رواية حين تنطق القلوب الفصل الثالث3بقلم الكاتبه المجهوله

رواية حين تنطق القلوب
الفصل الثالث3
بقلم الكاتبه المجهوله
مرت أيام قليلة بعد زيارة آدم للمكتبة. لم يظهر مجددًا، ولم يُرجع الكتاب الذي أخذته منه ليلى.
لكنها لم تنزعج... بل كانت تنتظره بصبرٍ لا يشبهها.
وكأن غيابه صار امتدادًا لحضوره، كأن صمته يقول أكثر من الكلمات.
في مساء خريفيّ ناعم، قررت ليلى أن تخرج من دائرة التكرار.
ارتدت معطفها الصوفي الأزرق، وخرجت في نزهة قصيرة على الكورنيش القريب.
كانت تحب الجلوس في المقهى القديم المطل على البحر، ذاك الذي لا يعجّ بالناس، وتُعزف فيه موسيقى هادئة تشبه ما بداخلها.
جلست في الزاوية المعتادة، وأمامها كوب شاي بالنعناع ودفتر صغير كانت تدوّن فيه ملاحظات وأفكارًا مبعثرة.
فتحت الصفحة الأخيرة، وكتبت:
"صوت صمته لا يُشبه الصمت... وكأن الكلمات تختبئ فيه كي لا تنكسر."
كانت تكتب بتركيز حين سمعته.
صوت خفيف لعزف بيانو، يخرج من زاوية المقهى الداخلية حيث يوجد بيانو قديم، لا يستخدمه أحد عادة.
رفعت رأسها ببطء...
وهناك، كان آدم.
يجلس أمام البيانو، يعزف لحنًا هادئًا، حزينًا بعض الشيء... يشبه وجهه.
عيناه مغمضتان، وأصابعه تنساب على المفاتيح ببطء، كما لو كان يحكي قصة لا يريد أن يسمعها أحد، لكنه غير قادر على كتمانها.
لم تكن تعرف أنه يعزف.
ولم تتوقع أن تراه هنا... لكنه بدا وكأن هذا مكانه الطبيعي.
انتهى اللحن، ورفع عينيه، فالتقت نظراتهما.
ابتسم بخفة، ثم اقترب منها وسأل:
— "أزعجتك؟"
أجابت وهي تغلق دفترها:
— "بالعكس... كنت تحكي شيئًا بالموسيقى."
جلس قبالتها، وقال بهدوء:
— "حين لا أكتب، أعزف... كلاهما طرق للهرب."
صمتت لحظة، ثم سألته:
— "ولماذا الهرب دائمًا؟ لماذا لا تبقى وتواجه ما تخشاه؟"
أطرق رأسه، ثم همس:
— "لأن أحيانًا، البقاء يؤلم أكثر من الرحيل."
كان هناك شيء غامض في نبرته، كأن وراءها فقدًا لم يُشفى منه.
وقبل أن تسأله المزيد، سألها فجأة:
— "وما الذي تخافين منه، ليلى؟"
ارتبكت للحظة، لكنها قالت بصراحة:
— "أخاف من التعلّق... ثم الفقد."
أومأ برأسه ببطء، كما لو أنه يعرف هذا الخوف جيدًا.
ثم قال مبتسمًا:
 "ربما نحن نلتقي لأننا متشابهان... قلبان لا يجيدان البدايات، لكن لا يستطيعان التوقف عن المحاولة."
رفعت نظرها إليه، وهذه المرة...
رأت شيئًا صادقًا في عينيه.
ليست نظرة رجلٍ عابر، بل نظرة رجلٍ يحاول التمسك بشيء لم يفهمه بعد، لكنه يشعر أنه حقيقي.
في تلك اللحظة، لم تُقل كلمات حب، ولم تُلمس يد.
لكن الموسيقى كانت كافية لتُخبرهما أن بينهما لغة خاصة، لا تحتاج إلى شرح.
                 الفصل الرابع من هنا
تعليقات



<>