رواية موعدنا في زمن اخر الفصل الاول1بقلم مريم الشهاوي
"هي كويسة يا دكتور؟"
طمأنه الطبيب قائلاً:
"اتطمن، الحمد لله، هي كويسة. تقدر تدخلها، هي قربت تفوق من البنج."
دخل حمزة الغرفة ليرى فتاة هزيلة نائمة على السرير، رأسها مغطى بالضمادات، ووجهها يبدو شاحبًا ومرهقًا. جلس على الكرسي بجانبها، مستعيدًا ذكرياته المؤلمة، وكأن ألم الماضي يتجدد في صدره. وضع يديه على وجهه بضيق، مشاعر القلق والندم تتصارع في داخله. فجأة، سمع صوتها تتأوه، كأنين خافت يخرج من أعماق الألم. رفع يديه عن وجهه ونظر إليها بعينين تملؤهما القلق، قائلاً بصوت مبحوح:
"أنتِ كويسة... حاسه بألم؟"
عندما نظرت الفتاة إلى حمزة، انفجرت بالبكاء، وكأن دموعها كانت تحمل وزن العالم بأسره. بقلق عارم، قال حمزة:
"أنتِ بتعيطي ليه... موجوعة؟ أطلب الدكتور؟"
نهضت الفتاة ببطء لتجلس على السرير، عيناها مليئتان بالدهشة والتعجب. كانت تحدق فيه وكأنها تحاول استيعاب حقيقة غير معقولة، وقالت بذهول عميق:
"أنت خالد... أنت خالد، صح مش كده؟ أنت خالد !!"
نظر لها حمزة باستغراب ودهشة عند سماعه الاسم الذي نطقت به. فجأة، رمت نفسها في حضنه واحتضنته بشدة، قائلة ببكاء مليء بالشوق والألم:
"خالد حبيبي... وحشتني أوي... كنت عارفة إنك عايش... إحساسي عمره ما يخيب أبدا... وحشتني يا خالد أوي أوي."
تفاجأ حمزة، مشدوهًا برد فعلها العاطفي الجارف. شعر بارتباك شديد وهو يحاول فك شفرة هذا الموقف الغامض، وأخذ خطوة للوراء، قائلاً بارتباك وارتعاش في صوته:
"مين خالد؟"
بدأت الفتاة تلمس وجهه بيدها بحساسية شديدة، وتأكدت في نظرها من هويته.
"أنت خالد... أنا متأكدة."
اعتبر حمزة الفتاة مجنونة وابتعد عنها ببطء، لكنها نهضت بسرعة من السرير وركضت نحوه قبل أن يخرج من الغرفة، احتضنته مجددًا بقوة، تعبيرًا عن خوفها الشديد من فقدانه مرة أخرى:
"لا، لا مش هسيبك تمشي تاني يا خالد... حرام عليك كل الغياب ده، ولما ألاقيك تمشي... لكن المرة دي لا يمكن أسمحلك تمشي..."
ابتعد عنها حمزة وواجهها بغضب من ملامستها الكثيرة له:
"اسمعي... على الحادثة فأنا آسف وهتكفل بكل مصاريف علاجك، إنما أنا ما أعرفش مين خالد اللي بتتكلمي عنه ده... وأيًا كان مين، أنا مش هو... أنا اسمي حمزة... تمام؟"
أكمل كلامه بصوت مرتفع، وفجأة أغمي على الفتاة وسقطت بين يديه. حملها حمزة برعاية شديدة ووضعها مجددًا على السرير، وجد نفسه غير قادر على استيعاب من هي هذه الفتاة وما هي قصتها، ومن هو خالد الذي تتحدث عنه. خرج من الغرفة وهو متوتر، يحاول بجدية استعادة أنفاسه وتفسير كل ما حدث.
قابل حمزة الطبيب الذي فحص الفتاة، وقال بجدية:
"دكتور، ممكن نتكلم؟"
وقف الطبيب مستعدًا وأجاب:
"طبعًا، اتفضل."
سأل حمزة باستفهام:
"حضرتك عرفت أهل البنت دي واسمها إيه وساكنة فين؟"
أجاب الطبيب بتفصيل:
"اسمها سمر أيمن الشافعي، بنت يتيمة الأب والأم، كانت متجوزة في البلد دي وجوزها اتوفى من فترة."
قال حمزة بشك وتعجب، "ثانية... جوزها اسمه خالد؟"
أجاب الطبيب بتأكيد:
"أيوة، بالضبط... بس عرفت منين حضرتك تعرفها؟"
أجاب حمزة بسرعة نافيًا بشدة:
"لا، ماعرفهاش، بس ذكرته كتير لدرجة إنها افتكرت إني هو."
استغرب الطبيب وعبّر بدهشة، "ممكن عقلها الباطن خلاها تفتكر جوزها اللي فقدته وتعتبر إنه قدامها وتخيلتك هو."
تغيّرت تعابير وجه حمزة للاستعجاب، وقال بذهول:
"تخيلتني هو !! ده اللي هو إزاي بقى؟"
أجاب الطبيب بوضوح:
"إزاي دي، أنا معرفهاش. أنا طبيب جراحة، ممكن تتواصل مع الدكتورة نور، هي اللي هناك، ممكن تشرحلها اللي حصل، وهي هتشخص حالة المريضة."
بدا حمزة مرتبكًا، يحاول فهم كيف ولماذا اعتقدت الفتاة أنه هو خالد، وبدأ يفكر بإمكانية تواجده في حياتها بشكل غير متوقع.
نظر حمزة نحو الطبيبة "نور" بعينان تعكسان الحيرة، وانتابته الشكوك والتساؤلات حول ما يحدث حوله. تقدم بهدوء نحوها، كأنه يخطو في متاهات لا يفهمها تمامًا وألقى عليها القصة كاملة.
استمعت نور بانتباه، ثم أجابت بصوت هادئ:
"حضرتك بتقول إنها أول ما شافتك نادتك باسم حد تاني... وقولت إنه جوزها اللي مات؟ "
زفر حمزة ثم أجاب بضيق:
"أيوة."
أوضحت نور شكها بدراية على مدار خبرتها في هذا المجال، قائلة بلطف واستياء متجسد في عينيها:
"البنت مصابة باضطراب وهمي، افترضت إن جوزها اللي فارق الحياة هو أنت... ولو فجأة اختفيت من حياتها، ممكن يتسبب ده في انهيارها ومين عارف لو فقدت جوزها مرة تانية تعمل في نفسها حاجة يمكن يوصل لانتحا رها."
اجرى رحيم مكالمة بهاتفه: "لسه طالعين بعربياتهم.... اه انا متأكد ان العيلة كلها مشيت... مفيش حد اهم حاجة وقفت الكاميرات؟"
قال عماد صديقه بالهاتف: "كله تمام مفيش ولا كاميرا شغالة في البيت قدرت اتحكم فيهم وهشغلهم بعد مانت تخرج."
همس رحيم بمكر: "حلو اوى... والحراس؟"
اجابه عماد بثقة: "متقلقش.... فارس حطلهم منوم هيقعد تلت ساعات اتسحب وخد مفاتيح البوابة وادخل كله امان."
اغلق رحيم معه مكالمة الهاتف وهو يبتسم بانتصار ثم حمل حقيبته واخذ يخطو خطوات بطيئة نحو المنزل ونجح بمهمة سرق المفاتيح من الحراس وهم نائمون.
فتح بوابة المنزل الحديدية بحذر، ثم أغلقها خلفه بهدوء ليبدد أي شكوك. تقدم بخطوات حذرة نحو المنزل، وصعد السلالم بتوتر متزايد نحو مهمته "الشريفة" كما يسميها، السرقة. عند دخوله، استشعر الهدوء القاتل الذي يملأ أرجاء المكان، وكأن الجدران تراقبه بصمت.
بدأ في البحث عن أي شيء ذو قيمة، من المجوهرات اللامعة إلى القطع النادرة. كان قلبه يخفق بسرعة، مزيج من الإثارة والخوف. كل قطعة يجدها تزيد من شعوره بالنشوة والغنيمة. عندما وصل إلى غرفة كبير المنزل، المكتب الذي يشتهر بوجود خزنة كبيرة، شعر بشيء من الارتياح، وكأنها غنيمته النهائية.
فتح باب الغرفة الذي كان يُفتح ببصمة يد صاحب المكتب. لقد حصل على تلك البصمة بمهارة، وكان يرتب لهذه اللحظة منذ أشهر. خلال عملية جراحية أجريت للرجل الكبير حديثاً، تمكن من أخذ بصمته بذكاء وعمل نسخة لها، ليضمن دخول الغرفة بكل سلاسة.
عندما دخل الغرفة، شعر بمزيج من التوتر والإنجاز. كان الجو في الداخل كثيفًا برائحة الكتب القديمة والمستندات المبعثرة. أصوات خطاه كانت تكاد تكون مسموعة فقط له، تتردد في أذنه كنبضات قلبه المتسارعة. ألقى نظرة سريعة على كل زاوية في الغرفة، متمهلاً للتأكد من أن كل شيء كان كما توقع.
وقف أمام الخزنة، وعينيه تلمعان بلهفة. تخيل المال الذي سيجده داخلها وكيف سيغير ذلك حياته ولو لشهر واحد، يغنيه عن هذه الحياة القاسية. في تلك اللحظة، تداخلت مشاعر الطمع والخوف والأمل داخله، مجتمعة لتشكل عاصفة من العواطف.
بيد مرتجفة، أخرج هاتفه وأجرى اتصالاً بصديقه. صوته كان منخفضًا لكنه محملاً بالتوتر، وكأنه يخشى أن يتردد صدى كلماته في الأرجاء. قال بهمس: "ايوا يا طه.... الخزنة دي هتتفتح ازاي؟ "
قال طه بفخر: "الخزنة دي بتتفتح بباسورد الواد زياد لعيب في البرمجة وغيرناه لبوس الواوا."
ردد رحيم باستعجاب مما قاله للتو: "ايه يخويا..!"
ضحك طه بمرح واوضح له اكثر: "اكتب بس وربنا هو كده... بس بالانجليزي boselwawa"
ضحك رحيم بقهقهة مكتومة وهو يكتب الرقم السري بيد ثابتة. في تلك اللحظة، كان شعور الغلبة والظفر يتملك كل جوارحه. وبعد ثوانٍ، فتحت الخزنة ببطء، كاشفة عن كنوز لا تعد ولا تحصى من الأموال والألماس، متلألئة بوميض كأنها نجوم في سماء معتمة.
وقف رحيم أمام هذه الثروة الطائلة، مذهولاً من حجم الغنيمة. عيناه تلمعان ببريق الانتصار، ويداه ترتعشان من فرط الإثارة. كانت اللحظة تتجاوز مجرد سرقة؛ كانت انتقامًا للحرمان الذي عانى منه طوال حياته.
تملأه مشاعر مختلطة من الفخر والنشوة والخوف. لقد نجح في ما كان يبدو مستحيلاً. ثروات الرجل الكبير كانت الآن تحت سيطرته، وكأنها تنتظره ليجمعها. في تلك اللحظة، شعر بأن كل الأبواب التي كانت مغلقة أمامه قد انفتحت، وأن العالم بأسره قد أصبح في متناول يديه.
ردد رحيم بفرحة: "يابنلعيبة يا زياد."
قال طه بجمود وحزازية: "خلص احنا مستنينك برا."
أغلق هاتفه ببطء، ثم بدأ يعبئ النقود من الخزنة إلى حقيبته بلهفة، حتى أفرغها تمامًا. كانت الأوراق النقدية والمجوهرات تملأ الحقيبة بثقل يتزايد مع كل دفعة. بعد أن انتهى، أغلق الخزنة بعناية، محاولاً أن يترك كل شيء كما كان.
توجه نحو باب الخروج بخطوات حذرة، لكن فجأة تجمد في مكانه. أمام باب المكتب، كانت تقف فتاة في العشرين من عمرها، تنظر إليه بعيون متسعة. كانت ملامحها تعكس مزيجًا من الدهشة والخوف، وكأنها لم تصدق ما ترى.
شعر رحيم بتسارع دقات قلبه، وكأن الزمن قد توقف في تلك اللحظة. ارتبكت أفكاره، وتدافعت مشاعر القلق والتوتر في داخله. حاول أن يستجمع شتات نفسه، ولكن عينيه لم تستطع الابتعاد عن تلك العيون الواسعة التي تراقبه بصمت.
في تلك اللحظة، كانت الأفكار تتصارع في ذهنه كعاصفة هوجاء. كان يشعر باندفاع الأدرينالين يجتاح جسده، مخفيًا وراءه كل تردد أو خوف. كل ما يهم الآن هو النجاة والهروب، بغض النظر عن الثمن.
لم يتردد رحيم لثانية واحدة. عيون الفتاة الواسعة والمذهولة كانت تحثه على التحرك بسرعة. قبض بيدٍ مرتجفة على الس كين الذي كان يحمله، وتوجه نحوها بخطوات سريعة ومصممة.
الرواية متقسمة لتلت حكايات لتلت ابطال هنزلكماقتباسات من التلاتة بعدين نبدأ بتنزيل البارتات كاملة تكونوا عرفتوا قصص الابطال حمزة وسمر رحيم والفتاة اللي شافته ونوح ورهف
