رواية حجر الشيطان
الفصل الاول1 والثاني2
بقلم شاهنده
الشخصياتمروان فياض..فى أواخر الثلاثينات من عمره..شعره أسود وعيونه سوداء .. ..يحمل ماض أثر على شخصيته ليجعل هدفه الأول والأخير ...الانتقام.
زينة عبد الكريم ..فى اواخر العشرينات من عمرها..جميلة ..بريئة عيونها رمادية.
ياسين تاج الدين..شاب وسيم..أسود الشعر والأعين..ذو لحية خفيفة فى اوائل الثلاثينات من عمره..هدفه بدوره الانتقام ممن كانوا سببا لعذابه.
فتون سلطان..فتاة جميلة جدا تمتلك ابتسامة ساحرة تظهر غمازتيها..وعيون بندقية اللون..قوية الشخصية..هدفها الأول والأخير الانتقام من قاتل أختها الوحيدة ميسون.
نبيل عزام..شاب وسيم جدا ذو عيون خضراء ..شريك فتون فى كل شئ.
دارين تاج الدين..أخت ياسين..فتاة جميلة جدا شعرها بني ناعم وعيونها عسلية اللون.
عدنان المسيرى..لقبه الشيطان،وهو لقب يليق به فأينما يوجد..يعم الخراب.
سوزى..زوجة سعيد فياض والد مروان..صغيرة السن بالنسبة إليه..فاتنة ولكنها ذات روح شريرة قبيحة من الداخل.
الفصل الأول1
وقفت زينة تتطلع من النافذة الى قائد الحرس هارون.. الذى يلقى تعليماته بسرعة على رجاله..كان قد زاد من أعدادهم فى المنزل اليوم..حتى أنها شعرت ان هذا المنزل يتحول الى ثكنة عسكرية .. لتسخر من نفسها وهى تدرك انها كانت تعد هذا المنزل دائما كسجن لها مشدد الحراسة..فماذا يكون الآن؟
انتفضت على تلك الأوامر الحادة و التى ألقاها هارون على مسامع حراسه فى عصبية..لتدرك أن هناك أمر ما سيحدث اليوم..عقدت حاجبيها فى حيرة تتساءل عن كنه هذا الأمر؟؟
دلفت فى نفس الوقت إلى المطبخ دادة نجاة فالتفتت إليها زينة على الفور واقتربت منها قائلة فى فضول:
هو فيه ايه يادادة ؟..البيت ماله قلب كدة وبقى عامل زى ما يكون فيه حرب هتقوم فيه النهاردة ..وماله هارون قاعد كدة زى المجنون يزعق فى الحراس؟؟..أنا مشفتوش بالشكل ده قبل كدة.
تلفتت دادة نجاة حولها قبل ان تقول لزينة بهمس:
شكل الموضوع كبير يازينة..كل اللى أعرفه ان فيه ضيف مهم جدا جاي النهاردة للباشا الكبير..والدنيا والعة برة..شكلهم خايفين منه..والله يابنتى انا مش مصدقة ان الباشا ورجالته ممكن يخافوا من حد بالشكل ده..بس كل اللى بيحصل برة بيقول كدة..تعرفى..أنا نفسى اشوف مين اللى قدر يعمل فيهم كدة ؟دول مش بس خايفين منه.. دول مرعوبين كمان.
هزت زينة كتفيها فى حيرة ثم استغرقت فى التفكير..تتساءل بدورها عن ذلك الضيف الذى أرسل الرعب فى أوصال ذلك القذر هارون ورجاله..لتتساءل ايضا.. مما يخشى عدنان؟ذلك الرجل الذى تدرك أنه بلا قلب من الأساس ليخشى شيئا؟..هزت كتفيها فى حيرة تبعد عن عقلها تلك الأفكار التى حيرتها ..لتلتمع فجأة عينيها وقد خطرت لها فكرة ..اذا كانوا يخشون ذلك الضيف بتلك الطريقة..اذا فلن يجرءوا على تفتيش سيارته عند ذهابه من هنا..نعم ..لن يجرءوا ،وبالتالى ان نجحت فكرتها المجنونة فربما وربما فقط تكون تلك هى فرصتها الوحيدة للهروب من ذلك المكان..لتعقد حاجبيها وهى تخشى تلك الفكرة ..فان كان ضيف عدنان بمثل قذارته فسيكون لديها ما تخشاه ..هي لا تخشى على نفسها قط بل تخشى على ابنها الذى لم يكمل الخمس سنوات بعد..لتعود وتطمأن قلبها أنها ستخرج من سيارته قبل أن يشعر بها وبإبنها الحبيب..هى مخاطرة كبيرة ولكن من اجل طفلها لابد وأن تقوم بها ..ربما وقتها استطاعت التحرر من ذلك السجن الذى أجبرت على العيش فيه.
أفاقت من افكارها على صوت دادة نجاة وهى تقول لها:
روحتى فين يابنتى..أنا قاعدة انادى عليكى ومبترديش.
ابتسمت زينة براحة قائلة:
انا هنا أهو يادادة..كنت بفكر بس فى الضيف اللى جاى النهاردة.
قالت الدادة نجاة بخوف:
ملكيش دعوة بيه يازينة يابنتى ومتخرجيش من أوضتك انتى وفارس خالص..خلينا فى حالنا وماشيين جنب الحيط..احنا مش أد الباشا ورجالته وانتى عارفة..أنا خايفة عليكى ياضنايا وعلى حبة عينى.. ابنك فارس ربنا يحميه.
ربتت زينة على يد نجاة قائلة فى حنان:
اطمنى يادادة متقلقيش .
ابتسمت دادة نجاة وهى تربت على يد زينة بدورها فى حنان لتتأملها زينة..تتأمل تلك السيدة الطيبة التى كانت الى جوارها فى كل لحظة منذ ان جاءت الى ذلك المنزل ..دعمتها بحنانها وعطفها وأصبحت سندا لها فى ذلك السجن الاجبارى..ولولا وجودها الى جوارها ما تحملت الحياة هنا ولو ليوم واحد..حقا ستفتقدها عندما تغادر ذلك المكان القذر..لتواسى نفسها بأن دادة نجاة ستكون بخير ..وأنها فى يوم من الأيام ربما إستطاعت اخراجها من هذا المكان الذى تكرهه من كل قلبها ..والذى يشبه بكل تأكيد جحر الشيطان.
*******************
لقيته يافتون هانم..أخيرا لقيته
نطق المحقق بتلك الجملة بارتياح..لتلتمع عيني فتون وتتبادل نظرات ذات مغزى مع نبيل لتعود بنظراتها إلى المحقق قائلة بنبرات ملهوفة:
لقيته فين ياسعيد؟
قال سعيد بابتسامة:
نقل من شرم للقاهرة ..هو وجدته وأخته..وفاتح شركة مع واحد صاحبه اسمه مروان.. بقالهم سنة تقريبا.. بس محققين شهرة ونجاح حلوين اوى فى السنة دى..واسم شركتهم بيتعملوا دلوقتى ألف حساب.. الشركة باسم صاحبه وعشان كدة مكناش قادرين نوصل لأى حاجة عنه..شاركه بفلوس ورثه اللى ورثها بعد ما إتوفى جده واللى سابله ثروة كبيرة اوى.
ثم ناولها ملف وهو يقول:
الملف ده فيه كل حاجة عنه وعن شركته ..وعن شريكه كمان..وبالتفصيل.
أومأت فتون برأسها وهى تمسك الملف قائلة بامتنان:
أنا مش عارفة أشكرك إزاى ياسعيد..أنا وظفت كتير عشان يجيبولى اى معلومة عنه بس انت الوحيد اللى قدرت توصله..ودى حاجة كبيرة اوى عندى ..صدقنى.
نظر سعيد الى ملامحها الجميلة وعينيها الزيتونيتين بإعجاب واضح ..ليتنحنح وهو يعدل وضع نظارته قائلا:
احمم..ده واجب علية يافتون هانم..أس..أستاذن أنا.
اومأت فتون برأسها قائلة:
اتفضل ،وياريت تعدى ع الحسابات هتلاقى شيك بإسمك..دول بقية أتعابك..ومتشكرة أوى ياسعيد.
أحس سعيد بأنه يذوب فى عمق عينيها وهو يقول:
انتى تؤمرينى ياهانم ولو احتجتينى فى أى وقت أنا موجود وفى الخدمة.
ابتسمت وهى تومئ برأسها لينهض سعيد ويغادر المكتب ليجلس نبيل مكانه قائلا:
خدى بالك.. سعيد معجب بيكى فياريت لما يكون موجود توقفى ابتسامات بغمازاتك دى..الراجل مش أدك يافتون.
ابتسمت فتون قائلة:
لو مكنتش أخويا..كنت قلت إنك غيران علية يانبيل.
ابتسم نبيل قائلا:
وهو الأخ مبيغيرش على أخته يافتون؟..انتى صحيح اختى فى الرضاعة.. بس بحسك من دمى..شقيقتى..وأكيد بحبك وبغير عليكى..بس الموضوع دلوقتى مش غيرة..سعيد متجوز..ولو اتعلق بيكى يبقى هنخرب بيته واحنا ملناش فى خراب البيوت يافتون ..كل واحد فينا جرب يعيش فى بيت انخرب بسبب واحدة تانية ولا ايه؟
أطرقت فتون برأسها تفكر قائلة:
معاك حق..خلاص..آخر مرة هطلب سعيد فى شغل مع انه شاطر أوى يانبيل وهو الوحيد اللى قدر يجيبلى المعلومات اللى أنا طالباها..بس انا مش هقدر أتحمل بيته يتهد بسببى وانا ملاحظة فعلا انه معجب بية.
قال نبيل بابتسامة:
هى دى فتون أختى..قوليلى بقى هنعمل ايه فى صاحبنا؟
قست عيناها الجميلتين وأصبحت فى برودة الثلج..ليدرك نبيل مدى كرهها لهذا الرجل حتى تتحول فتون الرقيقة الحنونة إلى تلك الذى يخشى غضبها الذى قد يحرق الأخضر واليابس وهى تقول :
هنتقم منه طبعا..هدمرله شغله وحياته..ومش بعيد أسجنه ..كان نفسى أقتله زى ما قتلها..أو أخليه يجرب احساس الحرمان من اخته زى ما حرمنى من أختى..بس للأسف انا عمرى ما هبقى زيه..سنين وأنا عايشة بألم قلبى..بدم أختى اللى راح ومقدرتش أنتقملها من اللى قتلها واختفى بعدها..
عايشة بحسرتى عليها..انت متعرفش كانت بتحبه أد ايه..اتصالاتها بية كانت كلها عليه..توصفلى أد إيه حنين وطيب..أد ايه راجل ويتحب..أد ايه بقى كل حياتها ومتقدرش تعيش من غيره..يوم الحادثة قالتلى انه جايلها البيت وانه عاملها مفاجأة..وكانت معايا ع التليفون وهى بتقولى انها متأكدة انه هيعرض عليها الجواز..وأول ما الجرس رن ..قالتلى هو يافتون ..قلبى هيقف يافتون من الفرحة..وأول ما فتحت الباب سمعت صرختها..وبعدين الخط انقطع..غدر بيها وقتلها مفاجأته فعلا وقفت قلبها ..بس للأبد يانبيل ..للأبد.
ربت نبيل على يدها ..وهو يراها تذرف الدموع ليقول بحنان:
اهدى يافتون..وعد منى هننتقم منه على جريمته فى حق ميسون..وان آخرته هتكون على إيدي.
مسحت فتون دموعها وعادت القسوة الى ملامحها وهى تقول:
لأ ..آخرته هتكون على إيدى أنا..ده تارى يانبيل وفتون سلطان مبتسيبش تارها أبدا.
لتفتح الملف وتنظر الى صورة كبيرة لرجل فى اوائل الثلاثينات من عمره..رغما عنها انتابتها قشعريرة فى جسدها نفضتها على الفور..فيجب ان تعترف أن ذلك الرجل الذى وأد حياة أختها ..وسيم ..بل جذاب للغاية..بتلك العينين السوداويتين واللتين تظللهما حواجب عريضة ورموش كحيلة..وفم جذاب.. تظلل ذقنه لحية خفيفة.. ذو وجه منحوت وشعر كثيف..نظرته أرسلت إلى جسدها مشاعر نفضتها على الفور..فقد أحست بها تتغلغل الى اعماقها..أحست بالتوتر..ولكنها ابعدته عن تفكيرها وهى تذكر نفسها بأن هذا الوسيم..هو قاتل اختها..من سلبها حياتها وسعادتها..لتقسو عينيها مجددا وهى تتوعد بالانتقام.
******************
طرق هارون الباب ليسمح له عدنان بالدخول..دلف هارون ليجد رب عمله يجلس على كرسيه يبدو عليه الثبات ولكن هارون يعلم أنه بعيد كل البعد عن ذلك الاحساس..يظهر توتره فى نقرته باصبعه على مكتبه وهو يتطلع إلى هارون بتساؤل..أغلق هارون الباب وهو يقول :
كل شئ جاهز لاستقباله ياعدنان باشا.
أومأ عدنان برأسه فى هدوء ليقول هارون:
انا نفسى اعرف ليه بس قلقان من زيارته؟
نظر اليه عدنان بنظرة حادة قائلا:
أنا مش قلقان ولا حاجة..أنا بس حابب آخد احتياطى ومش حابب أسيب حاجة للصدفة..انت متعرفش مروان فياض ياهارون..قبل ما أبعده عن سكتى من سنين كان زى الشوكة فى ضهرى..مكنش مخلينى عارف أشتغل فى السوق..مروان مش بس ذكى..لأ قلبه ميت ومبيخافش ودى تركيبة خطيرة لازم يتعملها حساب..ومينفعش تستهين بيها..أهو بعد ما ظهر تانى من سنة بقى ليه اسم كبير فى السوق.. وشوف خلى شركته وصلت لإيه فى وقت قصير..رجعت تنافسنا من تانى وبقوة..الحقيقة زيارته لية غريبة ومش متوقعة والمصيبة بقى لو كان عرف انى السبب فى اللى حصله زمان وجاى ينتقم..ساعتها بقى الدم هيبقى للركب..
رفع هارون احدى حاجبيه قائلا:
للدرجة دى؟
قال عدنان:
قلتلك انت متعرفش مروان..ده تركيبة لوحده..مسالم أوى فى العادة بس لو مسيت حاجة تخصه بيتحول لعقرب.. هى لدغة واحدة منه وقول على نفسك يارحمن يارحيم.. ياريتنى خلصت عليه زمان وارتحت.
قال هارون :
عموما احنا فيها ..طلقة واحدة ونخلص عليه ونرتاح.
نهض عدنان قائلا فى توتر:
لأ طبعا اوعى تعمل كدة ..مروان دلوقتى مش لوحده ..بقى معاه ياسين تاج الدين وده مش قليل أبدا ..ده غير اللى ساندينه من فوق ولو حصله حاجة هيتغضب علينا وانت عارف اللى فى مجال شغلنا لو اتغضب عليهم بيجرالهم ايه؟
فرك هارون رأسه قائلا :
طيب والحل؟ هنفضل متوترين كدة ومش عارفين هو ناوى على ايه ولا نتصرف معاه ازاى؟
جلس عدنان مجددا فى مقعده وهو يعود لينقر باصبعه على المكتب قائلا:
ياخبر بفلوس بعد شوية هيبقى ببلاش..ولو ناوى مروان ع الغدر..يبقى لسة ميعرفش مين هو عدنان المسيرى..ولا إيه؟
ارتسمت ابتسامة شيطانية على فم هارون بادله اياها عدنان لتتحول الى ضحكات مليئة بالشر..تماما مثلهما.
*******************
ابتسمت الجدة فى حنان وهى تقترب من حفيدتها التى يبدو على ملامحها الحزن مرتسما..والذى لم يقلل من جمالها بل زاده..جلست الى جوارها قائلة فى حنان:
مال القمرة حبيبة تيتة ؟مكلضمة ومكشرة وزى ما تكون اكتشفت ان الراجل اللى بتحبه مش من الأرض وانه طلع من كوكب المريخ.
أفاقت دارين من شرودها على كلمات جدتها قائلة بابتسامة:
عليكى تشبيهات ياتيتة..
لتطرق برأسها مجددا فى حزن قائلة:
بس هو فعلا مطلعش من كوكب الأرض ولا كوكب المريخ..ده طلع من كوكب جديد..اسمه كوكب التلج..أووووف..ايه البرود ده ..مش حاسس بية خالص وكأنى هوا أدامه..حاولت كتير ألفت انتباهه لية بس هو مش شايفنى ومش حاسس بية بيعاملنى زى ما ياسين بيعاملنى بالظبط..حاجة تنقط.
ابتسمت الجدة فى حنان وهى تربت على يدها قائلة:
اللى انتى متعلقة بيه ياحبيبتى مش نصيبك ومش عايزاكى تتعبى قلبك ع الفاضى.
نظرت اليها دارين فى حيرة قائلة:
قصدك ايه ياتيتة؟
نظرت اليها الجدة قائلة:
قصدى تنسيه ياحبة عين تيتة..مروان ده حكاية لوحده.. اخوكى حكالى عنه..قلبه مش ملكه ومستحيل هيدخل واحدة تانية فيه..ده رغم غدرها بيه لسة مش قادر ينساها ويحب غيرها وده ملوش غير معنى واحد.. ان قلبه اتقفل يادارين واللى قلبه اتقفل مستحيل يتفتح ولو اتفتح لواحدة تانية هيعذبها معاه..وانتى يابنتى أرق من النسمة ومتستحمليش عذاب القلب..
قالت دارين فى حيرة:
بس ياتيتة....
قاطعتها الجدة قائلة فى حزم:
من غير بس..أنا أدرى الناس بيكى وبمصلحتك ومادام قلتلك تنسيه يبقى تنسيه يادارين.
ترقرقت الدموع فى عينى دارين لترأف لحالها الجدة وتربت على يديها قائلة:
يابنتى ياحبيبتى..انتى غالية اوى عندى..وعايزة يوم ما تحبى ..تتحبى..الراجل اللى هيكون من نصيبك لازم يشيلك جوة عنيه..تبقى ليه النفس اللى بيتنفسه.
ابتسمت دارين فى حب وهى تمسح دموعها قائلة:
زيك انتى و جدو..مش كدة ياتيتة؟
ابتسمت الجدة فى حنان قائلة:
كدة ياقلب تيتة..الله يرحمه عشت معاه أجمل سنين حياتى..بحبه لية واهتمامه خلانى عايشة فى الجنة ياحبيبتى..أنا عايزاكى كمان تعيشى فى جنة الحب ومتجربيش ناره..فهمتينى يابنتى؟
أومأت دارين برأسها قائلة:
فهمتك ياتيتة.
تراجعت الجدة تستند بظهرها إلى مقعدها قائلة فى ارتياح:
ريحتينى ياحبيبتى..تعرفى بقى انتى عايزة تنسيه بجد ..تعملى ايه؟
عقدت دارين حاجبيها فى حيرة قائلة:
أعمل ايه؟
ابتسمت الجدة قائلة:
تشتغلى مع اخوكى فى الشركة.
نظرت اليها دارين باستنكار قائلة:
انتى بتقولى ايه ياتيتة..بقى عايزانى أنساه اقوم أروح اشتغل معاه ويفضل أدامى طول النهار؟مستحيل طبعا.
اتسعت ابتسامة الجدة قائلة:
مروان شغله برة الشركة علطول ونادر لما بيروح هناك..انتى محتاجة تشغلى وقتك فى الشغل عشان تشغلى تفكيرك ومش هكون مطمنة عليكى غير وانتى شغالة مع أخوكى..غير انك لما هتشوفيه أكتر هتعرفى انك محبيتهوش ولا حاجة ..انتى يمكن شدتك هالة الغموض بتاعته ..بس الحب..الحب حاجة تانية خالص مش هتعرفى الفرق بين الحب والاعجاب غير لما تحبى بجد.
قالت دارين بحيرة:
تفتكرى؟
أومأت الجدة برأسها قائلة :
أنا متأكدة..يلا ياحبيبتى قومى نتغدى ولما ياسين ييجى هنكلمه عن الشغل..اتفقنا؟
نظرت دارين الى ملامح جدتها الحبيية لتبتسم بارتياح قائلة:
اتفقنا.
الفصل الثانى2
تعالى رنين هاتف هارون ليلتقطه مجيبا إياه بسرعة..استمع الى محدثه قليلا..ثم أغلق الهاتف والتفت الى عدنان الذى تعلقت عيونه بملامح هارون.. ليقول هارون بهدوء:
مروان وصل.
رغم ملامح عدنان الجامدة والتى لا تعكس انفعالا الا ان هارون أدرك توتره من خلال اختلاجة بسيطة فى فكه..قال عدنان ببرود:
فتشوه؟
هز هارون رأسه نافيا وهو يقول:
مرضاش زي ماقلت..بس الجهاز الجديد اللى عدا عليه مااكتشفش معاه أي سلاح..و كمان جاي لوحده ..مش غريبة دى؟
هز عدنان رأسه نفيا وهو يقول:
لأ مش غريبة..مروان ذكى وعارف انه مش هيقدر يمسنى فى بيتى..وانى كمان مش هقدر اعمله حاجة فى الوقت الحالى..اللى احنا بنعمله مجرد اجراءات أمن عشان الغدر مش أكتر.
اومأ هارون برأسه وكاد أن يتحدث لولا ان قاطعته طرقات على الباب ودخول الخادمة تعلن عن وصول ضيفهما..مروان فياض
لم يكن هارون قد رأى هذا المروان من قبل ولكن عندما رآه أدرك سر توتر عدنان..فمروان لديه..هيبة..و هالة من الغموض صاحباه عند دلوفه الى الحجرة.. يمشى بخطوات واثقة وعيون كالصقر ..يحدق بهما فى برود كالصقيع..ألقى التحية فى هدوء..فردها عدنان بدوره بهدوء ظاهري يخفى قلقا غريبا على نفسه..فلم يشعر بالقلق من أى منافس له من قبل..ولكنه يشعر بالقلق تجاه هذا المروان ..أشار عدنان لمروان بالجلوس..
فجلس مروان يضع قدما فوق الأخرى..بينما ظل هارون واقفا متأهبا ..نظر عدنان الى مروان قائلا:
خير يامروان..ممكن أعرف سبب زيارتك الغريبة دى؟
نقل مروان نظراته بين عدنان وهارون ثم استقرت نظراته على عدنان وهو يقول ببرود:
أنا عارف انك مستغرب زيارتى ليك..بس لما هتعرف السبب هتستغرب أكتر..أنا جاي النهاردة عشان أقدملك خدمة.
تبادل كل من هارون وعدنان النظرات قبل أن ينظر عدنان مجددا الى مروان قائلا:
خدمة ايه اللى جاي تقدمهالى دى؟
تراجع مروان بظهره الى المقعد وهو يقول:
خدمة كبيرة اوى هتنقذك من مصيبة أكبر.
نظر اليه عدنان مستفسرا ليستطرد مروان قائلا:
الشحنة اللى انت مسفرها لتركيا..وهتوصل بكرة .
ظهر التوتر على وجه عدنان وهو يقول:
شحنة ايه؟؟
ابتسم مروان فى سخرية قائلا:
انت عارف كويس الشحنة دى فيها ايه فبلاش تستعبط ياعدنان.
كاد هارون أن يتقدم باتجاه مروان ليمسك عدنان بيده ويخبره بعينيه أن لا يتهور..لتتسع ابتسامة مروان الساخرة..وعدنان يقول فى هدوء:
مالها الشحنة دى؟
قال مروان :
متبلغ عنها وأول ما هتوصل تركيا هيتقبض عليها وعلى كل طقم السفينة.
تبادل هارون مع عدنان نظرات متوترة..لينظر بعدها عدنان الى مروان قائلا:
وانت بقى يامروان جاي تقدملى خدمة ولا جاي تشمت فية ؟
قال مروان:
قلتلك جاي أقدملك خدمة ..جاي أقولك ازاى تنقذ شحنتك قبل ما يتقبض عليها..صحيح مفيش ورق يربطك بالصفقة ومفيش حاجة هتمسك..بس الخسارة برده مش قليلة.
رفع عدنان احدى حاجبيه قائلا :
وياترى ليه عايز تقدملى الخدمة دى يامروان؟
ظهرت ملامح السخرية على وجه مروان وهو يقول:
أكيد مش جاي أقدمها خدمة لوجه الله ياعدنان..دى مجرد عربون صداقة..حاجة أبين بيها حسن نيتى..لإنى جاي النهاردة أعرض عليك صفقة العمر .
أمسك عدنان غليونه وأشعله ليأخذ منه نفسا عميقا قبل أن يقول :
وايه هي بقى صفقة العمر دى؟
اتسعت ابتسامة مروان الساخرة وهو يقول:
واحدة واحدة ياعدنان ..هنخلص من موضوع شحنتك الأول وبعدين هقولك على الصفقة..متستعجلش..كل اللى اقدر اقولهولك دلوقتى ان بعد الصفقة اللى هقولك عليها مش هتحتاج تشتغل أبدا..هتعتزل الشغل للأبد.
تبادل عدنان وهارون النظرات ليومئ عدنان برأسه وهو ينظر الى مروان قائلا:
قول يامروان ..أنا سامعك.
ابتسم مروان بداخله فى انتصار ولكن ملامحه ظلت جامدة وهو يقص على مسامعهم خطته لتفادى ضبط شحنتهم..لتتسع عيونهم انبهارا بهذا العقل الجهنمى والذى يمتلكه هذا المدعو مروان.
********************
نظرت زينة يمنة ويسارا لتتأكد من خلو الساحة من أى حارس قد يعيق تقدمها ويفشل خطتها فلم تجد أحدا ..لتسمع صغيرها فارس يقول بتذمر:
ياماما انتى واخدانى بس على فين؟
التفتت زينة اليه وجلست على احدى ركبتيها لتكون فى مواجهته وهى تقول بحنان:
انا مش قلتلك ياحبيبى هنروح مشوار.
نظر فارس إليها بعيونه البريئة وهو يقول:
مشوار ايه ده ياماما؟..احنا عمرنا ما خرجنا برة البيت ده.
رفعت زينة يدها وهى تربت على رأس الصبى بحنان قائلة:
آن الأوان نخرج من البيت ده ياحبيبى..انا هفهمك كل حاجة بعدين بس أهم حاجة دلوقتى تعمل اللى قلتلك عليه..فاكره؟
أومأ الطفل برأسه قائلا:
أيوة ياماما..مش هسيب ايدك ومش هطلع أي صوت ..ولما نركب جوة العربية..هسكت خالص عشان محدش يعرف مكانا.
رفعت زينة يده التى تمسكها لتقبلها فى حنان ثم قالت :
برافو ياقلب ماما..يلا بقى نمشى قبل ما حد يحس بينا .
ثم نهضت تمشى وهى تمسك بيد الصغير تتوخى الحذر فى خطواتها..وتتجنب الكاميرات المنتشرة بالقلعة حتى وصلت الى تلك السيارة الغريبة..تنفست بارتياح فتلك السيارة فى مكان بعيد عن آخر كاميرا كان يجب أن تتفاداها وقد جاء هذا فى صالحها إلى جانب أنها كبيرة بما يكفى لتسعها هى وصغيرها دون ان يلاحظهما أحد..حمدت ربها على صغر حجمها هي وصغيرها والذى جاء بفائدة لها أخيرا .
ألقت نظرة أخيرة على الحراس لتتأكد من أن احدا لم يلاحظها ..ثم أمسكت مقبض الباب الخلفى للسيارة فى أمل وهي تدعوا فى سرها أن لا يكون مغلقا..وبالفعل فتح فى يدها لتحمد الله وتدرك أنه يساندها فيما تفعل..صعدت الى السيارة يتبعها فارس ثم اختبأت هي وصغيرها أسفل المقعد..لتغلق الباب بهدوء..وهى تنتظر انتهاء ذلك الضيف من اجتماعه مع عدنان وهارون ليذهب بسيارته من هنا ..لتهرب الى الأبد من هذا الجحيم الذى عاشت به لسنوات.
******************
ما ان رأت فتون نبيل يدلف من الباب حتى نهضت من مقعدها قائلة فى لهفة:
عملت ايه يانبيل؟
ابتسم نبيل قائلا:
طب قوليلى ازيك حتى.
قالت فتون بسرعة:
ازيك واخبارك..تمام..كويس..قوللى بقى عملت ايه؟
نظر اليها نبيل فى دهشة ثم ما لبث أن هز رأسه قائلا:
مفيش فايدة..فتون هتفضل فتون..خلاص ياستى..خلصت كل حاجة..حجزت ع أول طيارة نازلة مصر وحجزت الفندق اللى هننزل فيه..واتفقت مع شركتهم والميتنج بكرة بعد الضهر مع رئيس الشركة بنفسه..ياسين تاج الدين.
تنهدت فتون بعمق..ثم جلست فى مقعدها وقد التمعت عيناها الجميلتين بقسوة..ليجلس نبيل قبالتها وهو يقول بهدوء:
مالك..بتفكرى فى ايه؟
نظرت اليه فتون قائلة بهدوء:
مش قادرة أصدق انى خلاص هقابل اللى قتل أختى وأنتقملها منه..بس مش عارفة إزاى هقدر أخفى كرهى له واللى هيبان أكيد فى عينية وفى تصرفاتى.
أمسك نبيل بيدها قائلا:
فتون اللى أعرفها تقدر تعمل أى حاجة..ومفيش حاجة ممكن تقف قصادها عشان تحقق هدفها..ولاحتى مشاعرها.
نظرت فتون الى عيني نبيل لثوان لتهز رأسها وهى تبتسم قائلة:
معاك حق..مش ممكن حاجة هتوقفنى عن الانتقام لأختى..هخفى مشاعرى كويس..ومش هرتاح غير لما اخد تارى من اللى قتلها وحرمنى منها ولو هدفع حياتى تمن انتقامى مش هتردد ولو لثانية واحدة.
لتعود القسوة الى ملامحها الجميلة وقلبها القلق تغلفهم ببرودة ثلجية ..وصلت الى يدها الممسكة بيد نبيل لينتابه القلق فعلى الرغم من رغبته فى الانتقام والتى تماثل رغبة فتون الا أنه يخشى عليها من تلك الرغبة ..والتى قد تغرقها فى بحور الدم..ويخشى عليها أكثر من هذا القاتل الحر الطليق..والذى يدعى.....ياسين تاج الدين
*******************
كانت فتون جالسة على كرسيها تتأمل المكان من حولها..ذلك المكان الذى يحمل ذكريات طفولتها وشبابها..ذكرياتها مع أختها.. تلك التى ربما كانت تحمل بعض ملامحها ولكنها كانت تحمل العديد والعديد من سماتها..كروحها الطيبة وحب الخير للجميع إلى جانب الطموح والسعي للنجاح..ولكن كانت بينهما العديد من الاختلافات أيضا..مثل شخصية فتون القوية بينما تحمل ميسون شخصية رقيقة..و رفض فتون لأن تدخل فى أية علاقة تخص الرجال فقد رأت كم يستطيعون أن يكونوا بمنتهى الغباء ومنتهى الغدر أيضا بينما آمنت ميسون بأن هناك بعض الرجال الذين تستطيع أن تختار من بينهم من قد تستطيع منحه قلبها..لذا كانت تتنقل من علاقة لأخرى فاشلة ولكنها أبدا لم تيأس..لتنظر فتون حولها فى حزن تتساءل بصوت هامس مرير وكأنها تحادث روح أختها التى تشعر بها دائما حولها..قائلة:
ليه بس مقدرتيش تفهمى ان كل الرجالة غدارة ياميسون..ليه فضلتى تآمنى ليهم واحد ورا التانى..لغاية ما جالك اللى وراكى أد إيه ممكن يكونوا غدارين..لأول مرة فى حياتك ولآخر مرة..بس أوعدك زي ما غدر بيكى هغدر بيه ومش هسيبه غير وهو ميت..عشان أقدر آخد عزاكى وأقول إنى خدت بتارك وريحت قلبى وريحتك انتى كمان فى قبرك ياقلب أختك .
لترفع تلك الصورة فى يدها تتأملها لآخر مرة فى حقد قبل أن تمسك قداحة بجوارها وتشعل تلك الصورة بالنار..ثم تلقيها أمامها فى تلك المنفضة تراقب تحولها إلى رماد.
*******************
كان ياسين يتناول الطعام فى هدوء..تجاوره أخته دارين على يمينه بينما جدته على يساره..أنهى ياسين وجبته ثم امسك منديله ومسح فمه بهدوء وهو يرمق دارين وجدته اللتان تناولتا القليل من الطعام وتنظر كل منهما الآن للأخرى بقلق..قال ياسين فى هدوء:
هتتكلموا ولا أقوم أرتاح فى أوضتى أحسن؟
تبادلت الجدة مع دارين النظرات قبل أن تأخذ الجدة نفسا عميقا ثم تقول:
بصراحة ياياسين..أختك ملت من قعدة البيت واقترحت عليها تشتغل..وطبعا عشان مقلقش عليها قلتلها تشتغل معاك وأهى تبقى تحت عنيك..قلت إيه؟
نظر ياسين الى دارين قائلا:
انتى حابة تشتغلى بجد يادارين ولا عايزة تشغلى وقتك وخلاص؟
ابتلعت دارين ريقها قائلة:
لأ حابة طبعا أشتغل..واكيد هكون مبسوطة لو اشتغلت معاك يا ياسين.
رمقها ياسين متفحصا وهو يقول:
احنا الشغل عندنا مفيهوش هزار..ولا عشان انتى اختى هتتعاملى معاملة خاصة..هتقدرى تتحملى ضغط الشغل؟
أخذت دارين نفسا عميقا قبل أن تقول بثبات:
هقدر.
أومأ ياسين برأسه قائلا:
خلاص مفيش مشاكل..جهزى نفسك ومن الصبح هتنزلى معايا الشغل.
ابتسمت دارين فى فرحة وأسرعت بالنهوض لتقبل أخيها فى وجنته قائلة:
ربنا يخليك لية يا ياسين.
ابتسم ياسين فأسرعت دارين باتجاه حجرتها ليوقفها صوت ياسين قائلا:
رايحة فين ؟مش هتكملى أكلك؟
أرسلت له قبلة هوائية ثم قالت:
لأ شبعت ..هروح اجهز شوية حاجات عشان بكرة.
تابعها كل من الجدة وياسين بعيونهم..حتى اختفت ليلتفت ياسين الى الجدة قائلا:
انتى متأكدة ان فكرتك دى صح؟
ابتسمت الجدة قائلا:
أكيد متأكدة..بكرة تشوف انها لما هتشتغل هتنسى مروان خالص..غير انها لما هتشوفه وتعرفه من قريب هتكتشف انها محبتهوش أصلا وانه كان مجرد افتتان.
تنهد ياسين قائلا:
يارب ياتيتة يكون معاكى حق..والا كلنا هنضيع وأولنا دارين.
