا عايزة ماما (رشا عبد العزيز)
أحتضنتها إيمان بقوة فهي مثلها تحتاج إلى حض والدتها كرضيع جائع يبكي أحضان والدته اشتاقت إليها
أخرجتها من أحضانها تمسح دموعها
-حبيبتي ماما راحت عند ربنا وهتدخل الجنة أنت مش عاوزة ماما تدخل الجنة
لتهز الصغيرة راأسها تؤيد كلامها
-ايوه يا ابله عاوزها تخش الجنه
-خلاص ياروحي ماتعيطيش عشان لو عيطتي هي هتزعل ومش هتخش الجنة .
مسحت الصغيره دموعها بقوة رافضة تلك الفكرة ..
-خلاص يا ابله أنا مش هعيط تاني عشان ماما تخش الجنة .
-شاطرة ياحنونة
تنهدت إيمان بحزن أمتزج بالتعب توقن ان مشوارها طويل وحملها ثقيل وعليها أن تصمد دارت عيناها على النسوة لتجد الشفقة تطغي على نظراتهم حتى اصطدمت عينها بعين والدة حسن لتجدها تنظر لها نظرات مبهمة ولاتزال النسوة يهمسن بأذنها وهي تصغي وتستمع لاتعلم لما أعتصرها قلبها من هذا المشهد تشعر بأن خطب ما سيحدث
خلا منزلها من المعزين إلا من والدة حسن التي جلست كأنها مجبرة على البقاء تطالع الساعة بين الحين والاخر
تحادث نفسها بصوت مسموع وكأنها ترثي حظ ولدها السئ .
-ياعيني عليك يابني هتشيل الهم وانت صغير
لاتدري أهي متعمدة ان تسمعها هذا الكلام أم هي أم وأحزنها ما يحدث لولدها وعلى ذكر الأخير دخل المنزل وعينه تبحث عنها بلهفة وأشتياق ليجدها تجلس تحتضن اخوتها وجهها شاحب أجفانها متورمه والدموع نقشت أثرها على وجنتيها اقترب منها يجلس أمامها
-أزيك يا إيمان ؟
لتجيبه بصوت متعب مخنوق من كثرت بكائها :
-الحمد الله
ليسألها بقلق :
-اكلتي يا إيمان
صمتت ولم تجيب بكلمه لترد تلك الصغيرة التي سكنت أحضانها بدل عنها
-ما أكلتش حاجه يا عم حسن .
ليقف سريعا متجها نحو المطبخ ويعود ومعه تفاحه وعلبه عصير وقف أمامها يمد لها يده با الطعام
لتوزع نظرها بينه وبين مايحمل
-كلي يإ إيمان .
اخفضت عينها تتمتم :
-مش قادرة يا حسن .
ليقول وهو يدنو منها متوسلًا :
-عشان خاطري يا إيمان .
لكنها ظلت رافضة ليقول بأصرار:
-إيمان أنا مش همشي غير لما تاكلي وتشربي العصير يلا عشان خاطري يا حبيبتي .
تناولت منه الطعام بيد مرتعشة تقضم التفاح بتعب وتبتلعه بصعوبة حتى شعرت بالطعام يجرج جوفها من مرارة ألمها استرقت النظر نحو والدة حسن لتجدها تنظر لما يحدث بأمتعاض تلوى شفتها بسخط واستنكار وتتأفف
لاتعلم لما خالجها شعور سئ من هذه النظرات لكن عينها عاودت النظر نحوه لتجده يحدق بها وعينه تصرخ لها بالحب قبضت على قلبها وقالت محاورة نفسها :
-ربنا يحفظك ليا ياحسن أنت الحاجة الحلوة الوحيدة الي فضلالي
لتفزع عندما سمعت والدته تنادي عليه بحدة
-حسن ....
