رواية تشابك ارواح
الفصل التاسع عشر19
بقلم امينة محمد
تطعننا الحياة من أقرب الناس لنا، فنقف كمَن لدغته حيّة لا يقوى على المقاومة ليبقى حيًا، مستسلمًا للموت وتاركًا العالم بأكمله في صراعٍ عنيف كما شَهده وسيظل كذلك، هذه لعبة؛ تسمى بلعبة الحياة، يوجد بها رابح وخاسر، وحيث النصيب ستجد نفسك إما رابحًا أو خاسرًا، حينها ستعرف إن كنت ستعاني أم ستزهو وتزهد!
_"دأنت يومك أسود يا ثابت، أنا كنت حاسس إنك خاين أصلًا، ده أنا هفضح أمك أنت واللي معاك ووليد الأنصايي'الأنصاري'"
أغلق الصورة وقاد سيارته حيث منزله وصعد تحديدًا نحو غرفته يأخذ حمامًا دافئًا ثم ارتدى ملابسه التي يتألق بها كل مرة أكثر من التي قبلها، تحرك نحو الأسفل مُناديًا بصوتٍ عالٍ نسبيًا:
"بابا، ماما.."
أتته الإجابة من داخل غرفة المكتب مبتسمًا لوالده واقترب يجلس على الكرسي الذي يقابل المكتب:
"مساء الفُل يا والدي، عملت إيه في الموضوع اللي قولتلك عليه؟"
أجابه والده بتنهيدة بينما ينظر في الأوراق التي أمامه:
"كلمته يا أنس كلمته، وقالي إن دي أمور مينفعش يطلعها برا عشان وليد الأنصاري حد كبير في البلد، أنت فهمتني في الأول إن الجماعة دول كانوا عايزين يضغطوا عليه وياخدوا منه الورق وبعدين قولت إنهم رفعوا ضده قضايا بالتزوير وبعدين إيه الحوارات دي كلها"
تنهد وهو يمرر يده في خصلاته الناعمة يرفع تلك الخصلة الشاردة التي وقعت على جبينه وتحدث مُفسرًا:
"المحامي اللي كان شغال عالقضايا بتاعتهم طلع خاين، أنا لسه مكتشف حالًا وهيوح'هروح' أقولهم عمومًا وأفهم القصة دي، وأنت بالله عليك تحاول معاه تاني تجيبلي أي حاجة تنفع، بقولك دي فيها جييمة 'جريمة' قـ..تل واغتصاب ونهب لمال الفقيا 'الفقرا"
علق والده ساخرًا بتنهيدة:
"فقيا"
ثم أشار له للواقفة عند الباب تنظر لهما باستعطافٍ ولم تكن سوى أخته -ندىٰ- وهو يخبره بنبرة جامدة:
"ماشي يا أنس ماشي، اتكل على الله يلا، وأختك كانت عايزة تنزل تشتري هدوم ومستنياك، خدها في طريقك!"
ذم شفتيه يتقبل ذلك التنمر بعينين مغلقتين قليلًا ونقل بصره لأخته وهو يغمغم بنزقٍ بصوت منخفض:
"يخيبيت'يخربيت' القيف'القرف' ياندىٰ"
قوس والده حاجبيه وهو يسأله بترقبٍ حاد:
"بتقول حاجة يا أنس؟"
ابتسم في وجه والده سريعًا ابتسامة بلهاء وتحدث يُصلح خطأه:
"لا طبعًا، بقول يا مساء الفيح 'الفرح'، ندى بنفسها جاية معايا، أوامرك يا بابا بيه"
ثم تحرك من مكانه وأشار لها بطرف عينه لتتحرك وغادر خلفها يتحدث بينه وبين نفسه بغيظٍ شديد، وصلا لسيارته وأدارها وقبل أن يقود نظر لها سريعًا بعدما خطر على باله فكرة ما:
"بقولك إيه؟ فاكرة سيلين الأنصايي'الأنصاري'؟ هاخدك ليها الأول أخلص هناك شغل وبعدين اخدك المول تشتيي'تشتري' اللي أنتِ عيزاه، قولتِ إيه؟"
أومأت له بأدبٍ حتى لا يفتح باب سيارته ويليقيها في حديقة منزلهما، فهي تعلم أنه قد يفعلها إن خالفت حديثه الذي كان يعتبر بمثابة عرض ولكن بين طياته هو أمر، ابتسم سريعًا وقاد تجاه الحارة، حيث المستقبل الغامض!
_____________
تنهيدة قوية تخرج من دواخلها، تلك لذة الحب التي ولجت لقلبها، أم أنه مجرد تعلق باهتمامٍ لم ترى مثله من قبل فأحبته، أما أن الحقيقة المُرة ستجرح كيانها في يومٍ من الأيام لتقع صريعة حب من طرفٍ واحد له.
لم ترى الاهتمام في حياتها وعندما رأته كان مِمَن يود أن يأخذ بثأره منها هي وعائلتها، ماذا لو توقف الزمن قليلًا ووقفت هي وهو فقط أمام بعضهما، ينظران لبعضهما دون مللٍ أو كللٍ؟
ماذا لو لديها قوة خارقة تُعيدها حيث الماضي، فتصنع مقابلة أخرى تليق بهما، تليق بكونه رجلها وهي امرأته؟
هو كالصوانٍ الذي إن لمسه حجرٍ سيصدر الشرر في وجوههم جميعًا دون هوادة أو رأفة بأحوالهم، داخله كبركانٍ سُدت فوهته يشتعل مع نفسه، فقط يود أن ينفجر فيحرق الجميع.
ارتدى ملابسه التي لم تكن سوى عبارة عن بنطال رياضي وعليه سترة ثقيلة تحميه من برد الشتاء القارس، مُمسكًا بيده الورقة التي دونت عليها الأشياء التي تريدها أن يشتريها لها، ولم تكن سوى أشياء خاصة بالنساء وبعض منتجات العناية بالشعر والبشرة:
"متنسيش إني نبهت عليكِ البلكونة لو قعدتِ فيها تقفلي الستارة عشان الجار، غير كدا براحتك"
أومأت برأسها موافقة وهي تجلس ناظرة له بهيامٍ غريب، لم تشعر بنفسها وهي تنظر له بتلك الطريقة، وكأنها تنجذب نحو شخصيته الغريبة التي ولجت لحياتها مؤخرًا، شخصية لم ترى مثلها من قبل.
عاود يتحدث بهدوءٍ وهو يرتب أغراضه دون النظر لها:
"أنا مش هتأخر إن شاء الله، بس العشا باقي عليها ساعة هصليها وأرجع، القطط أنا حاططلهم أكل بس ممكن لو ساعة تحطيلهم، الأكل بتاعهم في الدرج اللي فالمطبخ!"
اقتربت تقف أمامه ورفعت يدها تود أن تهندم له شكل غطاء الرأس الخاص بسترته ولكنها وجدت منه حركة لا إرادية يعود للخلف حتى لا تلمسه من تقوس حاجبه الأيمن، سحبت يدها سريعًا وهي تُبرر فعلتها:
"كنت عايزة اعدله بس، اظبطه"
رفع يديه يهندمه ومازال بصره مُعلقًا عليها وهي تتحدث بنبرة هادئة تحمل الرجاء:
"ممكن بس أقولك حاجة، هو طلب يعني وكدا، ممكن متتحسنيش إني حاجة وحشة وتعاملني كأني من المكان هنا، زي أي حاجة دافية في بيتك الدافي، أنا مش عاوزة أحس إني غريبة، متتحسنيش بالغُرب في بيتك اللي كله أمان"
لمح اللمعة التي تلألأت بعينيها وسحب نفسًا عميقًا وهو يقول بخفة واضعًا يديه بجيبه:
"أنا لسه متعودتش بس، كل حاجة زي ما أنتِ شايفة حصلت بسرعة، ورجعت لورا كدا فجأة عشان مجاش في بالي حاجة غير إنك هتلمسيني، بس متقلقيش كل حاجة هتكون كويسة، أنا لسه كنت بكلمك عادي كأنك من البيت وبقولك خدي راحتك"
أومأت له بابتسامة وانتبها لصوت الجرس يرن فتعالت نظرات الاستغراب على وجهه وتحرك يفتحه ولم يجد أمامه سوى «أنس» ومعه فتاة أخرى يجهلها، تناطقت شفتيه باسم الآخر مستغربًا:
"أنس؟"
ابتسم «أنس» له ومرر نظره على الثانية التي تقدمت جوار «مروان» وهو يقول باحراجٍ:
"لمؤاخذة، بس أنا كنت جاي عاوز أتكلم معاك في حاجة مهمة، ودي ندى أختي، صحبة سيلين قولت اجيبها تقعد معاها لحد ما نخلص"
توسعت ابتسامة «سيلين» «لندى» مُرحبة بها بقولها:
"ندى، How are you?"
بابتسامة أجابتها الأخرى:
"كويسة ياحبيبتي الحمدلله، وأنتِ عاملة إيه؟"
وجد يد تمتد من «أنس» نحو «سيلين» ليصافحها فأمسكها هو سريعًا:
"منورني، طب سيب الحريم يدخلوا سوا جوا وتعالى أنا وأنت هننزل تحت ولا ندخل عند الحاج إبراهيم"
أبتعد من أمام الباب جاذبًا معه «أنس» قائلًا لأخته بإدبٍ:
"اتفضلي حضرتك"
فنظرت له وولجت للداخل رفقة «سيلين» بينما هو جذب الباب بيده الثانية وأغلقه خلفهما ومرر نظره شزرًا على الذي تملكه التوتر من مسكة يده بتلك الطريقة، ثم تحدث من بين أسنانه:
"هو أنت بتسلم عليها ليه؟ أنت متعرفش إن التلامس حرام!"
شعر «أنس» وكأنه في لحظة استجواب لم تمر عليه من قبل، لم يتوتر هكذا وهو واقفًا أمام القاضي بالمحكمة، فكيف له أن يوتره ذلك الذي تتطاير الشرر من عينيه، برر فعلته كمتهمٍ ممسوكًا بالجرم المشهود:
"بُص والله لا مش قصدي، أنا بس يعني كنت بسلم عليها، هي صاحبتي!"
فارت دماء الآخر أكثر من قبل وتصاعدت لعقله لتفور كفوهة نافورة لا تتوقف في بحيرة صناعية:
_"صاحبتك؟ ما تحسن ملافظك يا أنس متخلنيش ازعل منك، إيه صاحبتي دي كمان"
أبعد بصره بسخطٍ عن «أنس» الذي كاد أن يفر هاربًا من أمامه، وبإحراجٍ شعر به جعله يقسم داخله أنه لن يفعلها مجددًا مع أي فتاة في هذا العالم، استمع لما يقوله «مروان» بنبرته الهادئة بشكلٍ أكبر هذه المرة:
"بص مافيش حاجة إسمها صداقة بين ولد وبنت، حرام تمام، والتلامس برضو حرام خلي بالك بقى"
أومأ له الآخر بطاعة وتحرك أمامه كطفلٍ مُذنب بينما «مروان» تبعه حتى وصلا سويًا ناحية المجلس واتصل بكلًا من «عبدالله» يخبره أنهما بالمجلس ليأتي هو ووالده، وأيضًا أتصل بصديقيه «حمزة» و«آسر».
جلس «مروان» رفقة «أنس» ينتظر الجميع حتى يأتي، وطالعه وهو يسأل بهدوءٍ:
"حوار إيه اللي حصل، قلقتني أحكي لحد مايجوا؟"
أعاد الآخر خصلاته للخلف بأصابعه وهو يجيبه:
"اصبي'اصبر' لحد ما يجوا، لسه مضايق؟"
هز رأسه بنفي وطالعه ثم أخرج علبة أعواد الثقاب وأخرج واحدة لتتوسع حدقتي الآخر وهو يخبره بترقب:
"أنت بتعمل إيه؟ أنت جايب معاك كبييت'كبريت' ليه، هو أنت بتولع فاللي يضايقك ولا إيه؟"
وضع «مروان» العود بين أسنانه وهو يطالع الآخر باستغراب:
"هولع فيك ليه يابني، استهدى بالله يا أنس، بسم الله الرحمن الرحيم، أنا بحب احطه بين سناني كدا بس"
غمغم «أنس» باستغرابٍ وهو ينظر لعود الثقاب بفم «مروان» ثم لوجهه كاملًا مُتسائلًا:
"ده ليه ده يا 'ميوان'؟ حد بيعمل كدا 'غييك' غيرك في العالم؟"
_"مين ميوان ده، أنا اسمي مروان عادي ومش هجاوبك ليه، أنا ياسيدي دماغي طايرة مني"
كان يتلاعب بالآخر كما يتلاعب بعود الثقاب بين أسنانه ضاغطًا عليه، ليطالعه «أنس» شزرًا ساخطًا من سخريته وهو يهمس بصوتٍ خفيض:
"عالم متنمية'متنمرة'"
_"سمعتك يا أنس"
انتبهوا لدخول الجميع خلف بعضهم، منهم صاحب الوجه الحانق ومنهم المتعب، الهادئ، وخلفهم جميعًا دلف «الحاج إبراهيم» بالجمود الذي احتل ملامحه وجلس في مكانه حيث الجميع حوله:
"خير أن شاء الله يا أنس يابني؟"
أخرج أنس هاتفه وفتحه على صورة «ثابت» وقربه «للحاج إبراهيم» قائلًا بتنهيدة راميًا عليهم الصدمة:
"ثابت، ثابت هو الخاين اللي وسطكم، دي حد من الناس اللي تبعي شافوه النهاردة طالع من بيت وليد"
كانت الصدمة تعتلي وجوههم جميعًا، لم ينطق منهم أحد حتى الآن من الرجل الذي أعطوه الأمانة وخانها، كشف السر الذي بينهم لعدوهم اللدود، واليوم عرفوا الحقيقة التي جرحتهم داخليًا وجرحت قلوبهم، كان مثل الصديق لهم قبل أن يكون محاميًا لهم.
تفوه «الحاج إبراهيم» بتحسرٍ:
"العوض على الله، العوض على الله يا عالم، خان عرض وشرف بنتي اللي أمنته عليه"
تحدث «حمزة» سريعًا بقوله مُتحيرًا وهو يفكر بعقله الذي لا يتوقف عن التفكير بعد ما حدث «لرزان»:
"إزاي يعني، طب دلوقتي لو هو الخاين فأنا حصل معايا حاجة ياحاج، نادر المصري اتهجم على أمي امبارح في الشقة وخد رزان، نادر عرف منين إن رزان عندي لو الخاين ثابت وثابت ميعرفش حاجة عن حوار رزان؟"
_"نادي المصيي 'نادر المصري'"
قالها «أنس» صاحب الحرف الضائع بصدمة كبيرة، فهو يعرفه تمام المعرفة لأنه كان لديه مشاريع وأعمال رفقة «وليد الأنصاري»، فأومأ له «حمزة» برأسه وهو يقول بتنهيدة:
"قصة يطول شرحها يا أنس، ومش قادر أشرح حاجة، بس الملخص أنها كانت هربانة من جوزها المريض ووقعت في أيدي وأنا في شغلي، وجبتها معايا هنا ومحدش يعرف في الحارة غيري أنا والشباب والحاج، لحد ما أبوها يجي من دبي وياخدها مني ويتصرف يطلقها وكدا"
تدخل «مروان» بقوله بحكمة بنبرته التي خرج بعدها تنهيدة قوية:
"يعني كدا هو مش خاين واحد بس، دول اتنين والله أعلم فيه زيادة ولا لا، طب يعني كدا ثابت كان مغفلنا كمان في القضايا"
أومأ له «أنس» مُعتدلًا في جلسته وهو يسألهم ليحاول أن يستجمع منهم المعلومات:
"بالظبط، فأنا عاوز حد يحكيلي من الأول خالص القصة دي كانت ماشية إزاي، عشان أفهم ثابت كان موصلكم فين وأفهم القضايا دي هتمشي إزاي!"
بادر «الحاج إبراهيم» بقوله مسترسلًا بكل الأمور التي كانت بينه وبين المحامي «ثابت»، يحاول ابتلاع الصدمة التي تلقاها في رجفة خفية داخل جسده:
"ثابت المفروض قالنا إنه رفع قضايا على وليد وبتسقط، قضية أولى بتهمة التزوير وقالنا إنه وليد شال الورق بتاع قرار الإزالة اللي جاي من الحكومة وحط بداله عقد البيع والشراء اللي تم بين وليد وناس الحارة، وحط كمان ورقة تصريح بأنه مسموحله يبني المصنع هنا، فكدا التزوير من ناحية ورقة الإزالة هتقع، وبعدين قالنا هنرفع قضية خاصة بعهد في وقت تاني بس لما حوار الأرض ده يتنيل يخلص، بس باين كان بينيمنا في الخط وأحنا مش فاهمين أي نيلة، ومش فاهمين إنه بيخدعنا وبيطلع أسرارنا برا"
تحدث «أنس» بفطنة عاهدها كل من عمله معه بذكائه في مجال عمله في محاولة للضغط بلسانه على حرف الراء حتى يفهموا مقصده جيدًا في كلامه الجاد:
"عمومًا حوار إن ثابت خانكم، ده فيها عقوبة كبيرة وممكن يتفصل من النقابة نفسها وممكن يتشطب كليًا من النقابة، بالنسبة لحوار الأرض أنا هرفع قضية بتهمة تزوير عقد البيع والشراء، وقتها الورق هيتعرض على النيابة والمحكمة ونشوف هيوصل لإيه وزي ما قولتلكم أنا عرفت بابا يكلم الراجل اللي بيزور لوليد وهو كدا كدا برا مصر محدش هيقدر يجيبه ويأذيه عشان كدا وليد مرتاح يعني، بالنسبة لحوار قضية عهد، أنا شاهد على الجريمة هقدم أقوالي، فيه أكتر من حاجة أنا قولتلكم أعرفها عن وليد هتلبسه إعدام وش، بس خلونا في عهد، الحاج معاك إيه قولت عليه وأدلة تنفعنا في القضية!"
نظر له «إبراهيم» بتيهٍ، يبدو وكأنه فقد الثقة بالجميع الآن حتى بالذي أمامه يتحدث حديث سليم مائة بالمئة، ولكن الغدر ملئه، وملأ دواخله من الجميع.
تنهد «أنس» عندما استشعر نظرات عدم الأمان تجاهه ونبس بهدوءٍ:
"خلاص بياحتك 'براحتك' ياحاج، وقت ما خلاص هيبقى فاضل حاجات بسيطة ونقدم ورقنا للمحكمة، عرفني بكل اللي عندك، بس يُفضل بدري عشان أقدر اظبط كل حاجة، أنا يادوب أمشي عشان أختي لسه عندها مشواي'مشوار'، عاوز اجيبها من عند سيلين!"
_"أختك؟ عند سيلين؟"
نبس بها «عبدالله» باستغراب وهو يطالعه فأومأ له «أنس» مؤكدًا على حديثه، بينما وقف «مروان» مكانه وهو يسحب نفسًا:
"أيوه ماهي طلعت صاحبة سيلين، ماعلينا قوم ياعبدالله اتمشى معانا عشان عاوز أكلمك في حوار كدا"
وقف معه «عبدالله» وغادروا الثلاثة سويًا ناحية شقة «مروان» الذي رفع يده يرن الجرس إحترامًا للتي بالداخل، فتحت لهم «سيلين» وخرجت رفقتها «ندى» مبتسمة في وجوههم:
"خلصت؟"
كانت كلماتها موجهة تحديدًا «لأنس» ولكن جوز العيون المتربصة عليها لفتت نظرها وجعلتها ترتبك، لاحظ «مروان» ذلك فلكم «عبدالله» بكوعه في منتصف بطنه ليتأوه الآخر يُخرج مسبة بينه وبين نفسه «لمروان» الذي طالعه بعينين متوسعتين يُخيفه:
"أنت بتبرقلي كدا ليه، سرحت سرحت"
_"حافظ على عينك عشان مخلعهمش يا عبدالله، احترم نفسك"
همس له بتهديدٍ بينما الآخر أبعد عينيه بانزعاجٍ من الذي جواره ينبههم من الصغيرة قبل الكبيرة حتى لا يقعوا بأي ذنبٍ، بينما «أنس»اصطحب أخته وغادر بها بعدما ألقى عليهم التحية، وتحركت أنظار «مروان» على سيلين قائلًا:
"أنا هنزل اصلي واجيب الحاجة واجي، أدخلي يلا!"
ثم جذب الباب يغلقه والتفت «لعبدالله» وسار رفقته في الحارة ناحية المكان الذي سيشتري منه أغراض زوجته:
"تامر باعتلي مسج، إن مُحسن عاوز يجوز تسنيم بالغصب للدكتور اللي جه اتقدملها، قولتله إني مليش دعوة هو أبوها وهو حر، قالي إن الولا ده سُمعته وحشة وأبوه مش مصدق، وعرف إنه كان مهدد خطيبته القديمة بصور ليها"
_"إيــه؟"
هدر بها «عبدالله» بصدمة بينما أومأ له «مروان» برأسه بتنهيدة:
"هنساعد بس من برا برا، يعني هنعلم الولا ده الأدب من غير ما نعرف محسن إننا السبب، في نفس الوقت ولا كأننا عملنا حاجة عشان محسن وعفاريته"
تبدلت عيني الآخر لأخرى مظلمة وهو يتفوه بغضبٍ مكبوتٍ:
"مع إني حالف ما يحصل حاجة تاني تجاه تسنيم مني، وأنا قايل قدام أبوها إنها خلاص متحرمة عليا، بس أنا مش هسيبها تقع في حاجة زي دي وهشوف الولا حُمصة يجبلي معلومات زيادة عن الكلب اللي جاي يخطبها ده ونستدرجه ونديله العلقة التمام هنا"
ابتسم له «مروان» بخفة وهو يربت على كتف صديقه:
"عين العقل يا أخويا، أصبر دقيقة أدخل أقولهم يجهزوا الحاجة دي لحد ما نصلي العشا، وهبقى أرجع أخدها ونروح"
أومأ له «عبدالله وداخله أجيجٌ من المشاعر المختلطة ببعضها، منها المقهورة ومنها الحزينة، ويحمل بين قلبه الأسف على ذلك الحال الذي وصل له رفقتها، كان يودها زوجته وحبيبته كما تمنى، ولكنها قطعت الود الذي بينهما!
________________
حيث المرض الذي تمكن من عقله وكيانه، مرض لا يمكن المغفرة عليه، ولا يمكن لصاحبه أن يتعايش رفقةً شريكًا آخر، فقط ما عليه فعله هو التوجه لطبيب نفسي والعلاج على الفور.
مرض السيطرة والتملك، حيث متمكنًا منه ومن تصرفاته على شريكة حياته، يُريها أشد أنواع التعذيب الصعبة التي قد تُنهي حياتها في يومٍ من الأيام، رفقة إصابته بخلل عقلي يجعله بتلك القسوة معها التي لا مبرر لها، يراها ملكه فقط.
جذبها من يدها وجلس أمامها مُمسكًا بالطعام يضعه بقوة في فمها:
"اخلصي كُلي، مش فاضي أنا يا روح قلبي!"
كانت الدموع تنهمر على خديها بقهرٍ وهي تحاول مضغ الطعام في فمها، يديها مُربطة خلف ظهرها وقدميها بالفراش حتى لا تهرب منه مجددًا، هكذا ستكون المعاملة بعد الآن بالنسبة له.
_" معدتش قادرة يا نادر.. هجيب اللي في بطني كله"
قالتها بترجي ليقول بتأثرٍ واضح واضعًا يده على خدها بحنية:
"ياروحي لتكوني حامل، ننزله مافيش مشكلة عادي يعني"
أرادت أن تسبه الآن ولكنها صمتت فورًا متراجعة خوفًا من أن تتلقى صفعة على وجهها، قائلة بنبرة منخفضة:
"طب خلاص كفاية أكل أرجوك، بطني بتتقطع"
ترك الأكل واقترب بوجهه ناحية وجهها ينفث أنفاسه الكريهة مع أنفاسها المضطربة قائلًا:
"عيني يا رزان، أنتِ تؤمريني يا روحي، شوفتِ أنا كويس معاكِ إزاي يا روح أمك؟ أنتِ ليا وبتاعتي ولو فكرك الولا الجربان بتاعك حمزة ده هيقدر ينجدك مني يبقى بعينك أنتِ وهو، أسحب روحك وروحه في أيدي وأنتِ عارفة كدا كويس صح؟"
أومأت برأسها له بخوفٍ، وحاولت أبعاد وجهها ليجذبها أكثر ووضع ذقنه مقابلة لخدها وهمس بأذنها بفحيحٍ:
"شاطرة يا رزان، شاطرة"
وتركها وغادر بعدما أجبرها بتناول الطعام في منتصف الليل لأنها رفضت أن تتناوله منذ الصباح، وتركها على الفراش بتلك الغرفة التي تبغضها نائمة مكانها بعدما فك لها قيد يديها ولكنه ترك قدميها مُقيدة بكلبشات في الفراش!
_______
سطعت شمس يوم جديد ولكنها كانت مخفية أسفل السُحب كعروسٍ خاجلة من الظهور لهم لتنثر الدفئ في قلب الحبيب.
توجه بحالٍ مُستاءٍ للشركة التي سيُقدم بها أوراقه ليبدأ بالعمل ببداية جديدة، وضع أقدامه في داخلها وتوجه لقسم الإستقبال مبتسمًا بهدوءٍ للموظف:
"مساء الخير، أنا حمزة الشافعي وجاي ضمن الناس اللي هتقدم أوراقها للأنترڤيو"
أشار له الموظف على الكراسي بالخلف وهو يرحب به بابتسامة:
"أهلًا وسهلًا يا استاذ حمزة نورتنا، اتفضل حضرتك ممكن ترتاح هنا لحد ما يجي دور حضرتك هنناديك ان شاء الله"
أومأ له «حمزة» بشكرٍ وتوجه جالسًا في المكان الذي أخبره به الموظف، وعقله شاردًا في المكان الذي به «رزان» فقط، ماذا فعلت به ياترى ليكون بكل ذلك الأسى الذي يتملكه لأجلها، أي سحر رُمي عليه ليكون بكل ذلك الضجيج الذي يتآكل بصدره!
نادى الموظف على اسمه وتوجه ناحية الغرفة التي ستكون بها مُقابلة العمل وتمت على خيرٍ وخرج وهو على علمٍ بأن الشركة نصف اسهمها لوالد «رزان»، ألتلك الدرجة كل شيء يقربه منها!
وصل للحارة وتوجه ناحية «عبدالله» تحديدًا يأخذ منه الدراجة النارية خاصته وأعطاه أوراقه والمعطف الذي كان يرتديه فوق البنطال القماشي وقميصه صاحب اللون الأسود، ثم ابتسم قائلًا «لعبدالله» في تبريرٍ لمشواره المفاجئ:
"مشوار مهم بس ياعبدالله متقلقش!"
_"ربنا يستر، متورطش نفسك ياحمزة!"
قالها «عبدالله» بتنهيدة ليومئ له الآخر وغادر تحديدًا ناحية منزل «نادر» الذي به الخادمة تحاول أن تفك قيد «رزان» لتهرب، فهي كانت صديقة لها منذ زمنٍ وساعدتها بأكثر من مرة بالهرب وها هي مجددًا، وبالفعل تحركت تلك المُتعبة جسدًا وروحًا لخارج المنزل تركض، ولسوء حظها كان «نادر» يصف سيارته أمام المنزل ورآها؛ فأدار سيارته وقاد خلفها سريعًا.
كانت تركض وهي ترى سيارته خلفها وعرفتها سريعًا عندما لمحته بها، بينما «حمزة» كاد أن يصل للمنزل ولكنه لمح «نادر» يقود بأسرع ما لديه وعلى مرمى عينه وجدها تركض من طرقاتٍ ضيقة لا يمكن دخول السيارة بها، فغادر خلفهما سريعًا بقيادته السريعة.
هذه المرة لن تتوقف مهما حدث، لن تتوقف عن الركض حتى لو كان مصيرها الموت هذه المرة، لن تتركه يمسكها ويهينها مجددًا.
مرت الطريق دون أن تنظر حولها ولم تتلقاها سوى سيارته التي احتضنت جسدها فهوى أرضًا لتعانقها الأرض دون حركة، عانقتها التراب التي خُلقت منه، لتعود لمكانها الحقيقي دون هوادة، بلا حول ولا قوة لها، مستسلمة للواقع الأليم الذي عاشته، ولم تنازع حتى لتظل حية!
________________
الطيور ترفرف فوق رأسي في سعادة غريبة، اليوم اعترفت بأنني ضوء القمر له ولحياته!
ولج للمنزل بعدما أنهى صلاة العصر في المسجد وجلس رفقة الأطفال قليلًا؛ فهم لم يتركوه من حبهم الشديد به، وجدها تجلس في الشرفة خاصته وجوارها القطتين نائمين في راحة تامة، مُمسكة بيديها مصحفه وتقرأ به بتركيزٍ شديد لدرجة أنها لم تشعر به.
أخرج صوتًا من حلقه ينبهها بقدومه فرفعت بصرها سريعًا تقابله وارتسمت ابتسامة على فمها:
"مروان، حمدلله على السلامة"
ابتسم ابتسامة بسيطة زينت ثغره وهو يُلقي عليها السلام واقترب يجلس جوارها:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الله يسلمك"
توسعت ابتسامتها ونبست بنبرة مغمورة بالسعادة:
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أنت أتأخرت كدا ليه في المسجد، قولتلي نازل تصلي وهترجع عشان نتغدى"
نظر لها ثم للقطتين ومد يده يمسد على «مشمشة» التي تحركت في دفئ جالسة على قدميه وأجابها:
"الأطفال كانوا معايا بنتكلم شوية، بنبقى نقعد في المسجد أعلمهم الأذان عشان يحبوا الصلاة من صغرهم"
همهمت بتفهم من إجابته وسندت وجهها على كفها وهي تطالعه كمن يُطالع حبيبًا اشتاق لرؤيته بعد زمنٍ طويل:
"Nice, it's really good job"
طالعها بطرف عينيه شزرًا مقوسًا حاجبه الأيمن وكأنه ينبهها لما قالت الآن حتى استوعبت هي نظراته تلك وتلبكت في قولها بتبرير:
"يوه ماقصدش والله، أنا قصدي إنه حاجة كويسة أنت بتعملها، شطور!"
هذه المرة التفت لها بكامل وجهه يطالعها وعقب على حديثها بنزقٍ:
"شطور؟ كمان!"
ضمت شفتيها بإحراجٍ تطالعه بعينيها التي بدأت بالتلألأ حرجًا من تقليله من حديثها ونبست بصوتٍ بالكاد سمعه:
"مش شطور؟"
وضعت بيديه المصحف وتحركت من مكانها في بطئ شديد تطالعه كالصِ الذي يود أن يتحرك دون أن يراه أحد، تحرك بنفس البطئ يقوم من مكانه فأسرعت في حركتها وركضت من أمامه بسرعة ليبتسم بخفة لتلك التي تبدو وكأنها بعقل فتاة تبلغ العاشرة فقط.
وضع المصحف في مكانه على الطاولة التي تتوسط زاويته المُفضلة بمنزله ولحقها للمطبخ، نظرت له سريعًا بترقبٍ لتتوسع ابتسامته:
"أهدي مالك، داخل عشان نعمل الغدا، ولا مجوعتيش؟"
أومأت برأسها وابتسمت تلقائيًا مُجيبة:
"بصراحة أوي، هتعمل أكل إيه؟"
أخرج المكونات من الثلاجة ومن أخزنة المطبخ وهو يجيبها:
"هنعمل رز بسمتي وفراخ، بس وأحنا بنعمل الأكل هنتكلم عن حاجة مهمة أوي، تعرفي إيه هي أركان الإيمان؟"
تابعته يتحرك واستندت تنظر له وهي تُجيب بترقبٍ عل إجابتها صحيحة:
"آه أنت قولتلي عليها قبل كدا، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت"
تركها تُنهي حديثها وشمر عن ساعديه في ابتسامة وبدأ بتقطيع الخضار وهي تنظر له في كل تفصيلة يفعلها:
"حلو، بس ده اسمه أركان الإسلام، أما أركان الإيمان ستة، أولهم الإيمان بالله سبحانه وتعالى، يعني إننا نكون مؤمنين إن ربنا وحده لا شريك له، لا ولد له، وإنه هو خالق الكون كله، خالق السموات السبع ويدبر أمر البشر وكل حاجة في الدنيا دي عقلك يتخيلها ماشية بتدبير ربنا"
تحرك يضع الإناء على النار ومعه الخضار والبهارات التي تحتاجها الأكلة وهو يُكمل بنبرة هادئة ولجت لأعماق قلبها:
"تاني ركن الإيمان بالملائكة، الملائكة مبنشوفهاش، فمن أركان الإيمان إننا نؤمن بيها لأنها أتذكرت في القرآن وأحنا بنؤمن بربنا سبحانه وتعالى، فأحنا مؤمنين أنهم موجودين، مؤمنين إن ليهم مهام وأعمال بيعملوها بأمر من ربنا"
سألته سريعًا وهي تتحرك تقف جواره تميل برأسها ناظرة لوجهه:
"زي ملك الموت كدا يعني صح؟"
نظر لها ثم لما يفعله وأومأ برأسه مبتسمًا بإيجاب:
"زي ملك الموت وزي الوحي جبريل عليه السلام وملك المطر وغيرهم كتير اوي"
أخذ الأرز من مكانه في صحنٍ وبدأ يغسله وهو يُكمل كلامه بنبرته الخافتة التي تدلف للقلب فتسكن آلامه، ترمم الروح التي تلفت كروحها تمامًا:
"الركن التالت الإيمان بالكتب السماوية؛ زي إيه؟ زي الزبور وصحف سيدنا إبراهيم عليه السلام والتوراة والأنجيل والقرآن الكريم، كل دول هكلمك عنهم بالتفصيل بعدين عشان شرحهم يطول أصلًا ومحتاجين يتقسموا وتفهميهم .. قلبي البهارات دي بالمعلقة اللي جنب الحلة"
أدار رأسه ناحيتها فأمسكت سريعًا بالملعقة وبدأت تُقلّب البهارات ولكن بغفلة منها لمست يدها الإناء فحرقها، صرخت بألمٍ، وألقت سريعًا من يدها كل شيء وهي تنظر للحرق بيدها الثانية، ترك ما بيده وأطفئ النار أسفل الطعام والتفت لها سريعًا يُمسك يدها متحدثًا بتنهيدة:
"مش عارفة تاخدي بالك، الحلة سُخنة وباين عليها!"
أدمعت عينيها أثر الوجع ورفعت عينيها الدامعة لعينيه وهي تردف بنبرة مُتألمة تحمل الأنين:
"مخدتش بالي، بتوجعني أوي يامروان!"
نطق اسمه مميز من فمها، ولكن هذه المرة مميز بشكلٍ غريب، جعل منه يتحرك كنحلة تدور في الحقل باحثة عما ترغب، أتى بمرهم يخص الحروق وجذبها خلفه ناحية غرفة المعيشة وجلسا جوار بعضهما، وبدأ يضع لها ببطءٍ على المنطقة الحمراء أثر الحرق:
"معلش هتوجعك شوية، المرهم هيمتص الألم فـ الوجع هيزيد بس هتروح علطول ان شاء الله، بالشفا يارب"
أومأت برأسها له ثم نقلت بصرها ليدها التي رفعتها قريب من فمها وبدأت تنفخ عليها بوجعٍ محملًا بالدلال:
"دي بتوجع اوي بجد"
تنهد بخفة وهو يحرك رأسه بقلة حيلة؛ فبالطبع مدللة مثلها ستجد حرقًا كهذا مؤلمًا بذلك الشكل، نبس بصوتٍ يحمل الحنية:
"معلش والله هيروح، أنا حاسس إني قاعد بواسي في بنت أختي اللي اتحرقت، خلاص بقى أنتِ آنسة كبيرة عاقلة!"
_"لا أنا مدام!"
هكذا عبرت بكلماتها التي خرجت بعفوية مُعلقة بصرها عليه تُصحح له خطأه، فابتسم ابتسامة خفيفة في الخفاء ومسح وجهه بيده ممرًا إياها على ذقنه يرتب من وضعيته، وأكد على حديثها:
"مدام فعلًا، طيب يامدام أنا قايم أخلص بقية الأكل عشان نتغدى، خليكِ هنا ارتاحي"
وقف في مكانه فوقفت معه سريعًا مبتسمة له:
"لا هاجي معاك، هقف معاك نكمل أركان الإيمان بس هقف بعيد عن النار ماشي؟"
أومأ لها بقلة حيلة وتحرك لتتبعه هي في خطى مُتحمسة وعاد يُكمل إعداد الغداء وهو يشرح لها بقية أركان الإيمان بقوله:
"وصلنا عند الركن الرابع، وهو يامدام سيلين بيتكلم عن إننا لازم نؤمن بجميع الرسل والأنبياء؛ من أول سيدنا آدم عليه السلام أبو البشر كلهم، لحد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.."
صمت لتردد السلام على النبي ففعلت ذلك بابتسامة خفيفة عندما نظر لها؛ ليقابلها هو الآخر بنفس الابتسامة وأكمل وهو يتحرك بالمطبخ يكمل إعداد الطعام:
"يعني إحنا نؤمن بيهم وكمان نؤمن ونتبع كل الرسالات والتعاليم اللي هما كانوا عاوزين يوصلوها لينا، ويبقى عندنا من أخلاقهم وصفاتهم، بالنسبة بقى للركن الخامس وده إننا نؤمن باليوم الآخر؛ يعني نؤمن إن فيه يوم قيامة، محدش فينا عايش لآخر الدنيا كلنا هيجي يوم وهنموت وعمرنا هيخلص، فمعنى إننا هنؤمن باليوم الآخر يعني إننا نعمل لليوم ده، نرضي ربنا ونعمل بأوامره كلها، نصلي ونصوم ونتصدق ونبر الوالدين ونتدبر القرآن الكريم ونعرف تفسيره ونعمل بيه، القرآن الكريم ده هيكون شفيع لينا يوم القيامة، ادعي دايمًا الدعوة دي؛ اللهم أجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وشفيع لنا يوم القيامة"
وضع الأغطية على الأواني وترك الطعام ينضج والتفت ينظر لها مستندًا بجسده على الرخام قائلًا:
"وآخر حاجة هو الإيمان بالقدر، سواء كان شر أو خير؛ يعني مهما كان اللي ربنا رايده في حياتنا نرضى بيه، لأننا لو عرفنا اللي في علم الغيب لو كنا عملنا اللي على بالنا مكناش هنكمل فيه وهنختار اللي ربنا كاتبه، رب العباد كريم وعادل، مبيظلمش عبده أبدًا بل بيحطله كل حاجة فيها خير له، والدنيا ابتلاءات لازم نصبر عليها، عشان الصبر ده عليه حسنات أصلًا، فأي ابتلاء يحصلنا في حياتنا بندعي نقول اللهم اجعله في ميزان حسناتنا، بس ياستي.. عرفتي الفرق بين أركان الإسلام وأركان الإيمان؟"
أومأت برأسها بابتسامة واسعة وهي تنظر له بإمتنانٍ وشكرٍ في آن واحد، وعقلها يدور فيما قال كله، يفكر ويتدبر، يشكر ويحمد، عقل ضائع بدأ يسلك الطريق الصحيح، طريق نهايته الجنة.
_"ماشي، يلا بقى عشان خلاص فاضل عشر دقايق والأكل يستوي ونقعد ناكل، يا مدام ..سيلين"
قالها متلاعبًا لها فارتسمت ابتسامة الخجل على ثغرها وأخفضت بصرها بعيدًا عنه!
ولكن لم يكن للسعادة نصيبًا لهما، عندما وصلهما صوت طرق الباب وتوجه «مروان» يفتحه ليجد أمامه «آسر» بأنفاسٍ متسارعة يفجر عن سبب وجوده هنا:
"وليد الأنصاري، باعت كلب مقتول والسواق بيقول هدية لسيلين بمناسبة جوازها"
_"بيلا اتقتلت؟"
قالتها بصدمة وأنفاسٍ متسارعة لم تستطع أخذها من الهواء الطلق برغم أنه مجاني تمامًا، ولكنه الآن شعرت بأنه بنقودٍ غالية لا يمكنها الدفع لأخذ أنفاسها لتعيش.
