رواية خسوف القمر الفصل الثامن8 بقلم نداء علي


 رواية خسوف القمر الفصل الثامن8 بقلم نداء علي
اهتزت ثقة يامن قليلاً بعدما أعلن جاسر عن كونه خطيباً لقمر لكنه سرعان ما استعاد ثباته وتحدث بجدية قائلاَ:
وان يكن! هل يمنحك ذلك الحق أن تتطاول معي وتتحدث اليَ بتلك الصورة الفظة ؟
اقترب جاسر مرة أخرى قائلاً بغرور :
واكسر لك رأسك، الا تعلم من أنا؟!
ابتسم يامن ساخراً فاستشاط منه جاسر وهم بضربه لكن يد يامن كانت الأسرع وأطاح به بقسوة.
اقترب راشد الذي قد أتي مهرولاً بعدما أخبره رجاله بالشجار الدائر بين يامن وجاسر.
أزاح راشد يامن برفق قائلاً بهدوء:

دع لنا الأمر يامن بيك وسنتولى نحن تأديبه

نظر إليه يامن محذراً متحدثاً بلهجة آمرة

حذارى أن يقترب منه أحد، هل سمعت يا راشد.

إياكم وايذائه فأنا كفيل به .

أحس جاسر ببعض الرهبة فتراجع عن هجومه.

وبادله يامن نظراته بأخرى تعني الكثير.

طالت غفوتها وكأنها تتخذ منها ملاذاً، كانت بلا حراك وكأنها فاقدة للحياة، جلست تلك المرأة جوارها تتحس جبينها برفق فشهقت في فزع قائلة:

يا الهي! تلك الفتاة أصابتها الحمى.

تهافتت عليها النزيلات بترقب وفضول فدفعتهن بحدة تلك السيدة العجوز قائلة:

ابتعدن قليلاً ايتها البائسات وتوقفن عن ذاك الفضول القاتل الفتاة تصارع الموت..٪

هيا يا عائشة استدعي أحد الحراس علهم يغيثونا ويحضروا طبيباً لتلك المسكينة

أسرعت تلك المسماة بعائشة تنادي بصوتها الجهوري قائلة:

النجدة، هناك فتاة متعبة للغاية وعلى وشك الموت.

اقتربت حارسة الزنزانة بتكاسل قائلة بفتور

وهل أمثالكن يؤثر بهن المرض.

عائشة : بالله عليك تلك الفتاة تبدو بريئة ولم يمض علي وجودها بالسجن سوى يومان، والآن هي فاقدة للوعي ويبدو أنها مصابة بالحمى.

الحارسة : حسناً، توقفي عن الثرثرة واحمليها لنأخذها الى الطبيب.

حملتها عائشة بخفة وصارت بصحبة الحرس باتجاه العيادة التابعة للسجن.

وتمتمت المرأة بداخل الزنزانة قائلة:

عجباً لتلك الفتاة، لم يمض على وجودها عدة ايام وأوشكت على الموت بينما انا قد قضيت نصف عمري هنا وعندما أخرج اشعر بالحنين الى هنا، ربما لم تدرك تلك الساذجة أن ما نحن فيه لا يقارن بما ينتظرها بالخارج فالدنيا لا ترحم الضعفاء.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

ولا ندري اتلك القسوة قد غرست بباطن الأرض منذ نشأتها أم أن الانسان هو من غرسها بيديه وروى بذورها إلا أن كبرت وتفرعت أغصانها وتشابكت فصارت تحيطنا من كل صوب.

تحدث جمال بغضب ورفض قائلاً بلهجة آمرة:

ذاك الفتى لابد أن يؤدب، فمن تسول له نفسه ان يتطاول على ولدي يجب ان يدرك أنه حشرة أسحقها تحت قدمي بعدما تجرأ على أسياده.

راشد : لقد حاولت يا سيدي التدخل إلا أن يامن بيك رفض بشدة بل وأخبرني أنه لن يسمح لأحد ان يمس ذاك الرجل بسوء.

جمال : يامن الأحمق يتحداني ولن يهدأ له بال إلا بموتي.

راشد : أطال الله عمرك سيدي، أعتقد أن يامن بيك غاضب بعض الشئ ولذا يرفض المساعدة منا.

جمال بجدية : سأذهب اليه الأن، هو لن يأت وعليَ مواجهته، إما أن يعود وإما أن يتحمل داوود وقمر تبعات فعلته أنا لن أصبر بعد الآن ..ة

راشد : سيدي أعتقد أنه عليك التريث قليلاً

أشار جمال بيده منهياً الحوار فأومأ راشد في طاعة وتوجها الى مقابلة يامن.

ترددت الكلمة بأذني يامن كثيراً، خطيبها، هل قمر مرتبطة بأخر، نهر نفسه قائلاً :

وما شأني أنا، لكنها لم تقل ولم تتحدث من قبل عن ذاك الخطيب.

بينما كان جاسر يطالع يامن بغضب فهو لم يشعر بالارتياح لوجوده.

اقترب المحامي الخاص بيامن من مجلسه وهمس اليه بخفوت لم يصل الي أحد سواه فتبدلت ملامحه علي الفور وغادر بصحبة المحامي.

تنهد جاسر بارتياح عقب رحيل يامن والتفت الي سميحة التي كانت تئن في صمت قائلاً:

لا تقلقي لا يا خالة بأمر الله سنخرج قمر من هنا.

سميحة بترقب : حقاً يا جاسر، هل أخبرك المحامي بذلك؟

جاسر بهدوء : ليس بعد لكنه لن يدخر جهداً في سبيل اخراجها فهو محامي ذات شأن ولديه من الخبرة ما يكفي.

سميحة بأمل : ليته يفعل.

جاسر بسعادة : سيفعل، إن شاء الله سيفعل وتعد قمر إلينا.

نظرت اليه سميحة بتعجب قائلة:

إلينا، ماذا تقصد يابني، ألم تتركها وتتزوج بأخرى، انا لم أشأ تكذيبك أمام ذاك الرجل واكتفيت بالصمت عندما أخبرته أنت ان قمر خطيبتك.

جاسر بحزن : انا اعلم انك غاضبة مني.. لكني طلقت زوجتي وحاولت مراراً إصلاح الأمر بيني وبين قمر لكنها تأبى العودة أو الاستماع اليَ

لن أتركها وسوف اخرجها من هنا واطلب اليها الزواج، ولكن ارجو منك مساعدتي والوقوف الى جواري. 

نظرت اليه سميحة بتردد، عقلها يرفض الوثوق به وقلبها كأم يخبرها أن قمر ليس لديها بالحياة فرص للاختيار، أما أن تبقى بلا زواج إلى الأبد، أو ترتبط بمن يتغاضى عن تشوهها، اختياران كلاهما مر.

لمَ لا تعط جاسر فرصة ثانية؟! 

لقد عاد بإراداته راغباً بوصالها ويبدو أن مشاعره تجاهها كما هي، ربما قد أخطأ فيما مضى وها هو الآن يسعى الى الوقوف جوارها وتبرئتها.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

كانت نظرات يامن مشحونة بنيران الغضب والرفض والكره لبطش والده بينما جمال كعادته ينظر الى يامن بهدوء

تحدث يامن بغضب قائلاً:

ألم تأخذ من موت رأفت عظة، ألم يساورك الخوف لوهلة واحدة، ماذا تريد مني؟! 

أنا لا أريد الرجوع معك لا أطيق العيش كما كنت.

دعني وشأني يا رجل لقد اكتفيت من تصرفاتك تلك. 

جمال : هل من الأدب أن تتحدث الى والدك هكذا؟! 

يامن : لا حول ولا قوة الا بالله.

وهل يفعل الأب ما تفعل انت، هل يقوم الأب بظلم أناس أبرياء لتحقيق رغباته!. 

جمال : وأحرق الكون من حولك يا يامن إلى أن تعد إلى رشدك وتدرك خطورة تصرفك.

 أنا لن أحيا بمفردي وينتهي بي الحال جثة هامدة وسط الخدم والحرس.

سترجع إلىَ شئت أم أبيت، سترجع الى شركاتك وتواصل العمل مثل أخيك. 

هل فهمت؟! 

يامن : وإن لم أفعل، هيا أخبرني، هل ستزج بي الى السجن أنا الآخر؟! 

جمال بجدية : محال أن افعل، بل ان كنت أنت الفاعل ما تركتك تدفع ثمن جريمتك.

ان لم ترجع يا يامن سيقضى داوود باقي أيامه بالسجن حتي وفاته، سأقضي عليه بإشارة من يدي وتلك الفتاة، سأجعلها عبرة لغيرها، لن اتراجع حتى ترجع.

استعاد يامن بعضاً من شراسته التي تخلى عنها مع أشياء كثيرة تركها وراء ظهره فيما مضى وطالع والده بثقة قائلاً

حسنا.. سأرجع ولكن لن افعل قبل خروج داوود، ورؤية قمر فقد أخبرني المحامي منذ قليل بأمر مرضها، واعلم أنه ان أصابها مكروه فلن ارجع إليك وإن انقلبت الدنيا رأساً على عقب.

ابتسم جمال بسخرية معلقاً:

لك ما تقول يا سيد يامن.. بعد قليل سترى تلك الفتاة، وسيخرج داوود قبيل عودتك.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

لاحظ العم شرود علياء فاستغل صمتها وصمت عثمان قائلاً:

لقد استخرت الله ورأيت ان رجوعكما الى العيش بالقاهرة بمفردكما درب من الجنون.

عندما يسترد الله أمانته وألحق بأخي ربما عليكما أن تذهبا. 

علياء : عماه بالله عليك لا تقل ذلك، أنا ونسمة لم يعد لنا سنداً بعد الله سواك. 

العم : اذاً عليكما أن تصغيا إلىَ. 

علياء : عمي انا لم أقل أننا سنبقي بالقاهرة الي الابد بل هي مرحلة هامة لكي نسترد بيت أبي وتنهي نسمة عامها الدراسي ثم نرجع الى هنا.

عثمان : وهل ترين يا علياء أن رجال العائلة قد عدموا جميعا وسنترك الامر لسيادتك كي تَواجهين زوجة والدك بمفردك. 

علياء : لم اقصد ذلك ولكن الأمر يعنيني وينبغي ان أواجهه بلا خوف. 

العم بجدية : ربما يجب علينا ان نحقق قولك وقول عثمان على حد سواء. 

عثمان : وكيف ذلك؟! 

العم : تتزوجا ووقتها ستواجه تحية دون تردد فالبيت الذي سلب من علياء ونسمة بيت جدك وعمك وبعد إتمام الزواج سيضحي بيت زوجتك. 

كانت علياء ترفرف بين سحب الخيال لا تصدق ما يقوله عمها لكن التردد الذي قرأته بعيني عثمان أطاح بها الى ثرى الواقع.

حاولت زوجة العم المزاح عل عثمان يفق من صمته الذي قد طال فتحدثت قائلة بمرح

ان لم يتزوجها عثمان زوجناها لرائد شقيق باسل زوج حورية. 

ألتفت عثمان الى والدته بحدة وأعمته غيرته فأجابها بجدية:

وهل يعلم رائد أنها مطلقة؟

شهقت والدته بفزع ووقفت نسمة امامه صارخة بوجهه وكأنها ليست تلك الصغيرة التي تربت علي يديه قائلة:

متى تتوقف عن تعنتك واهاناتك المتكررة في حق علياء، أتلومها علي ارتباطها بسواك؟

واين كنت وقتما ارتبطت هي بآخر، ما الذي فعلته انت سوى الهروب. 

لقد أتيت الى هنا قبل عقد قرانها، هرولت اليكم دون علم والدي ودون علم شقيقتي.

أردت ان أبلغك بما يحدث وان ابي يزوجها رغماً عنها. 

نظرت علياء الى شقيقتها قائلة:

ماذا تقولين!

ادمعت عينا نسمة فاستطردت قائلة:

لقد ساعدتني قمر رغم ما أصابها آنذاك وأتت معي الى هنا فوجدناه قد سافر إلى الخارج.

 هرب ولم ينظر وراءه.

عثمان : اصمتي يا فتاة.

نسمة : لن أفعل، انت رجل ولم تستطع الوقوف بوجه أبي، كيف تنتظر منها هي الوقوف بوجهه؟ 

تساءل العم بحزن قائلاً:

لمَ لم تأت اليَ يا بنيتي! أنا لم أعلم بمجيئك الى هنا سوى الآن. 

نسمة بحزن : لم يكن أبي ليستمع الى أحد فقد احكمت تحية نسج شباكها من حوله وخشيت إن علم بخروجي دون اذنه ان يبطش بي مثلما كان يفعل بعلياء كي توافق على زواجها من ذاك الوغد.

تنهدت نسمة قائلة:

لقد كنت طفلة في ذاك الوقت وظننت ان عثمان الفارس المغوار سيأتي مهرولاً ويختطف علياء ويتزوجها، لم اتخيل ان يفر هارباً ويأت بعد سنوات ويلومها.

العم : حفظك الله يا نسمة، لقد أساء والدك كثيراً في حقكما إلا أنه قد أحسن تربيتكما.

وجه العم بصره الى عثمان قائلاً بتحدي

ان لم تشأ الزواج بابنة عمك فهنيئاً لها، وسوف أزوجها بمن يستحقها.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

استأذن يامن في الدخول اليها بخطى خجلة فما اصابها من أذى كان هو سبباً به.

مهلاً! هل أخطأ بالدخول الى غرفة قمر.

من تلك الفتاة النائمة أمامه؟ هل تشوه وجهها بالسجن أم أن ما يراه ليس الا تخيلاً.

فتحت عيناها ببطئ تطالع المكان من حولها لتستقر نظراتها امام نظراته المتفحصة

سالت دموعها في صمت أكد ليامن أن تلك الفتاة هي قمر.

عيناها محال أن يخطئ بهما، ولكن كيف ولمَ؟! 

وهل كانت تقصد إخفاء حقيقتها عنه أم أن دخولها الى حياته ليس محض صدفة.

هل والده له يد بوجودها جواره ام أن وجودها جواره كان سبباً لكي يرجع الى والده.

هل براءة نظراتها حقيقة أم أنه ادعاء وخيال ككل شئ من حوله .

أغمضت عيناها مرة ثانية بعدما ايقنت أن الحقيقة قد كشرت عن انيابها القاسية وظهرت من جديد ليعاود القمر خسوفه من جديد عله يبتعد ولا يراه أحد.

تعليقات



<>