رواية حياة مهدورة الفصل الثامن8بقلم رشا عبد العزيز


رواية حياة مهدورة الفصل الثامن8بقلم رشا عبد العزيز
 
 -بجد يا ماما أقدر أعزمها

ضحكت والدتها باستهزاء وهي تقطب حاجبيها وقالت :

-ومالك مش مصدقة أنك تقدري تعزميها لتكوني فاكرة أننا بخلا يابت

ثم ضربتها على رأسها مما جعلها تدعكه بيدها متأوهة وهي تغمض إحدى عينيها

-أيه يا ماما وانا أيش عرفني أنكم هتوافقوا ، طول عمركم بترفضوا اعزم صحابي اشمعنا إيمان ؟

-فضول ، نفسي أشوف الست الي قدرت تغيرك وعملت الي ما قدرتش اعمله في تلاتة وعشرين سنة .

قالت هذا وهي تضع أمامها حبة الطماطم والجزر تكمل أعداد السلطة لتتناول ليان الطماطم وتبدا بتقطيعها وتقول بفخر:

-بكرا تشوفيها وتنبهري

لكنها صمتت قليلا وكأنها تذكرت شيئًا :

-وبابا هيوافق طيب وهنعزمها أمتى ؟

لتضربها والدتها على كتفها وهي تقول :

-ملكيش دعوه بأبوكي أنا هكلمه وخليها يوم الجمعة و كملي السلطة انت بس الي بقالك نص ساعة بتعمليها وأكلتي نصها

أمسكت ليان كتفها تدعكه وهي تقول متذمرة :

-مش ملاحظة أنك بقيتي بتضربيني كتير

لتجيبها وهي تغادر المطبخ

-عندك مانع !

استدارت ليان باتجاه باب المطبخ وقالت باستياء :

-بس دا يعتبرعنف اسري على فكرة

لتردعليها بصوت عالي بعد ان غادرت المطبخ ولكن أذنها التقطت ماقالته صغيرتها :

-أستبدليني

لتغمغم ليان بمزاح  ضاحكة :

-ياريت إيمان ترضى تتنبناني

*******************************
بدأت ليان تحاول إقناعها في زيارتهم وأن هذه رغبة والدتها لكن إيمان كانت مترددة ربما ذلك يعود إلى طبيعتها 
أو إلى خوفها من نظرة أهل ليان لعلاقتها بأبنتهم رغم ان عمرها ضعف عمر ابنتهم

-يا إيمي والله ماما هي الي طلبت مني أكلمك وأعزمك

-معلش ياحبيبتي بس مش هقدر أنا أتكسف

-هتتكسفي من أيه بقولك هي الي عزمتك

-يالي لي هيقولوا عليا أيه مصاحبة بنتنا وهي قد أمها

-لا يأختي أمي عندها خمسين سنة يعني أكبر منك
 ماتخافيش

ضحكت إيمان على قولها لكنها كانت لاتزال مترددة :

-صدقيني يا لي لي صعب

-يا إيمي أرجوك عاوزة أهلي يتعرفوا عليكِ
  
-بس....

-من غير بس أنا و وليد هنيجي ناخدك ، أبعتي اللوكيشن انت بس

-ودا أبعته ازاي ؟

لتضحك ليان وتقول :

-تصدقي كنت متوقعة السؤال هبعتلك فيديو أفهمك تعملي أي

وهذي كانت طريقتها المعتادة لتشرح لها كيفية التعامل مع الهواتف والسوشيال ميديا
*******************************'********
كانت حنان جالسة تطعم صغيرتها تضع في فمها اللقمة وتغني لها لكى تكمل طعامها لتلوح صورته أمامها وكيف كان يشاركها الغناء كي يقنعا صغيرتهما بإكمال طعامها وكيف كانت تتظاهربأنها تطعمه معها وسط ضحكاتها على حركاته كي يستميل قلب صغيرته

غصة تبعتها بعد تلك الذكريات فلم يكلف نفسه بالسؤال عنهم منذ ان أحضر ملابس لها ولصغيرها ووقف أمامها بوجه محتقن يخبرها :

-دي حاجتك وحاجة كنزي الي طلبتيها

ليلتقط الصغيرة من يديها يقبلها ويحتضنها يزرع انفه في ثنايا عنقها كانّه يتنفس عطرها الذى اشتاقه :

-وحشتيني يا بسبوسة وحشتيني يا حبيبة بابا

تعلقت تلك الصغيره بعنق والدها الذي تعشقه والصقت نفسها به

- معاك يا بابا باي

تمتمت تلك الصغيرة بهذه الكلمات التي يفهمها هو كانت تريد الذهاب معه أعتصره قلبه.لحديثها ليرفع عينه لتلك التي وقفت تتابع المشهد وعينها تلمع بالدموع نظر لها نظرة لوم وعتاب على مايحدث لهم وعلى البعد الذي تريده ليقول لصغيرته :

-حبيبي هاخذك معايا ان شاء الله.

كانت كرسالة تحدي لها انها ستاتي معه .

-انت خليكي مع ماما شوية وانا هخلص شغل واجي أخدكم

ثم رفع يده يحاول إفلات يدها التي تحكم غلقها حول عنقه حتى يبعدها عنه لكن الصغيرة ابت ذلك وبدأت بالصراخ و بالبكاء

والعويل وهي تتشبث اكثر به.

-بابا...بابا

مزق صراخها قلب والديها الذين بدأ ينظر احدهما للآخر بقلة حيلة احدهما يلوم الآخر لتسقط دموع حنان رغم مقاومتها ان تضعف امامه لكن هذه الصغيره قد داست على قلبها الذي ينزف حباً وشوقًا له وهو يمثالها الشعور لكنه أظهر الجمود وقاوم صراخ قلبه وبدأ يحاول إبعاد طفلته كي يهرب من أمامهم قبل أن ينهار أمسك جسدها الصغير يحاول إبعادها وكلما أبعدها زاد صراخها لتتدخل حنان وتمسك جسدها تسحبه ورفع هو يده يبعد يدها عن رقبته لتبدأ الطفلة تحريك قدميها في الهواء اعتراضاً وهي تزيد من صراخها

-بابا...بابا .

لكن حنان سحبتها بقوة منهية عذابها وعذابهم معها وأدارتها تحتضنها بقة وتكبل جسدها بيديها تمنعها من الحركة

-إش أش ياحبيبتي  بابا هيجبلك شكولاتة ويرجع
اسرع هو بخطواته نحو الباب وقبل ان يخرج استدار نحوها وتحدث بغضب وقال :

-فكري بالهداوة يا حنان وبلاش عناد عنادك هيضيعنا

ثم خرج صافقًا الباب ورائه بقوة:

عادت حنان من ذكرياتها على صوت جرس الباب يقرع لتمسك الحجاب الموضوع على الكرسي وتضعه على رأسها وتحمل صغيرتها متجهة نحو الباب :

-تعالي ياكنزي نشوف مين على الباب

فتحت حنان الباب ووقفت متعجبة فلقد وجدت فتاة في العشرين من عمرها تسألها بابتسامة ملأت وجهها :

-هو دا بيت ايمان منصور؟

رفعت حاجبيها مندهشة وردت عليها :

-أيوه ياحبيبتي

-ممكن تقوليلها لي لي وصلت

وقبل ان تنهي ليان كلامها سمعت باب غرفة إيمان يفتح وهي تقول بصوت عالي مزجته البهجة :

-لي لي نورتي بيتي ياحبيبتي

ابتعدت حنان عن الباب لتدخل ليان بخطوات مسرعة وتحتضنها وتبادلها إيمان العناق تحت أنظار حنان المندهشة

-وحشتيني يا إيمي ازيك عاملة أي ؟

-انت كمان وحشتيني ياحبيبتي

كانت حنان ترمش بأهدابها ولوت شفتيها بسخط وتردد الاسم الذي نادت ليان به شقيقتها باستهزاء:

-إيمي !

-حنان يا لي لي

قالت إيمان هذا وهي تشير نحو حنان
 
لتقترب منها ليان ترحب بها

-اهلا يا فندم

-ودي لي لي صاحبتي يا حنان

رحبت حنان بها ولاتزال علامات الدهشة مرسومة عليها

-حنون أنا هتغدى في بيت ليلي ماماتها عزماني معلش ياروحي هتتغدى لوحدك النهاردة اعذريني

لم تجيب حنان بشئ فقط هزت رأسها بالموافقة لترحل إيمان وليان وسط ضحكاتهم 
أغلقت حنان الباب وسندت يدها عليه وسط تحيرها وهي تحاور نفسها بتعجب :

-صاحبتها ازاي وهي قد بنتها ؟

**********************************'' '' '' **
وقفت إيمان أمام باب شقتهم بتردد وقلبها يخفق بإحراج ترى كيف ستستقبلها هذه العائلة 
وقفت لي لي بجانبها وكانت سعيدة جدا بوجودها.  تنظر لها بين الحين والآخر ينتظرون وليد شقيقها الأكبر الذي أصطحبها هي وإيمان حتى منزلهم ، صعد وليد ثم فتح الباب  ثم دخل ينادي والدته لإستقبال الضيفة
تبعته لي لي لكن إيمان ظلت متسمرة في مكانها حتى انتبهت ليان لذلك لتعود إليها
 
-مالك يا إيمان واقفة كده ليه ادخلي
 
وبخطى متثاقلة دخلت على أستحياء لتجد والدة ليان التي أستقبلتها بترحاب حار ووجهها تزينه ابتسامة عريضة

-اهلا   اهلا يا أيمان  نورتينا

ثم أحتضنتها كأنها تعرفها منذ زمن بعيد 

-اهلا بيكي يا فندم
 
ثم تحولت نظرات إيمان نحو فتاة جميلة بجانبها لتقول ليان

-دي ياسمين مرات أخويا وليد يا إيمي

لتنظر لها ياسمين بحب فتكمل ليان :

-وصاحبتي وأختي الي بموت فيها

لتحتضنها ياسمين وتقول :

-انت الي حبيبتي يا لي لي

هذا المشهد جعل إيمان تعقد مباشرة مقارنة بينها وبين مريم زوجه اخيها التي تغار لمجرد حب أخيها لها 
لتحاور نفسها وتقول :

-الحمد الله لسه الدنيا بخير

لتعود إلى الواقع على صوت ياسمين المرحب بها
-اهلا يافندم
-اهلا يا ياسمين
-اهلا ابلة إيمان شوفي أنا مؤدب مش زي صاحبتك الي نسيت حتى الأدب

لتجد إيمان شابا صغيرا يبدو أصغر من ليان يضربها على رأسها ويتكلم :

-وانت كده مودب لما تضرب أختك الكبيرة ؟

-الحمد الله مؤدب وشاطر ودكتور
 
لتقول ليان باستهزاء وهي تخرج لسانها وتغيظه :

-سنة أولى طب بقيت دكتور امتى لسه خمس سنين يا فالح

ليرفع يديه ويمسك ياقة قميصه متمتمًا بفخر:

-دا على افتراض ما سيكون ياجاهلة

-وبعدين هنفضل احنا فى ناقر ونقير بتاع كل يوم لحد امتى

قالتها والدة ليان باستهجان وهي تنقل نظراتها بين ولدها يامن وليان

-لحد مايجي أبوهم ويملص ودانهم

قال هذا والد ليان وهو يقترب منهم يلقي التحية على إيمان التي وقفت تضحك بخفة على شجار الصغيرين

-اهلا يا فندم شرفتينا
-اهلا بحضرتك متشكرة لدعوتكم

-متشكرة وافندم وحضرتك أي الكلام دا انت من دلوقت تعتبري نفسك واحدة مننا دانا من كتر كلام ليان عليكي اتمنيت أشوفك
 
قالت هذا والدة ليان وهي تجذب يد إيمان تتأبطها وتسحبها نحو الداخل

لتلتفت ليان نحو شقيقها يامن وهي ترفع حاجبها وتقول باستنكار:

-ماما خطفت صاحبتي

ليجيبها يامن الذي ينظر لأثرهم محاولًا إغاظتها وهو يضحك :
-ايوه كده شكلها خطفتها

جلست إيمان بحرج على مائدة الطعام التي أحتوت على العديد من الاطعمة الذيذة ورصت أطباقها بشكل مرتب
لتمسك والدة ليان السيدة أمينة الطبق المخصص لإيمان وبدأت تسكب لها من جميع الأصناف حتى أمتلأ الطبق لترفع ايمان يدها تشير لها بالاكتفاء :

-خلاص يا حبيبتي كده كفاية

لتنظر لها أم ليان بلوم وهي لاتزال تحمل طبقها وملعقة تغرف لها المزيد

-لا يا إيمان أنا كده أزعل منك أنا عاوزاكي تدوقي من كل صنف وتديني رأيك

قالت ذلك وهي تضع الطبق أمامها ابتسمت إيمان لها بأمتنان ثم  أمسكت الملعقة وبدأت تتناول الطعام الذي كانت تشتاق اليه وهاهي ولأول مرة ومنذ زمن بعيد لا تشعر بمرارة الطعام التي تشعر بها وهي وحيدة

لترفع إيمان عينها عن الطبق وتدور حول أفراد هذه العائلة التي شعرت بالالفة معهم كأنها تعرفهم منذ زمن 
فوالدة ليان التي تشبهها كثيرا كانت تذكرها بوالدتها وكيف كانت تعتني بوالدها وتضع قطعة اللحم الأكبر امامه
وهي تقول له :

-كل ياخويا انت تعبان طول النهار

وهاهو المشهد يتكرر أمامها من جديد مع والدة ليان التي ترص الطعام الأفضل امام زوجها الذي ينظر لها  بحب زادت من متانته العشرة الطويلة

لتحول نظرها نحو ثنائي مختلف ومن جيل آخر وهي ترى وليد وزوجته لكن هذه المره الوضع كان مختلف فهي ترى وليد يعتني بزوجته ويهتم بها مع نظرات الحب المتبادل بينهما

لتضحك داخلها هل تبدل الوضع من جيل لآخر ام التقدم في العمر يجل من العلاقه الزوجيه علاقه موده ورحمه
يطغى الاحترام فيها على الحب وتصبح المراه خلالها اكثر تفهما لاحتياجات زوجها فتصبح تفهمه مننظره عينه ودون حاجته للكلام ليصبح في هذا العمر طفلها المدلل.

-مبتاكليش ليه يا إيمان ؟

كان هذا صوت ليان التي كانت تجلس بجانبها

-لاياحبيبتي بأكل أهو

-متسيبي الست تأكل براحتها يا حورية

-وانت مالك إيمي صاحبتي أنت ملكش دعوة

وما ان نطقت ليان بهذه الكلمات حتى ألتقطت إيمان نظرات والدها المسلطه عليهم باستنكار

وعند أنتهاء تناولهم للطعام

-ماما ممكن اوري إيمان أوضتي

سؤال طرحته ليان على والدتها لتردعليها بابتسامة :

-طبعا يا حبيبتي

لتنظر لإيمان تحثها على مرافقتها لتقف إيمان وتتبعها بعد أن استأذنت :

-عن أذنكم
-اتفضلي ياحبيبتي
وما أن اختفت إيمان وليان عن مرمى نظرهم حتى التفت والد ليان إلى زوجته وقال بتهكم :

-شكلك مبسوطه بالصداقه دي يا أمينه

لتعقد حاجبها وتسأله :

-ومنبسطش ليه ؟

لتحتد ملامحه ويقول مستهجنا كلامها

-أحنا هنضحك على بعض يا أمينه انت مش شايفه فارق العمر بينهم ؟

دنت منه وقالت له بجدية وعينها تواجه عينه

-لا يا ابو وليد أنت الي مش شايف

ليقول بسخرية :

-مش شايف أي يا ست أمينه ؟

-مش شايف بنتك الي أتبدل حالها هي دي ليان الي كان لسانها سابقها ومتمردة ومبتعرفش تتصرف دا حتى لبسها انت مش ملاحظ أتغير أزاي  حتى المذاكرة بقت بتذاكر من غير ما أطلب منها وكل متسألها بتقول أصل ايمان قالت كذا وكذا دي إيمان عملت الي مقدرتش أنا اعمله معاها  يبقى أخاف ليه من صحوبيتها

ظل أبو ليان ينظر لزوجته ولايعرف بماذا يجيب فهي صدقت فيما قالت حتى هو لاحظ تغير ابنته في الأيام السابقه

اماً في الداخل فكانت ليان تري إيمان غرفتها وأشيائها لكن ماجذب انتباه إيمان تلك الكتب ودفاتر الملاحظات الموضوعة على سطح المكتب لتتجه نحوه وتجلس على الكرسي تمسك بيدها تلك الكتب تتمعن بهم وتتأملهم 
وكأن نسمات من الماضي تهب عليها تذكرها بحلم لم تستطع تحقيقه

-أيمان انت معايا ؟

قالتها ليان بعد ان وجدتها تشرد في عالم أخر التفتت نحوها إيمان وقالت

-اه اه معاكي.              (بقلم رشا عبد العزيز) 
 
-طب أنا كنت بقول أي ؟

-هي حلوة

سؤال طرحته عليها بشكل مفاجئ وهي تنظر إلى الكتاب الذي بين يديها لتقترب منها ليان وتسألها بدهشة :
-هي أي ؟

-الكليه أصلي كان نفسي أدخل كلية
 
مطت ليان شفتيها بسخط وقالت مستهزئة :
 
-يا ختي بلاخيبه زفت المراجع والدكاتره والمحاضرات حاجه تقرف

سندت إيماك بكوعها على سطح المكتب واضعه كفّها تحت خدها تستمع لليان التي تصف كليتها
 
بصوت يملأه الضجر وعدم الرضى وما أن انتهت حتى قالت ايمان مبتسمة

-تصدقي ياليان صدقوا لما قالو محدش بيقدر النعمة الي فى أيده

لترفع أصبعها تلوح لها في الهواءوبشكل دائري
 
-شوفي انت كل الي بتقولي عليه قرف كان بنسبالي حلم كنت أتمنى أحققه
 
لتحتد عينها بغضب وتقول :

-احمدي ربك يابنتى غيرك يتمنى الي انت فيه

***************************************

كان أمجد ينزل سلالم منزله حتى لمح أمرأة غريبة تخرج من شقة أخيه انتابه الفضول لمعرفة هويتها فهو يراها للمرة الأولى ليتحرك قاصدا شقه والدته طرق الباب ففتحت له بترحاب :

-السلام عليكم ازيك ياماما ؟

-وعليكم السلام ازيك انت ياحبيبي أتفضل

ثم ابتعد عن الباب ليدخل هو ويجلس على أحد المقاعد في الصالة لتقف امامه تسأله :

-أتغديت ياحبيبي ولا أعملك غدا

-لا يا أمي اتغديت الحمد الله

لتلوي شفتيها بسخط وتسأله :

-وهي السنيورة ناويه تحن عليك أمتى هتفضل سايباك كده ؟

زفر أنفاسه بحنق وقال :

-كم يوم كده وراجعه اصل كنزي لسه تعبانه
مصمصت شفتيها بأستنكار ورددت كلامه

-كنزي لسه تعبانه طيب

حاول مداراة عينه عن والدته كي لاتكشف كذبه وأشاح بوجهه عنها لكنه تذكر شي فسألها

-أمي أنا لسه شايفه ست خارجه من بيت خالد هي مين الست دي أول مره أشوفها

لتلوح يدها بلامبالاة  وتقول :

-اه دي الست الي جابتها مراته عشان تساعدها ما انت عارف انها حامل ياعيني ومتقدرش على شغل البيت

ظل يحدق بوجه والدته كالابله ماهذا ألم يستنكروا على زوجته هذا الفعل عندما احضرت احد يساعدها في المنزل عندما كانت حامل و وصفوها بالكذب والدلع ولم يتوقفوا عن ذمها ولومه على مجاراتها

حتى شقيقه أخبره بنصح ألا يسمع كلام زوجته في كل شئ فكثرة الدلع يفسد الزوجة وهو اليوم يجلب أمراه تساعد زوجته

والأدهى من ذلك والدته تتكلم عن الأمر بكل رضا
ظل هذا الحديث يدور في راسه وكلمات حنان ترن في أذنيه انه هو من سمح لهم بالتدخل في حياته

***********************************

كانت تجلس تحت تلك الشجرة ونسمات الهواء تداعب صفحات وجهها فكما يبدو ان الشتاء مقبل 
والسماء تنذر بهطول المطر قريبًا فقد بدأت السحب تتجمع في السماء كم تعشق هي هذ الأجواء عندما تسقط قطرات المطر تدغدغ تراب الأرض فتخرج تلك الرائحة الجميلة كأن الأرض تعبر عن فرحها لهطول المطر
رفعت رأسها تراقب السماء ودارت برأسها بكل الاتجاهات حتى توقفت فجأه عندما رأته يراقبها من شباك مكتبه
وكأن عينه تطاردها في كل مكان ، في الصباح كان يقف عند البوابة والقى عليها تحية الصباح والان يقف يطالعها من الشباك التقت عينها بعينه بضع ثواني قبل ان تشيح وجهها عنه بارتباك

أحنت راسها نحو كتبها تقلبها وتخفي حرجها عن ناظريه
ولكنها مجرد دقائق بسيطة وسمعت صوت يقول :

-صباح الخير يا إيمان

تسارعت دقات قلبها من مباغتته لها لتجلي صوتها وتقول :

-صباح النور يافندم.             (بقلم رشا عبد العزيز) 

-تسمحيلي أقعد

قال هذا وهو يشير إلى المقعد الطويل الذي تجلس عليه لتلتفت نحو وتقول

-طبعا أتفضل

جلس على مسافه منها لتبتعد هي بتلقائية نحو حافة المقعد المقابل كان يمسك بمفاتيح سيارته يحركها محاولاً إخفاء توتره بهذه الحركة

-احم.....كان عندي طلب عندك يا إيمان
رفعت حاجبيها وتسآلت بدهشة وهي تشير بأصبعها نحو نفسها :

-طلب عندي أنا ؟

-ايوه يا إيمان كان نفسي تعمليلي فستان لبسمه أصلي حابب أديها هديه فى عيد ميلادها وشفت أد أي هي فرحت بالفستان الي انت عملتيه عشان كدا لو ممكن تعمليلي واحد  ؟

-حاضر يافندم بس هو محتاج أسبوع تقريبا

ليحرك يده أمامها ويقول :

-خدي وقتك أنا مش مستعجل بس ياريت لوعندك كولكشن أشوفه

هزت رأسها بتفهم وقالت :

-حاضر هختار الفستان واجيب لحضرتك الكولكشن عشان تختار النقش ولوحبيت تغير الاستايل عادي

-متشكر

ثم عم الصمت بينهم لحظات حتى قطعه هو :

-شكل الدنيا هتمطر

-ايوه

لينظر لها نظر جانبيه ويقول بتوجس :

-كان نفسي أقولك تعالي أوصلك بس انت أكيد هترفضي
لتبتسم ابتسامة هادئة خفق لها قلبه كأنّه ارض قاحلة أغاثها الله بالمطر

-بحب امشي تحت المطر بحس أني رجعت طفلة
بادلها الابتسامة ثم نظر إلى المفاتيح القابع بين أصابعه يحركها ليخفي تلك المشاعر التي تسللت إلى قلبه وهي تبادله الحديث بهدوء وصوتها الرقيق يطرق أبواب قلبه الموصده لينظر اليها ويقول :

-كلنا في بداخلنا طفل يا إيمان نفسه يخرج ويستمتع بالحياه تعرفي أني ساعات بحسد الولاد الي بيلعبو كورة في الشارع وأقول ياريت لو اقدر ارجع طفل والعب زيهم

اتسعت ابتسامتها وقالت :

-اهو اللعب في الشارع اكثر حاجة واحشاني من طفولتي  زمان كان اكبر همنا أننا نلعب اكبر وقت قبل ما ماما تنده علينا. كانت  ايام جميلة وممتعة

تنهد وقال بابتسامة :

-بس برضه يا إيمان احنا مش هننكر أن كل زمان وله حلاوته  واحنا نقدر نكون في كل زمان ذكريات
جايز هتكون احلى من ذكريات الطفولة

اجابته وهي تنظر للمجهول ويدها تعبث بحافات الكتاب الذي تمسكه :

-عندك حق بس ساعات حتى الحلو بيكون مر

كاد ان يكمل حديثه لكن سقوط حبات المطرالباردة على وجنتها جعلها تنتفض واقفة وهي تمسحها عن وجنتها بأناملها وتقول مبتسمة :

-دي ابتدت تمطر ، عن أذنك اروح استمتع بالمشي قبل ما المطره تزيد عن حدها

رحلت والابتسامة تزين وجهها كأنّها فعلا طفلة سعيدة بهطول المطر ليتنهد بارتياح فهذه الدقائق والحديث معها جعلته يشعر بسعادة وكأن قلبه يعيش في ربيع مزهر رغم برودة الشتاء التي يشعر بها

فأخيرًا استطاع إيجاد موضوع مشترك وخطة الفستان الذي اتخذها ذريعة للحديث معها قد نجحت
عاد إلى مكتبه وقف أمام الشباك يراقب المطر الذي تطرق قطراته الزجاج وتلوثه يتذكر ابتسامتها الرقيقة 
ويتخيلها تتمشى تحت المطر يعلم ان هناك طفلة صغيرة داخلها. لكن ضباب الزمن جعلها تضل طريقها وتبقى تائهة يملأ عينيها الحزن

ثم ابتسم وهو يسترجع حديثهم معا بقلب مبتهج. إذا كانت دقائق معها منحته السعاده ماذا لو طال

 الوقت ..ليتنهد بحيرة ويستدير متجها نحو مكتبه جلس على الكرسي يطالع الصور الموضوعه عليه صورته برفقه زوجته وصورته برفقه أولاده ، سند رأسه على ظهر الكرسي وأغمض عينيه يتخيل ردة فعل أولاده إذا علمو ان والدهم قلبه يخفق من جديد وبعد كل تلك السنين
*****************************************"
طرقت باب منزلها لتفتح حنان وتشهق عندما رأت المطر قد بلل ملابسها

-أي دا يا إيمان ما اخدتيش تاكسي ليه دا أنت هدومك كلها مبلولة كده هتاخذي برد

لتدخل ايمان تنفض ملابسها بيدها وتقول مبتسمة :

-لا متخافيش ياحنون هغيرهم حالا

-طب يلا غيري على ما أحط الأكل عشان نتغدى

-حاضر ياعسل

قالت إيمان هذا وهي تقرص وجنة حنان وترحل لتقول حنان وهي تشاهد شقيقتها :

-ربنا يديم الفرحة في حياتك

جلست ايمان على طاولة الطعام تضع كنزي على ساقها تطعمها وتداعبها لتنتبه إلى شقيقتها التي تقلب الطعام في طبقها بذهن شارد لتسألها :

-مالك يا حنان ؟

عادت حنان من شرودها على صوت شقيقتها :

-ماليش يا إيمان أنا الحمد الله  بس كلمت آسر وقال انه هيجي بعد بكرة عشان عنده زحمة شغل

-انت قولتيله على الي حصل بينك وبين أمجد ؟

نظرت حنان إلى طبقها وعادت تقلب الطعام بعشوائية ثم زفرت أنفاسها بحنق :

-لا ماقلتلوش قلت يجي واحكيله

-براحتك ياحنان دي حياتك ياحبيبتي وانت أدرى بيها ....

تعليقات



<>