رواية ابني ابنك الفصل السابع7بقلم امينة محمد

رواية ابي ابنك
الفصل السابع7
بقلم امينة محمد
«قلبه كالشعلة»
أيمكن أن نترافق سويًا لبعض الأيام؟
وسيجمعنا الإخوة فقط!
لأنني في الوقت الراهن، لا أطمح في شيءٍ سوى كتفٍ أستند عليه برأسي، ليُسقط عن كاهلي همومي المتراكمة كتساقط أوراق الشجر في خريفٍ هادئ، وأرغب في أن أشعر بأنني في مأمن بعد سنين من المعاناة والمعارك.
التفت كلًا من «زيـن» ورفقته «مُـهاب» نحو الصوت الغليظ الذي صدر في أرجاء المكان وكانت المفاجأة أنه يوجه ناحيتهما المسدس الذي بيده، طالعا بعضهما بنظراتٍ متوجسة ثم وجها بصرهما له مجددًا، هو تحديدًا لم يكن سوى «يامن»، وهنا تدخل «مُـهاب» متصنعًا اللامبالاة:
_بنحشش، بس زي ما تقول مستخبيين هنا عشان محدش يشوفنا.
_بتحششوا؟ فيه ناس نضيفة زيكم تحشش برضو، ألعب غيرها!
كان الثاني يملك دهاءًا هو الآخر، مما جعل من «زيـن» ينطق بقوله:
_هو إحنا قاعدين فوق راسك أصلًا، ما إحنا قاعدين في سطح عادي.
ضحك «يامـن» بسخرية ووجه ناحيته المسدس أولًا وهو يقول بتشدقٍ:
_لا يا حيلتها أنت قاعد فوق سطح بيتي، تخيل بقى!
كان صمت الثاني نتيجته هي وقوفه في مكانه ثم تسديد لكمة قوية في يد «يامـن» ليقع المسدس، وقابله بأخرى في وجهه الوسيم، ثم صرخ ينبه «زيـن» المصدوم:
_اجــري.
وبالفعل تحرك الثاني راكضًا وخلفه «مُـهاب» وتركا «يامـن» أرضًا، ولكنه ظل قاصدًا بابتسامة ساخرة ينظر للسماء يطالع النجوم:
_يا ابن اللعيبة، هيتعبني معاه، التاني هلفه في ساندوتش وأخليه طُعم بسهولة.
هربا من المكان وخلفهما الرجال يركضون في محاولةٍ لأمساكهما، ولكن «مُـهاب» جذب «زيـن» في شوارع ضيقة وغريبة ليضيعا مِمن يلحقهما، وفي النهاية وقفا في مكانٍ بعيدٍ ومظلم وهما يتنفسا بسرعة.
_أنت جامد!
عبر «زيـن» لشريكه في تلك المصائب التي تحتلهما هذه الأيام، ليبتسم «مُـهاب» بسخرية ومازال يحاول التقاط أنفاسه وهو يجيبه:
_ده أنا أدير دولة!
مازال يحاول التقاط أنفاسه بصعوبة، ولاحظ «زيـن» ذلك وأقترب له يربت على ظهره بسؤالٍ قلق:
_أنت كويس؟
أومأ له «مُـهاب» وبيده مسد على منطقة صدره وهو ينبس بتنهيدة:
_هو أنت مش أختك عندها نفس المرض، معندهاش مشاكل فالرئة ولا إيه؟
هز «زيـن» رأسه بالنفي قائلًا:
_موصلتش للمرحلة دي، سلامتك.. طب تيجي نقعد في مكان وتهدى!
كانت نبرته قلقة على الآخر وتحركا سويًا وهو مازال يسند «مُـهاب» بقلقٍ عليه، وتحركا سويًا ناحية منزل الآخر في الحارة وصعد «زيـن» رفقته وولجا للصالة تحديدًا وجلس «مُـهاب» على الأريكة وسند رأسه ليرتاح قليلًا.
خرجت «هاجر» عندما استمعت لصوت الباب وصوت أحدهم مع ابنها، ولمحته يجلس هكذا بتعبٍ واضح فبادلت «زين» النظرة التي ألقاها عليها ثم وجهت بصرها مجددًا لأبنها:
_مالك يا حبيب عيني؟ أنت كويس؟
كانت جواره تربت على يده ليومئ لها بابتسامة وهو يقبل يدها قائلًا:
_كويس كويس الحمدلله، متقلقيش أنا بس جريت شوية فصدري تعبني.
_منورنا يابني.
رحبت بـ «زيـن» ثم تنهدت وهي تقول لابنها:
_ما إحنا قولنا بلاش جري كتير ومجهود يا «مُـهاب»، خليك مع زميلك وهدخل اعملكم حاجة تشربوها.
_ممكن بس شوية ماية يا طنط، عشان عطشان أوي.
أردف «زين» بابتسامة ودودة لتومئ له بودٍ هي الأخرى وتحركت لداخل المطبخ لثوانٍ وخرجت بكأسٍ به ماء لصديق ابنها، ثم عادت نحو المطبخ تعد لهما عصير.
_هنعمل إيه؟ الموضوع ده كدا كبير، عصابة وفلوس مسروقة!
سأل «زيـن» بتفكيرٍ شديد، ليطالعه «مُـهاب» بنبرة أكثر هدوءًا عن المعتاد:
_أنا مش عارف إحنا إزاي دخلنا في الحوارات دي كلها أصلًا، المفروض كنا بندور على فلوس أبوك اللي اتسرقت، الموضوع بقى فيه عصابة كمان وزي ما «غِنى» بتقول كان فيه أطفال الصبح، ودول مش شكلهم شكل حكومة... واللي لبسني حوار سرقة الفلوس، وكلمكم ليه عمل كدا، عاوز يجمعنا ليه؟
عقلهما كاد ينفجر من كثرة التفكير في تلك الأمور التي تداخلت وتشابكت مع بعضهما، وأكمل «مُـهاب» ما بعقله ولكن بصوتٍ عالٍ يشارك به «زيــن»:
_ياترى بقى ياباشا الراجل اللي كان هياخد منك الفلوس ده، له علاقة باللي بيحصل في العمارة اللي هناك دي، ولا كان مجرد صدفة وخلاص.
أجابه «زيـن» وهو يوجه بصره نحوه بتيهٍ:
_معرفش، أنا مش هخلي بابا يديله الفلوس وان شاء الله عن البضاعة ما جت، نشوف هيعمل إيه، والفلوس اللي اتسرقت خلينا نهدى ونشوف حد هيتصل بينا تاني ولا لأ!
وأتتهما الإجابة بسرعة وكأن كان هنالك من يتجسس عليهما ليرن هاتفهما سويًا برقمين مختلفين، طالعا بعضهما وأشار له «مُـهاب» ليجيب ففعل ذلك وقام الثاني بفعل المثل ليأتيهما نفس الصوت كما حدث سابقًا ولكن كان على هاتف «سليمان»:
_حلو الأكشن؟ بصراحة الأكشن عاجبني ومكيفني أوي والرياضة اللي بتعملوها دي حلوة، حاولوا بقى متشكوش في اللي حواليكم كتير عشان دماغكم هتسوحكم، وبالنسبة للفلوس اللي بتدوروا عليها فهي معايا.. دوروا عليها وأدينا بنلعب سوا شوية، وطولوا نفسكم عشان قدامنا رحلة طويلة سوا.
ثم أغلق الإتصال بعدما رمى كلماته وكلًا منهما طالعا بعضهما بصدمة، ولم يجد أحدهما شيئًا ليقوله، صمتا ووضعا الكلمات في جوفهما دون إخراجها، وكيف سيفعلا وهما في ذلك الوضع!
انتبها على خروج «هاجر» من المطبخ وقدومها أمامهما وهي تضع لهما العصير:
_اشربوا العصير كله عشان يغذيكم، أنت شكلك مألوف ليا أوي كأنك عشرة سنين، أنت صاحب «مُـهاب» من زمان؟
طالع «مُـهاب» عندما سألته أمه ذلك السؤال، ثم أجابها بعدما نظف حنجرته ليستطع إخراج الكلمات:
_مش من زمان أوي، بس جيت هنا في يوم وممكن عشان كدا حضرتك شايفة شكلي مألوف.
أومأت بابتسامة وهي ترحب به ثم وجهت بقية حديثها لابنها:
_نورتنا يابني، عملت إيه مع «متولي» و«غِنى» يابني؟
أعطى العصير لـ «زيـن» وأخذ كاسته وهو يجيبها:
_سايبه يريح دماغه يومين كدا وهكلمه تاني، وهي شوفتها الصبح وكل اللي حصل أصلًا سوء تفاهم.
تنهدت وهي تقول له بنبرة بها حنية:
_ربنا يرزقك الخير، بس لو الموضوع في أذية ليك أعتزله يا «مُـهاب».
أجابها بعدما ارتشف من الكأس الذي بيده بثقة:
_واعتزل ما يؤذيني ليه، ما اروح ادغدغ دماغ أمه وبعدين أبقى اعتزله.
ثم أكمل موضحًا حديثه على الموقف الذي هم به هو و«غِنى» التي يدق لها القلب دون توقف:
_وهي عمرها ما أذتني، هي وجودها الخير يا «هاجر».
_هو أنت حتى مامتك بتناديها باسمها، ما حقك تقولي أمك.
أردف «زيـن» بسخرية ليرمقه الآخر بطرف عينه حتى أصمته فأرتشف «زين» المتبقي من العصير وقام من مكانه في ذات اللحظة التي خرج «عادل» من غرفته مترنحًا بتعبٍ:
_طب أنا همشي و...
تذكر اليوم الذي أتى به لهنا وتلقى «مُـهاب» صفعة من والده، فابتلع ما بجوفه بتنهيدة وأكمل:
_أنا همشي قبل ما الوقت يتأخر، لو فيه حاجة أبقى اديني رنة!
أومأ له «مُـهاب» وتحرك معه يودعه عند الباب ثم ولج مجددًا وهو يطالع والده ويسأله:
_أنت كويس؟
جلس «عادل» وهو يمسك برأسه بتعبٍ، بينما «هاجر» أجابت بدلًا عنه:
_من الصبح وهو كدا، معرفش ماله.
_نروح لدكتور طيب؟
كان يقترح السؤال بكل براءة وهو يعلم أن والده يمر بمرحلة العلاج الشديدة التي ستتعبه كثيرًا، ويعتقد بأنه هكذا يتعاطى المخدرات ولكن في الحقيقة هو يتعاطى بدلًا منه الدواء بطريقة ذكية عرضها عليه الطبيب المختص بالمصحة.
هز «عادل» رأسه بالنفي وهو يقول بتوجعٍ:
_حاسس إني بموت!
_بعد الشر عنك، إن شاء الله هتكون كويس، تعالى نقعد شوية في البلكونة شم شوية هوا.. وهجبلك دوا حلو أوي هيسكن الوجع ده، ماشي؟
أردف «مُهاب» بابتسامة بسيطة ليومئ له والده برأسه، فولج لغرفته يُخرج من بقية الدواء الذي أخبره عنه الطبيب، وخرج يعطيه لوالده الذي تناوله بسهولة واثقًا به، وكيف سيكون العلاج إن لم يكن هكذا بخداعٍ ولكن صادق.
تحركا سويًا نحو الشرفة و«هاجر» تتابعهما متذكرة زوجها عندما كان رجل صاحب عمل شريف، كان يعمل في مجال المحاسبة لفترة طويلة في حياته وكان الخير يغمر منزلهما، حتى عرف بعض الأشخاص وصادقهم وقاموا بجر قدميه نحو الهلاك، حتى طُرد من عمله ولم يجد من بعدها عملًا آخر، ولم يكن ابنه كبيرًا في السن، بل كان مازال في مراهقته يبلغ من العمر السابعة عشر، ومنذ ذلك الوقت حمل «مُـهاب» على كاهله كل المسؤولية وحده.
تنهدت بثقلٍ متذكرة تلك الليلة التي أتى برجلين من أصدقائه تحت تأثير المخدرات وحاول أحدهم التعرض لها، لولا قدوم ابنها من صلاة الفجر على غفلة وقام ببرحهما ضربًا، أصبح الثقل يغمرها ويحاوطها من كل إتجاه.
*******
وصل لمنزله بعد يومٍ شاق وألقى التحية على والديه ثم صعد لغرفة الحبيبة أخته يطمئن عليها، جلس جوارها متسائلًا بابتسامة:
_إيه ياحبيبي عاملة إيه دلوقتي؟
ابتسمت له بخفة واعتدلت في جلستها وهي تجيبه:
_الحمدلله كويسة، أنت كنت فين ده كله برا؟
تنهد وهو يستند على فراشها بتعبٍ:
_كان ورايا كذا مشوار بخلصهم كدا، «ماسة» الصبح كانت تعبانة شوية هي كويسة دلوقتي؟
أومأت له برأسها وهي تجيبه بينما نظرها مثبتًا عليه:
_كويسة الحمدلله، هتفضلوا كدا لحد امتى؟
تنهد واعتلى الضيق وجهه عندما سألت ذلك السؤال الذي سيرهق قلبه:
_مش عارف، لحد ما «ماسة» تقرر تدي العلاقة فرصة يا «وتين»، لحد ما هي تشوف إني استحق أشاركها كل الأوجاع دي!
_«ماسة» شايلة حاجات كبيرة أنت مش متخيلها يا «زين»، معلش استحملها وهي والله حملها تقيل بس مش عارفة تعبر ومش قادرة تقرب من حد!
دافعت عن صديقتها أمام أخيها بتنهيدة قوية وقلبٍ حزين عليهما، بينما هو كان شاردًا بحديثها متنهدًا بثقلٍ:
_وهو أنا مستحمل ده عشان إيه؟ عشان عارف إنها مش مش قادرة تقرب لحد، بس «ماسة» اللي قررت فجأة تبعد يا «وتين»!
ربتت على كتفه ونطقت تواسيه:
_عارفة إنها اللي قررت فجأة، وعارفة إن الكلام اللي حصل بينكم كان وقتها كان فترته قليلة وهي اللي بعدت على طول، بس بُعدها بسبب اللي بيحصلها.
_قولتلك قوليلها عندي إستعداد أروح اتقدملها ونتخطب عشان وقت ما جوز أمها ينطق أحط صباعي في عينه، هي رفضت، أقطع نفسي؟
نطق بقلة صبرٍ بينما الثانية شردت بعقلها في تلك النقطة التي تعرفها جيدًا عن «ماسة»، وعندما قررت الإبتعاد عن أخيها لمعرفة «وتين» بكل ما يجري بحياتها مُعتقدة بأنها هكذا ستظلم «زين»، وكانت فترة تعارفها هي و«زين» قصيرة عندما قررت أن تعطي نفسها فرصة رفقته.
تعلم هي تمام العلم ما تمر به صديقتها من أوجاع رفقة عائلتها وتعنيف أسري وهو لا يعلم.
تعلم ما يفعله لها «فادي» وهو لا يعلم.
تعلم كسرة قلب الثانية والألم الذي يفتك بروحها وهو لا يعلم.
تحرك من جوارها وقبلها على رأسها بابتسامة:
_فكك خلاص، هي لو عايزاني أنسى تقول وأنا هبعد، ربنا يريح بالها ويهون عليها، يلا ياحبيبتي نامي وارتاحي، تصبحي على خير.
_وأنت من أهل الخير ياحبيبي.
ابتسمت له ثم تحرك لغرفته يبدل ملابسه وشرد بعقله بتلك الفترة التي اعترف بحبه «لماسة» وعندها وافقت أن تعطي لعلاقتهما فرصة، ولكنها سريعًا ما طلبت البُعد، لم يعلم سوى أنها لن تقبل بأن تكون بأي علاقات حتى تهدأ أحوالها، انزعج وقتها لتلك الفكرة التي اقترحتها طالبة بأن تعيش كل الأمور وحدها دون مشاركة أحد، حتى هو وقلبه الحنون!
*********
أرغب في الانغماس في نوم عميق، قد يكون لساعة أو اثنتين أو حتى لمئات الساعات.. أو ربما للأبد، أود أن أنصهر في ظلمات النوم، أن أختفي كليًا في غياهب السكون، وأن أذوب في ظلمة الأحلام، بعيدًا عن كل تفكير أو قلق أو مخاوف. أريد أن أغمض عيني وأنا مطمئن أن نوبات الأرق لن تجرؤ على الاقتراب مني أو حتى طرق بابي، ولن تعكر صفو نومي.
كان جسدها ممدًا في فراشها وعينيها مثبتة على سقف غرفتها شاردة الذهن والتفكير، لا تعلم ماذا تفعل أو كيف تنجو من كل مُرٍ تمر به.
اعتدلت من مكانها متوجهة نحو المرحاض لتنعم بحمامٍ دافئ ثم خرجت وارتدت ملابسها لتخرج من المنزل قبل أن يقتحم أحد غرفتها ويعكر صفو مزاجها في الصباح، كانت تملك ذوقًا رفيعًا في إختيار الملابس، حيث تكونت من بنطال من اللون الأبيض وسُترة بيضاء وفوق السترة معطف من اللون البني، تاركة لشعرها الحرية على ظهرها، رسمت عينيها بشكلٍ مُلفت بذلك الكحل الأسود.
أنيقة، جميلة، كالماسة حقًا.
سمعت صوت طرق الباب فاغمضت عينيها تتنفس الصعداء حتى تستطع مواجهة من يطرق عليها باب الغرفة، فتحته لتجد أمامها «فادي» عابس الوجه وفي يده كوب من المشروب الساخن الذي تحبه:
_مامتك بعتالك ده.
تناولته منه دون أن تتحدث وكادت أن تغلق الباب في وجهه ولكنه وضع قدمه يمنعها وهو يقول:
_أنا مقولتش لحد إنك اللي خبطتيني كدا في راسي، بس حقي هاخده.
_خده، عيزاك تاخده يا «فادي» غور من وشي ولا تحب أطلع أقولهم أنا إني علّمت عليك كدا؟ عادي أنا مش هيفرق معايا على فكرة، هقولهم واحد كلب حاول يتحرش بيا، وأنا اديته على دماغه.
أجابت بنبرة ساخرة حادة، بها التحدي الذي تملكها وتظهره دومًا أمام الواقف أمامها، ثم ارتشفت من القهوة بصوتٍ حتى تزعجه، ليبتسم ابتسامة جانبية خبيثة:
_ماشي، حلو أوي، بالهنا يا.. «ماسة».
وتحرك تاركًا إياها واقفًا بعيدًا وهو يُخرج من جيبه علبة الدواء ويطالعها بمكرٍ شديد، ثم رفع هاتفه يتحدث رفقة صديقه:
_بقولك إيه؟ مافيش جرعة أعلى تجيب من الآخر، عايزها تكون كلبة كدا تدمن عشان أساعدها مرة وتيجي كل مرة زي الكلبة تتذلل عشان أديها جرعة!
استمع للطرف الثاني وأجابه بعدما راق له حديثه:
_حلو ماشي، هبطل احطلها ده وأبعتلي التاني، سلام!
بينما بالغرفة احتست المسكينة ذلك المشروب غافلة عن تلك المكائد التي يفتعلها الثاني لها، وغادرت من المنزل بأكمله نحو المحل خاصتها هي وصديقتها لتتابع آخر التطورات بسبب تقدم موعد الإفتتاح.
*********
أنتِ الهدف المنشود
حين أرفعُ دعائي لنصيبِ الحياة،
ولحظةِ السعادة،
أنتِ النور الذي أترقب قدومه إلى عالمي،
وأنتِ كل الآمال والأحلام التي تتراقص في خيالي.
مرت من أمام ورشته ناحية عملها ولكن لحظهما سويًا إنه كان هنالك اقتحام غريب من رجل غريب هُنا، وقف أمام ورشته وتحديدًا أمامها يحادثها كأنه يعرفها منذ زمن، ولم يكن سوى «يامن»:
_«غِنى» أزيك، هو أنتِ ساكنة هنا؟
لعنه الله، واللحظة التي قابلته بها!
عيون حارقة كادت تحرقهما مكانهما تراقبهما، وللحظ السئ أنه جرىء كفاية ليأتي لهما واقفًا:
_أنت؟ بتعمل إيه هنا؟ وأنتِ واقفة معاه ليه؟
تلعثمت في حديثها ولكن سرعان ما نبست تبرر قولها:
_ده الظابط اللي قولتلك إنه كانوا هنا امبارح مع الأطفال، أنتو روحتوا الأطفال بيتها صح؟
سألت «يامـن» الذي ابتسم بسخرية ولكنه تقصد أن يتغزل بها أمام الذي كان يشتعل كحريقٍ لا مطفأ له:
_روحتهم عشانك بس، قولت نخلص المهمة من غير أطفال..
_حيلك حيلك ياروح أمك، إيه عشانك دي يالا، أنت مالك بيها أصلًا!
ارتفعت نبرته وهو يقف أمام «يامـن» في تحدٍ ولم يتحكم بأعصابه فكل ما يخصها لا يجعله إلا مجنونًا، رفع يده وأمسكه من تلابيبه بينما الآخر كان قاصدًا أن يشعله أكثر وأكثر، فنبس بصوتٍ خفيضٍ:
_أنت معلم على وشي امبارح، وأنا جاي مخصوص أعلم عليك بس مش هيبقى قدام القطة!
يلعب بأوتاره مجددًا وهو في الحقيقة في تلك الإختبارات فاشل بمرتبة الشرف، عندما يخصها الأمر كل كيانه يتحرك بشعلة تحرقه وتحرق من حوله، حاول تمثيل البرود:
_ماهي القطة خطيبتي، وأنا بصراحة راجل شرقي أوي ودمي حامي، يعني أنا ممكن امحي وجودك من الحارة كلها..
_ما أنا اخترتك مخصوص عشان عارف إنك تقدر تمحيني من الحارة كلها، مشي الدنيا معايا قدامها عشان هنقل من بعض وده عيب لاتنين رجالة زينا، هتمشي وهقف اتكلم معاك كلمتين وأمشي
طالعه «مُـهاب» بشكٍ ولكنه نبس مجددًا:
_مترفعش عينك عليها احسن لك، فاهم؟
ثم أبتعد من أمامه وأقترب نحوها وهو يشير لها لتغادر بوجهه العابس:
_أمشي أنتِ يا «غِنى» روحي مدرستك ولو حصل حاجة كلميني!
تنهدت تطالعه بعينيها الحزينة ثم أومأت له وغادرت حتى لا تطيل الوقوف رفقته، عاد يقف أمام «يامـن» يسأله:
_عاوز إيه؟
_من غير عصبية وتزعيق وصوت عالي في الحارة، أنت هتساعدني في اللي هعمله وغصب عنك، عشان قصاد كل ده القطة، أمك، أبوك، شغلك..
تحدث بجمودٍ وتحولت ملامحه لأخرى حادة تليق بما سيُكمل:
_هتساعدنا نهرب العيال الصغيرة المخطوفة... برا البلد!
كاد أن يصرخ بوجهه بعنفٍ لقوة عين من يتحدث أمامه، ولكنه تحكم بنفسه للمرة التي لا يعرف عددها اليوم أمام هذا الوغد أمامه، ثم سأله بسخرية:
_أنت مش خايف أروح أبلغ عنك يالا، يا بجاحة أمك!
_ما أصل إحنا عصابة كبيرة يا «مُـهاب» ياجامد، هتبلغ هنكون فص ملح وداب، إحنا مختارين الحارة مخصوص عشان هنعرف نسلك فيها، وأنا عارف إنك اللي هتساعد نخلص المهمة الظريفة دي، وبعدين تبلغ عننا وأنا بقولك معايا أعز تلاتة في حياتك.
هدده بسخرية واثقًا من حديثه، وهو يبادله نظرات قوية غافلًا عن شيء مهم، الذي أمامه لا يخاف أحد ولا يُهدد.
_فكر، مش هاخد منك جملة دلوقتي، مستنيك وأنت عارف هتلاقيني فين!
وتركه مكانه وغادر بينما «مُـهاب» يتابعه وهو واضعًا كل شيء أمام عينيه الآن، الأطفال وما قد يمر به عائلاتهم، وعائلته هو وأحبابه!
هل سيشارك بذلك الفعل الدنئ!
ضاقت به الدنيا بأكملها الآن!
******
كانت تقود سيارتها في طريقها نحو المحل ولكنها مرت من مكانٍ جوار الحارة صدفةً لتأخذ بعض الأشياء من شخصٍ هناك تلزمها، وأثناء قيادتها توقفت السيارة متعطلة، أصابها الاستغراب والخوف في آنٍ واحد خاصةً أنها بمكانٍ شبه مهجور!
سمعت صوت طرق يد على باب نافذتها فألتفتت سريعًا لتسمعه يقول بابتسامة بسيطة:
_مُساعدة يا قطة؟
تعليقات