
رواية خسوف القمر الفصل الثالث3 بقلم نداء علي
والثقة ميثاق متين وعهد أمان توقعه القلوب والارواح فإن نقضه أحد الطرفين تمزق قلب الآخر وغامت روحه بسحب الشك فيضحي تائه يفتقد الأمان ولا يعطيه لأحد.
تناول يامن لقيمات قليلة دون استمتاع بمذاقها فكل شئ صار من حوله بلا روح.
تذكر حديث والده المحاط دائما بتهديد ووعيد يطابق شخصه القاسي فتنهد بضيق هو لم يعد يعبأ بشئ لكنه يخشى أن ينفذ تهديده فينال أحد المحيطين به سوء.
لن يعد ولن يستطع أن يفعل فكيف يحيا من جديد وسط تلك النيران المغلفة بمظاهر التحضر والرقي وماهي إلا بحور للرذيلة.
خداع وكذب وخيانة وكله يختبئ خلف ستار ابتسامات زائفة ومصالح متبادلة.
وكعادته منذ تلك الليلة التي فر فيها هارباً إلى احضان والدته التي أيقنت منذ بدأ زواجها من والده ان دربها ودربه محال أن يلتقيا ففطنت بقلبها العامر بإيمان راسخ أن استمرارها مع جمال نهاية لقيم ومبادئ نشأت في كنفها فأختارت الابتعاد.
تطلقت منه ولم يبق هو عليها بل توعدها وأخذ منها طفليها يامن وأكرم لكنها لم تضعف واختارت الثبات فأعاد الله اليها يامن بعدما ظنت أنها لن تراه مطلقاً.
سالت عبرات يامن فأزالها بضعف وأسرع مهرولاً إلى المسجد بعدما استمع إلى نداء الحق يتمنى أن ينسى حياة ماضية ومضاتها تخيفه للغاية.
أنين القلب الذي لم يذق إلا الظلم يصم الأذان فألالامه تختلف.
أمسكت علياء بكف شقيقتها التي لم يتجاوز عمرها السادسة عشر وصارتا معاً إلى الفضاء الذي يخيم على سماءه وارضه صمت مطبق بعدما نامت الأعين وهدأت الاصوات.
لا يعلما أين تذهبا لقد تم ما ارادت زوجة والدهما والقت بهما إلى أحضان الطريق وتركتهما.
كانت برودة الطقس قاتلة والهدوء من حولهما مخيف وقبل أن تدرك علياء أنها تسير منذ ساعات وجدت حالها واقفة أمام شقة قمر تدق الباب بضعف مؤلم وترقب يحيطه الرجاء
اقتربت قمر بحذر من الباب قائلة :
من الطارق؟
علياء : أنا علياء، قالتها بصوت تائه :
انقبض قلب قمر وأسرعت بفتح بابها لصديقتها التي ما أن دلفت الي الداخل ازداد نحيبها وأعلنت عن انهيارها.
أخذتها قمر بين احضانها تضمها كطفل صغير تبثها بعض الأمان علها تهدأ قليلا بينما
شقيقة عليا ساكنة بمكانها لا تدرك الي الان ما حدث وكيف تم طردهما من منزلهما.
أعدت قمر بعض الطعام بعدما استطاعت تهدأت علياء وتناولوا ثلاثتهم القليل.
تحدثت قمر بصوت حنون متسائلة
أخبريني حبيبتي ماذا حدث؟
علياء : لقد ألقت بنا زوجة أبي إلى الخارج بعدما استطاعت أخذ والدي من قبل وتسببت في ابتعاده عنا سنوات إلى أن توفاه الله أخذت منا بيتنا.
البيت الذي لم يترك لنا أبي سواه.
قمر : كيف؟ ألا يوجد قانون !
علياء : القانون لم يوضع لأمثالنا بل هو قانون الحياة حيث البقاء والانتصار للأقوى.. ألا تعلمين ذلك ياقمر.. ألم يقض على مستقبلك بأكمله شاب أررعن ولأن قانونه لا يهزم فر هارباً بفعلته..
زوجة أبي هي الأخرى قانونها هو الغالب فشقيقها يعمل بالمحاماة. قادر على اظهار المتهم بريئاً والبريء مداناً.. كيف لنا أن نقف بوجهها ووجه شقيقها.. هيا أخبريني ياقمر كيف لفتاتين مثلي أنا وشقيقتي بالوقوف أمام هؤلاء
تحدثت قمر بصوت متألم لنفسها ولأجل صديقتها :
ألم أقل لك منذ سنوات واخبرتني وقتها أن أمثالنا لهم الله ويكفينا هو عمن سواه
رفعت علياء بصرها إلى قمر فزادتها قمر قائلة:
هل نسيت يا علياء بعدما مات والدي وضاق بيَ الحال واتيتك باكية اخبرك أنني أود الموت وترك الحياة بأكملها وأني استشعر أن إلهي يكرهني وإلا ما ابتلاني بذاك الشكل
أغمضت علياء عينيها تبكي دون صوت فتن*دت قمر قائلة:
لقد عنفتني وقتها قائلة إن الابتلاء ليس كرهاً او غضباً من الله بل هو اختبار ليس الا.. وإلا ما ابتلى الله أنبياءه ورسله...
أومأت علياء بخجل من يأسها وقنوطها وابتسمت قمر فهي ليست متدينة مثل علياء لكنها تعلمت منها الكثير...
استمر الحديث بينهن إلى أن حل الدفء من جديد وغادرت برودة الغدر التي صاحبت علياء وشقيقتها في طريقهما إلى أن وصلا إلى بيت قمر....
استيقظت قمر تناظر المكان من حولها ب**ل راغبة بالنوم لكنها هبت فزعة عندما تذكرت موعدها مع يامن لم تكن تتحرك بالمكان مسرعة بل كانت تتخبط من فرط سرعتها وتوترها ارتدت ملابسها في لحظات وتوجهت للخارج لكنها عادت بعدما شهقت بهلع عندما تذكرت نقابها الذي لم تعتد ارتداءها بعد....
وعلة غير عادته استيقظ يامن متأخراً فأفكاره المتضاربة بالأمس جعلت نومه يجافيه...
توضأ وصلى فرضه متناسياً أمر قمر وتوجه لفتح الصيدلية...
أوشكت قمر على البكاء من فرط خوفها فقد تأخرت عن موعدها بمقدار يتعدى الساعة وزيادة محال أن يتغاضى يامن عن تخاذلها وسوف تفقد عملها قبل أن تبدأه..
شهقت بأمل وتفاؤل يصاحبه خوف لم يتزحزح بعد عندما وجدت المكان مغلق ويامن لم يصل بعد
مضى تقريبا ربع الساعة وهلَ بطلته الهادئة يطالعها وكأنه قد تذكر للتو موعدهما سوياً
تحدث باعتذار قائلاً:
آسف آنسة قمر لقد طرأ أمر ما وتسبب في تأخري، أعتذر كثيراً على وقوفك هكذا.
أرادت الكذب وإخباره انها قد أتت بالموعد المحدد لكنها لم تستطع فلسانها قد اعتاد الصدق لذا اجابته بخفوت قائلة:
لا داع للاعتذار سيدي فقد وصلت منذ قليل وربما عليَ أنا الاعتذار.
ساد الصمت بينهما وكلاهما ينتظر بترقب ما سيحدث لاحقاً لينهي ذلك الصمت بقوله :
حسناً سوف أتغاضي عن التأخير ويكفيني اليوم أنكِ قد صدقتني القول ولم تدعِ القدوم باكراً.
ابتسمت قمر بشدة وتهللت ملامح وجهه وأحس يامن بارتياح واستبقها ممسكاً بمفتاحه ذاكراً اسم الله قبل أن يبدأ أول أيامه بالعمل معها.
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
بالبيت لدي قمر استيقظت والدتها وتناولت افطارها بشهية كبيرة مع علياء وشقيقتها نسمة
ابتسمت علياء بانكسار قائلة:
لقد ازعجناك يا خالة سميحة.
سميحة : لن ألومك على ما تقولين أيتها الساذجة.
أولست انا كأمك وأنتما كقمر.
تنهدت بخفوت وابتسمت نحوها بامتنان:
لن أذكرك بجميل صنعك طوال سنوات مضت يا علياء فقد فعلت معنا مالم يفعل أحد من الاهل ويكفي أن دماءك تجري بعروق ابنتي بعدما انقذتها من الموت وتبرعت لها بدمائك أكثر من مرة عقب الحادث.
التفتت علياء إلى شقيقتها فوجدتها تئن في صمت جذبتها إلى احضانها وقبلت جبينها قائلة:
لا بأس صغيرتي إياكِ أن تبكِ أنا هنا جوارك لا تخشي شيئاً.
شددت نسمة من احتضانها لها قائلة:
أنا سبب كل تلك المصائب، دعيني أتزوج فلن تفرق كثيراً فربما يكون ذاك الرجل أرحم بنا من زوجة والدي.
نهرتها علياء قائلة :
اصمتي، لن أتركها تدمر مستقبلك كما فعلت معي.. اهدئي حبيبتي سوف يجعل الله لنا مخرجاً عما قريب .
تساءلت سميحة بترقب قائلة؛
هل علم عمك بما حدث ؟
علياء : عمي ومنذ وفاة والدي لم نره.
سميحة : ولكن حسبما قلت هو رجل صالح ومحب لكما لكنه لم يكن على وفاق مع والدك عقب زواجه من تلك الحية الرقطاء.
قهقهت نسمة قائلة:
تلك سابقة لم تحدث من قبل للمرة الأولى ارى الخالة سميحة تسب أحدهم.
سميحة بغيظ : ليتني بعافيتي. أقسم لكما وقتها كنت أمسكها بيدي هاتين واذيقها من العذاب ما تستحق لكن للأسف إن ذهبت إليها الآن وعطست بوجهي سوف تقضي عليَ دون شك.
استطاعت سميحة بروحها النقية إخراج الفتاتين من حزنهما واقنعت علياء بضرورة الوصول إلى عمها وإخباره بما حدث.
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
تأففت قمر بخفوت فمنذ دلوفهما سوياً إلى الصيدلية والعمل لم يتوقف ولو لحظات وإن توقف توافد المرضى ومندوبي شركات الأدوية يبدأ يامن في توضيح كيفية العمل وسيره.
أحست قمر بالتعب فهي غير معتادة بعد على ذلك ونظر يامن إليها مضيقاً عينيه قائلاً:
هل مللتِ ؟
قمر : بل تعبت.
يامن : تعبتِ من ماذا نحن لم نفعل شيئاً بعد مازال اليوم في بدايته .
استقامت قمر واقفه تخشى أن يغضب يامن أو يفسر جلوسها بالتكاسل عن أداء مهامها.
بينما أيقن هو مخاوفها فاستدرك قائلاً :
حسنا أنا الآخر أشعر بالقليل من التعب هل تتناولين بعض الشاي أو القهوة؟
قمر بخجل : لا داع لذلك، شكراً لك.
يامن متجهاً إلى الغرفة الداخلية الخاصة باستراحته
لا تقلقي كل شيء موجود هنا سوف أشرب بعض الشاي هل ترغبين بالقليل؟
قمر : حسناً، دعني أنا اقوم بإعداده.
يامن : تفضلي، أمامك ما يلزم سوف انتظرك بالخارج.
وقفت قمر تعد الشاي لكليهما وجلس يامن بانتظارها وبالخارج أعين تراقب المكان وتنقل الأخبار إلى والده.
................................
انتهى جمال من توقيع الاوراق الموضوعة أمامه، ابتسمت اليه السكرتيرة بدبلوماسية وغادرت، ادار جمال وجهه إلى الجالس جواره قائلاً بحسم:
متى تأتيني بجديد يا راشد ؟
أجابه الآخر باحترام : سيدي تعلم أنني احاول جاهداً لكن يامن بيك عنيد للغاية.
جمال :
أمامك شهر بأكمله وان لم تجد لي حلاً يعد اليَ يامن بإرادته عليك وقتها أن تبحث عن عمل جديد.
ابتلع راشد ريقه بتوتر قائلاً:
لا تقلق سيدي هناك تطورات أعتقد أنها سوف تنفعنا كثيراً وفرصة لن أضيعها عليك فقط أن تثق بي
جمال : جمال رشدان لا يثق بأحد سوى نفسه فقط لذا عليك التركيز وحسن التصرف.
غادر جمال دون إضافة المزيد ونفخ راشد بضيق فرغم أنه لواء شرطة سابق إلا أنه عندما يقف أمام جمال يستشعر نفسه لا شيء.
ابتسم راشد بشئ من الارتياح عندما استرجع برأسه خطته التي ستجبر يامن على العودة وغادر راغباً في بدء التنفيذ.
بعد مرور أسبوعان.
استطاعت قمر استيعاب طريقة العمل وساعدها يامن كثيراً، هدأت الأمور بينهما قليلاً ولكن الحذر مازال قائماً بينهما
تعرف صاحب العمل علة قمر واستشعر تميزها وأحب وجودها مع يامن.
حاولت علياء الوصول إلى عمها ولم تفلح بعد.
في المساء أوشك دوامها علي الانتهاء.
جهزت اغراضها وحملت حقيبتها وبحثت بعينيها عن يامن لكنها لم تجده.
اقترب من مجلسها رجل يرتدي نضارة سوداء ويبدو من هيأته الثراء والغموض.
مد يده إليها بوصفة طبية اخذتها منه قمر ونظرت الى محتواها، لحظات واحضرت له ما يريد.
تعمد الرجل ملامسة يدها بطريقة حسية إصابتها بالفزع، صرخت قمر بوجهه قائلة:
ما هذه الوقاحة؟!
اجابها الرجل بتصنع : أي وقاحة، أنا لم أفعل شيئاً !
اقترب منهما يامن يناظرهما بتعجب بعدما استمع الى صوتهما الذي بدأ في التصاعد قائلا:
ماذا حدث، هل هناك من خطب سيدي؟
اجابه الرجل بمكر : لا أعلم ولكن منذ سنوات وأنا لا أتعامل إلا معكم.
يامن بعملية : هذا شرف لنا ولكن لم أفهم ما الذي حدث؟!
الرجل : الآنسة تعمدت ملامسة يدي بصورة غير لائقة وعندما نهرتها أخذت في الصراخ بوجهي هكذا.
توقفت الكلمات على لسان قمر وعجزت عن الرد ونظر يامن بتقييم إلى قمر وإلى الرجل ليهتف بجدية قائلاً :
أعتذر منك سيدي