رواية خسوف القمر الفصل الخامس5 بقلم نداء علي


 رواية خسوف القمر الفصل الخامس5 بقلم نداء علي
كانت نسمة تستشعر دفئاً حرمت منه ووجدته بين افراد عائلتها المتمثلة في عمها وزوجته وابنائهم فرغم سنوات انقطاع الود بينهم الا أن القلوب المحبة تحفظ الود مهما تباعدت المسافات وغابت الوجوه. 
لقد كانت دوماً علاقتهم وطيدة فعمها رجل حنون وزوجته كذلك وازدادت الروابط بعدما نضج ما بقلب عثمان وعلياء من عشق وكلل بخطبة وزواج لم ير النور.
بينما علياء كانت شاردة تود الهرب من هذا المكان الذي كان مهداً لحب طفولة وشباب وعشق لم ولن ينضب الا بموتها.
لطالما شيدت صروح شاهقة العلو بين يدي عثمان كم تحدثت واستمع اليها بقلبه. 

هنا كانت أحلامها التي أضحت سراباً وهنا تهدمت صروحها وتركتها جسد بلا روح.

بينما كان عثمان ثابتاً أمام الجميع وداخله غضب ورفض لوجودها فقربها مازال يزلزل الكون من حوله يتمنى لو لم يعد من سفره فلا يراها ويتمنى لو أنه لم يبتعد مطلقاً ولم تختف هي لحظة واحدة عن ناظريه يشتاقها ويتألم كونه بهذا الضعف أمامها.

تزينت شفتي نسمة بابتسامة عذبة عندما مازحها عمها قائلاً:

نسمة حبيبتي تشبهني كثيراً كما أنها سريعة البديهة كحالي بينما علياء تشبه والدها رحمه الله. 

قهقت نسمة ونكزته زوجته قائلة:

علياء لا أحد يشبهها فهي كالبدر في تمامه وكماله

العم : لقد مضى ما يقرب من الساعة احادثها وهي شاردة، كذلك والدها كان يفعل. 

علياء معتذرة : أسفة عمي فقد كنت افكر بأمر ما.

زوجة عمها : دع الامر لله يا بنيتي واخبريني كيف حالك الأن. 

علياء : بخير يا خالة ولكن ينبغي علينا العودة. 

نظر عثمان بطرف عينه اليها ولم يتحدث بينما اعترض عمها رفضاً وتحدثت ابنة عمها قائلة:

أتودين السفر قبل موعد زفافي يا علياء

علياء بحزن : سوف نأت وقت الزفاف بأمر.

زوجة عمها : لا لن تذهبا الا بعد اتمام تلك الزيجة اما ترين اننا بمفردنا انا وهي، هل طاوعك قلبك. 

عليك البقاء ومساعدة حورية في شراء ما تبقي لها من ملابس ومستلزمات للعرس.

هل تتخلين عنها يا فتاة؟

عثمان بتهكم : علياء اعتادت التخلي يا أماه فلا عجب في أمرها.

نظر اليه الجميع بغضب واستنكار بينما غادرت علياء في صمت.

توجهت الي الغرفة التي اعدت لها ولشقيقتها واغمضت عينيها تسترجع ما حدث

فلاش باك

............................... 

كانت علياء تدور بسعادة كفراشة رائعة الجمال خرجت للتو من شرنقتها الي الحياة

تساءلت في براءة قائلة:

هل أبدو جميلة يا قمر ؟

أجابتها قمر بتأكيد : بل انت فاتنة يا علياء لم اعتقد ان الفستان سيبدو بتلك الروعة. 

علياء : أجل، لقد اعجبني للغاية، ارجو ان ينال اعجاب عثمان. 

قمر : حسنا يا حمقاء اعتقد انك ان ارتديت زي مهرج سينظر اليك عثمان بوله وافتتان فهو عاشق حد الجنون. 

أمسكت علياء احدي الوسادات والقتها بوجه قمر قائلة:

الا يحبك جاسر يا هذه ؟

قمر بهيام : يحبني وانا اعشقه. 

علياء : كم انا سعيدة، اتعلمين لم أشعر بسعادة كهذه من وفاة والدتي. 

احتضنتها قمر بحب قائلة : بالله عليك يا بائسة لا تفسدي جمال اللحظات التي نحياها وتذكرين والدتك وتبكين وابكي انا جوارك

أومأت اليها علياء متسائلة:

أين نسمة؟

قمر : أرسلتها لكي تحضر لنا بعض المسليات

قهقة علياء وبادلتها قمر الضحكات التي كانت تعلو من قلوب يغمرها العشق وبخارج الغرفة كانت زوجة والدها تتميز غيظاً فكيف لعلياء ان تحظى بتلك السعادة وتتزوج بعثمان بينما هي قد تزوجت برجل يكبرها بسنوات عدة والأسوأ أنه ارمل ولديه طفلتان.

 عليها انتزاع تلك السعادة من جذورها.

توجهت بحزن مصطنع تجاه غرفة زوجها الذي طالعها بقلق قائلاً:

ماذا حدث يا تحية!

اجابته بخفوت : ابنتك لا تعيرني اهتماماً وتكتفي بصديقتها المدعاة بقمر، حاولت مراراَ التقرب اليها دون فائدة. 

صادق بهدوء : قمر وعلياء صديقتان منذ الطفولة وتعلمين انهما لا تفترقان. 

تحية : حسناً كما تشاء يا صادق انا المخطئة. 

صادق : لم اقصد ذلك!

تحية : انا أحاول جاهدة انا أعوض ابنتيك غياب والدتهما ولكنهما لا تعطياني الفرصة.

تحدثت بخبث قائلة:

ربما كان السبب هو خوفي علي علياء من علاقتها بعثمان ونصيحتي المتكررة لهما بالتريث والا ينجرفا وراء مشاعرهما. 

صادق بغضب : ماذا تقصدين!؟

تحية : لا شئ.

أمسك بمعصمها يعنفها بقسوة وتحذير قائلاً

اخبريني يا امرأة ماذا حدث؟

تحية بمكر : لا شئ يا أبا علياء لكن عثمان يستغل ثقتك به ولا يطيق الانتظار الى أن يتمم زواجه من علياء وهي بالأخير مازالت صغيرة بالعمر وتنساق خلف مشاعرها..

لقد شاهدتهما مراراً يتبادلان القبلات وحذرتهما دونما فائدة ولم أشأ ان اعكر صفو علاقتكم فهو ابن اخيك. 

وبالفعل استطاعت تحية تعكير الصفو واستطاعت اقناع والد علياء بما تريده هي

اندفع والد علياء تجاه غرفتها دون استئذان يسبها ويكيل اليها اتهامات لم تتخيل علياء يوما ما أن تسمعها بينما قمر تحاول دون فائدة ان تحيل بينه وبين صديقتها.

 لم يبتعد صادق عن ابنته الا بعدما تلون فستان زفافها بدمائها وكادت أن تفقد وعيها بين يديه. 

هرول عثمان الذي أتاه صوت علياء وصراخها القوي ليقف مبهوتاً بعدما نظر اليه عمه قائلاً:

هل وصلت بك الوقاحة أن تأت الي هنا

عثمان : وما الذي فعلته يا عماه؟

صادق ممسكاً عثمان بقسوة : هل تراني ديوثاً يا هذا !

عثمان برفض : حاشا لله يا عمي ماذا تقول، أنا لم افعل شيئاً يسئ اليك أو الى علياء. 

صادق : بل أنت كاذب لقد اتخذت من ثقتي المفرطة بك ستاراً تخفي خلفه تقربك من تلك الساقطة وربما سلمتك نفسها لذا تتلهف الي الزواج بها قبل أن ادري بما حدث

شهقت قمر باستنكار وتحدثت بقوة وجرأة كانت تتميز بهما قائلة:

وهل انت ياعمي لا تعلم يقينا حسن اخلاق ابنتك وابن اخيك أم أن الحية التي بثت سمها بأذنيك جعلتك تنسى. 

صادق بغضب : لا شأن لك يا قمر. 

قمر : كيف، علياء شقيقتي واكثر. 

صادق بحدة : قلت لا شأن لك يا فتاة وهيا انصرفي الى بيتك. 

امسكت علياء بكف قمر وكأنها تستنجد بها الا تتركها بمفردها لكن اصرار صادق وكلماته الحادة اجبرت قمر علي الذهاب وتلك كانت الذكرى الاخيرة لقمر وعلياء قبل أن تتشوه حياتهما سوياً فعقب أيام تعرضت قمر لذاك الحادث وانفصلت علياء عن عثمان مرغمة.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

والاعتياد هو الخطوة الأولى في درب الهوى فحب الاشياء يعني اعتيادك لوجودها وتعودك علي بقاءها واعتيادك لرؤية شخص ما يشبه الي حد كبير ادمانك لقهوتك اليومية التي اعتدت تناولها.

اعتادت قمر القرب من يامن والعمل بصحبته صارت تنتظر مضي الليل سريعاً ليحل الصباح وتشرق شمس جديدة تنير عالمها الذي غمره الظلام سنوات.

اعتادت حديثه وصمته نظراته الصامتة وربما غموضه.

ورغم تعامله الجاد معها الا أنها ترى بتعامله وداً افتقدته كثيراً فيامن هو الرجل الأول الذي يتعامل معها دون أن يراها او ربما يتعامل معها بتلك الصورة كونه لا يعلم أنها مشوهة.

مدت قمر يدها اليه ببعض الأوراق فدقق النظر اليها قليلاً ليتحدث بجدية قائلاً

حسنا يا قمر، هناك بعض الاصناف التي نحتاجها سجلت لك البعض منها.

إذا أتى مندوب شركة الأدوية اثناء غيابي عليك بالتعامل معه.

قمر : حسناً.. سأفعل بأمر الله. 

يامن : لمَ تبدين اليوم هادئة، هل انت بخير؟

قمر بخفوت : أجل انا بخير.

يامن : سوف أتوجه الى المسجد لأصلي العصر.

غادر يامن ولم تجبه قمر بل كانت تشعر بالاختناق مشاعرها تلك ليست من حقها.

عليها ان تفيق من احلامها الواهية فهي قد فقدت حق الاختيار منذ تلك الليلة التي أطاحت بحاضرها ومستقبلها. 

انشغلت قمر قليلاً بالعمل والمرضى والزبائن الذين يتناوبون علي الصيدلية الي أن ظهرت أمامها تلك الفتاة..

فتاة جميلة؛ أنيقة، تعمل مندوب بأحد الشركات الطبية، ثقتها بنفسها تشعر قمر بالخوف فهي على نقيضها.

ابتسمت الفتاة بعملية قائلة:

مرحباً دكتور قمر، كيف حالك؟

قمر : بخير. 

الفتاة : أين دكتور يامن ؟

أجابها يامن بدلاً من قمر قائلاً بمزاح أتعب قلب قمر

ها أنا ذا، من يريدني ؟

أجابته الفتاة ببعض الدلال الخفي

بالتأكيد انا اريدك دكتور يامن، ومن تلك التي لا تريدك. 

ابتسم يامن بمجاملة وادمعت عينا قمر وكأنها طفلة صغيرة فقدت للتو شيئا غالياً كانت تود الاستئثار به فانتزعه أحدهم من بين يديه.

طال الحديث بين يامن وتلك الفتاة بأمور العمل وغيرها فهي لبقة للغاية وثقافتها لا يستهان بها.

طلب يامن الى قمر اعداد بعض الشاي لثلاثتهم فازداد انهياار قمر معتقدة أنه تعمد اهانتها بينما هو لم يقصد ما تفكر به.

غادرت الفتاة وانتهى اليوم ببطئ وكأنه يأبى الانتهاء.

حملت قمر حقيبتها وهمت بالانصراف لكن 

صوت يامن استوقفها قائلاً:

انتظري يا قمر بإمكاني ان أقلك في طريقي

نظرت اليه قمر بعيون جريحة تتألم من الكون بأكمله فاستنكر يامن دموعها تلك قائلاً:

ماذا هناك.. هل أصابك مكروه أم ماذا؟ 

قمر بغضب : وما شأنك انت؟

يامن بتعجب: هل جننت يا فتاة!

قمر بحدة : لست طفلة صغيرة لتدعني بفتاة، اسمي قمر. 

يامن بهدوء لم يعطه لسواها

حسنا دكتور قمر، ماذا حدث وبما اخطأت أنا لأغضبك بذاك القدر؟

انتابت قمر نوبة بكاء حادة عجزت عن الهرب منها. 

ووقف يامن عاجزاً لا يعلم ما عليه فعله.

تركها يامن تهدأ قليلاً ليتحدث بعد قليل 

بصوت دافئ قائلاً:

انا لا اعلم لمَ تبكين ولكن ان كنت انا السبب فحقاً انا اعتذر اليك. 

قمر : لقد طلبت اليَ اعداد الشاي لكما وكأنني خادمة هنا وانا لست كذلك. 

يامن بصدمة ورفض : بالطبع لا أنا لم اقصد ذلك مطلقاً لقد تعاملت معك كما افعل دوماً فأنت كشقيقتي الصغرى.

شقيقتي!

اعادها عقل قمر مرات متتالية وكأنها تحاول استصاغتها.

هدأت نوبة بكاءها قليلا وتحدثت بترو قائلة:

لا داع للاعتذار دكتور يامن يبدو أنني متعبة قليلاً وأعاني بعض التوتر.

 عليَ الانصراف. 

يامن : لا، سوف اصطحبك معي فأنا متجه الى نفس وجهتك. 

قمر بحزن : لا اعتقد، فوجهتانا مختلفتان تماما.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

اختبأ خلف باب غرفته وكأنه يحتمي به من ضعفه الذي يدعوه الى الذهاب إليها واحتضانها بين يديه معتذراً.

يعلم أنه أحزنها ولكن ينبغي عليه ذلك فقد قتلته ، مزقت قلبه وتركته ينزف في صمت وافقت وان كانت مرغمةـ فقد وافقت واستسلمت وصارت ملكاً لرجل سواه

أمسك بين يديه كفيها اللتان كان يستشعر بداخلهما قلبه يخفق بضعف ينبض ويحيا لها وبها.

مؤكد أنه قد نظر الى عينيها وغرق داخل أمواجهما القوية وربما بادلته هي تلك النظرات وابتسمت اليه فأنارت حياته كما كانت تفعل معه هو.

هل سمحت له أن يقبلها ويمس شفتيها، هل نال منها ما لم ينل منها هو!

هل أخذ حقه الذي احتفظ به سنوات.

بكى عثمان بقوة رجل تقتله نيران الغيرة والاشتياق واقنع قلبه وعقله ان ما يفعله مع علياء ليس الا رد فعل لدموع صاحبته سنوات في غربته وعزلته التي اختارها كي يبتعد عن دربها.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

استيقظت علياء في الصباح يداهمها ألم قوي برأسها لكنها لم تهتم.. توجهت بخطوات هادئة كي لا تزعج شقيقتها النائمة جوارها وتناولت بعض المسكنات.. استمعت الي دقات خفيفة فوق الباب فاتجهت لرؤية الطارق.

علياء بهدوء : صباح الخير خالتي

والدة عثمان : صباح الهناء يا حبيبتي.

هيا نتناول الفطور سويا فقد اعددت لك ما تشتهين. 

علياء : سلمت يداك يا خالة لكنني متعبة ولا ارغب في الطعام، بالهناء والعافية لكم.

استمع عثمان الي قولها متعبة فأصابته نغزه قوية بأضلعه وخفق قلبه فتساءل بقلق

ما الذي يؤلمك يا علياء ؟

علياء : لا شئ.

عثمان : ارتدي ملابسك وسأنتظرك بالسيارة لنتوجه للطبيب

ابتسمت والدته بحبور فهي قد تيقنت من عشق ولدها لعلياء رغم سنوات البعاد واصرت علياء على الرفض قائلة:

اشكرك كثيراً استاذ عثمان لا تقلق بشأني ولا تهتم كثيراً، سوف اذهب للطبيب عند عودتنا الي القاهرة.

ابتسمت علياء الي زوجة عمها قائلة:

عقب عرس حورية ان شاء الله.

اقترب عثمان منهما قائلاً بحدة :

اياك ان تتحدني يا علياء وعندما اطلب اليك أمراً عليك فقط أن تطيعيه هل فهمت !

علياء بغضب : في احلامك فقط يا عثمان، أفهمت ما أقول أطيعك فقط في احلامك.

ابتسمت والدة عثمان خفية وقد استبشرت خيراً بعودة علياء لسابق عهدها فكانت هي الوحيدة القادرة علي تحدي عثمان ومواجهة عصبيته وعناده ونظر عثمان الى علياء متوعداً فأشاحت بوجهها عنه واتجهت بصحبة زوجة عمها لتناول الفطور.

أتى يامن الي الصيدلية فوجد قمر جالسة، ابتسم قائلاً:

صباح الخير يا قمر، اليوم انت نشيطة للغاية فتلك سابقة أن تسبقينني الى العمل.

ارتبكت قمر من حضوره القوي لكنها تذكرت ما حدث بينهما بالأمس فأجابته باقتضاب

صباح الخير دكتور يامن، سوف أسعى الى المجيء مبكراً قدر استطاعتي.

يامن : هل أتت سمية أم لا ؟

قمر : ليس بعد.

يامن : حسناً..

انقضى بعض الوقت وأتت سمية، نظرت الي قمر كالمعتاد والقت التحية وبادلتها اياها قمر، واقتربت من يامن قائلة :

كيف حالك دكتور يامن؟

يامن بود : بخير حال، هل تتناولين معنا الشاي كما الأمس.

اومأت سمية بترحاب وانزعجت قمر للغاية.

لكن يامن اقترب منها قائلاً:

سوف أعد انا الشاي اليوم فبالأمس تفضلت علينا واعددته لنا، اعتقد أنه قد حان دوري لرد الجميل يا قمر.

نطق اسمها بنبرة مختلفة محيرة فلم تدر قمر هل يناديها أم يصفها وابتعد يامن بتوتر بعدما تعلق بصره بعينيها الفائقة البراءة والسحر.

لم تعلم قمر حينها هل تجبه أم تكتفي بدقات قلبها المتسارعة التي تعبر له عن مدى سعادتها وامتنانها له بينما نظرت اليهما سمية بضيق فهي لم تعتقد ان قمر خصم له وزن ويجب أن تضعه في الحسبان
تعليقات



<>