رواية حياة مهدورة الفصل السابع7بقلم رشا عبد العزيز
أنتابها الرعب من صراخ شقيقتها فانتفض قلبها بهلع وارتعشت يدها تشعر كأن الهواء انحسر من حولها ولم يعد بإستطاعتها التنفس بالكاد استطاعت أن تلفظ بعض الكلمات
-أنتِ فين..؟
-أنا في المستشفى يا إيمان كنزي تعبانة اوي
تسارعت أنفاسها وتعثرت خطاها وهي تتجه لغرفتها استندت على باب الخزانة تستجمع قواها ثم فتحتها وبدأت تخرج ملابسها بعشوائية
أرتدت ما ارتدته بلا وعي واخذت حقيبتها مهرولة نحو المستشفى أخذت تردد الادعية أن ينجي الله صغيرتها طيلة الطريق حتى وصلت ، أسرعت الخطى تبحث عنها بين أروقة المستشفى كالمجنونة لاتعي ما هي وجهتها حتى اهتدت إلى الاتصال بشقيقتها أخرجت الهاتف بيد مرتعشة وبالكاد استطاعت ان تتصل :
-حنان أنتو فين ؟
-احنا في الطوارئ
أسرعت تسأل المارة عن المكان حتى أرشدوها اليه وصلت لتجد شقيقتها تجلس تنتحب وزوج شقيقتها يجوب المكان ذهابًا وإيابًا وجهه شاحب يحاكي بشحوبه شحوب الموتى
-حنان..
انتبهت لها حنان لتقول بلهفة ونحيب وكأنها تستنجد بها :
-ألحقيني يا إيمان
جلست إيمان بجانبها تحتضنها لتنهار حنان بين يديها أخذت إيمان تحرك يدها على ظهرها محاولة تهدئتها
-أهدي يا حنان أهدي أن شاء الله خير أهدي وأحكيلي حصل أي
لتخرج حنان من أحضانها تمسح دموعها بقوة وتنظر لزوجها باستياء وغضب كأنه هو المذنب:
-أسألي أمجد حصل أيه
تحولت نظراتها نحو أمجد الذي بدا الغضب عليه لتوزع نظراتها بين شقيقتها المتحدية له ونظراته الغاضبة
-ما بلاش الكلام دا دلوقت
قالها أمجد بصوت مرتفع نسبيًا يحدقها بنظرات محذرة :
-لا مش هسكت يا أمجد أنا سكت كتير لكن لحد بنتي
ومش هسكت
-حنان
صاح بها أمجد ينهرها ليدب الخوف بقلب إيمان لتمسك بيد شقيقتها محاولة تهدئتها قبل نشوب شجار بينها وبين زوجها
-اهدي يا حنان مش كده خلينا نطمن على البنت الأول
-لا يا إيمان أنتِ متعرفيش النار الي جوايا وأنا بكتم وأحاول ابعد عن المشاكل واعدي عشان خاطره وخاطر بيتي لكن لو المقابل بنتي لا يا إيمان يبقى لا مش هسكت
كانت حنان تتكلم وكأن صوتها قد بح من البكاء ودموعها تغرق وجهها وإيمان تمسحها بيديها
تشعر كأن قلبها يتمزق مع كل دمعة تمسحها لم تكن حنان شقيقتها كانت ابنتها التي تخشى عليها من نسمة الهواء أن تؤذيها
-طب أهدي ياروحي أهدي
لكن حنان كانت منهارة وكأنها بركان أنفجر بعد أن كان خامدًا لسنين لتكمل حديثها تحت نظرات أمجد الذي أشفق عليها بعد أن رأى أنهيارها ليجدها تكمل لإيمان وكأنها طفلة كانت تنتظر أمها لتشكو لها
أمسكت يد ايمان بيد مرتعشة وقالت :
-مش أنتى كنتى معايا يا إيمان لما تعبت المرة الي فاتت والدكتور قال ان بنتي عندها حساسية من المكسرات وخصوصا اللوز فاكرة.....فاكرة
قالتها وهي تهز رأسها لإيمان تحثها على التذكروشفتيها ترتعش والكلمات تخرج منها متقطعة
-أيوه ياحبيبتي صحيح
لتلتفت نحو أمجد وتقول له من بين دموعها التي تأبى التوقف
-سمعت عشان تصدقني
ليزفر أنفاسه بشدة ويظل صامتًا دون أي كلمة يشيح بنظره عنها لتعاود النظر نحو إيمان
-اهو والله يا إيمان أنا قلتلها الكلام دا قلتلها يا ماما البنت عندها حساسية من المكسرات بس هي ماصدقتنيش
بتقول لا أحنا ولا واحد من ولادي عنده الحكاية دي تبقى جتها منين أكيد الدكتور غلطان وقلتلها يغلط ازاي لكن هي مصدقتنيش
ولقتها النهاردة مأكلة البنت لوز ومكسرات من غير ما اعرف ودلوقت لازم يعملولها غسيل معدة لان الكمية كبيرة
-يعني هي كانت متعمدة تأذيها في واحدة تأذي حفيدتها ، ما توزني كلامك ياحنان .
-أمك أهم حاجه تكون ضدي اهم حاجه حنان غلط وأنا صح
-أمك... حنان احترمي نفسك
لتترك إيمان حنان بسرعة وتقف امام امجد تحيل بينه وبين الوصول لحنان بعد ان اقترب منها بعينان تشع غضبًا وتقول له مهدئة خشيه أن يفقد سيطرته على غضبه :
-أمجد يا خويا على مهلك هي متقصدش بس هي خايفة على بنتها أعذرها يا خويا انت العاقل عشان خاطري استحملها يا أمجد
مسح على وجهه بقوة ثم خلل يده بخصلات شعره يجذبه ويزفر أنفاسه بقوة :
-أستغفر الله
ليستمعوا لخروج الطبيب ليهرول باتجاهه يسأله أمجد بلهفة :
-طمني يا دكتور
ليجيبه الطبيب بعملية
-الحمد الله أحنا عملنالها غسيل معدة هي واخدة كمية كبيرة على عمرها ، احنا عملناها غسيل معدة وهنعلقلها محلول الحالة مستقرة أطمنوا بس ياريت متكررش تانى
نقلت الصغيرة إلى غرفة عادية لتحتضنها حنان تقبل وجهها عدة قبلات ثم تمسك يدها تقبلها
-حمد الله على السلامة ياروح ماما
ثم اقترب امجد يجاورها على السرير من الجهة الأخرى ويأخذها لأحضانه يقبلها بلهفة
-حبيبه بابا ، حمد الله على السلامة
-حمد الله على السلامة يا بسبوسة
قالتها إيمان وهي تقف امام سريرها بابتسامة رغم دموعها المتلألئة ، لتأتي الممرضة تتفحصها وتقول :
-نص ساعة والمحلول يخلص وتقدروا تخرجوا ولازم تجيبوا الادوية دي من الصيدلية
قالت ذلك وهي تعطي لأمجد الورقة التي تحمل أسماء الادوية المطلوبة ثم رحلت
-إيمان أنا هاجي معاكي
نظر لها أمجد بحنق وقال بحدة :
-ليه يا بنت الناس ماهي البنت سليمة والحمد الله لازمته أي الكلام دا
-وأنا مش راجعة معاك لحد ماتحط حد لتدخلهم فى حياتنا او ناخد شقة بعيدة يكون أحسن
وكانها أشعلت فتيل غضبه بكلامها ليصرخ بوجهها بقوة اجفلتها :
-حنان احترمي نفسك أنا مقدر الوضع لكن تتعدي حدودك لا
-صلوا على النبي ياولاد واخزوا الشيطان
قالتها إيمان وهي تقترب من أمجد كأنها قطة تحاول حماية صغيرتها من هجوم إنسان لتستعطفه :
- اهدى يا أمجد الله يخليك
ليصرخ امجد في وجهها
-مش شايفاها بتقول أيه ؟. (بقلم رشا عبد العزيز)
عادت تستميله من جديد :
-معلش ياخويا هي مش في وعيها اعذرها هي ام واكيد خافت معلش وحياتي عندك عشان خاطري سيبها تروح معايا تهدالها يومين وأنا هتكلم معاها وحياة إسلام لتسمع كلامي
استرخت ملامحه وهدأ قليلا عندما ذكرته بصديقه الذي أوصاه بهما تبًا لتلك العنيدة التي تختبأ خلف شقيقتها مدعية القوة رغم خوفها الظاهر في عينيها ، كيف يخبرها أنه لا يستطيع ان يعيش بدونها ، الا تعلم مدى حبه لها لماذا تريد الابتعاد إذاً
ظلت إيمان تحدق به تنتظر قراره حتى هز لها رأسه بالموافقة لتتنهد بارتياح .
*******************************'''''
كان يغط في النوم وجسده يتصبب عرقا يتمتم بعض الكلمات الغير مفهومة وكأنه يصارع شيئًا حتى حتى هب فزعا يردد اسمها بسرعة
-فاطمة... فاطمة
ثم وضع يده على صدره يهدئ من أنفاسه المتسارعة
-بسم الله الرحمن الرحيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
زفر أنفاسه بشدة حتى استقرت نبضات قلبه وهدأت أنفاسه ثم نظر إلى صورتها المعلقة على الحائط وقال :
-بتعاتبيني يافاطمة ؟
ليتذكر حبيبته الراحلة ويعود بذكرياته إلى الماضي وكيف كانت هي ابنة عمه التي عشقها منذ الصغر
حتى انه تقدم لخطبتها في سن صغير خوفا من أن يسبقه أحد لخطبتها
وكيف كانا يذهبان سويًا إلى الجامعة لم تكن مجرد زوجة كانت حبيبته وصديقته التي يلجأ اليها دائمًا
كيف ساندته ووقفت معه حتى انشأ مركز صغير بدأ منه حتى تحول لهذا المركز الكبير
ولولا هذا المرض اللعين الذي أصابها بغتة وانهى حياتهم السعيدة حتى عزف عن الزواج بعدها وزهد في جميع النساء ووهب حياته لتربية أولاده ، عشرة أعوام مرت منذ ان رحلت لكنه يشعر كأنها البارحة :
-الله يرحمك ياحبيبتي وحشتيني
تنهد بحزن وازاح نظراته عن صورتهم ليعود ليستلقي على ظهره وما أن اغلق عيناه حتى لاح طيف تلك الجميلة أمامه ليعود ذلك الخائن ينبض من جديد ليرفع يده يضعها بتلقائية على قلبه ويقول :
-وبعدين معاك عاوز أيه ؟
ليجد عقله يتفق مع قلبه لتلاحق صورها في ذهنه وكأن شريط من صورها يمر أمامه ليعتدل فجأة ويقول محاورًا نفسه :
-وبعدين يا يحيى هتفضل تايه كده
ثم صمت قليلًا وقال : (بقلم رشا عبد العزيز)
-أنا لازم اتأكد من مشاعري
**************************************
كانت تجلس تحادث ليان عبر احد تطبيقات التواصل لترسل لها بعض صورها المجنونة وبعض التعليقات عليها
أمسكت إيمان الهاتف وبدأت تتصفح الصور تغرق في موجة من الضحك حتى فتح الباب فجأة لتدخل حنان
ظلت واقفة في مكانها تشاهد ايمان التي لم تنتبه لدخولها وكانت مندمجة بكتابة الرسائل والضحك تعجبت حنان
ترى مع من تتحدث وتضحك في هذا الوقت المتأخر إيمان لم يكن لها صديقات يومًا وحتى صديقاتها القدامى انقطعت صلتها بهم
-منمن ....
رفعت إيمان عينها عن شاشة الهاتف ونظرت إليها و لا تزال الابتسامة تزين وجهها
-نعم ياحبيبتي
-بتكلمي مين إسلام ؟
-لا دي واحدة صاحبتي
-كنت عاوزة بيجامة من بيجاماتك
-أيوه ياحبيبتي موجودة في الدولاب خدي الي يعجبك
قالت إيمان هذا وهي تشير بذقنها نحو الخزانة لتعاود مرة أخرى النظر إلى شاشة هاتفها تستكمل قراءة
الرسائل الجديدة التي تبعثها ليان لتتجه حنان نحو الخزانة ثم فتحتها وبدأت تبحث بها لكن لفت انتباهها الفساتين الجديدة التي كانت ذات ألوان تختلف عما أعتادت ارتدائه ، سحبت البيجامة التي اختارتها حملتها على يدها وأغلقت الخزانة
واستدارت تسأل ايمان باندهاش:
-هي الفساتين الي في الدولاب بتاعتك يا منمن ؟
عادت ايمان ترفع أنظارها عن شاشه الهاتف وتقطع اندماجها:
-أيوه يا حبيبتي دول اشتريتهم جديد
رفعت حنان حاجبيها بتعجب وقالت :
-بس ألوانهم مختلفة ازاي اقتنعتي تغيري الألوان ، دا يا ما اتحيلنا عليكى أنا وإسلام تغيري ورفضتي .
ضحكت إيمان وقالت :
-فيه حد قدر يقنعني. (بقلم رشا عبد العزيز)
لكنها غيرت قولها وقالت
-اهو تغيير ياحنون
-طيب ياحبيبتي أنا هاخد البيجامة دي على ما أمجد يجيب هدومي أواخلي آسر يجيبهم
وضعت إيمان الهاتف جانبا واعتدلت في جلستها وقالت
-تعالي ياحنان عاوزة أتكلم معاكى في موضوع
ثم اشارت لها بالجلوس لتجلس حنان تصغي اليها :
-أنا بقول ياحنان بلاش تقولي لآسر وحاولي تحلي الموضوع بينك وبين أمجد
-لا يا إيمان خليني أقول لآسر خليه يعرف أن عندي سند
-ياحنان آسر عصبي ولما بيتعصب بيفقد سيطرته على نفسه ومبيعرفش هو بيقول أي وانت عارفه هو بيحبك آد اي
-أحسن خليه يعرف إني عندي أهل يعرفو يدافعو عني
-ياحنان بلاش تدخلي طرف تالت في مشكلة بينك وبين جوزك
لتتأفف حنان حانقة من سلبية شقيقتها وخوفها من المشاكل هذا الشئ الذي تعتبره حنان ضعفًا
-يوووو يا إيمان هما الرجالة عاوزينلهم كده ، أنا سكت كتير دلوقت كفايه لازم أتكلم انت متعرفيش الرجالة عشان أنت مجربتيش....
لتبتلع حنان باقي كلماتها بحرج بعد أن أدركت خطأها لتمسك يد إيمان
-آسفة يا إيمان أنا ما كانش قصدي متزعليش مني
ادعت إيمان اللامبالاة وربتت على يدها التي تمسكها
-لا يا حبببتي أنا مش زعلانة انت عندك حق جايز أنا ما بفهمش في الحياة الزوجية لكن أنا بتكلم بحكم الي بسمعه من الناس والي اتربيت عليه ان المشكلة متطلعش من البيت ، الي هيدخل ياهيكبرها يا هيهد البيت وأنا خايفة عليكي ياحبيبتي
-ماتخافيش يامنمن
ثم تنهدت بحزن واستقامت واقفة ثم أنحنت وقبلت وجنتها وقالت :
-تصبحي على خير يا منمن
رحلت حنان ورغم ان حنان قالت كلمتها من دون قصد لكنها ظلت ترن في ذهنها كأنها رمت حجر عكر صفو تلك البركة الساكنة داخلها لتتلألأ الدموع في عينها
هل عدم زواجها جعل منها إمرأة ناقصة ، هل كلمة عانس التي هربت منها دائمًا شئ يعيبها
ثم نفضت تلك الأفكار الغبية من رأسها ، هل وجود رجل هو من سيجعلها سعيدة ، قطعا لا فهناك العديد من المتزوجات يعشن في تعاسة .
لكن ربما كان كلام حنان صادق هي لم تجرب تلك الحياة وربما تكون السلبية والبعد عن المشاكل في بعض الأحيان ضعفًا بين الأزواج وربما العكس لكنها الآن قررت أن تترك حنان تقرر مصير علاقتها بزوجها وستراقب هي من بعيد رغم خوفها عليها
********************** ** **************،
ساعتين وهو يجلس في نفس المكان تدور الأفكار في رأسه كانّها غيمه سوداء تنذر بعاصفة قادمه قد تقتلع استقراره وتهدم بيته ليتذكر كيف استقبلته والدته بالدموع تخبره بعدم تقصدها لإيذاء ابنته وأنها فعلت ذلك بحسن نيه ظن منها أن هذه المكسرات مفيدة لها
أغمض عينه واسند راسه على ظهر المقعد يتذكر كيف انقلبت نبرت حديثها بعد ان أخبرها أن زوجته لم تعود معه وذهبت مع شقيقتها
-سيبها هي الخسرانة بكره ترجعلك ورجلها فوق رقبتها وتطلب السماح بس انت سيبها ومتعبرهاش عشان تعرف قيمتك
فتح عينيه وأعتدل في جلوسه تدور عينيه في شقته المظلمة يملؤها السكون بعد ان كانت تملئها ضحكات صغيرته وحبيبته التي اختفى عطرها من المكان ليتنهد بحزن
تلك العنيدة إلا تشعر بحبه لها هو يشتاق اليها الآن كيف سيتحمل فراقها ليتذكر كيف التقى بها للمرة الأولى
عندما جاء يبحث عن شقيقها لتفتح له الباب وتطل عليه كالأميرات رغم انها تلبس إسدال لكنها بدت أحلى فتاه رأها في حياته لينبض قلبه لها ويتخذ قراره في ان يطلب يدها من شقيقها
واستمرت خطبتهم سنتين حتى تخرجت امتلكت خلالها قلبه وتربعت على عرشه ليعيش معاها احلى شهور في بداية الزواج لتبدأ المشاكل بعدها بينها وبين والدته ليشعروا كأن الحب بهت او غطاه غبار المشاكل حتى بات يشعر كأنه يطحن بين المطرقة والسندان مشتت بينها وبين والدته زفر أنفاسه وحرك يده على خصلات شعره يجذبها في حيره وهو يتمتم
-ربنا يهديكي ياحنان
أما حنان فستلقت بجانب ابنتها يجافيها النوم تتلاطم الأفكار في راسها كأمواج البحر الهائج تفكر في كلام إيمان
وهل هي مخطئة في قرارها. ام هذا القرار كانت يجب ان تتخذه منذ البداية لتدفعه إلى وضع حدود لتدخل والدته وأهله
نظرت إلى خاتم زفافها تتذكر أوقاتهم الجميلة وكيف كان حنونا ومحبا يهتم بأدق التفاصيل التي تسعدها
هو زوج مثالي لولا ضعفه امام أهله الذي نغص سعادتها سماحه لطرف ثالث للتدخل في حياتهم الذي يوشك على هدمها
***************************************
كان يجلس في مكتبه يحاول ان يشغل نفسه بالعمل حتى لا يفكر بها لكن قلبه الذي كان يعمل كمنبه سحبه ليجد نفسه يقف امام النافذة في الوقت التي تجلس فيه تحت الشجرة ومن دون إرادة نظر إلى مكانها المفضل ليجدها بالفعل تجلس هناك ليرتجف قلبه بشده ويظل هو يحدق بها حتى نهر نفسه لم يكن يوما من الرجال الذين ينظرون للنساء لكن معها يجد عينه ترفض ان تحيد عنها وكأنها تعويذه سحريه تجذبه
ليلفت نظره جلوس شخص بالقرب منها ليتضيق حدقتيه غضبا منذ متى وهي تسمح لاحد بالجلوس بالقرب منها
طيلة فتره مراقبته لها لم تكن تسمح لاحد بأن يجلس قربها مهلا هل هو يترك مكتبه الآن حتى انه لم يشعر
بقدميه التي تسقوه نحوها كانّه مراهق يغار على حبيبته يقوده قلبه المجنون مغيبا ذلك العقل الحكيم الذي
طالما شُهد له بحكمته حتى وصل بالقرب منها يزفر أنفاسه المتسارعة كأنها انفاس تنين ثائر ليتوقف
فجاه وهو يدرك هويه الرجل فلم يكن سوى ابنه ليتسمر مكانه يراقبهم
اما على جانبها فكانت تجلس مع باسم الذي استأذن بالجلوس والحديث معهاعندما وجدها تجلس وحيده
-امال صاحبتك فين؟
-رجعت كليتها اصلها في السنة الأخيرة إدارة أعمال
-إدارة أعمال كليه كويسه
- ربنا يوفقها
ضيق باسم حدقتيه وسألها بتوجس
-بس مش علاقتكم غريبه؟
عقدت حاجباها وسألته
-ليه غريبه؟
ثم صمتت قليلا حتى ادركت مقصده هو يشيرالى فارق العمر لكنه يخجل من قول ذلك لتبتسم وتقول
-أنت قصدك على فرق العمر عادي احنا متفاهمين بالعكس أنا اتعلمت منها زى ما هى تعلمت مني
ليان فرفوشه وطيبه بتعاملني على أني حد من عمرها. وانا شايفاها بنتي وانا مسؤؤله عنها
-بس انتو جيلين مختلفين بتتفاهموا ازاي؟
رفعت كتفها بعدم معرفه وقلبت شفتاها تخبره
-مش عارفه؟
ثم تنهدت بحسره
-جايز أنا بعيش شبابي معاها؟
لتجد باسم لا ينتبه اليها وينظر إلى شيء ما لتلتفت محاولة ان تنظر إلى حيث ينظر لتجد والده يقترب منهم
عادت إلى وضعها السابق بارتباك لينحني باسم نحوها يهمس لها
-غضبو جاي ناحيتنا
لتضحك على كلامه وتقول له لائمه
-انت هتمسكها عليا ذله؟
ليضحك باسم هذه المرة حتى وجده يقف بوجه متجهم
-أنت هنا يا باسم وأنا بدور عليك؟
كان يدعي عدم رؤيتها وعينه تسترق النظرات نحوها
-اه كنت بتكلم مع إيمان
ليلتفت نحوها هذه المرة حتى التقت عينه بعينها تخبرها بشوقه لها لكن لسانه نطق بغير مايصرف به قلبه
-أزيك يا إيمان عامله أيه؟
أسبلت أهدابها بارتباك وقالت بحرج
-الحمد الله يافندم عن أذنكم
لتخطو خطوات قليله متجاوزه إياه حتى أوقفها صوته الحاد
-هو أنا كل ما أكلمك تمشي؟
أدهشتها كلماته كما ادهشت باسم الذي وقف يوزع نظراته بينه وبين إيمان التي جلت صوتها الذي تحشرج من شدت خجلها لتستدير نحوه وتقول
-أبدا يافندم بس أصلي أتاخرت.
-خلاص نوصلك معانا أحنا كمان ماشين.
وكأنه ادخلها بممر ضيق يحبسها لكي توافق لكنها ابت ذلك لترفع عينها تواجه عينه وتقول:
-لا متشكره لحضرتك أنا بيتي قريب وبحب أمشي المسافة دي.
-وتمشي ليه في الجو دا وتحت الشمس العربيه موجوده وطريقنا أكيد هو طريقك.
نظرت له بنوع من الإصرارعلى الرفض وقالت:
-ما أعتقدش أن طريقنا وأحد متشكره
-وانتِ…
ولم يكد ينهي الكلمة حتى وجد يد باسم تمسك بذراعه تمنعه من أكمال الحديث
-بابا سيب إيمان براحتها.
وكأن كلام باسم كان طوق نجاه بالنسبة لها حتى تهرب من هذا المأزق لتقول بسرعة قبل ان تستدير وتسير بخطوات سريعة
-مع السلامة
ظل ينظر لأثرها ثم تنهد بيأس ليعيد النظر نحوه ولده الذي عاتبه قائلا:
-أحرجتها يا بابا
ليبرر فعلته فيقول بتلعثم:
-أنا كان قصدي أساعدها
-بابا إيمان أكيد كانت هترفض تركب معانا العربيه لوحدها انت ناسي ان احنا رجاله وأغراب عنها كمان
وكأن ولده أشعل له مصباح على منطقة معتمه في عقله غيبها جنون ذلك القلب المتهور وبدل أن يزعجه رفضها زاد من أعجابه بها ويزيد من رضوخ ذلك القلب لحبها
************************''''***************
كانت حنان تجلس بملل بعد أن أخذت اجازه من المدرسة بسبب مرض صغيرتها لتقرر مهاتفة صديقتها المقربة
ملك تستشيرها وتسرد عليها كل مانصحتها به إيمان
-يوو ياحنان يعني انتي متعرفيش إيمان طول عمرها بتخاف من المشاكل اانتي صح يابنتي خليه يتربى
-متقوليش كده يا ملك أمجد بردوا غالي عليا.
-طب ياست الحبيبه خلي قلبك ُرهيف زي أختك عشان تلاقي نفسك دفنتي عمرك معاه زي ماهي عملت
ودفنت نفسها معاكم
-عندك حق... إيمان حبيبتي طول عمرها شايله همنا ودفنت عمرها عشنا
لكن حنان توقفت كأنها تذكرت شيئا
-بس تعرفي ياملك إيمان فيها حاجه غريبه
-غريبه ازاي
-مش عارفه متغيره بقت بتلبس ألوان شاببيه وامبارح ماسكه التلفون وبتضحك مع حد تحسيها رجعت شباب الحمد الله
-تكونش بتحب؟. (رشا عبد العزيز)
-بتحب أي ياهبله إيمان تحب وفي السن دا؟
-ماهي التغيرات الي بتقولي عليها تبين انها بتحب
-لا ياملك ما أعتقدش
-وليه يعني مش من حقها تحب
-لا من حقها تحب بس كانت قالت او كان أتقدم لها
-بت لتكون ايمان بتحب شاب من شباب الأيام دي الي بيضحكو على الستات الكبيره
-ملك ماتقولي كلام معقول وهي ايمان شباب الأيام دي يبوصلها ليه هي مش مليونيرة
-بس ماتنسيش يا حنان أن إيمان جميله والي يشوفها ميدها أربعين سنه وكمان ماتنسيش عندها الشقة ومعاش باباكي وشغلها الي بيكسبها ياما دا يخلي أي شاب صغير يفكر يجوزها عشان تصرف عليه او حتى تصرف عليه لامؤاخذة من غير جواز
-لا ياملك إيه الكلام الي بتقوليه دا إيمان عاقله ومش ممكن تفكر كده
ورغم ان حنان نهرت صديقتها لكن هذه الأفكار السامه ظلت راسخه في ذهنها تطرق فكرها بين الحين والآخر
*********************************'**********
كانت ليان تجلس على طاولة المطبخ تقطع قطع الخيار تارة وتقضم نصفها تارة أخرى لتستمر بذلك وهي تسرد احداث يومها لوالدتها التي تقف على الموقد تقلب الطعام بالملعقة وتتذوقه مستمعه لثرثرة صغيرتها عن مشاحنه بينها وبين طالبة أخرى لتعقب
-وأكيد حضرتك ياست ليان مديتي ليها لسانك الطويل الي مابيسكتش
لتقول لها وهي مندمجه بتقطيع الخيار
-لا سبتها ومشيت
لتتنبه جميع حواس والدتها وتسحب المقعد تجلس أمامها تسألها بفضول
-انتي قولتي سبتها ومشيت مش مصدقه نفسي معقول انتي تسكتي؟
-أصل فكرت فيها هي عاوزاني أرد عليها عشان تمسكها عليا وتسببلي مشكلة ممكن توصل للعميد
رمشت والدتها بعينها عدت مرات متعجبة لتسألها
-انتي قولتي فكرت.؟ .. اول مرة تكوني عاقله يابنت بطني
-أصل إيمان قالتلي أستخدمي عقلك قبل لسانك وشوفي عواقب الكلمة قبل ما تقوليها
لتتسع ابتسامة والدتها وهي تقول
-صلاة النبي أحسن بركاتك يا ست إيمان
ثم صمتت قليلا بتفكير وقالت
-بت يا ليان ماتعزمي إيمان عندنا نفسي أشوفها
لتترك السكين من يدها مباشرة وتنظر لوالدتها ببهجة وهي تقول:
-بجد يا ماما أنا أقدر أعزم إيمان عندنا
