
رواية حين تنطق القلوب
الفصل الثالث عشر13
بقلم الكاتبه المجهوله
كان الليل قد أرخى سدوله على المدينة، والأنوار الخافتة تنعكس على نوافذ الشوارع المغلقة، بينما جلس آدم وليلى في غرفة المعيشة الصغيرة بشقتهما، حيث الضوء الدافئ يحيط بهما وكأنه يحاول طرد ظلال الماضي التي بدأت تطلّ من جديد.
التوتر كان يملأ الأجواء، والكلمات التي تبادلها آدم في الهاتف لم تغادر ذهنه. الصوت البارد الذي أبلغه أنه "من الماضي" كان يحمل تهديدًا واضحًا، لكن ما لم يكن يعرفه بعد هو حجم العاصفة التي على وشك أن تهب.
ليلى وضعت يدها على يد آدم، محاولةً أن تنقل له بعض من قوتها، وصوتها كان مليئًا بالإصرار:
— "مهما كان ما سيأتي، لن أتركك تواجه هذا وحدك."
أومأ آدم برأسه، ثم قال:
— "علينا أن نعرف كل شيء. فهد، الشخص الذي ذكره صديق لينا، يجب أن يكون مفتاح الحل."
في اليوم التالي، بدأ آدم رحلة البحث عن فهد.
ذهب إلى أحياء قديمة حيث عاشت لينا، وتحدث إلى أشخاص كانوا يعرفونها. كانت هناك همسات وأحاديث متقطعة عن رجل غامض، لديه تأثير سلبي على حياة لينا، وربما كان السبب في خوفها المتزايد قبل موتها.
أثناء بحثه، التقى برجل مسن يجلس أمام مقهى صغير، قال له بصوت منخفض:
— "أعرف من تبحث عنه... فهد؟ إنه ليس مجرد رجل عادي، له ماضي مظلم وقصص لا يريد أن يسمعها أحد."
سأل آدم بلهفة:
— "أين أجد هذا الرجل؟"
ابتسم الرجل بخبث:
— "الحذر، يا بني. فهد ليس شخصًا يتواجد في العلن، لكن إن أردت مقابلة حقيقية، ستجده في الحي الصناعي المهجور خارج المدينة."
مع حلول المساء، توجه آدم إلى الحي الصناعي المهجور، حيث المباني الصدئة والأزقة الضيقة.
كانت الأصوات خافتة، والهواء محملاً برائحة الصدأ والبعث القديم.
دخل إلى مبنى مهجور، حيث وجد ظل رجل يقف في الزاوية.
اقترب ببطء، وقال:
— "هل أنت فهد؟"
أدار الرجل وجهه ببطء، وظهر وجه يحمل ندوبًا وعينين تلمعان بالحذر.
— "ومن أنت لتأتي هنا وتطلب اسمي؟"
ابتلع آدم ريقه، وقال:
— "أنا آدم. كنت أعرف لينا."
تبادل الرجل نظرة خاطفة، ثم قال:
— "لينا... لقد كانت مختلطة في أمور أكبر مما تعرف."
بدأ فهد يحكي قصة مظلمة، عن تجارة غير قانونية، عن تهديدات، وعن أناس في الظل يريدون السيطرة على كل شيء.
قال:
— "لينا حاولت الابتعاد، لكنها كانت محاصرة. من حاولت حمايته... انتهى به الأمر أن يخسر كل شيء."
أدرك آدم أن القصة أكبر من مجرد حب أو فقد، كانت لعبة حياة أو موت.
في الوقت ذاته، كانت ليلى تحاول جمع المعلومات من أصدقاء آخرين، وتحليل كل ما يعرفانه.
بدأت تشعر أن الخطر لا يقتصر على آدم فقط، بل يهدد مستقبلهما معًا
بعد أيام من المواجهة والتحقيق، جاء اليوم الذي قرر فيه آدم مواجهة ماضيه ومواجهة فهد بشكل نهائي.
في إحدى الليالي الممطرة، اجتمع الاثنان في مستودع مهجور، حيث كانت الرياح تعصف والظلام يلف المكان.
بدأت المواجهة بينهما، حوارًا حادًا كشف عن أسرار وخيانات، لكن أيضًا عن حقيقة أن آدم لم يكن ضحية فقط، بل كان له دور في ما حدث
في ذروة التوتر، ظهر صوت ليلى عبر الهاتف، يتحدث بنبرة حازمة:
— "آدم، لا تدع الماضي يبتلعك. أنت لست وحدك."
كانت رائحة المطر تملأ المكان، والبرق يضيء السماء كل فترة، كأنه يرسم مسرحًا لأحداث لم يكن أحد يتوقعها.
في المستودع المهجور، وقف آدم وفهد متقابلين، كل منهما يحمل في عينيه ما لا يُقال.
قال فهد بنبرة تهكمية:
— "هل تعتقد أنك قادر على مواجهة ما صنعت؟ أنت لم تكن بريئًا، آدم."
تراجع آدم خطوة، لكنه استجمع قوته وردّ:
— "كنت أضعت طريقي، لكنني أرفض أن أكون سجينا لأخطائي الماضية."
ضحك فهد بمرارة:
— "أخطاؤك؟ لقد دفعت لينا ثمناً باهظًا بسببها."
ابتلعت ليلى نفسها على الطرف الآخر من الهاتف، وهي تسمع التوتر يتصاعد في صوت آدم.
قال آدم بثبات:
— "لينا لم تكن ضحية فقط، كانت حبيبة وأخت وصديقة. لن أسمح لك أن تلوث ذكراها."
ردّ فهد بحنق:
— "الحقائق ليست دائمًا جميلة يا آدم. لقد كان هناك الكثير مما لم تفهمه."
بدأ فهد يكشف عن تفاصيل لم يكن آدم يتوقعها، عن صراعات داخلية، عن ضغوط وأسرار دفينة.
قال:
— "لينا كانت تعرف عن مشروع خطير، مشروع كانت تحاول منعه. وأنا كنت جزءًا من تلك اللعبة، ولم أخبرك بذلك."
صُدم آدم، وسقطت الكلمات من فمه:
— "كيف؟ لماذا؟"
تنهد فهد وقال:
— "الأموال، النفوذ، كل شيء يدور حول السيطرة. كنت جزءًا من شبكة كبيرة، ولم أستطع أن أتراجع. لينا حاولت تحذيري، لكنها... انتهى بها الأمر في فخ لم أستطع إخراجها منه."
في تلك اللحظة، ارتفعت أصوات خطوات تقترب، وكان واضحًا أن فهد لم يكن وحده.
ارتفع نبض قلب آدم، وشعر بالخطر يحيط به من كل جانب.
صرخ فهد:
— "ارحل الآن، وإلا ستنهي هذه الليلة هنا!"
لكن آدم لم يفلّت الفرصة، فقد أمسك به فجأة، وقال:
— "لن أهرب. هذه هي الحقيقة، ويجب أن تُقال."
في الوقت ذاته، وصلت ليلى مع صديق مقرب لمساعدته، كانا يحملان مصابيح وأجهزة اتصال.
دخلوا المستودع بحذر، مستعدين لكل احتمال.
بدأت المواجهة تشتد، وتحول الحديث إلى صراع بالكلمات ثم إلى اشتباك جسدي.
وفي لحظة حرجة، أضاءت الأنوار فجأة، وظهرت الشرطة التي تم استدعاؤها مسبقًا من قبل ليلى.
تم القبض على فهد وشركائه، بينما كان آدم يتنفس بصعوبة، لكنه شعر أن عبئًا ثقيلاً قد أُزيح.
بعد الحادث، جلس آدم وليلى خارج المستودع، تحت سماء صافية بعد ليلة عاصفة.
قال آدم وهو ينظر إلى النجوم:
— "لم أكن أعلم أن الماضي كان بهذا الظلام."
أجابته ليلى بابتسامة:
— "لكننا معًا الآن، وقادرون على بناء مستقبل مختلف."
وبينما كانت تلك الليلة تنهي فصلًا مظلمًا، كانت بداية قصة جديدة تنبض بالأمل والقوة.