رواية حياة مهدورة الفصل الثاني2بقلم رشا عبد العزيز
-حسن ....
صرخت بها والدته مستنكرة مايفعله من أجلها ، لكنها بررت ذلك بشئ آخر
و التفت لها مستفهماً ندائها عليه
-الوقت أتأخر مش يلا بينا
-حاضر يا أمي أطمن على إيمان ونمشي
فزفرت أنفاسها بخنق محاولة كتم غضبها منه وقالت بحدة وهي تلوي شفتها ساخطة :
-ماهي إيمان كويسة مش أطمنت عليها وأكلتها
تداركت هي الموقف بعد أن شعرت بتوتره بعد كلمات والدته وقالت :
-أطمن يا حسن أنا كويسه روح ياحبيبي نام أنت تعبت النهارده
ارتبك بعد حديثها وقال متلعثمًا :
-خلي بالك من نفسك
سبقته والدته إلى الباب منزعجة من حواره تمتمت مع نفسها بغيظ
-روح نام ياحبيبي والتاني خلي بالك من نفسك يا أهبل خلي بالك انت من نفسك وانت هتشيل الهم بدري عشان ست الحسن
عام كامل مر على وفاة والدتها من يراها يظن أن عمرها قد تضاعف ما حملتهُ على كاهلها كان أكبر من طاقة تحملها لكنها لازالت تقاوم فهي لاتمتلك رفاهية العدول او التخاذل
لم يتركها حسن خلال هذا العام فقد كان نعم السند لها كان الشي الجميل الذي يساعدها على البقاء والصمود مع هذا الألم الذي ارهقها. ووقف دائما معها أمام والدته التي لم تترك مناسبة إلا وذكرتها بأن ولدها سوف يتحمل عبئها وعبء أخوتها وفي بعض ألاحيان كان تزيد بانه غير مجبر لفعل ذلك كانت تتغاضى عن كل ماتسمع منها ، فيكفيها هو ولايهمها سواه
حتى أتى ذلك اليوم الذي جاء فيه حسن إلى منزلها متلهفاً يود إخبارها عن تحقق حلمه جلس على الاريكة ينتظرها بعد أن فتح له إسلام الباب لتطل عليه هي بعد قليل بطلتها البهية كان ينظر اليها هائمًا بجمالها
فحتى السواد الذي اتشحت به زادها جمالًا فوق جمالها
أقبلت عليه تبادله نظرات العشق مبتسمة لتجلس امامه وتقول :
-أهلا ياحسن ازيك ؟
-أهلا ياروح حسن بقيت بخير لما شفتك
-تسلم ياحبيبي
رأت في عينيه بهجه وفرح فسالته مندهشة :
-مالك ياحسن شكلك فرحان ؟
-باركيلي ياروحي أخيراً حلمي اتحقق وهسافر.
تلاشت بسمتها وخفق قلبها متوجسًا لتكرر حديثه باستفهام :
-هتسافر؟
ليجيبها مبتهجاً وبابتسامه متسعة اخبرها
-ايوه ياحبيبتي واحد من صحابي جابلي عقد في الخليج بمرتب ماكنتش احلم بيه وكمان ها يوفورلي سكن بس هي فيه نقطة واحدة ان العقد في بدايته ٥سنين من غير نزول عشان هستلم مراكز تدريب صيفيه ودي شامله اللغة كمان
كان يتحدث ويسرد لها تفاصيل العقد وهو يكاد يطير من الفرح فالسفر كان حقا حلماً له تغافلت هي عنه وتناسته مع مرور الأيام لكن مهلا ماذا عنها ألم يفكر بها لتعود تنصت له من جديد وهو يكمل حديثه :
-تعرفي يا حبيبتي العقد دا هيخليني أبنى نفسي وأكون في حته تانيه يااااا أنا مش مصدق نفسي أول ما صاحبي بلغني أنهم وافقوا جيت أبلغك
.
لتقطع استرساله بالكلام وتسأله :
-وأنا ؟
نظر لها يقطب حاجبيه متحير من سؤالها في البداية لكنه عاود الابتسام يرد عليها :
-أنتي هتيجي معايا طبعا هو صحيح السكن بسيط أوضة صغيرة ومطبخ لكن أحنا لازم نستحمل يا حبيبتي عشان نكون نفسنا
كان مندمج بالحديث والشرح وكأنّه خطط لكل لشي ورتبه لكن يبدو أنه نسي أهم شي بالنسبة لها ، اخوتها ماذا سيحل بهم كان كأنه يتكلم في وادي وهي تفكر في وادي آخر بعيدا عنه كمن يقفان على جانبين مختلفين من النهر لكنها أوقفته مرة أخرى تسأله :
-وأخواتي؟
وكأنه للتو تذكرهم رفع حاجبه بدهشه من سؤالها :
-مالهم أخواتك؟
-هناخذهم معانا؟
لتتسع حدقتيه باستغراب ويقول بسرعة :
-منقدرش ناخدهم معانا السكن صغير والمدارس غالية .
لكنه تلعثم عندما رأى تغير قسمات وجهها عندما تفوه بهذا الكلام
-ممكن نسيبهم مع ماما هتخلي بالها منهم هي هتعيش وحدها بعد جواز اخويا .
-لا
كان جوابها حاسم ومن دون رجعة كيف تتركهم مع والدته التي ترى نظرات الكره في عينها كيف تأمن عليهم معها
-طب نسيبهم مع أعمامك
شهقت مستنكرة تنظر له بأمتعاض :
-أسيبهم مع أعمامي ياحسن الي ما سألوش عننا من ساعة أمي ما ماتت
هز رأسه وتنهد بحيرة :
-بس أنا مش هقدر أسيبك هنا دول خمس سنين يا إيمان .
ثم دارت عينيه بارتباك يحاول تبريره بحرج :
-ولا هنقدر ناخدهم معانا هما محتاجين مدارس وسكن ومش ضامن أن المرتب يكفي
ثم عاد يرجوها مرة أخرى مستعطفًا إياها :
_يا إيمان مفيش حل غير أنهم يفضلو مع أمي وافقي يا إيمان هو دا الحل الوحيد قولتي أيه ؟
كان يتحدث ويطرح عليها الحلول والأفكار تضج في رأسها وصوت والدتها بوعدها لها يلغي جميع حلوله طال صمتها حتى دب القلق في قلبه ليسألها وهو يلوح بيده أمام عينها :
-إيمان ردي عليا روحتي فين ؟
أطبقت أجفانها تكتم صراخ نابضها وتنهدت بحزن وهي تعتصر قبض يدها كأنها تحاول أيقاف نزيف قلبها من قرارها يتوسلها العدول عنه ، لكن صورة والدتها وصوتها نظرات عينيها المتوسلة دفعتها لتجد نفسها
تقول له بصوت جاهدت لأخراجه
:
-حسن أنا مش هكون أنانية وأحرمك من حلمك ولا أقدر أكون خاينة للعهد وأخون وعدي لأمي .
-يعني أيه يا إيمان؟
وقفت وقالت بصوت مهزوز:
-شوف حالك يا حسن أحنا مننفعش لبعض .
وقف يستوعب ماتقوله يتمنى ان يكون ما سمعه وهم أو انه قد أخطأ.
_أنتي بتقولي ايه يا إيمان. ؟
استدارت. ومشت خطوات مبتعده عنه توقف صراخ قلبها المكلوم.. ثم نظرت إلى خاتم خطبتها.. وبيد مرتعشة رفعته نحو شفتيها تقبله
بشفاة ارتعشت كما يرتعش قلبها داخل أضلعها يتوسل لها ان تعدل عن قرارها... .. وبيد مترددة اخرجته من أصبعها كأنها تخرج روحها من جسدها...قبضت على خاتم الخطبة بيدها كأنها تحتضنه للمرة الاخيرة تودعه
وبقدمان متهالكان استدارت نحوه لتجده لايزال يحدق بها كأن صدمته مما قالت شلت تفكيره اقتربت منه بخطوات بطيئة... امسكت يده بيدها المرتعشة فتحت يده
ووضعت الخاتم
داخلها
-شوف حالك ياحسن وإنساني .
وكأنه استوعب اخيرا. ان ماقالته صحيح.. لتشتعل نيران الغضب داخله حتى برزت عروقه ويصرخ بها حتى يجعلها تستفيق
_ايمان انتي فاهمه بتقولي ايه.... انا حسن يا أيمان حسن الي روحك فيه وروحه فيكي.
ثم نظر إلى خاتم الخطبة القابع بيده
ونظر اليها :
_وبتخلعي الدبلة الي قلتي انها مش هتخرج من ايدك الا بطلوع روح
ليمسك يدها محاولًا إعادة الخاتم فيه رغم اعتراضها.
لتقول بعيون فضحتها دموعها تتوسله :
_ارجوك يا حسن ارحمني كفاية
لكنه أعاد الصراخ بوجهها :
_أنت ارحميني انتى عارفة يعني اي ابعد عنك يعني بتحكمي عليا بالموت .
علت شهقاتها تمسح دموعها التى ابت التوقف لتنتبه لأشقائها الذين وقفوا ينظرون لشقيقتهم المنهارة أمام خطيبها وعيونهم تملأها الدموع. حنان التي تضع يدها على فمها وجسدها يرتعش.تبكي بصمت وآسر الذي تمسك بحافة الباب كأنه يستند إليها حتى لايبكي مثلها
ليتقدم إسلام.. الذي ينظر لشقيقته
بألم وحسرة :
_متسمعش كلامها ياعم حسن
لكن حسن الذي أصبح كأسد جريح
طعنه صاحبه...ينظر إليها نظرة لوم وعتاب... رفع يده يمسح دموعه.. وارتشف ماء أنفه. ثم نظر له وقال :
_اختك أختارت يا أسلام.هي أختارتكم خلاص وباعتني
ثم اتجه نحو باب الشقة لكن قبل أن يغادر استدار نحوها وقال :
-بكره تندمي يا إيمان لما تلاقي نفسك وحيدة وكل واحد فيهم شاف حياته هتعرفي أنك ضحيتي بحياتك
وابتلع غصة مرة وأكمل بألم :
-وضحيتي بحبك وضحيتي بقلبي الي محدش حبك قده هتندمي يا إيمان لماتلاقي حياتك راحت هدر
ليخرج صافقا الباب خلفه بقوة
وقفت تنظر لآثره بقلب ممزق تعلم أنها قد ذبحته دون ان تريق دمه لكن صدى صوته ظل يتردد في اذنها وتسآلت هل ستندم هي يوماً على حبها الذي أضاعته وقلبه الذي تمسك بها وأفلتتهُ لتجيبها دموعها التي ابت التوقف ترثي حبها الذي بات قربان للوفاء بالعهد
***********************************
كأسد جريح وصل للمنزل يود لو صرخ و أخرج تلك النيران التي اجتاحت جسده لقد تخلت عنه ضحت به
أهو رخيص لهذه الدرجة حتى تتخلى عنه بهذه السهولة ، ثارت كرامته وصرخت تؤنبه كي ينتقم ليجد نفسه يقول لوالدته التي استغربت حالته وغضبه المستعر أنفاسه المتسارعة وكأن النيران تخرج من أحداقه
-أمي عاوزكِ تخطبيلي
اندهشت والدته لطلبه لكنها ابتسمت ابتسامة عريضة وسألته بخبث :
-وإيمان ؟
ابتلع ريقه الذي جف بغصة كانت أشبه بحمم بركانية أحرقت جوفه وتمتم :
-أنا وإيمان فسخنا خطوبتنا .
وأكمل يقص عليها ماحدث بمرارة كلماته التي زادت من جرح كرامته لم تخفي والدته فرحتها حتى انها أطلقت الزغاريد ابتهاجاً وقالت له مشجعة :
-يا ألف نهار ابيضّ الحمد الله انها طلعت منها انت الكسبان يا ولا كنت هتشيل كوم اللحم دا كله في رقبتك وان كان على العروسة فهي موجوده سلمى بنت خالتك حلوة وطيبة و تتمنالك الرضا ترضى لولا انت الي كنت متعلق في ست إيمان .
طوفان من الغضب الذي تملكه ساقه كالمغيب وكمم صراخ ذلك القلب الجريح لتقوده كرامته كما اعتقد حتى وجد نفسه يجلس أمام زوج خالته ووالدته تطلب يد ابنته له ليرى الفرح يملأ وجه خالته وزوجها وابنتهما تلك التي يعلم بحبها له لكنه كان لا يراها سوى أخت له
لكن ما زاد دهشته حينما قالت والدته :
-طب يا ابو سلمى متخليها كتب كتاب بدل خطوبة واهو خير البر عاجله وحسن كمان وراه سفر عشان يكمل الاجراءات .
ليتفاجأ بترحيب زوج خالته بالفكرة ويتفاجأ أكثر بطلب والدته من شقيقه ان يأتي بشهود ويتصل بقريبهم الذي يعمل مأذون حتى يتم الاجراءت ، علم ماذا يحدث الآن والدته خططت لهذا مسبقا لتضعه أمام الأمر الواقع لخشيتها ان يعدل عن قراره ويعود لحبيبته صرخ قلبه يدعوه للاعتراض وأوقفه عقله مع إصرار والدته ونظرات تلك البريئة ابنة خالته التي تنظر اليه كأنه كنز حصلت عليه ، شعر ان الهواء قد أنحسر من حوله وأطبق الحزن على صدره حتى كاد يخنقه وأشار لوالدته كي يحدثها على أنفراد . لكن رفضت هي ذلك مشيرة له بالبقاء. حتى وجد نفسه يسأل من المأذون عن موافقته وقبوله للزواج دارت عيناه كأنها تبحث عن من ينقذه لكن وجد الجميع ينظرون له كأنهم يحثونه على الموافقة ، أطبق أجفانه كأنّه ينطق الموافقة على نحره وقال بألم :
-موافق
لتجعله هذه الموافقة يسقط طريح الفراش لثلاثة أيام بعد ان شعر انه قد وقع على ورقة إعدامه بنفسه
لكن لامجال ....
**********************************
كانت تجلس بجسد منهك منكبة على أحدى العباءات التي تعمل بها عندما سمعت طرق الباب وضعت ماصنعت جانبًا واتجهت نحو الباب تفتحه لتتفاجئ بوجود والدة حسن أمامها تنظر لها بابتسامة سمجة :
-إزيك يا إيمان ؟
-أهلا يا خالتي أتفضلي
ابتعدت عن الباب لتسمح لها بالدخول لتدخل وتقف في منتصف الشقة لتشير لها إيمان بالجلوس
-اتفضلي ياخالتي
لكنها رفضت واتسعت ابتسامتها لتنطق كلماتها بحقد متلذذ برد فعل تلك المسكينة
-لا ياحبيبتي أنا مستعجلة ماقدرش أقعد أصل فرح حسن ابني بعد خمس أيام اصل عقبال عندك كتب كتابه من تلات أيام على بنت خالته
لقد توقف الزمن وجفت الدماء في عروقها هل توقف قلبها عن نبضه لا هي لاتزال حية ، إذاً لم يتوقف بل أصبح ينبض ألما أم تمزق أشلاء ولم يعد له وجود فحبيبها أصبح ملكاً لغيرها ، هل أنتقم منها بهذه السرعة لقد خسرته هو أيضاً ألا يكفي ماخسرته حتى الآن شلت حركتها وفقد لسانها النطق وتحجرت دموعها امام تلك السيدة التي لاتعلم لماذا تكرهها لهذه الدرجة جاءت فقط لتشمت بها لكن فعل والدة حسن كان اقبح من ذلك عندما أخرجت عباءة عروس وقالت لها متبجحة :
-معلش يا إيمان بس كنت عاوزاكي تعملي العباية دي
لعروسة حسن احنا برضو جيران مهما كان مش كده ؟
كم كانت تتمنى في هذه اللحظة أن تطردها من منزلها لكن شيء ما منعها ووقفت متحيرة حتى حسمت أمرها ووافقت لا تعلم لماذا ربما أرادت ان تصنع لهُ شئ أخير او بالأحرى ذكرى أخيرة أو ربما أرادت ان تكسر تلك المتبجحة . تنهدت وادعت الثبات رغم انهيارها وقالت :
-وماله يا خالتي انتى تأمري وألف مبروك لحسن واعتبري العباية هدية للعروسة .
سحبت العباءة من يدها معلنةً نهاية هذا اللقاء ، ادهشت والدة حسن فعلتها وموافقتها فقد كانت متيقنة من رفضها
لتنسحب راحلة من أمامها دون أي كلمة ، انهارت تجلس على اقرب مقعد بجسد مثقل من الحزن وامسكت تلك العباءة تعتصرها بيدها لتهرب تلك الدموع الحبيسة في مقلتيها تتسابق على وجنتيها حزناً وحسرةً .
لكنها تعجبت من حالها عندما وجدت نفسها تنكب على تلك العباءة في عمل متواصل حتى أنهتها في يوم واحد
لتقف امام المرآة وتضعها على جسدها تتخيل نفسها ترتديها حتى همت بفعل ذلك حقا لولا صوت داخلها منعها من فعل ذلك لتحتضنها بقوة ، كانت ستكون لها هي لكنها اليوم لغيرها ، طوت العباءة واستغفرت ربها ووضعتها في كيس ثم نادت إسلام تدعوه بأن يأخذها إلى شقة حسن
أمتثل إسلام لكلام شقيقته وصعد السلم متوجهًا إلى شقة حسن طرق الباب ليفتحه هو ويتفاجأ من وجود إسلام امامه
-ازيك يا عم حسن ؟
-اهلا يا إسلام أزيك ؟
رفع إسلام الكيس واعطاه إياه ليستغرب حسن لكنه اخبره لينهي اندهاشه :
-إيمان بعتت الكيس دا لخالتي .
قال اسلام هذا وتركه ورحل ليفتح حسن الكيس ويجد العباءة ، دخل للداخل يبحث عن والدته لتعطيه تفسيرًا
-أي دا يا أمي ؟
لتتلعثم والدته مرتبكة لكنها قصت عليه كل مافعلته وماقالت إيمان لها ليقول لها معاتباً :
-عملتي كده ليه يا أمي ؟
-احسن امال كنت عاوزني أشوفك وانت عيان واسكت ولا تنكر ان عياك بسببها خليها تتحسر عليك .
-يا أمي خلاص أنتي عارفه هي عملت كده ليه .
لكنها أرادت ان تمحيها من قلبه قبل ذاكرته لتزيد في كلام ملفق على لسان إيمان حتى وصلت إلى مبتغاها عندما وجدت علامات الامتعاض تظهر على وجهه لتكمل
-دي أصلا مش مهتمة ولا أنت فارق معاها تصدق انها قالت العباية هديه مني للعروسة .
لتغلي الدماء داخله حتى نفرت عروقه وارتجفت يداه غضبا فينطلق كثور هائج نحوها
وقف أمام باب شقتها يلهث أنفاسه المتسارعة طرق الباب بعنف وقرع الجرس أما في الداخل فكانت هي ترص الأطباق على المائدة لتناول العشاء ليفزع الصغار عندما سمعوا صوت الباب أسرع إسلام ليفتح الباب فوجد حسن يقف بوجه لايبشر بخير:
-أختك فين ؟
استدار إسلام مباشرة وذهب نحوها ليقول بتوتر :
-عم حسن عاوزك
تجمد جسدها وتوقفت يدها عن رص الأطباق لتسند يدها على الطاولة تستجمع قوتها قبل ان تواجهه زفرت أنفاسها بقوة واتجهت نحوه بخطى بطيئة ودت لو لم تصل مثلت القوة ووقفت امامه تدعي الجمود لكن عيناها لم تجرؤ على مواجهت عينيه
أما هو فرجف قلبه لرؤيتها كم أشتاق لها رغم انه لم يراها لبضعة أيام فقط إذا ماذا سيفعل في البعاد
عض على مشاعره يكبتها ليقول لها بحنق وهو يمد لها يده بالنقود :
-دا حسابك مراتي مش محتاجة هديه منك .
أغمضت عينيها تستشعر هذا الكلمة لقب تمنت ان تحظى به هي لكن أمانيها ذهبت ادراج الرياح
مدت يدها المرتعشة واخذت النقود منه بسرعة وغمغمت : (بقلم رشا عبد العزيز)
-مبروك ياحسن
وأغلقت الباب بسرعة قبل ان تنهار امامه ، ليسند جبهته على الباب وتملئ الدموع عينيه ويقول لها معاتباً :
-ليه عملتي فينا كده ياحبيبة روحي
اما هي فا أغلقت الباب واسندت ظهرها عليه لتخور قواها وتسقط على الأرض كبناء صامد دكت قواعده بعد زلزال .. تنتحب بدموع تحكي ألمها لمكنونه
لتبقى مدة من الزمن وهي تبكي اقتربت منها حنان التي بدأت تبكي لبكائها ثم مدت يدها الصغيرة تمسح دموعها بخوف تترجاها :
-متعيطيش يا ابلة ، عشان خاطري
فتحت عيناها التي غشيتها الدموع وأظلمت الرؤية فيها مسحت دموعها لتجدهم يطالعونها بقلق لتسند يدها على الأرض ترفع جسدها وتقف بصعوبة وبصوت بح من شدة البكاء :
-يلا يا ولاد عشان تاكلوا
اطاعوا أمرها واتجهوا نحو طاولة الطعام كل يجلس في مكانه لتتخطاهم هي مبتعدة لتسمع ندائهم عليها :
-أبلة مش هتاكلي معانا. (بقلم رشا عبد العزيز)
-لا كلو إنتو أنا مليش نفس .
سحبت اقدامها وجسدها المنهك تجره جرًا لكنها توقفت وعادت اليهم بعد ان رأت نظرات الخوف والحزن في أعينهم فأشفقت عليهم جلست على الطاولة دون ان تتكلم فجسدها كان معهم لكن عقلها كان مغيب في عالم آخر
لتجد حنان ترفع قطعة خبزتقربها من فمها
-كلي يا ابله دي من أيدي دا الأكل حلو دوقي
انتبهت لها لتفتح فمها بصعوبة وبالكاد تجرعت تلك اللقمة لكنها تفاجأت بآسر يفعل مثل شقيقته وإسلام كذلك ليبدأوا يتسابقون من يطعمها أكثر لتضحك من بين دموعها التي تسيل بين الحين والآخر فتمسحها بسرعة خشيت ان يروها
***********************************
جلس على سريره مثقل بالهموم فقد أضاف هذا اللقاء هموما فوق همومه لينتبه إلى الكيس الموضوع على السرير ليخرج تلك العباءة يقبل الخرز التي لامست يدها لينتبه على عطرها الذي علق في تلك العباءة .
ليستنشق ويحتضن تلك العباءة وينام باكياً يلعن غبائه وتسرعه
لما لم يحاول إقناعها لكن فات الآوان الآن
فلن يكسر قلب آخر يكفيه قلبه المحطم
اليوم هو يوم زفافه جلست تنظر من شباك شقتها المطلة على الشارع لتجده ينزل من السيارة يتأبط ذراع عروسه كم كان وسيمًا تمامًا كما تخيلته لكن لم تكن هي بجانبه كما كانت في خيالاتها
وكأنّه شعر بها ليرفع رأسه ينظر إلى الشباك وقبل ان تتلاقى أعينهم حادت بنظرها بعيدا عنه وابتعدت عن الشباك تمسك قلبها وتقول :
-الف مبروك ياحسن الف مبروك ياحبيبي
اغرورقت عينيها بالدموع لتنهمر تغرق وجنتيها وتشرد في افكارها المتعبة حتى أخرجها صوت آسر الذي قال :
-ابله أنا جعان
-حاضر ياحبيبي. (بقلم رشا عبد العزيز)
وقبل أن تتجه نحو المطبخ غزت الزغاريد البناية لإستقبال العروسين ، أغلقت اذنيها بكلتا يديها تمنع وصول صوتها اليها فهي كانت كالخناجر تضرب قلبها المنهك كم تمنت في هذه اللحظة ان تكون صماء ولا تسمعها
تلاقت عينها بعين إسلام الذي كان يراقبها بحزن ليركض نحوها يحتضنها بقوة وهي كانت بأمس الحاجة لهاذا الحضن كي تبكي بداخله لتبادله العناق وتبكي بين أحضانه ، حتى هدأت
ليحل المساء كانت حنان تنام بجانبها لتسمع شهقاتها فترفع يدها الصغيرة تحاوط خصرها كأنّها تواسيها :
-ابله أنا خايفة ممكن تحضنيني
استدارت نحوها تحتضنها بعد ان مسحت دموعها وانتظرت حتى غفت حنان لتزيح يدها وتتملص من أحضانها
لتذهب وتتوضأ وتفترش سجادتها تصلي وتدعو ربها فلم تعد تستطع التحمل تشعر بأن قلبها سيتوقف من الحزن
-يارب امسح حبه من قلبي وامسح حبي من قلبُه وأسعده يارب أنا اذيته يارب عوضه يارب مراته تكون عوض ليه دعت له بالعوض وأستكثرته على نفسها فلا يوجد أحد يستطيع أن يعوض مكانه في قلبها
ابت اجفانها النوم لكنها استسلمت له بالنهاية
حل الصباح لتفتح أجفانها المتورمة بصعوبة شعرت بصداع يضرب اركان رأسها بسبب استمرار بكائها
اعتدلت في جلوسها واسندت ظهرها على حافة السرير ليلوح طيفه أمامها وتذكرت انه اليوم عريس
كانت لتكون هي الآن بين أحضانه لكن بمجرد أن لاحت هذه الفكرة حتى نفضتها من رأسها وأستغفرت ربها
وأصبحت تلقن قلبها الحقيقة المرة كما تلقن الأم طفلها الكلام تحادث قلبها
-حسن خلاص مبقاش ملكك حسن بقى ملك حد تاني حسن ماضي خلاص أنسي
واستمرت على هذا الحال لعل قلبها المكلوم يحفظ الدرس
نهضت من الفراش ورتبته ثم اتجهت إلى الخارج لتجد اخوتها الصغار قد نظفوا الشقة ويعدون الفطور أيضا
ليستقبلوها بابتسامة فيقول إسلام مفتخرًا :
-صباح الخير يا ابله شوفتي أنا الي جبت العيش والفول
-وانا الي عملت السلطة
قالتها حنان وهي تشير إلى طبق الخيار المقطع بأشكال غير منتظمه والطماطم شبه مهروسه لتبتسم إيمان لا اراديًا ثم نظرت لآسر الذي يمسك الجبن يقطعها ويضعها في طبق لتبتسم على طريقة تقطيعه العشوائية
-بس معرفناش نعمل الشاي
قالها إسلام بحزن لترد عليه بحماس مماثل لحماسهم
-أنا الي هعمل الشاي
صنعت الشاي وجلسو جميعهم حول المائدة أخذت قطعة خبز تقطعها ثم تغمسها في طبق الفول ثم رفعت رأسها تدسها في فمها لتتوقف وهي تنظرلاخوتها الذين يحدقون بها كأنها طوق نجاتهم في هذه الحياة فرحين بأنها تشاركهم طعامهم
لتجول في رأسها فكرة واحدة فبعد أن خسرت حسن لم يعد لها سند أصبحت وحيدة عليها أن تسند نفسها بنفسها
وتواجه هذا الحياة بجميع صعابها وحدها
كشجرة بجذور واهية وسط عاصفة ورياح عاتيه
