
رواية خسوف القمر الفصل الرابع4 بقلم نداء علي
أعتذر منك سيدي قالها يامن بنظرات ثاقبة.
ولكن مثلما تقول أنت زبون دائم لدينا ومنذ سنوات، إذاً فأنت تعلم أننا لا نوظف لدينا سوى الأكفأ والأبعد عن الشبهات ودكتور قمر أخلاقها لا غبار عليها.
أعتقد أن ما حدث هو سوء فهم ليس إلا.
الرجل ببرود : حسناً دكتور يامن ربما كان خطأ غير مقصود.
وجه بصره تجاه قمر التي كانت ترتجف فقد اكتفت من الصعاب ومواجهتها.
ابتسم إليها باصطناع قائلاً : أعتذر إليكِ لقد كان يومي شاقاً وربما بالغت في ردة فعلي قليلاً، لم ينتظر منها رداً بل غادر الصيدلية بهدوء.
ارادت قمر التبرير وتوضيح موقفها لكن عبراتها المتسارعة وقفت حائلاً بينها وبين كلماتها.
تنهد يامن بضيق وتحدث باختصار قائلاً:
لقد انتهى دوامك اليومي وعليكِ الذهاب.
نظرت إليه فأشاح بوجهه.
حملت قمر حقيبتها وغادرت مسرعة.
اراح يامن ظهره فوق مقعده محاولاً استعادة تركيزه، لحظات وقام بتشغيل الكاميرات الخاصة بالمكان ليتضح له ما دار بين قمر وذاك السمج.
انتابت يامن العديد من المشاعر المتضاربة خوف من قادم لا يبشر بخير وخوف على بريئة ليس لها دخل في مشاكله مع والده.
يعلم أن ما حدث ماهو إلا تحذير من جمال وأتباعه ولكن لمَ وما خطوتهم التالية. عليه الحذر وعليه ألا يدع قمر فريسة بين يديهم.
ربما عليه اقصاءها بعيداً عن دربه، ولكن يبدو أنها بحاجة ماسة إلى تلك الفرصة.
آاااه.. قالها يامن بقهر ويأس وعجز عن التفكير وأخذ قرار مناسب، أغمض عينيه وهرول إلى بيته بعدما أغلق الصيدلية ليلقي بأحزانه ومخاوفه تحت اقدام والدته ربما تجد له حلاً لتلك المعضلة التي وقع بها.
كانت علياء تدور بلا توقف حول شقيقتها التي تطالعها بتعجب لتهتف بها بالله عليك توقفي لقد اصابني دوار حاد وأنتِ تدورين حولي هكذا.
علياء : اصمتي أيتها الحمقاء !
نسمة : حبيبتي لا تخافي .
علياء : ومن أخبرك أنني خائفة ؟! اقتربت منها نسمة وأمسكت بيدها ساحبه اياها تجاه الفراش لتجلسا معاً.
تحدثت نسمة بحنو قائلة: ألا تودين رؤية عثمان ؟
ارتبكت علياء وفاضت عيناها بدموع الاشتياق فاستكملت نسمة قائلة :
لقد أخبرني عمي أن عثمان لم يتزوج إلى الآن.
علياء : وهل يعيد الزمان أدراجه يا نسمة؟!
لقد تبدلت الحال ومؤكد أن القلوب تبدلت هي الأخرى.
نسمة بحزن : لا سامحها الله زوجة أبي هي من تسببت في إفساد خطبتك أنتِ وعثمان واحداث تلك القطيعة بين والدي وعمي لسنوات.
علياء : وليتها اكتفت بل أرغمتني على الارتباط عقب انفصالي أنا وعثمان.
لقد حطمت ما تبقي بيننا من مشاعر فهو محال ان ينسي أنني قد عقد قراني على رجل سواه .
نسمة : عثمان يعلم جيدا انك كنت مجبرة، كما أن الزيجة لم تكتمل.
علياء بيأس : لقد كان يغار أن ابتسمت الي رجل سواه فهل يغفر لي ذنب كهذا.
ربما مازال بقلبه بعض المشاعر تجاهي لكن كبرياؤه لن يسمح له بالعودة.
احتضنتها نسمة بقوة قائلاً : لا شأن لنا به ولا بغيره سوف نبقى معاً إلى الأبد ألا يكفيكِ وجودي أيتها الخائنة.
علياء : أنتِ طفلتي وشقيقتي وما تبقي لي من أيام حلوها لم يدم طويلاً يا نسمة لذا محال أن اسمح لأحد أن يسلبك أحلامك وسنواتك القادمة ما حييت.
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
تجولت قمر جوار النيل تأبى العودة إلى البيت بحالتها تلك فتزيدهم حزناً تبكي بلا انقطاع تخشى أن يصدق يامن ما قيل فيتخلى عنها.
لا تريد العودة إلى نقطة البداية فبالبداية كانت مؤلمة.
وضعت يدها فوق وجهها المختبئ خلف ستار النقاب تتأكد من حمايته من العيون الناظرة إليها.
عادت بذاكرتها إلى ما مضى كم كانت الحياة سهلة ميسرة كانت احلامها مجابة.
ابتسامة أبيها كانت تضئ الكون بأكمله سند تتكئ إليه وتختبئ بين احضانه من همس الخوف وانين الايام لقد بالغ في تدليلها لتأتى الايام بما تخبأه.
ابتسمت بحزن فبيت والدها كان بابه لا يغلق أصدقاؤها كانوا يتناوبون ذهاباً واياباً. صوت الضحكات لم يكن لينقطع إلا وقت النوم إلى لان تبدلت الاحوال وبدأت الحقائق في الظهور.
غاب الجميع بعدما أنفق والد قمر ما يمتلك في سبيل انقاذها لقد قضت بالمشفى ما يقرب من العام.
تركها جاسم وتصدقاؤها وجدوا البديل ولم يبق سوى وجه مشوه وصديقة وفية وقلب أم تدعي السعادة أمام طفلتها وبالخفاء لا يفارقها الحزن.
تعلم ان يامن لديه ألف عذر إن صدق افتراءات ذاك الرجل، لكن بداخلها تتمنى إلا يفعل.
ترى بشخصه طوق نجاة قد يجنبها السقوط بين براثن الرفض والنفور التي بدأت تبتعد عن حياتها ولو مؤقتاً.
استمعت والدة يامن إليه بإنصات إلى أن انتهى من سرد ما حدث ابتسمت إلى بعذوبة قائلة: وهل صدقت ما قاله؟ يامن : يقيناً لا أعلم ولكن كما تقولين دائماً 'المؤمن كَيسٌ فطن، استشعرت داخلي أن ما يقوله كذب وإن قمر ما كانت لتأتِ بفعلة كهذه لكن عقلي صار جامداً يأبى أن يسلم ثقته الي أحد.
نهال : هل هي جميلة؟
يامن بتعجب : هي منتقبة يا أماه.
قهقهت نهال قائلة : حسناً لم أقصد سوءاً يا ولد. مجرد فضول.
باغتته قائلة: هل لوالدك دخل بما حدث ؟
حرك يامن رأسه قائلاً: أخشى ذلك، وأرجو أن أكون مخطئاً.
نهال بحب : هون عليك يابني، مهما حدث فهو والدك ولم يعد لديه سواك ولا تنس أن بره لا علاقة له بسلوكه.
يامن بغضب : أمي تعلمين انني لن اعود ومحال أن استمع إلى تهديده.
نهال : هل ارتفع صوتك قليلاً أم أنني أتوهم.
ابتسم يامن واعتذر قائلاً: أعتذر سيدتي.
نهال : اعتذار مقبول.. عليك أن تعد لنا العشاء عقاباً لك فأنا لن أفعل.
اومأ اليها بطاعة وغادر الغرفة وحاولت هي الهدوء لكنها لم تستطع، أمسكت هاتفها وبحثت عن رقم جمال، زوجها السابق وحبها الأوحد.
زفرت بضيق فهي لم تحادثه منذ وفاة رأفت لكنها مجبرة الآن.
أجابها علي الفور قائلاً: مرحباً زوجتي الغالية، هل اشتقت اليَ؟
نهال : محال كما تعلم يا جمال بيك أن يشتاق العاقل إلى جنون كالذي تحياه.
جمال : لكنك بالماضي كنت عاشقة لذاك الجنون أم أنك نسيت؟!
نهال : لم أنس ولن أفعل وخاصة خيانتك المتكررة لي.
ابتلع ريقه بحرج وتحدث بجدية قائلاً:
حسناً، ماذا تريدين؟
نهال : ابتعد عن يامن، يكفي ما حدث لرأفت.
جمال : ألن تكفِ عن اللقاء اللوم عليَ.
هل أنا من تسببت بوفاته؟!
نهال : لا ألومك ولكنك قد حرمتني من طفلي ولم يعد إليَ إلا يوم وفاته فلا تكرر فعلتك وتدمر حياة يامن هو لن يعد الي تلك الحياة البائسة.
جمال : تعلمين أنني لن افعل فإما تقنعيه بالعدول عن عناده والرجوع إلى مملكته وإن شئت بإمكانك الرجوع معه وإما أعيده أنا بطريقتي وفي كلتا الحالتين أنا لن أقبل بالهزيمة .
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
لم تجرؤ علياء على النظر إليه بينما كان هو يحتضنها بنظراته يشتاقها بجنون لكنه لن ينس انها ضعفت امام والدها وزوجته ووافقت ان تصبح زوجة لسواه.
نعم لم يتم الزواج وتطلقت قبل زفافها بأيام بعدما تشاجر العريس مع والدها. ولكن يكفي أن أحدهم امسك بيدها والبسها خاتمه.
عقد قرانها واحتضنها بين يديه وربما حدث بينهما ما يحدث بين أي رجل وامرأة تلون وجهه غضبا وغيرة عمياء تملكته ليهتف بضيق قائلاً: لن أقض الليل بأكمله في اقناعكما.
والدي حالته الصحية لا تسمح له بالمجيء لذا أرسلني لاصطحابكما للمكوث لدينا إلى أن اذهب إلى تلك المرأة واسترجع لكما بيتكما.
علياء بحزن من أسلوب حواره ونبرة صوته الغاضبة : لن نأتِ معك، واطمأن يابن العم فنحن لسنا ببيت غريب.
قمر ووالدتها الأقرب لنا من بين الجميع.
عثمان محذراً : قومي بإعداد حقائبك وهي بنا يا علياء وإلا قسماً بربي أحملك بين يدي كالأطفال واخذك عنوة.
نسمة : اهدأ قليلاَ يا عثمان لا يجوز ما تفعله.
عثمان : أما ترين شقيقتك البائسة.
تناطحني قولاً بقول وكأنها لا تتحدث إلى رجل.
علياء ساخرة : بل سيد الرجال يا عثمان بك، عندما تحدثت إلى عمي أنا لم أطلب إليه شفقة او مساعدة كل ما طلبته اليه ان يجد من يساعدنا بالوقوف أمام زوجة أبي.
محامي أو أحد رجال القانون ممن له صلة بهم.
عثمان محاولاً استمالتها كي يقنعها بالذهاب معه:
حسناً.. ألن تأتيا لرؤية والدي، لقد أخبرتك أنه مريض للغاية أما ينبغي عليكما أن تعودا؟
علياء بحرج : بلى، علينا رؤيته ولكن.
قمر وقد استمعت إلى حديثهما بأكمله وتركت لهما حرية الاختيار :
عليكما الذهاب لعيادة عمكما يا علياء والعودة إلى هنا مرة ثانية.
نظر إليها عثمان بغيظ فاستكملت علياء:
من غير اللائق بقاء علياء لديكم سيد عثمان فقد كنتما على وشك الزواج وربما يثار كلام نحن في غني عنه.
عثمان برفض : لا يجرؤ أحد على مس علياء بسوء ما حييت.
نظرت إليه بطوفان ملؤه لوم وعتاب قائلة:
بل دهست علياء تحت الأقدام واكتفيت أنت بالابتعاد يا عثمان.
قالتها علياء بقهر تلك السنوات التي حرمت فيها منه مرغمة وبادلها هو نظراتها بعناد فهو يلومها على ذاك الجفاء.
وقف راشد حائراً أمام جمال الذي صب جام غضبه على العاملين لديه عقب محادثته مع زوجته السابقة الأنثى الوحيدة التي تملكت من قلبه لكن عقله لم يكتف بها فأضاعها.
كانت ومازالت نداً له لا تخافه وتخشى نفوذه، استطاع راشد استجماع قوته ليهتف في ثقة قائلاً :
استمحيك عذراً سيدي لقد تركت سيد يامن ما يزيد عن السبع سنوات أرجو منك فقط أن تمهلني سته أشهر جمال بغضب : هل جننت يا هذا
راشد : لا سيدي لم أجن ولكن الأمر يحتاج إلى بعض الصبر سوف يرجع وتلك الفتاة هي مفتاح العودة.
جمال : ومن تلك الفتاة عليكم اللعنة جميعاّ لقد مللت.
قص راشد على مسامع جمال ما يخطط له نظر إليه جمال مشككاً ليسأله بترقب: وما أدراك أنه سيرجع من أجلها؟!
راشد بثقة : لقد تعلمت الكثير سيدي وأنا على يقين مما أقول.
اومأ جمال اليه ليحذره قائلاً: سأنتظر يا راشد ولكن احذر من طول انتظاري فوقتها لن يكن عقابي هيناً إن فشلت.
سافرت علياء ومعها شقيقتها بصحبة عثمان وفي الصباح توجهت قمر إلى عملها وخوفها يسابقها لا تدري هل سيتقبلها يامن أم ينقلب عليها.. استعد يامن كالمعتاد وانتظر قدومها دلفت إلى الداخل بخطوات وئيده قائلة: السلام عليكم.
أجابها بهدوء : وعليكم السلام، كيف حالك؟
اطمأنت قليلاً وتوجهت إلى مقعدها واضعة حقيبتها بادئة بالعمل تحت أنظار يامن الصامتة.
أتى موعد استراحتها نظر إليها يامن بتردد قائلاً: ألا تشعرين بالجوع ؟ ابتسمت عيناها بخجل قائلة:
لقد أعددت بعض الشطائر.
اومأ اليها قائلاً : حسنا سأذهب أنا لإحضار ما أكله.
قمر : انتظر لقد أعددت ما يكفي لنا سوياً نظر إليها يامن بثبات وارتبكت هي فاستكملت : أنا معتادة منذ أيام الجامعة إن أعد الطعام لي ولأصدقائي جلس يامن ومد يده إليها بعدما لاحظ توترها حسناً سوف أقبل عزيمتك اليوم وغدا تقبلين عزيمتي
قمر : ولكن... !!
يامن : ها، هل توافقين أم لا ؟
قمر : حسناً.. موافقة.
بعض القلوب عندما تطعن بقسوة تفارق الحياة علي الفور لا تتألم ولا تنتحب بل يأتيها الموت فيريحها من تبعات الخذلان.
يومياً يرابط بأسفل البناية التي تسكنها يأمل أن يراها دون فائدة.
مرت قمر أمامه فناداها بعدما لاحظ مشيتها التي لم تتغير وعينيها التي أسرته من قبل توقفت قمر بعدما استمعت إلى صوت جاسر هي تبغضه بحق ولكنها تشتاق إلى صوته الذي يعيدها إلى سنوات تتحرق شوقاً إليها.
تود النسيان والمضي معه ولكنها لا تمتلك تلك الرفاهية فنسيان الغدر محال.
توجهت بخطوات جادة تجاهه فابتسم بحب إليها تحدثت بتحذير قائلة:
ماذا تريد، هيا أخبرني ما الذي تريده مني الآن؟
جاسر : أن تعودي إليَ، مازلت أحبك أقسم بربي ونادماً إلى الحد الذي يجعلني راغباً بالموت.
قمر : وانا نادمة كذلك يا جاسر، نادمة أنني أحببتك، لقد عانيت الكثير ولكن جرحك لي لا يشبهه جرح آخر.
لقد أطاح تخليك عني بثباتي جعلني عاجزة عن الثقة بأحد.
جاسر : ولكني معترف بخطأي، حاولي أن تسامحيني. وقبل أن توافقي أو ترفضي أنا مستعد للانتظار.
قمر : وما المقابل يا جاسر، هل هناك مقابل ترجوه بعد تضحيتك وعودتك إليّ.. أما ترى أن زواجك بقبيحة مثلي تضحية كبرى!
جاسر : توقفي عن نعت نفسك بتلك الألفاظ صرخت قمر بوجهه قائلة : تلك الحقيقة ايها الغبي النقاب أخفي وجهي لكنه لم يخف ما حدث.
هل تغيرت إلى الحد الذي يجعلك تقف بوجه الجميع قائلا أنا احبها ولن أتركها ما حييت.
جاسر : أخبرتك أنني لن اتركك، لقد اتفقت مع طبيب تجميل لا يستهان به ووعدني ان ترجعي كما كنت.
قمر برفض : لن أفعل، لن ألجأ إلى طبيب يعيدني إليك.
جاسر : أنا لا أفعل ذلك من أجلي حبيبتي بل أفعله كي تعودين كما كنتي.
قمر : إذاً لنتزوج وأبقى كما أنا، ألا تقول أنك تحبني.
جاسر بتردد : أجل أحبك ولكن ما المانع لإجراء بعض التحسينات.
ضحكت قمر بمليء فيها قائلة: لم ولن تتغير يا جاسر واطمأن أنا صرت جماداً لا روح فيه لم أعد راغبة بشئ سوى بحياة هادئة أما انت فابتعد واستكمل طريقك الآن.
جاسر بإصرار : لن أفقد الأمل يا أملاً أضعته من بين يدي لحظة ضعف.
نظر راشد الي الأوراق الموضوعة أمامه بدهشة قائلاً: مشوهة، تلك الفتاة يبدو أنها ليست هينة، سوف تصبح الأمور أكثر إثارة.
تحدث بجدية إلى مساعده قائلاً: هل وقعت تلك الأوراق بخط يدها؟!
الرجل بتأكيد : بالطبع سيدي.
راشد : حسنا عليك الذهاب الآن ولا تغفل عنها مطلقاً أريدك أن تراقبها جيداً.