الليل كان ساكن، والأنوار خافتة في الفيلا، كأنها بتتآمر معاها. فيروز دخلت المكتب بهدوء، قلبها بيرقص من الخوف، بس فضولها كان أقوى.
فتحت الدُرج التاني، لاقت دفتر جلد لونه بني، غلافه مشروخ من كتر ما اتفتح واتقفل. لمسته بحذر، وبدأت تقلب في صفحاته.
خط فهد كان حاد، عنيف... بس جواه حزن.
"أنا اللي ماتت أمه وهو عنده ١١ سنة، ماتت قدامه، وابوه باع البيت واتجوز واحدة تانية وطردني..."
"كنت بنام في الشارع، واشتغلت عند ناس بتعاملني زي الكلب، وعلّمتني الحياة إن الطيبة نقطة ضعف، وإن القسوة هي اللي بتحميني."
"لما وصلت للقوة، قررت أكون الذئب اللي مابيترحمش... بس دايمًا جوايا الطفل اللي كان بيعيط كل ليلة ومحدش سامعه."
---
فيروز قلبها وجعها... فهد مش بس شرير، ده إنسان اتكسرت ضلوعه من بدري، وكل اللي بناه من قسوة، ماكانش غير درع بيخبي بيه وجعه.
رجعت الأوضة وهي مش عارفة تنام، وفضلت تبص للسقف، والدموع بتنزل لأول مرة مش علشانها... علشانه.
---
تاني يوم، فهد لاحظ حاجة اتغيّرت في نظرتها.
"قرأتي الدفتر؟"
"آه."
"وبتعطفى عليا؟"
"لأ... بس فهمتك."
بصّ لها بنظرة مختلفة. مافيهاش تهديد، مافيهاش تكبّر. كان فيه ضعف خفي... كأنه بيقول: "أنا مش قادر أهرب منك زي ما بهرب من الدنيا."
---
في الأيام اللي بعدها، بدأ يتغير.
ما بقاش يصحيها بصوت عالي، ولا يرمي عليها الأوامر. بقى يسألها:
"عايزة تاكلي إيه؟ بتحبي تمشي على البحر؟"
وفي مرة، وهي قاعدة في الجنينة، قالها:
"كنت فاكر إني مش هعرف أحب، وإن الحب ضعف... بس وجودك هنا علّمني إنك ممكن تكوني مرآة للي كنت هربان منه."
---
كان فيه صراع جواه. هو مش بيتغير بسهولة، ولسه ساعات صوته بيعلى، ولسه لهجته فيها نبرة سيطرة. بس فيروز بقيت بترد:
"أنا مش لعبة يا فهد... بس لو عايز حد يسمعك، أنا هنا."
وساعتها... لأول مرة، ساب عنيه تدمع.
