رواية ابني ابنك الفصل الحادي عشر11بقلم امينة محمد


 رواية ابني ابنك

 الفصل الحادي عشر11

بقلم امينة محمد

«أسير الانتظار»

لماذا يبقى الإنسان أسير الانتظار، بينما هو في قناعة راسخة بأنه لن يأتي ما يترقبه؟
صغيرتي الفاتنة التي لطالما حافظت عليها بكل جوارحي، وحاولت حمايتها من كل الشرور، أسعى جاهدًا لإبعاد أذى هذا العالم عنها، ومن غياهب الشرور التي تكتنف العالم، كأنني درعٌ يحميها من مخاطر الزمان.
ولكن ما مصيري من كل الأزمات التي أتعرض لها وحدي وأنا محارب وحيد في العالم، بل محارب ضد العالم كله لأجلك!
هل أخبرك بأنني لا أودع أحدًا، بل أترك الباب مفتوحًا على مصراعيه كما شهدتِ مرارًا وتكرارًا على فعلتي تلك؟
وأنني أكون متأملًا كيف تأخذهم الرياح بعيدًا، لتعود وتغلقه بنفسها بعد أن يتلاشى صدى خطواتهم حيث الجحيم الذي سيبتلعهم.
الآن
في أعماق صدري،
أحتفظ بشعور كل المتروكين والضائعين،
حيث تتصارع الأفكار والذكريات،
وكل ما بداخلي يغمره الضباب والارتباك.
إنها مأساة حقيقية أن تعيش حياتك وكأنك تتنقل في مسارات مظلمة، باحثًا عن حياة تنتظر أن تُكتشف.
سار سريعًا من منزله نحو منزلها ولا يعلم كيف هبط السلالم دون أن يقع ولا كيف ركض بذلك الشارع حتى وصل لمنزلها، ولج سريعًا دون أن يطرق الباب أو حتى يستأذن بالدخول، يمرر بصره عليها ويتفحص ملامحها التي تطلب النجدة منه وكأنها بسجنٍ تود الهرب منه، ومرر بصره على الناظر له بمكرٍ وخبثٍ، أظلمت عيناه وهو يتابعه ويبادله النظرات، ثم مجددًا على «متولي» الذي تنهد بعمقٍ.
_ينفع كدا ياعم «متولي» تخطبها لواحد وهي خطيبتي وهتبقى على ذمتي ومراتي! شرع مين اللي حلل ده؟
قالها مُمثلًا البرود، ولكن البرود ذاب من حريقٍ نشب بداخله الآن وسيغرقهم جميعًا كما أمواج تسونامي.
أجابه «متولي» بصرامة وهدوء:
_بس هي مبقتش خطيبتك ولا هتبقى على ذمتك يا «مُـهاب».
أقترب وطالع «يامـن» الذي غمزه بطرف عينه بخبثٍ شديد ومكرٍ أشد، ذلك الخبيث الذي يتلاعب بهم جميعهم.
_طب إيه، استأذنكم وأجي وقت تاني لبنت حضرتك ياعمو «متولي»؟
نبس بكل براءةٍ لم يشهدها عليه كلًا من «غنى» وحتى «مُـهاب»، أومأ له «متولي» ووقف معه يودعه:
_مافيش مشاكل، نكون حلينا الموضوع ده بشكل ودي وأنا هسأل عنك يابني..
ابتسم الآخر بأدبٍ في وجهه وبإحترامٍ أجاب:
_أوي أوي، عن اذنكم.
ثم تحرك نحو الخارج ولحقه «مُـهاب» يُمسكه من ملابسه بقوة وهو يطالعه بحدة وعيناه تشع الشرر:
_متفقناش على كدا، أنت جاي تتقدم «لغِنى» ليه وأنت عارف إنها خطيبتي؟
_بتسلى، زهقان أوي فقولت اتسلى!
قالها ببساطة ونفض يد «مُـهاب» عنه ولكن الثاني عاد يمسكه بعنادٍ من تلابيبه:
_«يامـن»، قولتلك ألف مرة هي لا، برا كل الحوارات وده مش اتفاقنا..
كان الآخر يراقب مدخل المنزل ليرى إن كان هنالك من يراقبهما أم لا، ولم يرى أحد ليتحدث على مضضٍ:
_اهدى، هو أنا فاضي لجواز أصلًا، أنا جاي أراقب الوضع هنا وأشوف لو فيه حاجة شاكك فيها، بس الحاج وبنته برا الحوارات، وأنت عارف إني شغلي ادور وأشوف عشان نوصل لحل..
_مقولتليش ليه طيب؟
سأله وبدأ يهدأ قليلًا عندما صارحه «يامـن» بالحقيقة، ليقول الثاني له بتلاعبٍ غامزًا له بطرف عينه:
_عشان اللعبة تتحبِك صح يا «مُـهاب»، وبعدين مش أنت بتقول «شدة وتزول»، الشدة هتزول وأدخل اتجوزها بدل ما أجيبلها أنا عريس!
_عشان أعلقكم على باب الحارة، وتبقى مُعلقة رأس باب حارة «حي شرق»، ويقولوا مين ده يا رجالة فيتقال واحد حاول يحط عينه على اللي ملوش فيه، و«مُهاب» بيه علم عليه!
ضحك «يامـن» متلذذًا بذلك الحديث، ليبادله الآخر الابتسامة بمكرٍ وتركه وولج للشقة مجددًا دون أن يلقي عليه حتى السلام، فهو مازال غاضبًا من كل شيء ومن الضغط الموضوع به الآن..
مرر بصره عليها ثم على «متولي» وداخله ألف حربٍ لا يمكن إيقافها، لا يدري إلى أين ستمضي به الأيام، ولا إلى متى سيظل عالقًا في دوامة هذا التناقض الحاد.
تارةً يشعر وكأن السماء تملأ صدره بآمالها الواسعة وتارةً أخرى يبدو وكأن براكين الأرض تنفجر في عروقه، محدثةً فوضى من العواطف والأحاسيس بداخله.
تقدم ناحية «متولي» وتنفس بعمقٍ قبل أن يقول بصوته الأجش:
_ما أنا وعهد الله ما هسيب بنتك إلا وهي مراتي، وقولتلك الكلام ده قبل كدا يا حاج «متولي»، يا إما قعدها جنبك بقى والبقاء للأرزل، وأنا رزل أوي..
_أنت جاي تهددني في بيتي ولا إيه يا «مُـهاب» حاسب على كلامك!
قالها الآخر بغضبٍ دون أن يُدرك ما الأمر الذي هم به، وسرعان ما تقدمت «غِنى» تقف أمام والدها تمسك يده بين يدها بحنوٍ كبير:
_طب أهدى يا بابا عشان خاطري، أنا أصلًا مش موافقة عالعريس اللي كان هنا ده..
طالعها «مُهـاب» ومرر «متولي» نظره عليها ثم على الآخر بتحدٍ، ليقترب نحوه وهو يتحدث بهدوءٍ أقل:
_عم «متولي»، إحنا مش داخلين حرب على بنتك، هي مش غنيمة بنحاول ناخدها، أنت عارف إني عاوز بنتك وعاوز اتجوزها وبحبها، وعافرت عشانها كتير وكُنا كويسين، لحد ما وصلك خبر إني قعدت معاها، مسألتش ليه؟ عشان كانت في خطر وكان لازم أكون معاها وقتها وأنت عارف إني مش هسيبها تقع في مشكلة وأقف أتفرج، طلبت مني أبعد عن بيتك لحد ما نكتب الكتاب، قولتلك على عيني وبعدت عشان خوفت اللي حصل يتكرر مع إنك عارف إني متربي والكل يشهد بـ ده ومش زي الكلب اللي خطبها قبل كدا، بس وافقت، هنقف نفضل نحارب قصاد بعض وفي الآخر؟ في الآخر كلنا هنبقى خسرانين..
عبّر بكل جوارحه عمّا بداخله، وما حاول وعافر لمراتٍ بأن يقوله، طالعته بحزنٍ دفين، تعلم أنه تعب وحارب لأجلها كثيرًا، وعندما ذكر ذلك الشاب الذي خطبها سابقًا تذكرت هي الأخرى كل شيء فعله، وكيف خرج من هُنا وراح يُلطخ في عرضها وشرفها..
_«دي كنت بروحلها بلاقيها قالعة الطرحة قدامي ولابسة بيجامات»
_«كانت بتغريني»
_«مريضة نفسية، كانت بتفضل تزن عليا بحاجات كلنا اتعرضنا ليها وهي مفكرة نفسها إنها الوحيدة اللي اتعرضت ليها»
_«حاولت أكتر من مرة تقربلي وأنا أبعدها وأقولها مكتبناش الكتاب لسه»
جمل عدة ترددت في مسامعها لم ولن تنساها، جمل قيلت عنها وهناك من صدق وهناك من كذب، ولكنها وقعت في بئر مظلم من بعدها، قال عنها ما لم يكن بها.
كيف ينسى المرء ما صرح به بعدما آمن لمَن أمامه؛ فخذله وفضحه!
وكيف يأمن بعدما وثق وتم طعنه وخيانته.
شعرت بدوارٍ شديد يقتحهما بعدما وقفت جميع الذكريات هنا الآن أمامها وظلت تسدد لها الضربات القوية في قلبها وروحها، أمسكها والدها بقوة قبل أن تسقط وجذبها نحو أحضانه ونظر نحو «مُـهاب» يقول بذعرٍ:
_هات شوية مياه بسرعة من المطبخ!
تراجع والدها بجسدها نحو الأريكة وساعدها في الجلوس وهو يربت على ذراعها وكتفها بحنية بالغة:
_مالك ياحبيبة قلبي أهدي، أهدي يا «غِنى» وكل حاجة هتبقى كويسة!
يرى ابنته الآن تتراجع في الوقوع بداخل عقلها الذي يشبه بئر مظلم، يراها كما كانت سابقًا وعافر طويلًا ليجعلها بخير.
خرج «مُـهاب» ومعه كأس ماء وآخر به ماءٍ بسكر، وأعطى «متولي» الذي ساعدها في الشرب بحنية بالغة، ثم ناوله الماء بالسكر وساعدها لتحتسي منها القليل:
_أهدي وكل حاجة كويسة، مافيش حاجة وحشة هتحصل..
_أخدك المستشفى؟
سألها «مُهاب» بقلقٍ شديد، لتهز رأسها بنفي قبل أن تجيب بصوتٍ بالكاد خرج:
_أنا كويسة، كويسة!
تلك الحالة التي تقتحمها مازالت تأتيها وهي من أعتقدت أنها تخطت، هي لم تكن سوى ضعيفة على كل تلك الأزمات منذ التنمر الذي تعرضت له في صغرها فأضعف شخصيتها، ووفاة أمها وحتى الآن وهي مُعرضة لأي وقتٍ لترك حبيبها..
طالعته بنظراتٍ متوسلة بأن يكون هينًا لينًا على تلك المصائب التي يتعرضا لها، فتنهد عندما استنبط ما تحاول إيصاله له، أومأ برأسه بخفوتٍ وتحرك من جوارهما:
_حقكم عليا إني جيت فتحت الماضي كدا بدون تمهيدات، سلامتك يا «غِنى» مشوفش فيكِ أي شر ولا حاجة وحشة عشان أنا وقتها مش هكون كويس، ربنا يرزقنا الغِنى بوجودك، ويجعلك من نصيبي!
تلك الدعوة التي يكررها دومًا لها، ها هو يكررها الآن أمام والدها، ولم يكن يعلم أن الإستجابة ستكون بتلك السرعة، كما غيث هبط على أرض قاحلة ليسقيها وينبتها.
_موافق يا «مُـهاب»، بس بشرط؟
تهللت أساريره عندما أستمع لقول والدها وسأله بنبرة عجلة متحمسة:
_موافق على كل حاجة!
اعتدل «متولي» جوار ابنته يضمها لصدره ونبس بتنهيدة:
_نحدد معاد تكتبوا الكتاب، والفرح في معاده عادي بعد شهرين، بس عشان تعرف تدخل وتخرج وتشوف بنتي ويبقى قدام الكل أنت جوزها!
أقترب يقبل رأسه بسعادة غامرة أحاطت كيانه بأكمله، ونطق بنفس الحماس:
_موافق، كتب الكتاب بليل حلو؟
_يوم الخميس يا «مُـهاب»، عشان نعزم الناس، يعني بعد يومين بالظبط..
قالها «متولي» بصرامة مزيفة غلفتها التنهيدة، ليومئ له بابتسامة واسعة، وطالعها ليرى ابتسامتها تشكلّت على ثغرها:
_ماشي، موافق..
_يلا روح شوف مصالحك عشان بنتي ترتاح، ربنا يسهلك حالك!
قالها «متولي» بتنهيدة ومازالت الثانية بين أحضانه تنعم بكل الربيع الذي قد تحصل عليه فتاة في حياتها.
ربيع أحضان الأب لا تعوض،
ولن يأتي مثلها مهما حاول غيره أن يعوضها!
_كترلي دعوات كدا الله يحفظك أنت وبنتك ويجعلها من نصيبي عاجلًا وليس آجلًا، يلا سلام.
ثم خرج من منزلهم والابتسامة تعلو وجهه بفرحة غير طبيعية، كل ما دعى به ليلًا في صلاته وفي قيامه ها هو الآن سيُحقق بلا شك.
لمح «الشيخ حسني» يخرج من زقاقٍ لا يمر به أحدٍ في الحارة، فهو مهجور منذ زمن ويُحكى عنه الخرافات للأطفال حتى يخافوا، أقترب نحوه مع ابتسامة واسعة وهو يقول:
_باركلي يا شيخنا، هكتب كتابي يوم الخميس وحبيت أفرحك بما إني كنت بدوشك في صلاة الفجر!
رسم الشيخ ابتسامة بسيطة على فمه مباركًا له:
_مبارك يا ابني، الله يجعله زواج مباركًا ويرزقك الذرية الصالحة ويجعلها زوجة صالحة يارب.
_تسلم يا شيخنا، عن إذنك!
تحرك غير عابئًا بما كان يفعله الشيخ في ذلك الشارع، فهو لا يعنيه ذلك، ولكن ما شغل انتباهه هو وصول رسالة لهاتفه من «يامـن» محتواها.
«لقيت مكان أبوك، وبصراحة الوضع ميطمنش، قابلني بليل أنت و«زين»!»
*********
طال صمتك!
هل هو من الحزن أم من الصدمة،
أم أنه رغبةً فالابتعاد عني!
أشعر كأنني أبحر في بحر عاصف من الارتباك والشتات، وعقلي عدوي اللدود، فهو أصبح سلاحًا لتدمير كل ما حولي.
أدرك تمامًا أن هروبي المستمر من عواصف الحزن سيقودني في النهاية إلى انفجار مدوي سأكون في نهايته ميتة، وحينها لن يجد أحد القدرة على مؤازرتي في لحظات بكائي
وفي ختام المطاف، كنت كل ما أتمناه، أن يظهر في حياتي شخصٌ يمد لي يد العون، ليخفف عني ثقل التعب ويحبني بلا شروط أو عناء وقد كان وظهر، ولكنني أنا من أبعدته رغمًا عني حتى لا أُسبب له الأحزان أكثر!
_ساكت ليه؟ أقوم أمشي؟
سألته بضعفٍ لصمته هكذا بعدما رمت في وجهه تلك القنبلة المدوية، ليجيبها بنبرة هادئة ولكنها كانت خافتة حد الرعب الذي بث بها الخوف من ملامحه أيضًا المُخيفة التي احتلها الغضب الجامح:
_عشان مانع عصبيتي من الخروج!
_عليا؟
_عشانك!
سألته فأجابها، وكانت إجابته في محلها ليحل محل خوفها الطمأنينة من موقفه، ولكن ما الذي يُخطط له الآن بصمته الذي طال هكذا!
أغمض عينيه وتنفس بعمقٍ شديد وأخرجه على مهلٍ، ثم ضم يديها بين كفيه وقال بصوتٍ حاول أن يجعله مُتزنًا:
_«ماسة»، أنا في عيني شرار كبير، وجوايا نار أكبر، والحقيقة أنا حاليًا دلوقتي مانع نفسي أقوم أروح أجيبه من وسط بيته وأفضحه قدام الكل، بس لو هنحسبها بالعقل والمنطق فأنا مليش إني أتدخل وهيبقى موقفي ضعيف... فـ تتجوزيني؟
عرض عليها الزواج للمرة الثانية منذ بدء علاقتهما، وفي الأولى تلبكت وقالت بأنها ليست مستعدة، الآن لا شيء سيمنعها!
انتظر إجابتها بينما هي عيناها كانت أرضًا تحاول أن تُبعدها عنه، ضغط على يديها بدفءٍ لتومئ برأسها وبادلته نظراته بقولها:
_موافقة، موافقة اتجوزك بس أنت هتستحمل إنه..
وقبل أن تكمل حديثها منعها بقوله بصرامة ولكن الحنية غلفت حديثه:
_عيبك الوحيد إنك بعدتيني عن كل حاجة من الأول، بس مش هلومك عشان أنا عارف إنك عاوزة تثبتي لنفسك حاجات كتير، وحقك.. بس مش هسمح بحقك ده يتكرر تاني يا «ماســة»، أنا عاوزك زي ما أنتِ يا «ماسة» وقولتهالك قبل كدا، عاوزك زي ما أنتِ، بالنسبالي مافيش فيكِ ولا عيب، كُلك مُميزات!
امتلئت عينيها بالدموع وهي تُعبر عن تعبها الداخلي بجملتين:
_أنا في حرب مع نفسي، حرب مش راضية تخلص!
تنهد بثقلٍ على حالها ذلك، وكل ما بيده الآن هو المواساة لقلب فتاة ضعيفة هشة، كسرها الجميع وراهنوا على تحطيمها:
_أوعدك حقك هيجيلك، والحرب هتخلص وأنتِ الكسبانة!
_مش هتسيبني أبدًا صح؟
سألته بضعفٍ على نقطة ضعفها، أن يتركها هو الآخر وتكون تلك نهاية الحرب مُعلنة خسارتها للأبد!
_أبدًا يا «ماسة»، أبدًا ومش عاوزك تشغلي بالك بأي حاجة، أنا هجيبهم وأجيلك بليل اتقدملك، قومي روحي عرفيهم!
قالها بنبرته الخافتة، لتومئ له ومسحت دمعتها الخائنة التي هبطت أمامه، حتى هدأت تمامًا وتحركت تودعه بينما هو أحاط رأسه بكلتا كفيه بقوة ورفع هاتفه يتصل بشريكه في كل شيء في هذه الآونة..
_«يامـن» عاوز مننا إيه؟
_معرفش، هنروح ونشوف عاوز إيه!
صمت لبرهة من الوقت قبل أن يسأله:
_لو هتديني أول نصيحة تيجي على بالك دلوقتي، هتكون إيه؟
استجمع الثاني كلماته قبل أن يقول بابتسامة منتصرة:
_متسيبش حقك، ولا تسيب حق أحبابك، خده من عين الكل!
_تمام.. باي!
أغلق الإتصال وتحرك من مكانه لسيارته متوجهًا لمكان عمل الوغد الحقير الذي يتوعد له من داخله، ولحظ «فادي» السيء كان حينها واقفًا مع أحدهم يستلم منه عبوات في الخفاء!
_يا حيـوان!
*********
في تلك الأزقة الضيقة، كان يقف رفقة رجالٍ يبدو وكأنهم من عصاباتٍ كبيرة، يتابعهم بنظراته الخافتة يستمع لكل ما يملونه عليه.
_فهمت هتعمل إيه؟
أومأ برأسه بابتسامة خبيثة:
_هاخد كام؟
وضع الآخر يده الثقيلة على كتفه بسخرية قائلًا:
_لو نفذت صح، ليك 100 ألف جنية كاش..
كان ملثمًا غير ظاهرًا منه أي شيء، فقط عينيه ويغطيها الوشاح الموضوع عليه.
_أنتو هتعملوا إيه فالعيال دي؟
سأل ببلاهة ليجيبه الآخر بضحكته الخبيثة:
_هنوديهم الملاهي، اتحرك يا «عــادل».
تحرك من أمامهم بعدما أتفق معهم على خطف طفلين من حارته، ولماذا؟
لأجل المال التي سيحصل عليها في المقابل!
هرب من منزله لأنه يعلم تمام العلم أن ابنه لن يتركه، في الحقيقة ذلك ما توقعه، ولكن الثاني سيجن جنونه خوفًا على والده بأن يكون قد أصابه شيء.
رفع ذلك الرجل الذي كان يقف رفقة «عادل» الهاتف على أذنه بابتسامة خبيثة:
_هيجيبلنا عيلين نجرب عليهم اللي عاوزين نعمله، راجل أهطل وأخرته موت على ايدينا، الكلام يوصل «ليامن» عشان أنا مش هظهر قدامه دلوقتي، «يامن» مش هيعرف مين رئيس العصابة دلوقتي خالص!
ثم أغلق الهاتف وتحرك من ذلك المكان تمامًا، والشر انتشر في الأرجاء!
على الجانب الآخر كان يقف واضعًا بفمه سيجارة، ينفث الدخان بعيدًا وهو يتابع التعليمات التي أتته، زفر بضيقٍ قبل أن يدوّن رسالة محتواها «مساء الخير يا رشوان بيه، أنا جيت مصر وكنت عاوز أقولك إنك واحشني أوي، معاك ابن صاحبك حبيبك... «يامن الجمال»، ابن «علي الجمّال» الله يرحمه!»
أرسل تلك الرسالة ووصله بعدها إتصال من رقم غير مسجل ليتلقى الإجابة:
_يعني مش أخوات ولا توأمه اللي الباشا قال إنه مات لما اتولد؟
تعليقات



<>