رواية تشابك ارواح
الفصل التاسع والثلاثون39
بقلم امينة محمد
الحياة، الأشخاص، الأحلام، القلب، الروح، النفس؛ جميعهم اتفقوا على الوقوف ضدي، وعلى تحطيمي ذاتيًا وتكسير مشاعري، وإنهاء ما تبقى مني ليُصبح كل شيء كما الرماد الذي يطير بمجرد هبوب بعض الرياح.
أقسى ما قد يمر به المرء هو إن تأتيه الطعنات من القريب قبل الغريب، ولمَ قد يطعنني الغريب بالأساس؟
فكل الأذى سيأتيك من شخصٍ عاهدت الزمان والمكان بأنه هو الأقرب لك، دمًا وروحًا، الأقرب لقلبك.
«قبل أيامٍ»
تحركت تلك السيدة صاحبة الملامح الحادة التي أعتلت على وجهها بعدما فقدت ابنها وابنتها، متوعدة للجميع بأنها لن تموت قبل أن تأخذ بثأرهم جميعًا، وتنهي وجودهم.
وصلت بخطواتٍ ثابتة نحو السجن وتقدمت للداخل في موعد الزيارة التي أتت به لتقابله، ومن غيره الذي خرج لها بملامح شاحبة مرسومًا عليها الموت، ينتظر وقت إعدامه ونهايته في هذه الحياة التي سعى بها خلف المطامع والنقود.
جلس أمامها مقوسًا حاجبيه باستغراب مُتسائلًا:
"مين حضرتك؟"
_"فتحي صح؟"
سألته بنفس الهدوء المبالغ ليومئ برأسه بإيجاب، ابتسمت هي عندما أجابها فقالت بعد زفيرًا قويًا:
"أنا نهى، أم نادر المصري"
بنبرة سريعة وملامح ارتعبت قال:
"أنا مقتلتوش، والله أنا يومها روحتله البيت عشان المفروض كان فيه شغل بيني وبين وليد وبينه، روحت لقيته ميت جريت عليه عشان أشوف ماله لقيت البوليس فوق دماغي واتهموني إن أنا اللي قتلته لأن مكنش فيه أي بصمات حوالينا، ولا أي دليل يثبت إن كان فيه حد هنا ولا أي حد كان موجود بس أنا وعهد الله ما قتلته"
أومأت برأسها مؤكدة له بأنها تصدقه، ثم أردفت بشرٍ مخفي:
" ما أنا عارفة إنك مش اللي قتلته، وعارفة إن وليد الأنصاري هو اللي عمل كدا، أنا هنا عشان أخرجك أنت"
تفاجئ من حديثها بقوله بتوجس وهو يطالعها بعينيه المغمضتين قليلًا:
"هتخرجيني إزاي، أنا اتحكم عليا خلاص!"
ابتسمت بثقة وهي تقول:
"متقلقش، هتطلع لما يتعرف إن اللي قتل هو وليد الأنصاري، بس لو أنت حابب تسيب حقك فخلاص، هتطلع بمقابل واحد بس!"
_"إيه هو؟"
سأل بتوتر خفي، يحاول استنباط ما تقوله تلك المرأة:
"تقتل وليد في السجن، زي ما قتل ابني يتقتل، وتلبسها في أي حد، أنت كدا كدا عارف إزاي تلبسها عملتوها كتير وقتها أنا معايا الأدلة اللي تخليني اطلعك!"
_"إيه يثبتلي إن كلامك صح وهتطلعيني ومش بتلبسيني مصيبة!"
لا يُصدقها، وبالفعل هي لا تُصدق وليس معها أي أدلة، هي لا تريد سوى إنهاء جميع من كان له يد في قتل ابنها فقط!
أجابته بكل بساطة مع ابتسامة خفيفة:
"براحتك، أنا إيه هيجيبني مشوار زي ده عشان ميكنش معايا دليل، لو عملت اللي قولتلك عليه ووصلني خبر إنك اللي قتلته، استنى مني أخرجك من هنا، معنديش وقت زيادة مضطرة أمشي، فكر يافتحي"
ثم غادرت من أمامه تاركة الشيطان يوسوس له وعقله ذهب بعيدًا، يفكر في تنفيذ حديثها ليقتله وينهي وجوده تمامًا، وبداخله يخبره بأنه يجب فعل ذلك ليأخذ بثأره هو الآخر.
أتى اليوم المشؤوم الذي قرر به «فتحي» إنهاء حياة «وليد» بالزنزانة التي كانوا بها سويًا رفقة أناس آخرين، ويومها حدثت مشاجرة عنيفة وفي غفلة قام «فتحي» بضربه على رأسه بصفيحة قوية ليقع ميتًا في وقتها.
تلقت تلك المسكينة الفاجعة التي تفوه بها زوجها الآن، وبالكاد عقلها الصغير صدق ولكنه عاد يُكذب ما يقول، فنبست بصوتٍ مرتجف حمل الضحكة الساخرة:
"أنت بتقول إيه، بابا مين اللي أتقتل، بس يامروان بس"
تكذيب الحقيقة كان أسهل من تصديقها، لذلك اتجهت للطريق الأسهل بالنسبة لها ولم ترغب في تصديقه مُطلقًا، بل أيضًا أشاحت ببصرها بعيدًا عنه فقابلها صمته في محاولةٍ لتجميع الكلام بداخل صدره ليخرجه على لسانه، وما إن شعرت بأنها بالفعل حقيقة حتى أنهارت باكية في وجهه وصرخت بأعلى صوتها:
"أنت بتضحك عليا صح، قولي إنك بتكذب، بابا إزاي يتقتل"
أقترب ليضمها فأبعدته بسرعة بعيدًا عنها وصرخت بوجهه بكل قوةٍ استعجب منها، وصرخت مجددًا:
"بابا مماتــش، أبعد عنـي، أنا عاوزة اروحله دلوقتي حالًا!"
سحب نفسًا عميقًا، فتلك الحالة التي ولجت بها يعرفها جيدًا ولكنها قوية الآن عليها، فعقلها لا يُصدق وقلبها لم يخرج منه والدها.
تحرك من مكانه لأمامها مباشرةً وأحكم القبض على كتفيها قائلًا بنبرة جامدة:
"وحدي الله، الموت علينا كلنا حق، أبوكِ كان لابس إعدام في كل الأحوال بس أكيد حصل حاجة وحد قتله عشان هو شره كان واصل للكل، أدعيله هو دلوقتي بين ايد ربنا!"
أبعدت يديه بقوة عنها وتفوهت بكل ضيقٍ بداخلها وعيناها توسعت من ضغطها على أعصابها:
"أسكت أسكت متقولش كدا، أنا بابا مماتش، أنا مش هفضل في الدنيا دي كدا لوحدي، حتى لو كان عايش.. لو كان عايش وكان بيعمل اللي بيعمل بس كان اسمه عندي أب"
صرخ بوجهها حتى تقتنع بتلك الحقيقة التي مازالت تستنكرها، وأمسكها مجددًا من كتفيها بقوة:
"مــات يا سيلين، مــات، وحدي الله يا شيخة وأهدي"
سبيلها للراحة لا يرغب بالقدوم لها، وقلبها الضعيف لا يود المواجهة، وأما عن جسدها فخانها وخارت قواه ووقعت بين يديه مغشيًا عليها.
أمسكها بقوة وضمها لقلبه، لحضنه الذي لن يخرجها منه بتاتًا ولن يتخلى عنها، لكل الأمان الذي تبحث عنه في كل مكانٍ، ثم حملها على ذراعه نحو الغرفة تحديدًا فوق الفراش يضع عليها العباءة وحجابها، ورفع هاتفه متصلًا «بعبدالله» حتى وصله رده:
"هات تسنيم تشوف سيلين عشان اغمى عليها، أبوها مات وعرفت... لما تيجوا نتكلم بس بسرعة"
ثم أغلق الإتصال وجلس جوارها يمسك يدها بين يده، ورفعها نحو فمه يلثمها بحنانٍ بالغ، وهمس بتنهيدة قوية:
"الله ينزل عليكِ صبره، ربنا يقويكِ!"
ربع ساعة مرت بثقلٍ شديدٍ عليه في محاولة منه لإيقاظها، وبالفعل كان له دورًا في ذلك لأنها استجابت معه قليلًا وهي تُخرج أنينًا متعبًا.
وصل كلًا من «عبدالله» ورفقته «تسنيم» التي هرولت للغرفة تفحصها وتراها، بينما هو وقف بالخارج معه يقول بتنهيدة:
"أنس بعتلي وقالي أبوها اتقتل في السجن، وقولتلها ومستحملتش الخبر وزي ما أنت شايف"
_"أنس ده مبيتصلش غير للمصايب أقسم بالله، مش عارف أدعي أقول إيه، بس الشماتة حرام فربنا يرحمه"
قالها «عبدالله» بأسفٍ، فتلك نهاية متوقعة لأمثال «وليد».
دقائق وخرجت «تسنيم» قائلة:
"مروان، هتحتاج محلول أنزل هاته من الصيدلية، بس هي الحمدلله"
_"هاخدها وأروح المستشفى أحسن!"
قالها وهو يتجه ناحية الغرفة لتوقفه هي سريعًا بقولها:
"ملوش لازمة أنا عارفة اللي هيحصل في المستشفى يا مروان، أنزل هات بس المحلول وأنا هفضل جنبها"
طالع «عبدالله» الذي جذبه وهو يقول:
"تعالى يلا!"
وغادرا سويًا للأسفل بينما «فاطمة» علمت بالخبر وأتت للشقة مهرولة وجلست جوار «سيلين» تضمها لأحضانها.
في صباح اليوم الجديد الذي أتى عليها ولم تكن ترغب بقدومه، ودت لو تغادر الحياة أو تظل الساعة متوقفة لا تتحرك.
كان تقف جواره تشاهد والدها وهو يُوضع في قبره، بوجهٍ أحمر وبكاءٍ مستمر لكن بدون صوت، فقط الدموع تتخذ مجراها على خديها بصمتٍ تام.
الشيخ دعى له وانتهى دفنه وبدأ الناس يغادرون، لم يأتي سوى القليل عندما انتشر خبر موته، منهم من ينظر لها بتشفي ومنهم من ينظر بسخرية على حال والدها.
لم يتبقى سواها هي وهو، وأصدقائه أيضًا لم يتركوه للحظة، رفعت بصرها تطالعه وهمست بشفتين مرتجفتين وبعينيها التي كانت حمراء كالدماء، وجهها المُمتعض:
"عايــزة اتطلق يا مروان.. طلقني"
طالع ملامحها لبعض الثواني، وهمس بصوتٍ مختنق فما بداخله لم يكن سوى وجعٍ هو الآخر لأجلها:
"أنتِ شايفة إن دي نهاية تليق بكل اللي مرينا بيه؟"
سألها مُضطربًا لتجيبه بجمودٍ حاولت أن تُخرجه من داخلها ولكنه حمل الحزن بين طياته:
"تليق أو متلقش، أنا وأنت مبقيناش ينفع نكمل سوا، عارف ليه؟ عشان أنا أبويا اللي قتل وحقكم رجع وهو اتقتل، هنعيش مع بعض على أنهي أساس؟"
أهكذا تقارن كل شيء، لمَ كل شيء في هذه الحياة يأتي على قلبه هو ويضغط على قلبه، ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغره:
"متوقعتش تقيسيها بالشكل ده، بس مش هطلقك دلوقتي، مش هسيبك غير وأنتِ كويسة وهطلقك وشوفي عايزة تعملي إيه وقتها"
لمَ شعرت أن الحياة توقفت لوهلة الآن وهي بين ضغطٍ شديد وقوي، لماذا تشعر بأنها تود أن تُدفن الآن جوار والدها فقط وتنهي كل ذلك.
ثم مال عليها وبداخله يُقسم بأنه لن يفعل ولن يتخلى عن بر الأمان الذي عثر عليه والونس الذي ناله رفقتها، ولكن الحديث معها الآن لن يجدي نفعًا.
طالع رفاقه وبادلوه النظرة، كل منهم يحمل الأسى لأجله، أمسك يدها بين يده يضغط عليها وجذبها رفقته نحو السيارة التي كان يقودها «حمزة»، جلست هي بالخلف وجلس هو جوار صديقه الذي يعلم أنه بداخله كل أنواع العذاب النفسي والذاتي الآن.
أوصلهما حتى البناية وسحبت نفسها سريعًا أولًا وولجت لها ثم للشقة، بينما هو طالعها وطالع «حمزة» الذي كان يود أن يتحدث ولكنه منعه:
"أنا كويس وهي هتكون كويسة، مش قادر اتكلم أنا جوايا كمية ضغط شديد"
_"حقك عليا، كل حاجة هتتحل الحمدلله خلصنا من وليد وشره، بقى بين ايد ربنا!"
قالها «حمزة» بتنهيدة ليكتفي هو بإيماءة بسيطة ثم غادر للشقة خلفها، أغلق الباب وأقترب للشرفة يجلس بها دون أن يتحدث بأي كلمة رفقتها، فهي ذهبت نحو الغرفة وأغلقت الباب عليها لا ترغب بالتحدث رفقة أحد ولا ترغب الآن سوى بالبكاء.
أصبحت يتيمة، تفكر أنها الآن بلا أب وأم، فالفطرة الإنسانية لدى جميع البشر هو الحب الوالدين مهما كانت أفعالهما، وذلك ما تحكم بها..
وصل بخطاه حيث روحه التي تشابكت مع روحها، ومَرامه هو مَرامها، وحيث كُتب لهما أن يعيشا سويًا مع بعضهما.
خرجت من الغرفة بملامحها الهادئة منذ معرفتها بموت «رنا»، وجدته أيضًا الآن بملامح مُتعبة، ولكن الآن وجدت أن الأسى باديًا على ملامحه هو أكثر، فأقتربت نحوه بخطواتٍ متزنة تسأله بنبرتها الحنونة:
"آسر، أنت كويس؟"
أومأ لها بابتسامة خفيفة، وهو يطالع تلك العينين التي اكتشف أنه يحبهما بشكلٍ كبير، بالرغم من أنها نفس لون عينيه ولكن هي لها نظرة ولمعة مختلفة:
"كويس، كويس وأتمنى كل حاجة تكون كويسة!"
وضعت يدها على خده بحنانٍ ونبست بنبرة عذبة عانقت روحه وضمت قلبه:
"متقلقش كل حاجة هتكون كويسة، أقولك حاجة؟
مين كان يصدق إني أنا وأنت في يوم نكون سوا كدا ومتجوزين وأنا معاك؟ محدش، برضو مكنش عندي أي أمل إنه يحصل وحصل، فأكيد والله كل حاجة هتكون كويسة وحياتنا هتتحسن وهنرجع تاني كويسين، كل حاجة عايزة وقتها عشان ترجع زي الأول ونتعافى سوا، وإحنا مع بعض كدا ومش هنسيب بعض وهنفضل على طول سوا"
ضمها سريعًا كردٍ على حديثها، لغة الحب لها طرق كثيرة ولكن أحنها العناق.
ضمها بقوة لصدره وبادلته هي الأخرى ذلك العناق الدافئ، ربتت على ظهره وارتسمت ابتسامة واسعة على ثغرها عندما أردف:
"أنا بحبـك، واستحالة في يوم أخلي حاجة تبعدك عني، بالعكس هتفضلي معايا وجنبي ومش هسيبك خالص، هتفضلي مراتي وشريكة حياتي واللي هفضل كل الوقت بحارب عشانها وبعملها كل حاجة تفرحها، ونجيب عيال كدا إن شاء الله يملوا علينا البيت وحياتنا"
غمرها الحب، قلبها لم يقع من على جرف الهاوية
تم إنقاذ أول قلبٍ بنجاح، متشابكة خيوطه رفقته،
ضمة حنان، ضمة قلبان، حب واسع غادرهما وانتشر حولهما.
نهاية صفحة، وبداية أخرى سُميت بهما
«كان مَرامه أن يُأسر رفقتها، وها قد نال مسعاه ومبتغاه، ونال آسر المَرام رفقة مرام»
مازال على نفس جلسته منذ أن وصلا للمنزل، يقرأ القرآن ويذكر الله في محاولة منه لتصبير نفسه والضغط عليه على الإستمرار في هذه الحياة وحده.
_"يارب، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا"
قالها بتنهيدة قوية وأخرج من جيبه هاتفه ليرى عدة رسائل من أصدقائه جميعًا، لم يقدر على الإجابة الآن بل فتح الصور ووقف عند واحدة تجمع والديه سويًا.
رُسمت ابتسامة بسيطة على ثغره وهو يمعن النظر في ملامحهما التي أشتاق لها من كل قلبه، واشتاق لضمتهما له، لحنان والدته، وسند والده.
لماذا كل شيء أصبح ثقيلًا عليه الآن؟ أخلق للخسارة فقط؟
استمع لصوت أنينًا مكتومًا فرفع رأسه ليجدها تقف عند باب الشرفة تطالعه بوجهها الأحمر وعينيها المُهلكة من البكاء وكثرته، وقف من مكانه يغلق الستائر وكاد يتخطاها ويغادرها ولكنها أمسكت ذراعه سريعًا.
_"مش عاوزة أكون لوحدي، أنا خايفة أوي، حاسة إن فيه حاجة تقيلة محطوطة هنا!"
أشارت على صدرها بوجعٍ، وضغطت على يده فشعر برجفة جسدها، لا يريدها أن تتعرض لتلك الحالة التي تأتيها من شدة الضغط على نفسها، لذلك أقترب نحوها ليعانقها فوجدها ترمي هي نفسها بين أحضانه وبكت بقوة.
مسد على شعرها بحنانٍ، وربت على ظهرها برفقٍ، ابتلع غصته مستشعرًا برجفتها الشديدة بين يديه وبكائها المفرط.
تركها حتى هدأت تمامًا وخبأ رأسه في عنقها، يعلم جيدًا أن التعافي له هو رفقتها، وأن التعافي لها رفقته:
"عارفة؟ ربنا مجمعنا سوا عشان شبه بعض في كل حاجة، الخذلان اللي بنشوفه الضغط اللي بنتعرضله، الوجع اللي شايلينه، اتنين أهاليهم ماتوا وهما في عز شبابهم وصغرتهم، بقينا يُتمى بدري بدري، جوايا وجع كبير مش عارف أعبر عنه ولا عارف اتخطاه، وجواكِ وجع كبير مخليكِ عاوزة تاخدي قرارات غلط!"
ضمها له أكثر وكان صوت شهقاتها هي المُسيطرة على المكان، وسمعته ينبس بهمسٍ واضح:
"بس أنا والله ما هسيبك ولا هطلقك، ربنا كتبلك تكوني معايا وأنا مش هسمح بأي حاجة تانية تفرقنا، أنا وأنتِ اتكتب لينا نكون سوا وهنفضل، اتنين قلوبهم متشالة من مكانها ومعيشهم قلب واحد لما قربوا من بعض، أنا مش هموت ولا هسيبك تموتي، سيبي القلب ده شغال"
مُعبر بكل ما يقوى على أن ما يجمعهما هو قلب واحد، قلب بالكاد يعمل، الوقت الذي مر عليهما في حياتهما وهما بعيدين عن بعضهما كان مؤلمًا، والآن حان الوقت ليكونا سببًا لتعافي بعضهما.
تعلقت به أكثر وظلت تردد باعتذارٍ وصوتها الذي أصبح ضعيفًا من كثرة بكائها وتألم حنجرتها وأحبالها الصوتية المجروحة:
"حقك عليا والله مش قصدي، بس مكنتش شايفة قدامي، أنا مش هسيبك والله مش هسيبك، لو كنت طلقتني كنت هموت فيها والله كنت هموت"
أبعدها عنه قليلًا وقبلها على رأسها وهمس بصوته الهادئ:
"بعد الشر عنك وعن قلبك، بعد الشر عنك ياست سيلين"
خيوط أرواحهما متشابكة منذ اليوم الأول، ولكن اليوم ازدادت قوة، ها هو ثاني قلبٍ يُنقذ بعد شدائد عديدة.
«شظايا نارية حل عليها ضوء القمر، كالتقاء نار وماء سويًا وليلٍ ونهار، كما المعجزات مثل التقاء القمر والشمس سويًا في حالة خسوف أو كسوف، التقيا وتماسكا ببعضهما البعض»
المرء بطبعه يذهب نحو من يحب وما يُحب، يتخذ مسلكه تجاه الحبيب وتجره قدماه لهناك دون أن يشعر.
أتخذ طريقه نحو منزلها وقابلته تطالعه بابتسامة بسيطة، ولكنه قابلها بعناقٍ قوي، لا يعلم أيستمد القوة منها أم أنه بحاجة لسكونٍ لبعض الوقت.
رحبت هي بالفكرة وبادلته العناق مربتة على ظهره بحنانٍ قوي، حتى أبتعد هو بعدما حصل على حاجته من الراحة والاطمئنان، سأل بابتسامة بسيطة:
"هو الفرح أمتى بقى؟"
شاكسها لتضحك بخفة وهي تُمسك يده وتأخذه معها رفقة الصالة ليجلسا جوار بعضهما قائلة:
"إن شاء الله هانت ياعبدالله، هانت أوي كل حاجة بتجهز وهنتجمع سوا في بيت أنا وأنت لوحدنا!"
استند بظهره على الأريكة قائلًا بكل أريحية وابتسامة واسعة:
"وهقفل علينا الشقة دي لمدة شهر، مش عاوز أشوف فالشهر ده حد غيرك بأمانة"
ضحكت بخفة قائلة بعدما احتلها الخجل من كلماته:
"طب أسكت بقى، اعملك تشرب إيه؟"
هز رأسه بابتسامة رافضًا، وتنهد بخفة قائلًا:
"مش عاوز أشرب حاجة، أنا تمام وكنت جاي أشوفك بس عشان وحشتيني أوي، آه لسه شايفك الصبح بس وحشتيني"
حاوطها الحب والسعادة، ها هي تنال مطلبها بعدما عانت لسنينٍ طوال تحبه في قلبها بسبب رفض والدها المستمر له، وهو أيضًا حظى بكل أحلامه فلا أحلام بعدها بالنسبة له.
لمح «تامر» يتوجه لهما ورحب به بابتسامة:
"أهلًا عبدالله بيه بنفسه!"
_"عايز إيه يالا، فيه حد يدخل كدا على واحد ومراته!"
قالها بحنقٍ، ليضحك «تامر» بخفة:
"ياعم دي لسه في بيت أبوها"
_"متخلنيش اخدها وأمشي، بقت مراتي خلاص"
هدده بنظرة قاتلة، ليقهقه الآخر مجددًا قائلًا:
"لا لا خلاص، المهم يعني جاي أقول إني هتجوز!"
شهقت بصدمة ثم تلاها ضحكاتٍ وهي تقول بحماسٍ:
"بجد، قول والله؟"
أومأ لها وابتسم بخفة يفسر لها القصة بأكملها:
"هي يعني معايا في الشغل، أنا بيني وبينك كنت حاسس فيه بيني وبينها حاجة يعني حاجة زي إني مشدود ليها، النهاردة حصل مشكلة كبيرة معاها وكنت حاسس إني هفرقع عشانها وفضلت ألف حوالين نفسي عشان تحل المشكلة دي لحد ما حليناها، وحاسس إنها كمان بتحبني"
يُروى عن الحب ما لا يتوقعه أي شخص،
هناك قصص تحمل المعجزات، وقصص أبسط فتُروى في حكايات!
أتته الإجابة من «عبدالله» مبتسمًا:
"الحب الحب يا عم، ألف مبروك مقدمًا، ان شاء الله الأمور تتسهل وتتقدملها"
أقتربت نحو «تامر» تعانقه بقوة وهي تبارك له بابتسامة واسعة:
"مبارك ياحبيب قلبي، الله يسهلك يارب ويتمملك على خير"
بادلها وهو يجيب عليهما سويًا بابتسامته:
"حبايبي، الله يبارك فيكم"
أشار له «عبدالله» بنظرة نارية ليتحرك من هنا، أتى ليجلس رفقتها بعض الوقت فخطفها منه أخيها، لمح «تامر» تلك النظرات فأغاظه بضمها له أكثر، الحقير!
_"آه راسي مصدعة خالص يا تسنيم، مافيش شوية شاي من إيدك ياقلبي"
نبس بكل مكرٍ، ليعبس بوجهه «تامر» عندما وجدها تبتعد سريعًا عنه نحو «عبدالله» مُجيبة:
"حالًا حاضر، أجيبلك مسكن؟"
سألته وهي تطالعه بقلقٍ، ليهز رأسه بنفي قائلًا بابتسامته التي رسمها في وجهها:
"لا ياقلبي، بس شوية شاي من إيدك الحلوة دي"
ابتسمت بخجلٍ وتحركت دون إجابة، بينما هو وقف ليتجه ناحية «تامر» الذي تحرك هو الآخر سريعًا:
"خلاص والله بهزر معاك، هزارك تقيل ياجدع، أنا أصلًا داخل أغير هدومي وأريح"
ثم ركض من أمامه ليعود هو جالسًا بابتسامة خفيفة، حتى أتت هي وتوسعت ابتسامته، يتأملها هي وتفاصيلها وكل حركة تفعلها.
_"الله يديمك ليا يارب"
نبس بها لتبتسم بحبٍ ووضعت أمامه الشاي قائلة بودٍ:
"يارب ياحبيبي!"
جذبها من على جرف الهاوية بعدما كان اليأس يغمرها وكانت على وشك الوقوع، وانقاذه لها كان بإنقاذ قلبه أيضًا.
«بات البُعد لهما، وكُتب القرب لأجلهما، فهي جنته على الأرض وهو المحارب المغوار الذي حارب لأجلها»
يود أن يعقد الحب أكثر، ويُقرب تلك المسافات بشكلٍ أقوى، يود أن يجعل ذلك الحب أقوى، وألا تكون إلا له.
وصل نحو منزل والدها بعدما أتصل به وأخبره بأنه يود أن يلتقي به ويتحدث رفقته، وبالفعل هو الآن جالسًا أمامه يحاول تجميع كلماته بقوله بابتسامة:
"شوكت بيه، أنت عارف إن كل حاجة حصلت مني ناحية رزان كانت بداعي المساعدة وإني واحد مبحبش أشوف حد في ورطة ومساعدوهوش، بس أنا دلوقتي واحد بيحب، بيحب رزان بنتك وبيساعدها عشان بيحبها، أنا عارف إن رزان في شهور العِدة وعارف إنها محتاجة لسه وقت، بس أنا كان لازم أحط النقط عالحروف بما إني راجل دوغري، وعشان العيون اللي عليها تتهد"
طالعه «شوكت» لثوانٍ قبل أن يقول بجمودٍ:
"بصراحة فيه ناس فعلًا مكلماني عنها، بس أنا معرفش هل رزان موافقة عليك ولا لا، وزي ما قولت سيب كل حاجة للنصيب!"
هز رأسه بنفي وهو يقول بإصرارٍ بينما الابتسامة على ثغره:
"معلش يا شوكت بيه، أنا كان لازم اجي أقول عشان كل حاجة تكون واضحة وإني ليه لسه حوالين رزان"
أومأ له «شوكت» برأسه وتنهد وهو يغير مجرى الحديث بقوله:
"رزان بنتي متعرفش اللي روان عملته، القصة دي اتقفلت وأنا مش حابب أن رزان تشيل منها وأخلق ما بينهم عداوة، بعد اذنك متجبلهاش سيرة!"
رسمت على فم الثاني ابتسامة أخرى وهو يجيبه:
"أنا فعليًا مجبتلهاش سيرة، عشان حالتها النفسية متتحطمش أكتر، وأنا معاها ومش هسيبها تمر بأي حاجة وحشة لوحدها، بالعكس هكون جنبها وهساندها، وهحققلها كل اللي تتمناه، هي تتطلب وأنا أحقق، وحضرتك عارفني يعني مش بعرفك عليا!"
ابتسم بوجهه «شوكت» مؤكدًا على حديثه بقوله:
"واثق من ده، ان شاء الله ياحمزة ان شاء الله"
أنهى جملته مع دخولها لغرفة الجلوس تطالع الآخر شزرًا بسبب آخر مرة تحدثا سويًا، بينما والدها أتاه إتصالًا وتحرك يقف عند الباب جوارهما.
استغل الفرصة وهو يردف بابتسامة واسعة:
"على فكرة مش جاي لشغل!"
_"اومال جاي ليه؟"
سألته بحنقٍ، فهي مازالت غاضبة من تصرفه ليقول بضحكة:
"جاي أقوله يدورلي على عروسة!"
ها هو يغضبها أكثر، يجعلها تود أن تفتك برأسه في الحائط خلفه!
يكفي عبوسها بوجهه الذي جعله يغير حديثه بثوانٍ قائلًا:
"العيون الخُضر في البصة دي نينجا، جيت أفاتح شوكت بيه فإني عاوز اقدملك عشان بعد عدتك نكتب الكتاب على طول ان شاء الله!"
لعبت بأعصابه بابتسامة ساخرة وهي تشيح ببصرها بعيدًا قائلة:
"مين قالك هوافق، وتتقدملي ليه، وإيه كتب كتاب على طول دي مش لما نسأل عنك؟"
_"تسألوا عني إيه يارزان أنتِ لو مش فالعدة كنا كتبنا دلوقتي والله، الله يهديكِ بجد"
أجابها بسخرية لتقول بغيظٍ:
"وعاوز تتقدملي ليه؟"
إن وقفنا لحظة، فهي من داخلها خائفة من خوض تجربة أخرى، وبنفس ذات اللحظة تود أن تخوضها معه، وحرب قوية لا تعلم متى ستتوقف بداخلها، ولكنها همدت قليلًا بقوله:
"مش ممكن عشان عيونك الخُضر خلوني مش عارف أعيش من غير ما أبص فيهم؟ ده أنا دماغي دي متكيفة لوحدها، مبقتش عارف يعدي يوم غير وهي متكيفة على عينك، زي المدمن بالظبط!"
أحمرت وجنتيها خجلًا، يعرف كيف يحيك كلماته صانعًا سترة بكل حبٍ يرتديها قلبها في سعادة كبيرة.
قلب أُنقذ،
وروح حررت،
والخيوط تشابكت،
والأرواح التقت،
وسار الحب في اتصال قوي بينهما.
«خُلق القوي ليأتيه الحب فيقع به صريعًا على غفلة، فيجعله أكثر قوة لا ضعف، ويجعله كما المُدمن الذي ينال جرعته من حبيبه!»
