رواية حين تنطق القلوب
الفصل الرابع4
بقلم الكاتبه المجهوله
منذ تلك الليلة في المقهى، تغيّر شيء ما بين ليلى وآدم...
لم يتحدثا كثيرًا، ولم يتواعدا بشكل واضح، لكن لقاءاتهما باتت تحدث مصادفة أكثر من اللازم، وكأن المدينة كلها تتآمر لتقربهما.
كانت تراه أحيانًا من نافذة المكتبة، جالسًا على السطح، يقرأ أو يعزف على عوده الصغير بهدوء، أو يتمشى على الكورنيش بوجه شارد.
وهو... كان يدخل المكتبة دون أن يقول الكثير، فقط يبادلها نظرة، يلتقط كتابًا، ويجلس في الزاوية ذاتها ليقرأ، ثم يرحل.
لكن تلك النظرات، هي ما كانت تُشعل كل شيء.
لم تكن نظرات رجل يتودد...
بل رجل يرى فيها شيئًا لا يريد الاعتراف به، وامرأة تخشى أن تصدق ما تراه في عينيه.
في إحدى الأمسيات، كانت ليلى وحدها في المكتبة، تدندن لحنًا قديمًا وهي ترتب الكتب، حين سمعت خطوات تقترب.
رفعت رأسها... فوجدته أمامها.
لكن هذه المرة كان مختلفًا.
عيناه متعبتان، ووجهه شاحب قليلًا، وكأنه لم ينم منذ ليلتين.
اقترب بصمت، ووقف أمامها للحظة، ثم قال بصوت خافت:
— "هل يمكنني أن أجلس هنا لبعض الوقت؟ فقط... أريد أن أكون في مكان لا يُسأل فيه أحد عن سبب تعبه."
أشارت له نحو الكرسي الصغير في الزاوية الخلفية، حيث الضوء خافت، والرائحة خليط بين الورق القديم والياسمين.
جلس، وأسند رأسه إلى الحائط، وأغلق عينيه.
راقبته ليلى من بعيد، دون أن تقترب.
مرت دقائق طويلة، دون أن يتحرك أو يتكلم، كأنه كان يهرب من شيء يطارده في داخله.
ثم فتح عينيه ببطء، ونظر نحوها... تلك النظرة التي لا تُفسَّر.
ليست دعوة، وليست وداعًا.
ليست حبًا معلنًا، لكنها ليست حيادًا أيضًا.
مجرد نظرة محمّلة بكل ما لا يُقال.
سألته أخيرًا، بصوت يشبه همسًا:
— "أحيانًا... تبدو وكأنك تحمل حربًا في داخلك، ولا تريد لأحد أن يقترب."
قال دون أن يشيح بعينيه عنها:
— "لأني لا أريد أن يجرح أحدهم أصابعه وهو يحاول لمس الحطام."
اقتربت ليلى خطوة، وقالت بلطف:
— "بعض القلوب وُلدت لتداوي، لا لتُجرح."
صمت مجددًا، ثم همس:
— "ليلى... أنا لا أفهمك."
قالت بابتسامة هادئة:
— "ولا أنا أفهمك... لكني لا أحاول الهروب."
تلك الليلة، لم يحدث شيء خارق.
لم يتبادلا اعترافات، ولا اقتربا بما يكفي ليُقال إن هناك حبًا.
لكن المسافة بين قلبيهما... تقلّصت قليلًا.
وذلك، في الحكايات الحقيقية، يعني أكثر مما يظن الناس.
