
رواية حين تنطق القلوب
الفصل السادس6
بقلم الكاتبه المجهوله
كانت ليلى قد اعتادت على رؤيته.
ليس كل يوم، وليس في ساعة محددة…
لكن حضوره كان يشبه المطر الخفيف، لا تعرفين متى يبدأ، ولا متى ينتهي، لكنك تحنين إليه دائمًا.
ثم جاء الصباح التالي… ولم يأتِ آدم.
لم تُعر الأمر انتباهًا في البداية.
قالت في نفسها: "ربما تأخر فقط… ربما مشغول."
لكنّ اليوم الأول مرّ، ثم الثاني، ثم الثالث…
وهو لم يظهر.
صارت تنظر إلى باب المكتبة بين لحظة وأخرى دون أن تشعر،
ثم بدأت تراقب شرفته من بعيد كل صباح، لكنها لم ترَ ضوءًا، ولا حركة.
حتى صوت عزفه الذي كانت تسمعه خافتًا من الطابق العلوي… انطفأ.
في اليوم الرابع، وقفت ليلى أمام باب العمارة التي يسكن فيها.
كانت تمسك بعلبة صغيرة من الكعك صنعته بنفسها، كما تفعل عادة مع الزبائن المقرّبين.
لكن الحقيقة… أنها لم تكن تحمل كعكًا لأحد، كانت فقط تبحث عن ذريعة لطرق بابه.
صعدت الدرج ببطء، وقفت أمام الباب الخشبي القديم، وترددت.
ثم طرقت.
مرة…
مرتين…
لا إجابة.
التفتت لتغادر، لكن امرأة مسنّة خرجت من الشقة المقابلة وسألتها:
— "تدورين على الأستاذ آدم؟"
— "نعم… هو بخير؟"
هزّت المرأة رأسها:
— "مش عارفة والله. من ٣ أيام أخد شنطة صغيرة وخرج... لا سلّم، ولا رجع."
وقفت ليلى مذهولة.
— "سافر؟"
— "ماقالش حاجة. قال لي: محتاج أختفي شوية… وساب المفتاح تحت الباب. بس محدش جه بعده."
شعرت بشيء يشبه الفراغ في صدرها.
ليست صدمة، بل فجوة… تلك التي يتركها غياب غير مُفسَّر، كأن أحدهم أغلق الباب بصمت، دون أن يشرح لماذا.
عادت إلى المكتبة، ووضعت علبة الكعك على الطاولة دون أن تفتحها.
في تلك الليلة، كتبت إليه رسالة جديدة:
"آدم...
لماذا رحلت؟
لم تقل حتى وداعًا، ولم تترك وراءك إلا صمتًا أثقل من أي كلام.
هل كنت أحمقَة حين اعتقدت أنك بدأت تبقى؟
أم كنت أحمقَة أكثر لأني صدّقت نظراتك؟
ليتك كنت كتابًا، لأعرف نهاية الفصل قبل أن أتعلّق بالبداية."
أغلقت الدفتر، وأدركت شيئًا مرًّا:
حتى الغياب يمكن أن يكون صادقًا أحيانًا… حين يأتي دون كذب، ودون وعد.
لكن رغم كل شيء، لم تُغلق الباب عليه في قلبها.
ربما لأنه لم يُغلقه تمامًا.
وربما لأنها كانت تؤمن… أن بعض العائدين، لا يطرقون الأبواب، بل يعودون إلى العيون التي انتظرتهم.