رواية ابني ابنك الفصل الرابع عشر14بقلم امينة محمد

رواية ابني ابنك 

الفصل الرابع عشر14

بقلم امينة محمد


 «حيث المستحيل»

وفجأة يُسلب منك كل شيء كأنه لم يكن، ويؤخذ منك الأمان وكأنه لم يتواجد، وتقف أنت هنا حيث الخوف حولك، والأسى مليء قلبك.
_ابــني!
هكذا نطقت «هاجر» والتي كانت صدفة متواجدة هنا، فهي غادرت شقتها لتبحث عنه في ورشته أو في أرجاء الحارة لأن هاتفه مغلق منذ أمس، وقلبها يؤلمها بقوة خوفًا عليه لشعورها بأن مكروهًا قد أصابه.
تقدم منها «زين» و«مالك» معًا ليساندها «مالك» الذي كانت الصدمة تحتله هو وعقله المسكين، بينما الأخرى تصرخ وتولول ليهمس لها «زين» بصوتٍ خفيضٍ يحذرها:
_اهدى الله يخليكِ، إن شاء الله هو كويس، وطالع منها كدا كدا المحامي ماسك القضية، وهو مقتلش حد فكدا كدا طالع.
حاول أن يبث بها الطمأنينة ولكنه داخليًا يشعر بالأسف على حالها وعلى دموعها التي انهمرت في لحظتها بكاءًا على ابنها الوحيد، سندها في الحياة والذي دونه لن تكون بخير، من يهون عليها مرار الأيام ويعانقها في عناق دافئ يخبرها بأن كل شيء سيصبح بخير، يحاول أن يعوضها وألا يجعل عينيها تذرف بالدموع، اللحظات التي تكون بين الأم وابنها لا تقدر بثمن، لا توصف.
_ياحبيبي يابني، ياحبيبي ياضنايا.. هو كان ناقص يتهموه بجريمة قتل، ابني ميقتلش، ابني «مُـهاب» ميعملهاش، أنا أمه وعارفة كويس إنه ميعملهاش، ده حنين وقلبه طيب أوي، ده بيخاف يأذي نملة ماشية في الأرض، ابني ميعملهاش يلهوي يلهوي عليك ياضنايا، وكتب كتابه اللي النهاردة ده هنقول إيه لمتولي، هنقوله جوز بنتك في السجن، ما صدقنا رضي عنه حبيب عيني ما صدقنا رضي عنه وهيتجوز اللي بيحبها بعد ما تعب عشانها.. حظه قليل في الدنيا.. حظه قليل.
حديثها يجعل الحجر ينقسم لنصفين مِما شمل من ألم وقهرٍ، الحرقة التي غلفت قلبها وروحها، حديثها خرج بنبرة مبحوحة وغُلف ببكاءٍ أشبه بدماء خرجت من مظلوم، عينيها الباكية وجسدها المرتجف، جلوسها على الدرج وإسناد رأسها على الحائط؛ كل ذلك لا يوصف الحرقة التي بداخل قلبها.
جلس أمامها «زين» أرضًا وربت على يدها بقوله بحنية وعينيه الزيتية غلفتها الدموع هي الأخرى، ولكنها كانت محبوسة لا ترغب بالخروج هنا أمامهم:
_اوعدك والله هيخرج وهيرجع لحضنك، وهيكون كويس أنا معاه مش هسيبه، وبصراحة أنا مش عارف المفروض نكلم «غِنى» ولا إيه، بس هو هيخرج ان شاء الله وهيكون كويس وده المهم قبل أي حاجة...
هكذا وعدها لينظف «مالك» هو الآخر حنجرته بعدما ابتلع الصدمة وجلس جوار «هاجر» وبدأ يمرر بصره بين «زين» وبين «هاجر» يردف لها بمواساة:
_أهدي يا خالتي الله يكرمك، أهدي.. أنتِ عارفة إن «مُـهاب» ربنا دايمًا بيبتليه عشان بيحبه بس هو قد الابتلاء، هو قد كل حاجة بتحصله وهيقدر يطلع منها ان شاء الله، هيرجع لحضنك وهيرجع لصاحبه.. وهيرجع لورشته ولحياته، ولخطيبته اللي ربنا هيكرمه وتبقى مراته، ابنك بيعمل حاجة كبيرة أوي وخير يا خالتي وان شاء الله ربنا هيعوضه عن ده..
ظلت تبكي بقهرٍ شديد لا تفكر سوى بابنها الآن وبما يشعر وكيف يتوجع وهو في السجن، وقد كان..
كان جالسًا هنا على الأرض يضم قدميه لصدره ويسند رأسه على قدمه يحاوطها بكلتا ذراعيه، عقله به ضجيج قوي ولا يتوقف عن التفكير، أُخذ غدرًا ولم يتوقع أن يحدث له هكذا..
لا يعلم متى سيرسى على بر الأمان، أيستحق كل ما يحدث معه أم أنه في المكان الخطأ، يسأل نفسه مرارًا وتكرارًا بمرارة مؤلمة؛ هل هو جيد، أم مملوء بالذنوب التي يُعاقب عليها في دنياه.
يخرج من انتكاسة ليقع في أخرى ولكنه هذه المرة واقعًا في واحدة كبيرة للغاية، لا يعلم متى سيخرج منها، ولا يعلم متى سيكف عقله عن التفكير بشكلٍ مفرط، ولا قلبه عن الألم الذي ينغزه بقوة.
أضحى ضائعًا، لا يدري من هو، وأين يتواجد؛ ضائعًا بين غموض الهوية وتشتت المكان.
وفي أي المسارات يسير، وفي أي الأزمنة يتواجد.
كان يظن نفسه قويًا، لكنه أدرك أن الأيام هي التي منحته تلك القوة، بينما يختبئ في أعماقه طفل هش يتوق إلى السلام والاستقرار.
**********
كانت تحتسي مشروبها الساخن في منزلها قبل أن تغادر للمحل لأن الإفتتاح الليلة.. الليلة ستنتقل هي وصديقتها من الأرض للسماء حيث الأحلام التي عاشا لسنينٍ طوال يحاولان التخطيط لها وأخيرًا حلمهما أمام أعينهم الآن يستطيعون لمسه.
تشعر في بعض الأحيان بتعبٍ شديد ولا تعلم سببه، ولكنها مؤخرًا أصبحت تتناول الكثير من المسكنات وحتى المشروب الذي كانت تحتسيه مرة أو مرتين أصبحت تشربه أربع مرات في اليوم لتصبح نبضات قلبها متسارعة بشكلٍ مقلق بالنسبة لها لنسبة الكافيين التي تدخل لجسدها يوميًا.
شعرت بدوارٍ غريب زارها الآن وكانت جالسة على فراشها، زفرت بضيقٍ لشعور جسدها بالعجز هكذا في التحرك، ولم تجد نفسها سوى وهي تستلقي على الفراش حتى ترتاح قليلًا ولكن هناك شخص ما متربص لها..
ولج بعد قليل للغرفة حينما غفت هي تمامًا مُمسكًا بإبرة بيده وابتسم بسخرية وهو يطالع جسدها في أثناء نومها، كانت ترتدي بنطال من اللون الأسود وسترة بيضاء تكشف ذراعيها، وجوارها كان يتواجد المعطف الطويل الذي كانت سترتديه فوق تلك الملابس ليبث الدفء في جسدها في هذا الطقس البارد..
_«مـاسة» في أبشع أيام حياتها.. وآخرهم، ما أنا مبقاش «فادي» لو مورتكيش يا متمردة..
أقترب نحوهها وجذب ذراعها ليدس السم الذي بالابرة لجسدها، لتتحول من مجرد عقاقير تتناولها في الدواء لأخرى تُدس في جسدها عن طريق الإبر، الإدمان حاوطها من جميع الجهات دون أن تعيّ المسكينة..
مرر يده على ذراعها المملوء بالكدمات المتكونة من حزنها الذي يظهر على جسدها بأكمله، والابتسامة الدنيئة تعلو شفتيه وهو يبتسم بسخرية:
_هنستمتع قريب متقلقيش، هخليكِ أنتِ اللي تجري ورايا عشان تطلبي مني أريح جسمك من المخدرات دي..
خرج من الغرفة متوجهًا حيث غرفة «سلوى» وطرق الباب ممثلًا وضع المسكين المقهور، سمحت له بالدخول وتحرك هو للداخل ليجدها تجلس جوار أبيه بينما هو أخفض بصره:
_كنت عاوز أقولكم حاجة اكتشفتها..
قوس «محمود» حاجبه باستغراب وسأله بينما يعتدل في جلسته:
_مالك يالا.. في إيه؟
ظل صامتًا يُزيف الحزن ومثّل عدم قدرته على التحدث وإخبارهما بما يود، هو الآن شيطان على هيئة بشر يتحرك من هنا لهنا ليوسوس لهما بشيء ما سيجعل كل شيء ينقلب رأسًا على عقب.
_«ماسة».. اكتشفت حاجة من فترة وحاولت أتكلم معاها بس هي رفضت تديني فرصة عشان هي بتكرهني يعني ومبتحبش تتكلم معايا، بس اللي اكتشفته إنها.. بتتعاطى مخدرات، وده شوفته بعيني حتى من شوية كنت رايح أكلمها لقيتها ماسكة حقنة وبتديها لنفسها في دراعها..
كان يتحدث بأسفٍ مزيف، كثعلبٍ مكار لم يكف عن أذيتها بما فعل، بل يبحث باستمرار عن كيفية تدميرها بشكلٍ أكبر وبقوة أكبر.
_أنت بتقول إيه يابني، أنت اتهبلت ولا إيه.. «ماسة» بنتي إيه اللي تتعاطى مخدرات.
صرخت «سلوى» بوجهه بعدما انتفضت في جلستها من الصدمة التي ألقاها بوجهها «فادي»، بينما وقف جوارها «محمود» بعينين يملئهما الحقد وسأله بتوجس:
_عندك دليل يا «فادي»؟
أومأ له برأسه وتنهد بحرارة وهو يردف:
_عندي دليل.. تعالوا اوريكم بعينكم.
ثم تحرك من أمامهما نحو غرفة «ماسة» وهما خلفه حتى وصلا لها تأن بوجعٍ مسيطر على جسدها بالكامل، وفي يدها إبرة تركها الخبيث بيدها، حتى ملامحها ووجهها يبدو عليه التعب والإرهاق، بدت كمدمنة حقًا.
عيناها جاحظة وأسفلها الهالات السوداء تزايدت، شفتاها تحولتا للون الشاحب، ووجهها كان يشبه وجوه الأموات تمامًا.
رفعت عينيها بثقلٍ تتابعهما وتناطقت شفتيها تناجي أمها بتعبٍ:
_ماما أنا..
لم تجد من والدتها سوى صفعة قوية على خدها فتوسعت حدقتيها بصدمة حيث استدار وجهها على أثر الصفعة وقوتها، للمرة الثانية خلال يومين تتلقى منها صفعتان تشق قلبها بسكينٍ حاد.
كانت «سلوى» تقف تطالعها بشفقة وعينيها دامعة بقهرٍ ويدها ترتجف بعدما صفعت ابنتها بقوة، كادت أن تدير وجهها ولكن يد قوية أمسكت بخصلاتها القصيرة وجذبتها بينما هي صرخت بألمٍ شديد ونطقت بنبرة مرتجفة خرجت مهتزة بعض الشيء:
_شعــري، سيبــني بقولك، سيبـني.
كانت يد «محمود» التي جذبتها نحو المرحاض ووضع رأسها أسفل المياه الباردة وهو يصرخ بغلٍ:
_تساهلنا معاكِ وبقيتِ مدمنة، عاوزة تتربي، عاوزة تتربي عشان مافيش حد رباكِ أصلًا.
ما أصعب أن تمر عليك لحظات تشعر بالشفقة على نفسك، لا شيء آخر يؤلم الروح أكثر من ذلك الشعور.
في هذه اللحظة فقط..
«ماسة» أصبحت كبركانٍ منفجر،
أصبحت غير قابلة للعيش،
«ماسة» أُستنفذت!
كان يضغط على جسدها العلوي وهي تحاول الإبتعاد عنه بكل الطرق الممكنة، تحاول أن تدفعه وتدفع نفسها وهي تخرج تلك الشهقات المُتألمة وأنفاسها التي حُبست أسفل المياه.
حتى استطاعت الإبتعاد بجسدٍ لا يقوى على الوقوف ولكنها تحاملت على نفسها، واستطاعت أن تدفعه بكل قوتها التي لم تعد ملكًا لها.
_أنا متربية وبابا مربيني أحسن تربية يا عرر، اطلعوا بــرا، اطلعوا من حياتــي.
استدارت تُمسك زجاجة عطر متواجدة في المرحاض ورفعتها لترميها في وجهه ولكنه تفادها ليتلقاها الحائط فتتحول لألف قطعة أرضًا، بينما هو نظر لها بصدمة بعدما قابل منها رد الفعل ذلك...
_اطلع برا وإلا والله أموتك، اطلــع بـرا.
صرخت مجددًا بقوة ولم يتأذى بذلك الصراخ سوى حنجرتها المسكينة، فكل شيء بها منهك غير صالح للحياة.
_ماشي يا «ماسة»، ماشي يا حيوانة.
قالها «محمود» بصوتٍ حاد وتحرك للخارج وأغلق عليها باب الغرفة بالمفتاح بينما هي جلست في أرضية المرحاض تبكي بحسرة قوية، بكاءًا خرج من داخلها ومن كيانها المجروح، وروحها المكسورة، وقلبها الذي نزف دماءًا نتيجة السهام التي اخترقته ممَن يسمون أنفسهم عائلتها.
صوت بكاءها مليء المكان وصدح معه صوت هاتفها الذي كان يرن باستمرار باسم صديقتها المقربة وملجأها من كل الصعاب، ولكنها لم تقوى على الحركة من مكانها ولم تقوى على التحدث، تود أن تعتزل بنفسها هنا.
أحاط بها الأسى؛
كان الحزن لا يزال رقيقًا في أعماق قلبها،
ثم جاء الكمد؛
حيث وجدت الحل في اخفاء آلامها داخل جراحها، مما أرهق قلبها حتى أصابه الضعف.
ثم جاء البث؛
وتهددها الحزن بشدة،
وغمرها الكرب؛
فتلاشت قواها ووجدت نفسها في ظلام الفقد،
واحتضن قلبها الهم واللوعة،
وحزنت على ماضٍ مضى من حياتها، وعلى الذكريات التي نبتت رفقة والدها حيث كانت الابتسامة تعمر وجهها.
استحوذ عليها الوجوم بعدما استفاقت من صدمة فقدان كل شيء، وسكن الحزن بين ضلوعها وأخرسها، لكنها قاومت ولم تستسلم، ليصيبها الأسف الذي خلط بين مشاعر الحزن والغضب العارم، حتى غرقت في الكآبة التي لم يعد لها مفر منها.
*********
بنيت حول نفسي سورًا منيعًا، حذرًا من أي اقتحام قد يسعى لتحطيمي مجددًا.
كنت أطمح أن أعيش في عزلتي، حتى جئت أنت وكأنك شعاع نور في ظلمة وحدتي، لتجعلني أفتح لك كل الأبواب المغلقة.
وبتواجدك، زالت جميع الخصوم التي كانت تعاندني، فأنت هنا، لتكون درعي وحصني المنيع.
كانت ترتدي فستانًا من اللون الأبيض البسيط، زين جسدها الضعيف برغم من وسعه عليها، كان يعطيها مظهرًا جذابًا، وتقف جوارها «مروة» مبتسمة بتوترٍ لمعرفتها بتلك الكارثة التي لم يعلم بها أحد حتى الآن، وأوصاها «مالك» ألا تتحدث حتى آخر لحظة..
_ما شاء الله، يابخته «مُـهاب» والله.
نطقت بها «مروة» بتنهيدة قوية لتبتسم لها «غنى» بابتسامة بسيطة كانت ودودة، وتنهدت هي الأخرى قائلة:
_عارفة.. برغم بساطة كل حاجة بتحصل في كتب كتابي إلا إني مبسوطة عشان أنا هكون معاه، مع الشخص اللي فعلًا قادر يعرف أنا فيا إيه ويحتويني ويطبطب عليا، يمكن كنت في الأول خايفة اظلمه واتظلم معاه، وخايفة يكون زي غيره بس عارفة إنه مش هيخذلني أبدًا ولا هيخليني في يوم حاسة بحزن..
ابتلعت «مروة» غصتها وضمتها لها مبتسمة بخفة وهي تربت على ظهرها، وداخلها تتمنى أن تكون كل أمنيات «غِنى» متحققة حتى لا تقع في ظلمة جديدة لن تخرج منها بصدمة جديدة ومختلفة هذه المرة، وبكل أسف ستكون قاسية، أردفت بابتسامة خفيفة:
_يارب تفضلوا سوا يا «غِنى» وربنا يكتبلكم السعادة وبس ويريح بالكم وقلبكم..
بادلتها العناق ثم ابتعدت عنها وهي مبتسمة بخفة:
_حبيبة قلبي والله.
تنهدت «مروة» بثقلٍ فهي كانت تشعر بالراحة بعد أن رضى «متولي» عن «مُهاب» ولم يلجأوا لتنفيذ تلك الفكرة غريبة الأطوار التي اقترحها عليها «مالك»، ولكن الكارثة الأكبر الآن أن «مُهاب» متورط في قضية قتل..
_أنا مش عارفة هو أتأخر كدا ليه هو وطنط «هاجر»، وبرن عليه تليفونه مقفول، كل ده بيجهز يعني.. خلاص المأذون ساعتين ويكون هنا.
قالتها «غِنى» بتمللٍ وسخطٍ لعدم إجابته عليها، المسكينة لا تعلم بماذا يمر الآن وهو بين أربع جدران محبوس.
بينما الآخر كان في الزنزانة ينتظر أمر الإفراج حيث وصله قبل قليلٍ خبر بأنه سيخرج وبطريقة لم يعرفها حتى الآن ولكنه لا يكترث هو فقط يود الخروج من هنا بأي شكل من الأشكال.
بينما في مكتب الضابط كان جالسًا وأمامه يجلس شخصًا ما يتحدث رفقته بابتسامة بسيطة وصوتٍ أجش:
_زي ما قولتلك، «مُهاب» شغال في القضية دي بسبب إنه يعرف الحارة كويس، يعني اللي حصل كان من العصابة عشان يوقفوه وطبعًا أنا جبت لحضرتك كل حاجة بتوضح إنه برئ مش هنطلعه كدا..
أردف الضابط بجمودٍ ورسمية هو الآخر:
_طبعًا يا باشا، أنا متأكد يعني بس الفكرة نفسها إن كل حاجة المفروض تتم صح ومظبوط خصوصًا إنه داخل في قضية قتل..
_أنا عارف، بس زي ما قولتلك الأوامر جاية من السلطات العالية، وهو لازم يخرج لأنه بيساعد إن الكارثة دي تقف.
أومأ الضابط بتنهيدة وتحرك من مكانه وهو يصافح الجالس أمامه بقوله:
_اللي تشوفه يا «يـامن» باشا، نورتنا في القسم وأنا فرحت جدًا إني شوفتك خصوصًا لما كلمني الباشا وقالي إن «يامن الجمال» بنفسه متواجد هنا في إسكندرية.
وقف قبالته «يامن» بابتسامة بسيطة وصافحه بقوله:
_في مصر كلها والله، ومينفعش حد يكتشف إني شغال في المخابرات المصرية عشان الشغل يمشي مظبوط، والقضية دي تخلص على خير...
********
غادر سيارته وكل كلمة قالتها تتردد في أذنيه، هو الآن تحت تأثير الصدمة مِما أصابها أولًا، وأيضًا مِما تعاني رفقتهم، بكائها ونحيبها يجعلان الدماء بجسده تتصاعد كنيرانٍ في بركانٍ على وشك الإنفجار.
وصل أمام الباب وطرق بقوة دون حساب لمن بالداخل، تلك الشخصية الجديدة التي تلبسته لم تكن سوى من «مُـهاب» الذي علم مؤخرًا أن الحياة تتطلب أن تكون وقحًا رفقة الناس.
فُتح الباب على مصرعيه وقابله «فادي» وما إن لمحه مر أمامه شريط أفعاله التي حكتها له «ماسة»، فلم يجد نفسه سوى وهو يسدد له لكمة في وجهه قوية ليتراجع الآخر على أثرها للخلف بتوجعٍ.
_فين الناس الكبيرة في البيت ده يالا، ناديلي حد.
صرخ بوجهه بغضبٍ جامح وعروق يديه برزت بقوة، ليطالعه الآخر بسخرية ليستفزه:
_عاوزاهم ليه؟
امسكه «زين» من تلابيبه بقوة وهدر به:
_عشان وربنا ما هسيبها لحظة في أم البيت ده، هتصل بالمأذون دلوقتي واتجوزها.
_تتجوزها إزاي وهي متجوزاني.. عرفي!
**********
_أيوه هو فين، أنا مش فاهم اتأخر كدا ليه؟
نطق بها «متولي» بضيقٍ شديد بينما «مروة» تقف جوار «غنى» المتوترة والتي تتصل به باستمرار حتى يجيب ولكن لا إجابة.
حينها نطق أحد رجال الحارة بسخرية:
_أنا سمعت إنه في السجن، العريس في السجن!
نظروا له جميعًا بصدمة بينما وجه «مروة» شحب وتركت يد «غِنى» التي كانت تمسكها لتواسيها، لتطالعها «غنى» بصدمة هي الأخرى لاكتشافها بأن «مروة» تعلم شيء ما..
ولكن صوته الحاد أتى من الخلف بقوله بجمودٍ:
_عريس في السجن؟ جديدة دي! أنا هنا أهو وكنت بجهز وبظبط نفسي عشان أليق بمقام الغِنى اللي هيحتل حياتي..
تعليقات



<>