رواية حين تنطق القلوب
الفصل الثامن8
بقلم الكاتبه المجهوله
في الأيام التالية، صار آدم يظهر كل صباح تقريبًا.
يدخل المكتبة بصمته المعتاد، يختار كتابًا، يبتسم لليلى، ويجلس في الزاوية الخلفية كما لو أن المكان صُمم لأجله.
لكن رغم هذه الملامح الهادئة، كانت عيناه تخفي شيئًا أعمق.
في ذلك اليوم، دخل دون كتاب، ودون ابتسامة.
وقف أمام مكتب ليلى، وقال بصوت ثابت:
— "هل تودين الخروج قليلًا؟ أريد أن أخبرك بشيء… لا يصلح أن يُقال بين الكتب."
ذهبا معًا إلى الشاطئ، حيث كانت الرمال رطبة والموج يغني أغنية لا تنتهي.
جلسا على صخرة قرب البحر، والنسيم يعبث بشعرها بينما هو ظل صامتًا، يتأمل الأفق البعيد كأن فيه ذاكرته.
أخيرًا، قال:
— "كان اسمي يرتبط بها دائمًا... لينا.
كنا نُلقّب بـ‘آدم ولينا’ في الجامعة، لا أحد يعرفني بدونها، ولا أحد يعرفها بدوني."
سكت قليلًا، ثم تابع:
— "أحببتها كما يُحب أحدهم الحياة… كل ما فيّ كان لها. كانت صديقتي، حبيبتي، وحتى نجاتي. كنا نخطط للزواج… البيت، السفر، كل شيء."
نظرت ليلى إلى وجهه… لم يكن فيه دمعة، لكن عينيه كانت تقول أكثر من الدموع.
أكمل:
— "في ليلة واحدة، ماتت. حادث بسيط… قالوا إنها كانت تقود بسرعة، وأنا أعرف أنها كانت تهرب."
قالت ليلى بهدوء:
— "تهرب من ماذا؟"
— "مني."
رمش بعينيه وكأن الكلمة جرحته من جديد.
— "في آخر شهر بيننا، بدأت تتغير… كنت أراها تبتعد، تسأل عن أشياء غريبة، تصمت كثيرًا. حاولت أن أفهم، لكنها لم تكن تتكلم.
وفي الليلة التي ماتت فيها… كنت قد أرسلت لها رسالة قاسية، أتهمها بأنها لم تعد تحبني."
أسند رأسه على كفيه، وتنفس بعمق.
— "في صباح اليوم التالي… ماتت. ولم أعرف أبدًا ما الذي كانت تُخفيه، أو لماذا ابتعدت.
كل ما أعرفه… أنني لم أُغفر لنفسي منذ ذلك الحين."
مرّت لحظة طويلة من الصمت.
ثم قالت ليلى بصوت دافئ:
— "آدم… أنت لا تملك أن تبقى أسيرًا لما لم تفهمه. الموت لا يطلب الإذن، ولا يمنح إجابات."
أضافت وهي تنظر إلى البحر:
— "وربما… لينا لم تهرب منك، بل كانت تحاول أن تنقذك من وجع أكبر."
نظر إليها، كأنه يسمع جملة لم يفكر بها من قبل.
قال:
— "وأنتِ؟ لماذا تقبلين كل هذا؟ كل هذا الحطام الذي أحمله؟"
ابتسمت ليلى، وقالت:
— "لأنك لا تخدعني.
كل من حولي يبتسم وهو يهرب، وأنتَ حزين… لكنك تواجه."
ثم أضافت:
— "أنا لم أعد أبحث عن رجل كامل. أنا فقط أبحث عن رجل لا يخاف أن يكون صادقًا، حتى في ضعفه."
في تلك اللحظة، لم يعترف أيّ منهما بالحب…
لكن اعترافًا من نوع آخر قد حدث.
اعتراف بأن القرب أصبح ضرورة، وأن الصمت بينهما لم يعد كافيًا.
ربما لم يكن الماضي نائمًا،
لكن الآن… لم يعد له الحق في أن يقتل ما بقي من القلب.
